" يعيش الرجل العصري مخدوعا بأنه يعرف ما يريد، ولكنه في الواقع يريد ما يفترض أن يريده "
إيريك فروم (1900 – 1980 )
الخوف من الحرية
هل أنت شديد الاهتمام بالإنترنت، مكتئب ومقيد في شبكة من البؤس والكآبة؟
يكتشف الكثير من الناس من كل الأعمار حول العالم أن الإنترنت يمكن أن يكون طريقا سريعا للحصول على المعلومات عن موضوعات كثيرة، ومنها الاكتئاب. ولكن هناك دراسة حديثة في أمريكا تحذر من أن قضاء فترات طويلة على شبكة الإنترنت، يؤدي إلى الشعور بالوحدة، والاكتئاب. والأسواء من ذلك ، أن قناة " بي بي سي " التلفازية، قد أذاعت بحثا عن ظاهرة الكآبة الناتجة عن الإنترنت على شاشة التلفاز البريطاني في سبتمبر 2000، وقد أظهر هذا البحث أن هناك ما يزيد على 50.000 موقع إلكتروني مخصص لجرائم الانتحار فقط، وبعض هذه المواقع خاص بهؤلاء المصابين بحالات يأس انتحاري،وغير مؤهلين لمساعدة غيرهم ممن هم في حاجة إلى المساعدة، والمصابين بالاكتئاب، أو عرضة للإصابة به، أو عرضة للانتحار.
يلجأ العديد من المصابين بالاكتئاب إلى توصيل مشاعرهم الانتحارية عبر الانترنت، وقد يقومون كذلك بتشجيع الآخرين بنهج نفس أسلوبهم. ولكن – على الجانب المشرق للموضوع – فإن موقع " ساماريتانس " الآن لديه خدمة بريد إلكتروني متميزة يقدم من خلالها حواراً منتشرا عبر الانترنت مع هؤلاء المحبطين الانتحاريين، مما يساعد على تقليل الشعور بالعزلة والوحدة والذي أصاب عشرات الآلاف من مستخدمي الإنترنت ذوي الميول الانتحارية، والذين يستفيدون من الخدمة كل عام. وذلك قد ساعد أيضا على إنقاذ حياة العديد من الأشخاص.
ولقد قام باحثو جامعة " كارينجي ميلون " في "بيتسبرج "، بعمل مسح ودراسة عن الصحة النفسية لهؤلاء المشاركين في البحث قبل وبعد الدراسة التي استغرقت عامين، والتي تناولت تأثير التعرض المستمر للإنترنت، و التردد على الكثير من مقاهي الانترنت. ولقد أظهرت الدراسات أن هؤلاء المشاركين الذين استخدموا الانترنت كثيرا قد أصابتهم مشاعر العزلة، الوحدة، والاكتئاب، حتى إذا استخدموا المكونات الاجتماعية للإنترنت كالبريد الإلكتروني، وغرف الدردشة، والألعاب الجماعية ولوحات البيانات الإلكترونية.
يمكن أن نقدم أفضل نصيحة لهؤلاء الذين يستخدمون الانترنت – يعانون الاكتئاب،أو عرضة للإصابة به – ألا يقضوا وقتا طويلا يتصفحون البريد الإلكتروني أو يكثرون من استخدام غرف الدردشة حيث قد يؤول بهم ذلك إلى العزلة الاجتماعية،كما سيجعلهم يعانون أكثر من الاكتئاب. ويشير بحث أمريكي آخر إلى ملايين من عاشقي الحاسبات الآلية، أو ما تبلغ نسبته واحدا إلى تسعة أشخاص تقريبا من مستخدمي الإنترنت، يهربون إلى مقاهي الإنترنت حتى يتجنبوا مواجهة الأشخاص في المنزل. كنتيجة مباشرة ومتوقعة، فإن الاتصال بالأصدقاء والأقارب يقل لحساب قضاء ساعات طويلة على الشبكة.
هناك أخصائي نفسي أمريكي يسمى " كيمبرلي يونج " وهو مؤلف كتاب " مدمن الانترنت " ،يعتقد أنه يمكن إدمان الإنترنت تماما كالمخدرات، والكحوليات ولعب القمار، ويقول :" في مقاهي الانترنت، يمكن أن يصبح الشخص الخجول منفتحا، والشخص الذي يفتقد إثباته لذاته سوف يكتسب القوة والطاقة، والشخص المنعزل سوف يصبح اجتماعيا "
يقول " أندري ليفي "، وهو خبير حاسبات آلية في لندن :" إن من يستخدم الانترنت إلى هذا الحد، يعيش حياته في عالم خال من التفاعل البدني ". وحتما سيكون الثمن فادحاً، والذي سيتمثل في الكآبة الناتجة عن الانترنت للبعض، وعلاقات مفقودة ومنهارة للبعض الآخر، وإصابة بالاكتئاب المرضي لأكثر المستخدمين للإنترنت.
ولكن ما البديل إذن؟ عليك أن تعيش حياتك في العالم الواقعي، تتحرك خارج إطار مكتبك وعملك، وتستخدم فأرة الحاسوب فقط عند الضرورة وباعتدال لساعة يوميا كأقصى حد. إننا خلقنا لنحيا حياتنا، لا لنتصفح الإنترنت. لقد صُمم الحاسوب ليخضع لنا، لا ليخضع له الكثير منا.
من كتاب " اقهر الاكتئاب "
لـ ديفيد هيندز