في ظل
الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المستمرة تتجه أنظار العالم إلى
مجموعة الدول الناشئة أو (الصاعدة) التي يطلق عليها اصطلاحا (B R I C s)
الحرف الأول من اسم كل بلد (البرازيل، روسيا، الهند، الصين ) وهي تمثل
اختصاراً نهضة الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي... وتتوقع المجموعة
المالية العالمية (غولدمان ساكس ) أن تصبح الصين في عام 2030 أكبر اقتصاد
عالمي، وأن يبلغ إنتاج اقتصادات بريكس مثيله في مجموعة البلدان السبعة
الغنية. ورغم أن دول بريكس قطعت أشواطاً تفوق التصورات في العقد الماضي إلا
أنها عانت من الأزمة المالية العالمية شأنها شأن الدول المتقدمة صناعياً،
ولكن بنسب أقل.
ثمة سؤالان هامان:
- السؤال الأول: هل يمكن لدول
(بريكس) حالياً- في الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد العالمي الخروج من
الانكماش- أن تلعب دور الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية
الثانية حين أبعدت اقتصادات أوروبا المستضعفة والمثقلة بالديون جانبا
وبالقوة، وأعادت تشكيل الهندسة المالية العالمية؟
- السؤال الثاني: هل
يستطيع المستهلكون في دول بريكس تولي مهمة إعادة توازن الاقتصاد العالمي؟
-
الجواب ليس بعد، فدول مجموعة بريكس متباينة، والصين الدولة الأقوى
اقتصادياً بين دول المجموعة مازالت مرتبطة بنموذج اقتصاد يعتمد على الطلب
في دول أخرى.
وفي هذا السياق يقول (جان بيير ليمان) أستاذ الاقتصاد
السياسي بجامعة لوزان- سويسرا: إن اقتصادات الدول الناشئة تعتبر لاعبا هاما
في الساحة الدولية، ولكن لا يعتقد أن مركز التمويل العالمي سينتقل إلى
الشرق خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك لأسباب أهمها قدرات هذه الدول
المتباينة!!
الطاقة الديمغرافية لبريكس
تمثل الصين والهند أكبر بلدين
في العالم من حيث عدد السكان؛ الصين عدد سكانها 1.34 مليار نسمة، أما
الهند 1.18 مليار نسمة والبرازيل 193 مليون نسمة، وروسيا 142 مليون نسمة
ومن الناحية الديمغرافية تعتبر الدولتان الأخيرتان (مجرد أسماك صغيرة) حسب
ما ذكر (مارتن وولف) في الفاينانشال تايمز.
دول بريكس قبل الأزمة
المالية العالمية
كانت الاختلافات بين دول بريكس، قبل الأزمة المالية
العالمية واضحة في الحجم والديناميكيات والتأثير، حيث كانت حصتها من إنتاج
العالم (17%)، أما نسبة حصة الصين من إنتاج دول بريكس فكانت (61%) مقابل
نسبة (6%) حصة الهند من الناتج المحلي الإجمالي.
بالمقابل كانت نسبة
التجارة من البضائع إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين (67%) مقابل (32%)
في الهند وكانت نسبة التجارة في الخدمات (خاصة التي تحتاج إلى مهارات
مكثفة) إلى الناتج المحلي الإجمالي (15%) في الهند مقابل (7%) في الصين.
أما
اقتصاد البرازيل فكان أكثر انغلاقاً من العملاقين الآسيويين، وبلغت نسبة
صادرات البرازيل من البضائع إلى الناتج المحلي الإجمالي (22%) ونسبة صادرات
الخدمات إلى الناتج المحلي (5%) علماً أن نصف الصادرات كان من الأغذية
والمواد الخام. بالمقابل وقبل عقد من الزمن كان بلد واحد من دول بريكس يملك
تصنيفاً ائتمانياً، واليوم أصبحت جميعها تملك هذا التصنيف.
ومنذ اثني
عشر عاماً كانت روسيا تعاني من أزمة ديون كما أن أزمة العملة الوطنية
البرازيلية الحادة أثرت في الاقتصاد العالمي واليوم تحقق دول بريكس الأربع
مخزوناً هاماً من احتياطيات العملات الأجنبية.
كيف واجهت دول بريكس
الأزمة المالية العالمية؟
استطاعت كل من الهند والصين تجنب آثار
وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بشكل نسبي ملحوظ وحققتا خلال
شهر كانون الأول (2009) نسبة نمو (8.5%) و(6.6%) على التوالي ولكن اقتصاد
البرازيل كان راكداً، بينما تقلص اقتصاد روسيا نحو (7.9%).
وفي مواجهة
الأزمة الاقتصادية العالمية كانت الصين قد أعلنت حزمة تحفيز مالي حكومية
بمبلغ (585) مليار دولار في بداية الأزمة المالية العالمية تشرين الثاني
2008 وخففت القيود على الائتمان البنكي، لكنها بالمقابل لم تسلم السيولة
للمستهلكين لحثهم على الإنفاق وهي خطوة – لو حدثت - لكان من الممكن أن تشجع
الواردات أيضاً بل ذهب القسم الأكبر من الحافز إلى الاستثمارات القديمة
المفضلة.
لقد حقق النموذج الصيني القائم على الاستثمارات والصادرات
الهائلة فوائض كبيرة في الحساب الجاري... قابله عجز في الحساب الجاري
للولايات المتحدة الأميركية ورغم محاولة الصين إبقاء النمو الاقتصادي
مستمراً خلال الأزمة فإنه من غير الواضح الآن إذا ما كانت الصين قد تحولت
فعلاً باتجاه طلب المستهلك الذي يعتبر المحرك الفعلي لتحقيق النمو.
اليوم
نجد أن حصة بلدان بريكس مجتمعة من التجارة العالمية أكبر فعلياً من حصة
الولايات المتحدة؛ فالصين كما ذكرنا كانت أكبر هذه الدول صادرات في العام
الماضي، والهند حققت رقماً عالياً من صادرات البرمجيات والدعم الخلفي
للمكاتب، وبقيت روسيا مصدراً كبيراً للنفط والغاز في حين أن البرازيل تأتي
في مقدمة الدول المصدرة للسلع الزراعية، أمَّا بالنسبة للأسهم في أسواق دول
بريكس رغم حدوث انخفاض حاد فقد تلاه تعاف سريع خلال الأزمة المالية
العالمية حققت هذه الدول في عام 2009 أكثر من ضعفي ارتفاعها في عام 2005.
ويشير
المشهد الحالي لدول بريكس في الشهر الثاني من عام 2010 إلى أن الصين ذات
قدرة تنافسية كبيرة في مجال التجارة الخارجية، أما الهند فهي الأكثر جذباً
في قطاع عمل البرمجيات وخدماتها، في حين تبقى البرازيل الأكثر كفاءة في
تصدير المنتجات الزراعية، وروسيا هي المصدر الأهم للنفط والغاز كما ذكرنا.
وبالمقابل
نرى أنه رغم انخفاض الطلب الاستهلاكي في مختلف أرجاء العالم بسبب الأزمة
المالية العالمية فإن انخفاض فائض الحساب الجاري في الصين كان محدوداً
نسبياً إلا أن الصين استمرت في كسب المزيد من حصة السوق. وعلى صعيد العملات
ومنذ عام 2008 أعادت الصين ربط عملتها الوطنية بالدولار وأبقت عملتها
منخفضة وحذت حذوها بلدان الأسواق الناشئة الأخرى لإبقاء عملتها الوطنية
منخفضة كي لا تخسر قدرتها التنافسية مقابل الصين.
الطاقة التشغيلية
الزائدة
يقول أحد كبار خبراء بنك (دوتشيه): إذا لم يتعاف الطلب العالمي
في الوقت المناسب أو فشلت تدابير الحوافز في تحريك الأرواح الحيوانية
(عبارة أطلقها (كينز) على الانفعالات والتأثيرات على السلوك الإنساني،
وتقاس بمقياس ثقة المستهلك) فربما تجد الصين نفسها أمام توليد طاقة تشغيلية
زائدة.
وفي السياق نفسه يقول البروفسور(رازين سالي) من كلية الاقتصاد-
جامعة لندن: سيكون للصين تأثير في تعزيز المشاكل والاختلالات وسوف نرى
الكثير من الطاقة التشغيلية الفائضة في الصناعات الموجهة للتصدير كالطلب في
الوقت الخاطئ.
تأثير بريكس على الطلب العالمي
يرى خبراء صندوق
النقد الدولي أن إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي النسبي خلال عام 2009
كانت مؤقتة وحين يزداد الطلب سوف تزداد الصادرات الصينية كذلك خلال الأعوام
الماضية كانت توجهات الاقتصاد الصيني الاستهلاكية على نحو أقل وزادت
ادخارات الشركات؛ أي ذهبت حصة أكبر من الدخل القومي إلى الشركات أكثر منها
إلى المستهلكين وحسب استطلاع أجراه معهد (ميكنزي) العالمي في عام 2009 تبين
أن ضعف أو غياب شبكات الأمان الاجتماعي هو أحد الأسباب الرئيسية التي
لأجلها تدخر الأسر الصينية.
أما بالنسبة لدول بريكس الأخرى التي يعتبر
معدل نموها أبطأ من معدل النمو في الصين فإن تأثيرها على الطلب العالمي
سيكون ضعيفاً لفترة مقبلة من الزمن رغم بقاء النمو في البرازيل والهند
مستمراً بشكل مقبول خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، كما أن الاقتصاد
الروسي تقلص بحدة خلال الانكماش العالمي بقيت روسيا معتمدة على أسعار
النفط.
حاجة دول بريكس للتصرف بمسؤولية
رغم النمو الذي تحقق بقوة
في الدول الناشئة، فإن هذه الدول بحاجة للتصرف بمسؤولية؛ ومن المؤسف أن
المؤتمرات التي عقدتها الدول الأربع طغى عليها بشكل عام المواقف الخطابية
دون أن تتمكن من تحقيق شيء يذكر باستثناء الإلحاح على المطالبة بإعطاء
الدول الناشئة المزيد من قوة التصويت في صندوق النقد الدولي وهو طلب محق
وعادل وهنا نسجل بعض الملاحظات على أداء دول بريكس، أهمها:
- يجب
الاعتراف بعدم وجود نظرة موحدة لدى الدول الصاعدة أو الدول الناشئة لأن
مصالحها تكون متضاربة أحياناً إن لم يكن غالباً مثلاً إبقاء الصين لسعر صرف
عملتها منخفضاً يلحق الضرر بشركات التصنيع البرازيلية.
- التظاهر بوجود
نظرة موحدة ضمن بلدان بريكس من شأنه إعاقة التقدم في مجالات أخرى مثل
التجارة، والمفاوضات حول التغيرات المناخية. ففي منظمة التجارة العالمية
كانت مجموعة العشرين التي تضم البرازيل ذات الصادرات الزراعية والهند...
كادت هذه المفاوضات تهبط إلى مستوى القاسم المشترك الأدنى وتطالب البلدان
المتقدمة بالتصرف.
- النمو السريع الذي حققته دول بريكس يمكن أن يكون
مفيداً للجميع من مواطني تلك البلدان حيث يشهد مستوى المعيشة تحسناً،
ومفيداً أيضاً للدول المتقدمة الغنية التي تستفيد من الواردات الرخيصة
والتوسع في أسواق صادراتها. وهذا النمو يفترض أنه مفيد لصورة اقتصاد السوق
في أذهان الناس حيث يظهر أن السلم المؤدي إلى الازدهار يعطي نتائج مفيدة.
هل
تستطيع دول بريكس
نقل الديناميكية إلى العالم؟
الجواب باختصار: إن
معظم النمو المتحقق سوف يحدث داخل البلدان الصاعدة، ويعتمد صافي الحافز
للطلب المنقول إلى باقي العالم، على التراجع في الفوائض التجارية الخاصة
بهذه الدول، أو الزيادة في عجوزاتها، وخلال مسار الأزمة المالية العالمية،
بدأت الصين البلد الوحيد من دول بريكس القادر على إنجاز الكثير ورغم ذلك
كان صافي الحافز المنقول فيها بين عام 2008 و2009 أقل من نسبة (0.2%) من
باقي الناتج المحلي الإجمالي.
تضارب مصالح دول بريكس
يؤذي
مصالحها المشتركة
الملاحظ تزايد الثقل الاقتصادي لدول بريكس، ما يجعلها
أكثر جرأة في أن تلقي بثقلها في شتى مجالات السياسة... ومع ذلك ثمة تباين
بين مصالح الدول الأربع:
تباين سعر الصرف: فالبرازيل ترى كما ترى
الولايات المتحدة أن عملة الصين المتدنية تسرق فعلياً أسواق التصدير من
الشركات البرازيلية.
لا نموذج موحداً للإدارة الاقتصادية تدعمه دول
بريكس.
لا تستطيع دول بريكس أن تشكل مركزاً تفاوضياً شاملاً في محادثات
منظمة التجارة العالمية كما أشرنا سابقاً.. مثلاً تتعارض مصالح البرازيل
بصفتها مصدراً عالي التنافسية مع رغبة الهند في حماية مزارعيها الصغار.
اتجاهات
الاستثمار في دول (بريكس)
بَيَّن أحدث استطلاع لـ(بنك أوف أميركا، ميدل
لينش) حول اتجاهات الاستثمار في الدول الصاعدة جرى في شهر كانون الأول
(2009) موضوعات عديدة أهمها:
إن (37%) من الذين شملهم الاستطلاع يرون
أن الأسواق الصاعدة ستكون بوضع أفضل من عام 2010.
لا يزال مؤشر
(فاينانشال تايمز) للأسواق الناشئة (أو الصاعدة) العالمية أدنى بنحو (28%)
من ذروته في تشرين الأول 2007، وقد شهدت سندات الأسواق الناشئة، وبعض
العملات تدفقات إلى الداخل، ما دفع بعض الدول كالبرازيل إلى فرض ضوابط على
رأس المال، ويخشى بعض المستثمرين من زيادة سخونة الأسواق الناشئة.
توقعات
وردية لأسواق
الدول الصاعدة في عام 2010
رغم الأزمة الاقتصادية
العالمية لا تزال أسواق البلدان الناشئة تمثل فئة الأصول المفضلة.. على
الرغم من التدفقات المالية التي تجاوزت (80) مليار دولار إلى أسواق دول
بريكس، والتي مكنت من تحقيق أكبر الزيادات السنوية لفئة الأصول هذه، إن
هناك ميلاً شديداً لدى المستثمرين لشراء المزيد من أصول الأسواق في الدول
الناشئة، لأن المستثمرين يتوقعون نمواً متزايداً لاقتصادات الدول الناشئة
بأسرع من نظيراتها في الدول المتقدمة الصناعية... والسبب في ذلك يعود إلى
قوة اقتصادات بريكس التي تمثل أكبر أربع أسواق في العالم النامي.
بالمقابل
يرى (نايجل ويندل) كبير إستراتيجي الأسواق الناشئة في (RBC Capital
Market) (ما زالت الأسواق الناشئة المكان الذي ينبغي الوجود فيه لأن، نمو
اقتصاداتها، سوف يفوق، دون شك، نمو نظيراتها الغربية) وأضاف: بلدان بريكس
تبدو بحالٍ أفضل بكثير مما عليه في مثل هذا الوقت من عام مضى وسوف تحمل
باقي عالم الأسواق الناشئة معها، وتحدد (النغمة) لفترة لا بأس بها.
ففي
الصين تم ضخ مبالغ ضخمة من الأموال في اقتصادها، وشجعت بنوكها على زيادة
الإقراض... ونتيجة لسياسة التحفيز هذه يتوقع أن يتحقق نمو بمعدل (10%) خلال
عام 2010 وفي الهند (7.7%) وفي البرازيل (5.1%) وفي روسيا (4.1%) من ناحية
أخرى يتوقع أن ترفع دول بريكس معدلات الفائدة في عام 2010 ما قد يؤدي في
رأي بعض المحللين، إلى إعاقة للنمو الاقتصادي ويزيل السخونة من أسواق هذه
الدول. كما يتوقع البعض أن تؤدي المخاطر إلى إضعاف التعافي الاقتصادي
العالمي، ويحدث ابتعاداً متزايداً عن المخاطر بين المستثمرين.
تغير
الموازين العلمية لدول بريكس
يلاحظ وجود تغيرات ضخمة في المشهد العلمي
العالمي لدول بريكس، وتظهر دراسة أجرتها شركة (تومسون رويترز) بتكليف من
(فاينانشال تايمز) كماً وافراً من التوسع المذهل للعلوم الصينية يرافقه
تقدم جيد من جانب البرازيل، وتقدم أبطأ بكثير من جانب الهند مع تراجع نسبي
في روسيا؟ يعود إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي حيث أصبحت روسيا تقف خلف
كل من الصين والهند والبرازيل.
العوامل التي تدفع الأبحاث
في
بريكس إلى الأمام
الاستثمار الحكومي الهائل في القطاع العلمي، حيث يزيد
معدل التمويل بكثير عن مستوى التضخم على نطاق الدولة الصينية كلها.
التدفقات المنظمة للمعرفة من العلوم الأساسية إلى التطبيقات التجارية.
الطريقة الكفؤة والمرنة التي تستفيد بها الصين من علمائها في الخارج وخاصة
من أميركا الشمالية وأوروبا؛ وذلك بإغرائهم للعمل في فترة من السنة في
الغرب وأخرى في الصين. وهناك العديد من العلماء الهنود في الخارج يعود
بعضهم ليعمل في النشاطات العملية وليس في مجال العلوم.
يلاحظ تركز
الأبحاث العلمية في الصين، والهند، وروسيا في العلوم الطبيعية والكيمياء
والهندسة على حين تركز البرازيل على العلوم الصحية، الزراعية، والأبحاث
البيئية.
يلاحظ تراجع نسبي للأبحاث العلمية في روسيا بسبب التقليص
الكبير لتمويل البحث والتطوير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
هل
مركز الجاذبية الاستثمارية
يتجه شرقاً؟
من المتوقع أن يستمر تدفق
الاستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات على الصين سنوياً، ويتزاحم
المستثمرون من أجل التعامل مع أسرع شركات العالم نمواً.
وحسب رأي
المحللين الاقتصاديين فإن المضاربة والسيولة تدفعان أسعار الأسهم الصينية
إلى الأعلى، ويظهر مؤشر شنغهاي المركب الشهير خلال السنوات الثلاث الماضية
صحة ذلك حيث استطاع هذا المؤشر أن يجتاز عام 2009 بزيادة (80%) عن بداية
العام المذكور.
رغم وجود بعض المخاوف حول الشفافية والسيولة، ومدى
إمكانية مساءلة الإدارة، فإن النمو الاقتصادي الصيني يستمر قوياً.
رغم
أن معظم الشركات الصينية المدرجة في البورصات مملوكة من الدولة وأن
التعيينات الوظيفية العليا تتم من قبل الدولة والحزب... فإن المسؤولين
التنفيذيين يبقون على وعي بمسؤولياتهم.
ويلاحظ أن الحكومة الصينية
استعادت مؤخراً السيطرة على معظم القطاع المصرفي رغم بعض التخصص الجزئي...
مع وجود محاسبة صارمة للذين يتعاطون الرشوة والفساد مثلاً (حكم على رئيس
بنك الإنشاء الصيني في أواخر عام 2009 بالسجن خمسة عشر عاماً بتهمة تقاضي
رشوة بلغت 530000 دولار).
من ناحية أخرى يلاحظ وجود منافسة قوية جداً
في الصين؛ فأعداد رجال الأعمال القادمين إلى هذا البلد من أجل الاستثمار
أكبر بكثير من الفرص الاستثمارية المتاحة، كما أن استثمار المحافظ الأجنبية
في أسهم الشركات المدرجة في الصين مسموح بها فقط من خلال حصص يحددها
برنامج تراقبه الحكومة، وقد قدمت الصين حصصاً من هذا القبيل قيمتها (15.7
مليار دولار أميركي) لـ(78 مجموعة استثمارية أجنبية) حتى نهاية عام 2009.
وفي الإطار العام لزيادة فعالية جذب الاستثمارات باتجاه شرق آسيا فإن
التوقعات تشير إلى زيادتها بما يقارب (5) مليارات دولار في عام 2010.
أخيراً..
يبدو أن بعض البراعم الخضراء بدأ يظهر في الأفق حاملة معها بعض تباشير
انفراج الأزمة ولا يخفى أن تعاون المجتمع الدولي– رغم تضارب المصالح- في
مجموعة العشرين التي تضم الدول الناشئة بريكس جعل من مجموعة العشرين منبراً
مهماً ومنتدى اقتصادياً عالمياً يعكس بوضوح أهمية اقتصادات الأسواق
الناشئة بريكس وفعاليتها وقدراتها على مساعدة الاقتصاد العالمي للخروج من
نفق الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتحميل بلدان بريكس وخاصة الصين
مسؤولية المساهمة في توليد نموٍ أكثر توازناً في الطلب العالمي وأيضاً
إعادة التوازن للاقتصاد العالمي من خلال إعادة تشكيل الهندسة المالية
والاقتصادية العالمية إلى حد ما، إضافة إلى تعزيز الجهود الهادفة إلى إيجاد
نظام عالمي مالي أكثر أمناً واستقراراً والمساهمة أيضاً بتحقيق تقدم أكثر
على طريق الشراكة الاقتصادية العالمية يأخذ بالحسبان مصالح الدول النامية
والفقيرة.
بقلم الدكتور قحطان السيوفي
وزير المالية الأسبق
باحث
في الاقتصاد الدولي
الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المستمرة تتجه أنظار العالم إلى
مجموعة الدول الناشئة أو (الصاعدة) التي يطلق عليها اصطلاحا (B R I C s)
الحرف الأول من اسم كل بلد (البرازيل، روسيا، الهند، الصين ) وهي تمثل
اختصاراً نهضة الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي... وتتوقع المجموعة
المالية العالمية (غولدمان ساكس ) أن تصبح الصين في عام 2030 أكبر اقتصاد
عالمي، وأن يبلغ إنتاج اقتصادات بريكس مثيله في مجموعة البلدان السبعة
الغنية. ورغم أن دول بريكس قطعت أشواطاً تفوق التصورات في العقد الماضي إلا
أنها عانت من الأزمة المالية العالمية شأنها شأن الدول المتقدمة صناعياً،
ولكن بنسب أقل.
ثمة سؤالان هامان:
- السؤال الأول: هل يمكن لدول
(بريكس) حالياً- في الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد العالمي الخروج من
الانكماش- أن تلعب دور الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية
الثانية حين أبعدت اقتصادات أوروبا المستضعفة والمثقلة بالديون جانبا
وبالقوة، وأعادت تشكيل الهندسة المالية العالمية؟
- السؤال الثاني: هل
يستطيع المستهلكون في دول بريكس تولي مهمة إعادة توازن الاقتصاد العالمي؟
-
الجواب ليس بعد، فدول مجموعة بريكس متباينة، والصين الدولة الأقوى
اقتصادياً بين دول المجموعة مازالت مرتبطة بنموذج اقتصاد يعتمد على الطلب
في دول أخرى.
وفي هذا السياق يقول (جان بيير ليمان) أستاذ الاقتصاد
السياسي بجامعة لوزان- سويسرا: إن اقتصادات الدول الناشئة تعتبر لاعبا هاما
في الساحة الدولية، ولكن لا يعتقد أن مركز التمويل العالمي سينتقل إلى
الشرق خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك لأسباب أهمها قدرات هذه الدول
المتباينة!!
الطاقة الديمغرافية لبريكس
تمثل الصين والهند أكبر بلدين
في العالم من حيث عدد السكان؛ الصين عدد سكانها 1.34 مليار نسمة، أما
الهند 1.18 مليار نسمة والبرازيل 193 مليون نسمة، وروسيا 142 مليون نسمة
ومن الناحية الديمغرافية تعتبر الدولتان الأخيرتان (مجرد أسماك صغيرة) حسب
ما ذكر (مارتن وولف) في الفاينانشال تايمز.
دول بريكس قبل الأزمة
المالية العالمية
كانت الاختلافات بين دول بريكس، قبل الأزمة المالية
العالمية واضحة في الحجم والديناميكيات والتأثير، حيث كانت حصتها من إنتاج
العالم (17%)، أما نسبة حصة الصين من إنتاج دول بريكس فكانت (61%) مقابل
نسبة (6%) حصة الهند من الناتج المحلي الإجمالي.
بالمقابل كانت نسبة
التجارة من البضائع إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين (67%) مقابل (32%)
في الهند وكانت نسبة التجارة في الخدمات (خاصة التي تحتاج إلى مهارات
مكثفة) إلى الناتج المحلي الإجمالي (15%) في الهند مقابل (7%) في الصين.
أما
اقتصاد البرازيل فكان أكثر انغلاقاً من العملاقين الآسيويين، وبلغت نسبة
صادرات البرازيل من البضائع إلى الناتج المحلي الإجمالي (22%) ونسبة صادرات
الخدمات إلى الناتج المحلي (5%) علماً أن نصف الصادرات كان من الأغذية
والمواد الخام. بالمقابل وقبل عقد من الزمن كان بلد واحد من دول بريكس يملك
تصنيفاً ائتمانياً، واليوم أصبحت جميعها تملك هذا التصنيف.
ومنذ اثني
عشر عاماً كانت روسيا تعاني من أزمة ديون كما أن أزمة العملة الوطنية
البرازيلية الحادة أثرت في الاقتصاد العالمي واليوم تحقق دول بريكس الأربع
مخزوناً هاماً من احتياطيات العملات الأجنبية.
كيف واجهت دول بريكس
الأزمة المالية العالمية؟
استطاعت كل من الهند والصين تجنب آثار
وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بشكل نسبي ملحوظ وحققتا خلال
شهر كانون الأول (2009) نسبة نمو (8.5%) و(6.6%) على التوالي ولكن اقتصاد
البرازيل كان راكداً، بينما تقلص اقتصاد روسيا نحو (7.9%).
وفي مواجهة
الأزمة الاقتصادية العالمية كانت الصين قد أعلنت حزمة تحفيز مالي حكومية
بمبلغ (585) مليار دولار في بداية الأزمة المالية العالمية تشرين الثاني
2008 وخففت القيود على الائتمان البنكي، لكنها بالمقابل لم تسلم السيولة
للمستهلكين لحثهم على الإنفاق وهي خطوة – لو حدثت - لكان من الممكن أن تشجع
الواردات أيضاً بل ذهب القسم الأكبر من الحافز إلى الاستثمارات القديمة
المفضلة.
لقد حقق النموذج الصيني القائم على الاستثمارات والصادرات
الهائلة فوائض كبيرة في الحساب الجاري... قابله عجز في الحساب الجاري
للولايات المتحدة الأميركية ورغم محاولة الصين إبقاء النمو الاقتصادي
مستمراً خلال الأزمة فإنه من غير الواضح الآن إذا ما كانت الصين قد تحولت
فعلاً باتجاه طلب المستهلك الذي يعتبر المحرك الفعلي لتحقيق النمو.
اليوم
نجد أن حصة بلدان بريكس مجتمعة من التجارة العالمية أكبر فعلياً من حصة
الولايات المتحدة؛ فالصين كما ذكرنا كانت أكبر هذه الدول صادرات في العام
الماضي، والهند حققت رقماً عالياً من صادرات البرمجيات والدعم الخلفي
للمكاتب، وبقيت روسيا مصدراً كبيراً للنفط والغاز في حين أن البرازيل تأتي
في مقدمة الدول المصدرة للسلع الزراعية، أمَّا بالنسبة للأسهم في أسواق دول
بريكس رغم حدوث انخفاض حاد فقد تلاه تعاف سريع خلال الأزمة المالية
العالمية حققت هذه الدول في عام 2009 أكثر من ضعفي ارتفاعها في عام 2005.
ويشير
المشهد الحالي لدول بريكس في الشهر الثاني من عام 2010 إلى أن الصين ذات
قدرة تنافسية كبيرة في مجال التجارة الخارجية، أما الهند فهي الأكثر جذباً
في قطاع عمل البرمجيات وخدماتها، في حين تبقى البرازيل الأكثر كفاءة في
تصدير المنتجات الزراعية، وروسيا هي المصدر الأهم للنفط والغاز كما ذكرنا.
وبالمقابل
نرى أنه رغم انخفاض الطلب الاستهلاكي في مختلف أرجاء العالم بسبب الأزمة
المالية العالمية فإن انخفاض فائض الحساب الجاري في الصين كان محدوداً
نسبياً إلا أن الصين استمرت في كسب المزيد من حصة السوق. وعلى صعيد العملات
ومنذ عام 2008 أعادت الصين ربط عملتها الوطنية بالدولار وأبقت عملتها
منخفضة وحذت حذوها بلدان الأسواق الناشئة الأخرى لإبقاء عملتها الوطنية
منخفضة كي لا تخسر قدرتها التنافسية مقابل الصين.
الطاقة التشغيلية
الزائدة
يقول أحد كبار خبراء بنك (دوتشيه): إذا لم يتعاف الطلب العالمي
في الوقت المناسب أو فشلت تدابير الحوافز في تحريك الأرواح الحيوانية
(عبارة أطلقها (كينز) على الانفعالات والتأثيرات على السلوك الإنساني،
وتقاس بمقياس ثقة المستهلك) فربما تجد الصين نفسها أمام توليد طاقة تشغيلية
زائدة.
وفي السياق نفسه يقول البروفسور(رازين سالي) من كلية الاقتصاد-
جامعة لندن: سيكون للصين تأثير في تعزيز المشاكل والاختلالات وسوف نرى
الكثير من الطاقة التشغيلية الفائضة في الصناعات الموجهة للتصدير كالطلب في
الوقت الخاطئ.
تأثير بريكس على الطلب العالمي
يرى خبراء صندوق
النقد الدولي أن إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي النسبي خلال عام 2009
كانت مؤقتة وحين يزداد الطلب سوف تزداد الصادرات الصينية كذلك خلال الأعوام
الماضية كانت توجهات الاقتصاد الصيني الاستهلاكية على نحو أقل وزادت
ادخارات الشركات؛ أي ذهبت حصة أكبر من الدخل القومي إلى الشركات أكثر منها
إلى المستهلكين وحسب استطلاع أجراه معهد (ميكنزي) العالمي في عام 2009 تبين
أن ضعف أو غياب شبكات الأمان الاجتماعي هو أحد الأسباب الرئيسية التي
لأجلها تدخر الأسر الصينية.
أما بالنسبة لدول بريكس الأخرى التي يعتبر
معدل نموها أبطأ من معدل النمو في الصين فإن تأثيرها على الطلب العالمي
سيكون ضعيفاً لفترة مقبلة من الزمن رغم بقاء النمو في البرازيل والهند
مستمراً بشكل مقبول خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، كما أن الاقتصاد
الروسي تقلص بحدة خلال الانكماش العالمي بقيت روسيا معتمدة على أسعار
النفط.
حاجة دول بريكس للتصرف بمسؤولية
رغم النمو الذي تحقق بقوة
في الدول الناشئة، فإن هذه الدول بحاجة للتصرف بمسؤولية؛ ومن المؤسف أن
المؤتمرات التي عقدتها الدول الأربع طغى عليها بشكل عام المواقف الخطابية
دون أن تتمكن من تحقيق شيء يذكر باستثناء الإلحاح على المطالبة بإعطاء
الدول الناشئة المزيد من قوة التصويت في صندوق النقد الدولي وهو طلب محق
وعادل وهنا نسجل بعض الملاحظات على أداء دول بريكس، أهمها:
- يجب
الاعتراف بعدم وجود نظرة موحدة لدى الدول الصاعدة أو الدول الناشئة لأن
مصالحها تكون متضاربة أحياناً إن لم يكن غالباً مثلاً إبقاء الصين لسعر صرف
عملتها منخفضاً يلحق الضرر بشركات التصنيع البرازيلية.
- التظاهر بوجود
نظرة موحدة ضمن بلدان بريكس من شأنه إعاقة التقدم في مجالات أخرى مثل
التجارة، والمفاوضات حول التغيرات المناخية. ففي منظمة التجارة العالمية
كانت مجموعة العشرين التي تضم البرازيل ذات الصادرات الزراعية والهند...
كادت هذه المفاوضات تهبط إلى مستوى القاسم المشترك الأدنى وتطالب البلدان
المتقدمة بالتصرف.
- النمو السريع الذي حققته دول بريكس يمكن أن يكون
مفيداً للجميع من مواطني تلك البلدان حيث يشهد مستوى المعيشة تحسناً،
ومفيداً أيضاً للدول المتقدمة الغنية التي تستفيد من الواردات الرخيصة
والتوسع في أسواق صادراتها. وهذا النمو يفترض أنه مفيد لصورة اقتصاد السوق
في أذهان الناس حيث يظهر أن السلم المؤدي إلى الازدهار يعطي نتائج مفيدة.
هل
تستطيع دول بريكس
نقل الديناميكية إلى العالم؟
الجواب باختصار: إن
معظم النمو المتحقق سوف يحدث داخل البلدان الصاعدة، ويعتمد صافي الحافز
للطلب المنقول إلى باقي العالم، على التراجع في الفوائض التجارية الخاصة
بهذه الدول، أو الزيادة في عجوزاتها، وخلال مسار الأزمة المالية العالمية،
بدأت الصين البلد الوحيد من دول بريكس القادر على إنجاز الكثير ورغم ذلك
كان صافي الحافز المنقول فيها بين عام 2008 و2009 أقل من نسبة (0.2%) من
باقي الناتج المحلي الإجمالي.
تضارب مصالح دول بريكس
يؤذي
مصالحها المشتركة
الملاحظ تزايد الثقل الاقتصادي لدول بريكس، ما يجعلها
أكثر جرأة في أن تلقي بثقلها في شتى مجالات السياسة... ومع ذلك ثمة تباين
بين مصالح الدول الأربع:
تباين سعر الصرف: فالبرازيل ترى كما ترى
الولايات المتحدة أن عملة الصين المتدنية تسرق فعلياً أسواق التصدير من
الشركات البرازيلية.
لا نموذج موحداً للإدارة الاقتصادية تدعمه دول
بريكس.
لا تستطيع دول بريكس أن تشكل مركزاً تفاوضياً شاملاً في محادثات
منظمة التجارة العالمية كما أشرنا سابقاً.. مثلاً تتعارض مصالح البرازيل
بصفتها مصدراً عالي التنافسية مع رغبة الهند في حماية مزارعيها الصغار.
اتجاهات
الاستثمار في دول (بريكس)
بَيَّن أحدث استطلاع لـ(بنك أوف أميركا، ميدل
لينش) حول اتجاهات الاستثمار في الدول الصاعدة جرى في شهر كانون الأول
(2009) موضوعات عديدة أهمها:
إن (37%) من الذين شملهم الاستطلاع يرون
أن الأسواق الصاعدة ستكون بوضع أفضل من عام 2010.
لا يزال مؤشر
(فاينانشال تايمز) للأسواق الناشئة (أو الصاعدة) العالمية أدنى بنحو (28%)
من ذروته في تشرين الأول 2007، وقد شهدت سندات الأسواق الناشئة، وبعض
العملات تدفقات إلى الداخل، ما دفع بعض الدول كالبرازيل إلى فرض ضوابط على
رأس المال، ويخشى بعض المستثمرين من زيادة سخونة الأسواق الناشئة.
توقعات
وردية لأسواق
الدول الصاعدة في عام 2010
رغم الأزمة الاقتصادية
العالمية لا تزال أسواق البلدان الناشئة تمثل فئة الأصول المفضلة.. على
الرغم من التدفقات المالية التي تجاوزت (80) مليار دولار إلى أسواق دول
بريكس، والتي مكنت من تحقيق أكبر الزيادات السنوية لفئة الأصول هذه، إن
هناك ميلاً شديداً لدى المستثمرين لشراء المزيد من أصول الأسواق في الدول
الناشئة، لأن المستثمرين يتوقعون نمواً متزايداً لاقتصادات الدول الناشئة
بأسرع من نظيراتها في الدول المتقدمة الصناعية... والسبب في ذلك يعود إلى
قوة اقتصادات بريكس التي تمثل أكبر أربع أسواق في العالم النامي.
بالمقابل
يرى (نايجل ويندل) كبير إستراتيجي الأسواق الناشئة في (RBC Capital
Market) (ما زالت الأسواق الناشئة المكان الذي ينبغي الوجود فيه لأن، نمو
اقتصاداتها، سوف يفوق، دون شك، نمو نظيراتها الغربية) وأضاف: بلدان بريكس
تبدو بحالٍ أفضل بكثير مما عليه في مثل هذا الوقت من عام مضى وسوف تحمل
باقي عالم الأسواق الناشئة معها، وتحدد (النغمة) لفترة لا بأس بها.
ففي
الصين تم ضخ مبالغ ضخمة من الأموال في اقتصادها، وشجعت بنوكها على زيادة
الإقراض... ونتيجة لسياسة التحفيز هذه يتوقع أن يتحقق نمو بمعدل (10%) خلال
عام 2010 وفي الهند (7.7%) وفي البرازيل (5.1%) وفي روسيا (4.1%) من ناحية
أخرى يتوقع أن ترفع دول بريكس معدلات الفائدة في عام 2010 ما قد يؤدي في
رأي بعض المحللين، إلى إعاقة للنمو الاقتصادي ويزيل السخونة من أسواق هذه
الدول. كما يتوقع البعض أن تؤدي المخاطر إلى إضعاف التعافي الاقتصادي
العالمي، ويحدث ابتعاداً متزايداً عن المخاطر بين المستثمرين.
تغير
الموازين العلمية لدول بريكس
يلاحظ وجود تغيرات ضخمة في المشهد العلمي
العالمي لدول بريكس، وتظهر دراسة أجرتها شركة (تومسون رويترز) بتكليف من
(فاينانشال تايمز) كماً وافراً من التوسع المذهل للعلوم الصينية يرافقه
تقدم جيد من جانب البرازيل، وتقدم أبطأ بكثير من جانب الهند مع تراجع نسبي
في روسيا؟ يعود إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي حيث أصبحت روسيا تقف خلف
كل من الصين والهند والبرازيل.
العوامل التي تدفع الأبحاث
في
بريكس إلى الأمام
الاستثمار الحكومي الهائل في القطاع العلمي، حيث يزيد
معدل التمويل بكثير عن مستوى التضخم على نطاق الدولة الصينية كلها.
التدفقات المنظمة للمعرفة من العلوم الأساسية إلى التطبيقات التجارية.
الطريقة الكفؤة والمرنة التي تستفيد بها الصين من علمائها في الخارج وخاصة
من أميركا الشمالية وأوروبا؛ وذلك بإغرائهم للعمل في فترة من السنة في
الغرب وأخرى في الصين. وهناك العديد من العلماء الهنود في الخارج يعود
بعضهم ليعمل في النشاطات العملية وليس في مجال العلوم.
يلاحظ تركز
الأبحاث العلمية في الصين، والهند، وروسيا في العلوم الطبيعية والكيمياء
والهندسة على حين تركز البرازيل على العلوم الصحية، الزراعية، والأبحاث
البيئية.
يلاحظ تراجع نسبي للأبحاث العلمية في روسيا بسبب التقليص
الكبير لتمويل البحث والتطوير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
هل
مركز الجاذبية الاستثمارية
يتجه شرقاً؟
من المتوقع أن يستمر تدفق
الاستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات على الصين سنوياً، ويتزاحم
المستثمرون من أجل التعامل مع أسرع شركات العالم نمواً.
وحسب رأي
المحللين الاقتصاديين فإن المضاربة والسيولة تدفعان أسعار الأسهم الصينية
إلى الأعلى، ويظهر مؤشر شنغهاي المركب الشهير خلال السنوات الثلاث الماضية
صحة ذلك حيث استطاع هذا المؤشر أن يجتاز عام 2009 بزيادة (80%) عن بداية
العام المذكور.
رغم وجود بعض المخاوف حول الشفافية والسيولة، ومدى
إمكانية مساءلة الإدارة، فإن النمو الاقتصادي الصيني يستمر قوياً.
رغم
أن معظم الشركات الصينية المدرجة في البورصات مملوكة من الدولة وأن
التعيينات الوظيفية العليا تتم من قبل الدولة والحزب... فإن المسؤولين
التنفيذيين يبقون على وعي بمسؤولياتهم.
ويلاحظ أن الحكومة الصينية
استعادت مؤخراً السيطرة على معظم القطاع المصرفي رغم بعض التخصص الجزئي...
مع وجود محاسبة صارمة للذين يتعاطون الرشوة والفساد مثلاً (حكم على رئيس
بنك الإنشاء الصيني في أواخر عام 2009 بالسجن خمسة عشر عاماً بتهمة تقاضي
رشوة بلغت 530000 دولار).
من ناحية أخرى يلاحظ وجود منافسة قوية جداً
في الصين؛ فأعداد رجال الأعمال القادمين إلى هذا البلد من أجل الاستثمار
أكبر بكثير من الفرص الاستثمارية المتاحة، كما أن استثمار المحافظ الأجنبية
في أسهم الشركات المدرجة في الصين مسموح بها فقط من خلال حصص يحددها
برنامج تراقبه الحكومة، وقد قدمت الصين حصصاً من هذا القبيل قيمتها (15.7
مليار دولار أميركي) لـ(78 مجموعة استثمارية أجنبية) حتى نهاية عام 2009.
وفي الإطار العام لزيادة فعالية جذب الاستثمارات باتجاه شرق آسيا فإن
التوقعات تشير إلى زيادتها بما يقارب (5) مليارات دولار في عام 2010.
أخيراً..
يبدو أن بعض البراعم الخضراء بدأ يظهر في الأفق حاملة معها بعض تباشير
انفراج الأزمة ولا يخفى أن تعاون المجتمع الدولي– رغم تضارب المصالح- في
مجموعة العشرين التي تضم الدول الناشئة بريكس جعل من مجموعة العشرين منبراً
مهماً ومنتدى اقتصادياً عالمياً يعكس بوضوح أهمية اقتصادات الأسواق
الناشئة بريكس وفعاليتها وقدراتها على مساعدة الاقتصاد العالمي للخروج من
نفق الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتحميل بلدان بريكس وخاصة الصين
مسؤولية المساهمة في توليد نموٍ أكثر توازناً في الطلب العالمي وأيضاً
إعادة التوازن للاقتصاد العالمي من خلال إعادة تشكيل الهندسة المالية
والاقتصادية العالمية إلى حد ما، إضافة إلى تعزيز الجهود الهادفة إلى إيجاد
نظام عالمي مالي أكثر أمناً واستقراراً والمساهمة أيضاً بتحقيق تقدم أكثر
على طريق الشراكة الاقتصادية العالمية يأخذ بالحسبان مصالح الدول النامية
والفقيرة.
بقلم الدكتور قحطان السيوفي
وزير المالية الأسبق
باحث
في الاقتصاد الدولي