القناة الصينية بالعربية:
تصدير صورة غائبة
لم يكن مفاجئاً انضمام الصين إلى قائمة الثقافات والدول التي تسعى
إلى مخاطبة الشعوب العربية بلغتها، بهدف الترويج لسياساتها، ووجهات نظرها
حيال قضايا مختلفة. فالصين التي يبلغ عدد سكانها أكثر من بليون و300 مليون،
والتي تمتلك تراثاً عريقاً موغلاً في القدم، تسعى إلى فتح نافذة يطل من
خلالها الجمهور العربي على ملامح وسمات وخصائص هذا البلد المترامي الأطراف،
والبعيد، تقليدياً، من مشاغل الوعي الحضاري العربي.
ووسط الفوضى الإعلامية الصاخبة، يصعب
تبين مدى الإخفاق أو النجاح الذي حققته هذه المحطة الصينية الناطقة
بالعربية، لا سيما أنها رأت النور قبل أشهر قليلة. لكن الملاحظ أن القناة
تعمل باجتهاد لتصدير صورة الصين، بكل تجلياتها وتعددها وزخمها، الى العالم
العربي سواء عبر نشرات الاخبار والتقارير الإعلامية، أم برامج الحوار مثل
برنامج «الحوار» اليومي الذي يهدف الى تعميق النقاش الهادئ الذي يشارك فيه
خبراء صينيون وعرب حول عدد من القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية.
وعلى عكس ما قد يعتقده بعضهم من «هيمنة
الطابع الدعائي»، فإن القناة الصينية الرسمية التابعة لدولة «ايديولوجية»
لا تزال تتبنى المنهج الاشتراكي، لا تقتصر على الجانب السياسي الدعائي، بل
تخصص مساحات واسعة للبرامج الفنية والثقافية مثل برنامج «الفنون الصينية»
الذي يقدم فقرات فنية متنوعة من مختلف الفنون الصينية الحديثة أو
التقليدية، أو برنامج «أرشيف الكنوز الوطنية»، وهو يتيح للمتابع العربي
معرفة أسرار وثراء كنوز الحضارة الصينية. وثمة برامج ذات طابع ترفيهي -
سياحي مثل «السياحة في الصين» الذي يعرض مناطق سياحية جميلة في مقاطعات
الصين المختلفة، وكذلك برنامج «نافذة على الصين» الذي يهدف الى التعريف
بحضارة الصين وتاريخها ومعارفها وعاداتها وتقاليدها، عبر الانتقال في أراضي
الصين الشاسعة التي تنطوي على قصص وحكايات وأساطير وحكم تجاوزت الصين
لتحتل مكانة جليلة ضمن التراث الإنساني. ويضاف الى ذلك برنامج «تعلّم معي»
الذي يعلم اللغة الصينية بطريقة سلسة، وكذلك الأفلام الوثائقية التي تتناول
مسائل وقضايا شتى، ناهيك بالمسلسلات الصينية المدبلجة التي تعكس المزاج
الاجتماعي والثقافي في الصين، وترسم لوحات درامية عن طبيعة الحياة في الصين
وشرق آسيا عموماً.
هذه البرامج وغيرها كفيلة، من حيث
المبدأ، بردم الهوة بين الثقافة الصينية والثقافة العربية. ويقول الإعلامي
الصيني كونغ تشن شي، مدير مكتب وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) في دمشق ان
«افتتاح محطة تلفزيونية صينية ناطقة بالعربية يعد بادرة طموحة ولها أهمية
كبيرة في التعريف بالصين، وفي تعزيز التواصل بين الشعب الصيني والشعوب
العربية»، لافتاً الى أن «وكالة شينخوا، مثلاً، تبث بلغات، وتنشط في دول
العالم، وما فعله تلفزيون الصين المركزي من خلال إطلاق قناة عربية يعد خطوة
في الاتجاه الصحيح».
ويضيف تشن شي في حديث الى «الحياة» ان
«التلفزيون، وخصوصاً بعد انتشار البث الفضائي، يعد من أهم وأخطر وسائل
الإعلام في المرحلة الراهنة، فهو يعتمد على الصورة التي توليها الحكمة
الصينية أهمية قصوى... صورة واحدة تعادل عشرة آلاف كلمة، وهذه الخاصية
المرئية تتيح للتلفزيون تقديم صورة الصين من مختلف النواحي السياسية
والاجتماعية والفنية والسياحية... للمشاهد العربي».
ويشير الإعلامي الصيني إلى نقطة يراها
«جوهرية»، تتمثل في ان «الصين تكاد تكون غائبة ليس فقط عن الشاشات العربية،
بل كذلك عن الشاشات العالمية. وبوجود هذه المحطة الصينية الناطقة بالعربية
سيكون في وسع المشاهد العربي أن يطلع على حضارة الصين وتراثها وثقافتها،
وعلى مواقفها السياسية من مصادر أصيلة وموثقة». ويعتبر أن «كثيراً من وسائل
الإعلام الغربية يحاول تشويه صورة الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن
الدولي، والنيل من مواقفها التي قد تتعارض مع مواقف الغرب والولايات
المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وعملية السلام في
الشرق الأوسط، وسواها من الملفات».
ويعرب الإعلامي الصيني عن أمانيه في أن
تخطو جامعة الدول العربية خطوة مماثلة، أي «اطلاق قناة فضائية عربية ناطقة
بالصينية، وذلك في سبيل تحقيق التقارب بين الصين والدول العربية، وكي لا
يكون الخطاب الإعلامي ذا اتجاه واحد».
والملاحظ ان القناة، وإن كانت تستعين
بطاقم إعلامي عربي من مختلف الدول العربية، تتشبث بالاعتماد على الكفاءات
الإعلامية المحلية أيضاً. وقد يكون مثل هذا الأمر مبرراً ومطلوباً في مختلف
مفاصل العمل التلفزيوني، أما أن يصل الى مسألة تقديم البرامج، وقراءة
نشرات الاخبار، فذلك قد يخلق عائقاً بين الجمهور والقناة. فاللغة العربية
التي ينطقها الصينيون على هذه الشاشة تبدو غريبة على الأسماع، وذات نبرة
بعيدة من نبرة اللغة العربية المعروفة بصعوبتها، قياساً الى اللغات الأخرى،
كما يقول خبراء اللغات. وكثيراً ما تقع طرائف لغوية عفوية، ومحببة نتيجة
الفروق الكبيرة بين اللغة العربية ومثيلتها الصينية. وهذه الطرائف على رغم
أنها تثير إعجاب المتلقي لجهة إصرار أبناء العرق الاصفر على نطق العربية
الفصحى، لكن ذلك لا يسعفهم على النطق السليم الأمر الذي يهدد بتغيير المحطة
بعد عدة جمل. وبديهي ان كبسة زر كفيلة بالتحول إلى محطة أخرى أو قمر آخر،
وقد تكلف محطات التلفزة كثيراً، فجلّ عملها منصب على صرف اهتمام المشاهد عن
«الريموت كونترول» وجعله ينشغل بما يعرض أمامه، وبما يسمعه كذلك، على هذه
المحطة او تلك من دون أن يفكر في تبديلها.
وتقول إحدى الحكم الصينية: «لا أحد يرى
صورته في المياه الجارية، بل يراها في المياه الراكدة»، وهذه تعبر عن تواضع
العالِم، ونرجسية الجاهل، ولعل هذه القناة الجديدة الآتية من أرض تزخر
بالمعارف والأساطير والفلسفات الروحية العميقة... ستعكس المقولة على نحو
إيجابي حتماً، بحيث تتمكن من رسم الصورة الصادقة للصين، بلسان عربي، في
المياه الجارية العذبة، لا في المياه الراكدة العكرة.منقول
تصدير صورة غائبة
لم يكن مفاجئاً انضمام الصين إلى قائمة الثقافات والدول التي تسعى
إلى مخاطبة الشعوب العربية بلغتها، بهدف الترويج لسياساتها، ووجهات نظرها
حيال قضايا مختلفة. فالصين التي يبلغ عدد سكانها أكثر من بليون و300 مليون،
والتي تمتلك تراثاً عريقاً موغلاً في القدم، تسعى إلى فتح نافذة يطل من
خلالها الجمهور العربي على ملامح وسمات وخصائص هذا البلد المترامي الأطراف،
والبعيد، تقليدياً، من مشاغل الوعي الحضاري العربي.
ووسط الفوضى الإعلامية الصاخبة، يصعب
تبين مدى الإخفاق أو النجاح الذي حققته هذه المحطة الصينية الناطقة
بالعربية، لا سيما أنها رأت النور قبل أشهر قليلة. لكن الملاحظ أن القناة
تعمل باجتهاد لتصدير صورة الصين، بكل تجلياتها وتعددها وزخمها، الى العالم
العربي سواء عبر نشرات الاخبار والتقارير الإعلامية، أم برامج الحوار مثل
برنامج «الحوار» اليومي الذي يهدف الى تعميق النقاش الهادئ الذي يشارك فيه
خبراء صينيون وعرب حول عدد من القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية.
وعلى عكس ما قد يعتقده بعضهم من «هيمنة
الطابع الدعائي»، فإن القناة الصينية الرسمية التابعة لدولة «ايديولوجية»
لا تزال تتبنى المنهج الاشتراكي، لا تقتصر على الجانب السياسي الدعائي، بل
تخصص مساحات واسعة للبرامج الفنية والثقافية مثل برنامج «الفنون الصينية»
الذي يقدم فقرات فنية متنوعة من مختلف الفنون الصينية الحديثة أو
التقليدية، أو برنامج «أرشيف الكنوز الوطنية»، وهو يتيح للمتابع العربي
معرفة أسرار وثراء كنوز الحضارة الصينية. وثمة برامج ذات طابع ترفيهي -
سياحي مثل «السياحة في الصين» الذي يعرض مناطق سياحية جميلة في مقاطعات
الصين المختلفة، وكذلك برنامج «نافذة على الصين» الذي يهدف الى التعريف
بحضارة الصين وتاريخها ومعارفها وعاداتها وتقاليدها، عبر الانتقال في أراضي
الصين الشاسعة التي تنطوي على قصص وحكايات وأساطير وحكم تجاوزت الصين
لتحتل مكانة جليلة ضمن التراث الإنساني. ويضاف الى ذلك برنامج «تعلّم معي»
الذي يعلم اللغة الصينية بطريقة سلسة، وكذلك الأفلام الوثائقية التي تتناول
مسائل وقضايا شتى، ناهيك بالمسلسلات الصينية المدبلجة التي تعكس المزاج
الاجتماعي والثقافي في الصين، وترسم لوحات درامية عن طبيعة الحياة في الصين
وشرق آسيا عموماً.
هذه البرامج وغيرها كفيلة، من حيث
المبدأ، بردم الهوة بين الثقافة الصينية والثقافة العربية. ويقول الإعلامي
الصيني كونغ تشن شي، مدير مكتب وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) في دمشق ان
«افتتاح محطة تلفزيونية صينية ناطقة بالعربية يعد بادرة طموحة ولها أهمية
كبيرة في التعريف بالصين، وفي تعزيز التواصل بين الشعب الصيني والشعوب
العربية»، لافتاً الى أن «وكالة شينخوا، مثلاً، تبث بلغات، وتنشط في دول
العالم، وما فعله تلفزيون الصين المركزي من خلال إطلاق قناة عربية يعد خطوة
في الاتجاه الصحيح».
ويضيف تشن شي في حديث الى «الحياة» ان
«التلفزيون، وخصوصاً بعد انتشار البث الفضائي، يعد من أهم وأخطر وسائل
الإعلام في المرحلة الراهنة، فهو يعتمد على الصورة التي توليها الحكمة
الصينية أهمية قصوى... صورة واحدة تعادل عشرة آلاف كلمة، وهذه الخاصية
المرئية تتيح للتلفزيون تقديم صورة الصين من مختلف النواحي السياسية
والاجتماعية والفنية والسياحية... للمشاهد العربي».
ويشير الإعلامي الصيني إلى نقطة يراها
«جوهرية»، تتمثل في ان «الصين تكاد تكون غائبة ليس فقط عن الشاشات العربية،
بل كذلك عن الشاشات العالمية. وبوجود هذه المحطة الصينية الناطقة بالعربية
سيكون في وسع المشاهد العربي أن يطلع على حضارة الصين وتراثها وثقافتها،
وعلى مواقفها السياسية من مصادر أصيلة وموثقة». ويعتبر أن «كثيراً من وسائل
الإعلام الغربية يحاول تشويه صورة الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن
الدولي، والنيل من مواقفها التي قد تتعارض مع مواقف الغرب والولايات
المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وعملية السلام في
الشرق الأوسط، وسواها من الملفات».
ويعرب الإعلامي الصيني عن أمانيه في أن
تخطو جامعة الدول العربية خطوة مماثلة، أي «اطلاق قناة فضائية عربية ناطقة
بالصينية، وذلك في سبيل تحقيق التقارب بين الصين والدول العربية، وكي لا
يكون الخطاب الإعلامي ذا اتجاه واحد».
والملاحظ ان القناة، وإن كانت تستعين
بطاقم إعلامي عربي من مختلف الدول العربية، تتشبث بالاعتماد على الكفاءات
الإعلامية المحلية أيضاً. وقد يكون مثل هذا الأمر مبرراً ومطلوباً في مختلف
مفاصل العمل التلفزيوني، أما أن يصل الى مسألة تقديم البرامج، وقراءة
نشرات الاخبار، فذلك قد يخلق عائقاً بين الجمهور والقناة. فاللغة العربية
التي ينطقها الصينيون على هذه الشاشة تبدو غريبة على الأسماع، وذات نبرة
بعيدة من نبرة اللغة العربية المعروفة بصعوبتها، قياساً الى اللغات الأخرى،
كما يقول خبراء اللغات. وكثيراً ما تقع طرائف لغوية عفوية، ومحببة نتيجة
الفروق الكبيرة بين اللغة العربية ومثيلتها الصينية. وهذه الطرائف على رغم
أنها تثير إعجاب المتلقي لجهة إصرار أبناء العرق الاصفر على نطق العربية
الفصحى، لكن ذلك لا يسعفهم على النطق السليم الأمر الذي يهدد بتغيير المحطة
بعد عدة جمل. وبديهي ان كبسة زر كفيلة بالتحول إلى محطة أخرى أو قمر آخر،
وقد تكلف محطات التلفزة كثيراً، فجلّ عملها منصب على صرف اهتمام المشاهد عن
«الريموت كونترول» وجعله ينشغل بما يعرض أمامه، وبما يسمعه كذلك، على هذه
المحطة او تلك من دون أن يفكر في تبديلها.
وتقول إحدى الحكم الصينية: «لا أحد يرى
صورته في المياه الجارية، بل يراها في المياه الراكدة»، وهذه تعبر عن تواضع
العالِم، ونرجسية الجاهل، ولعل هذه القناة الجديدة الآتية من أرض تزخر
بالمعارف والأساطير والفلسفات الروحية العميقة... ستعكس المقولة على نحو
إيجابي حتماً، بحيث تتمكن من رسم الصورة الصادقة للصين، بلسان عربي، في
المياه الجارية العذبة، لا في المياه الراكدة العكرة.منقول