أنعم بوصلك لي فهذا وقته ** يكفي من الهجران ما قد ذقته
أنفقت عمري في هواك وليتني ** أعطي وصولا ً بالذي أنفقته
من المؤكد أن كل من سيقرأ كلمات الغزل والغرام والعشق والهيام تلك سيفتح
عينيه ويتساءل أين العلاقة بين تلك الكلمات وبين حديثنا لهذا اليوم عن
القرف والاشمئزاز ؟
كانت هذه الأبيات لشاعر اسمه تقي الدين السروجي وكان مغرماً بالجمال وكان
الشعراء أنفسهم يتغنون بكلماته ويرددون أشعاره والشيء العجيب أن هذا الرجل
الذي كان يتغنى بالجمال وينشد رقائق تسلب العقول كان يقرف من النساء ويكره
مكاناً فيه امرأة ومن دعاه من أصحابه قال شرطي معروف وهو أن لا يحضر
بالمجلس امرأة وكان يوماً في دعوه فأحضر صاحب الدعوة شواء وأمر بإدخاله
إلى النساء ليجعلنه في الصحون فلما أحضر بعد ذلك تقرف منه وقال كيف يؤكل
وقد مسسنه بأيديهن !!!
وهذه حاله عجيبة جداً !!!!
وحالة القرف والاشمئزاز موجودة عند البشر ولكن بدرجات متفاوتة وجميعنا
لدينا ردات فعل طبيعيه تجاه العوامل المثيرة لانفعال القرف والاشمئزاز
كالقرف من الفئران مثلاً ومن الأماكن القذرة ومن الأطعمة الفاسدة أو حتى
التي نشك أحياناً بنظافتها ونظافة من قام بإعدادها وأيضاً بعض السلوكيات
أثناء الطعام والتي يقوم بها البعض تكون غير مقبولة ومستهجنه وبدون حرج
يمكننا القول مقرفه !
ولكن البعض تتطور حالة القرف والاشمئزاز عندهم لدرجه غريبة وعجيبة وفي
قريتنا امرأة عندما يأتيها ضيوف تقوم باستقبالهم وأداء واجب الضيافة مع
ضرورة تقيدهم بما تمليه عليهم بالإضافة لمتابعتها الدقيقة لسلوكياتهم
أثناء تواجدهم وما أن يرحلوا حتى تبدأ بتنظيف المنزل وشطف الدرج وساحة
المنزل وأمام البوابة الرئيسية أيضاً ! وإذا سلمت عليها امرأة وأرادت
تقبيلها فإنها تضع الإشارب على وجهها حتى لا تلامس شفاه تلك المرأة وجهها
ومن ثم تقوم بغسل يديها ووجهها عدة مرات وفي ما يتعلق بالطعام والشراب
فتلك المرأة لا تأكل أو تشرب خارج منزلها إطلاقاً إلا في حالات نادرة جداً
وبعد أن تتثبت من نظافة ما يقدم لها ولا تجامل أو تتحرج من أحد حتى لو
كانت أختها أو كان أخيها
وأحد أشقائي لديه حاله متقدمه من هذا النوع ومذ كنا صغار كان واضحاً عليه
القرف من أشياء كثيرة ومع مرور السنين تطورت حالته الآن وأصبح يقرف من كل
شيء وإذا لمس الباب أو الكرسي أو الكمبيوتر أو أي شيء وبدون استثناء فإنه
يغسل يديه وبعد ذلك يقوم بغسلهما مرة أخرى ! وفيما يتعلق بالطعام والشراب
لا يأكل أو يشرب خارج المنزل إطلاقاً حتى على مستوى الماء لا يشربه خارج
المنزل !
ولقد قام علماء النفس بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث الطبية
والسلوكية والنفسية وأعتقد بناءً على ما قرأت أنهم لم يصلوا لتفسير واضح
لأسباب تطور انفعال القرف عند البعض لدرجه غير معقولة وأكثر حديثهم كان عن
علاقة انفعال القرف بالوسواس القهري وبعض أنواع القلق الرهابي وأشارت بعض
الدراسات ( mckay,2006 ) إلى قابلية استجابة القرف المختلة في مرضى
الوسواس القهري للتحسن بنفس مبادئ العلاج السلوكي القائمة على التعرض
التدريجي ومنع الإستجابة القهرية وتختلف مدة العلاج وعدد الجلسات حسب شدة
الحاله المرضية وطول مدة المرض
ولكن يا ترى هل من الممكن أن يقبل من لديه حاله متقدمه من القرف أن يذهب لطبيب أو مرشد نفسي ؟
منقول