(لينا هويان الحسن)
(بمناسبة
ذكرى رحيله الرابعة).. ما أروع النضوج.. ما أكرم الموهبة.. ما أندر الذين
يعرفون الطريق إلى عبقر..
الشعر يحتاج إلى عبقر وكثير من الشجاعة, لا يكفي أن تقول الشعر, لابد
للشاعر أن يكون "قبضاي" بمعنى من المعاني, أن يكون شجاعاً صاحب كلمة, موقف,
ومبدأ.
هكذا هي الحياة دائماً لها نهاية في وقت ما وطبيعي أن يرحل الماغوط، لكن هل
من الطبيعي أن تخلو الساحة الشعرية بمن هم مثله, من يكون بمثل حدته وذكائه
وشجاعته.
كم نتوق إليهم هؤلاء الحقيقين الجارفين الذين يخربون هدوءنا ويشاكسون الزمن
ويستلهمون "الشوائب" ويصنعون منها "اللؤلؤ"..
أكيد سيكون الماغوط متصدراً شجعان الكلمة في زمنه.. تحى على مستوى الموقف
والكلمة والشعر قال قصيدته بلغته الخاصة الحادة الجارحة.. متحدياً الأشكال
الجديدة للشعر, وبرز في زمن يضج بالمواهب والأسماء الهامة.. أخذ مكانه
وتربع على عرشه الخاص, لغته هو وأفكاره هو دون أن يقع في فخ التقليد أو
الاقتباس أو حتى التشابه مع أحد..
أكيد سيظل الماغوط
متصدراً قائمة الجميلين, الرائعين, الحقيقين, الجارفين, العنيد كمتوحش
والصبور كبدوي أحمر -كما أراد هو- وأمضى من حد سيف..
في ذكرى رحيلك نستحضرك كشاعر لا تعرفه دروب النسيان..
شاعر لم يلهث يوماً وراء التكريمات أو الجوائز, فقط أراد حضوره الحقيقي، من
مثله يدرك أن الحقيقة وحدها تبقى..
انظر الآن: الرداءة الشعرية تنصِّب خللها على أنها الفصاحة بعينها، تعال
انظر مئات الشعراء ودواووينهم تنق كضفادع تستجدي الانتباه، من يقنعهم أن
ثمة أشياء لا تشترى ومنها الموهبة, أن تكون مبدعاً أو لا تكون, ما من جائزة
تقدر على أن تسوي من العصفور باشق يا سادة..
كاسك يا ماغوط
دق قدحك بقدح الزمن, واصنع شررك الأصيل..
قل كلماتك, اتركها تخلف غصة لا ترتوي..
فليس الزمن بكريم حتى يجود علينا بمن هم مثلك.. في بساطتك وفي معانيك
الجريئة والمغيرة كخيول العرب السالفة..
فلتظل كما أردت "بدوي أحمر".. ما أبرع الزمن بتذكر الجديرين.. ما أبرع
الزمن بنسيان المزيفين، لمثلك يعطي الشعر زمامه، لا أفضل من المراهنة على
عضلات الزمن.. يأتي وقت ووحده يقول الحقيقة..
دي برس