قيل; كان معن بن زائدة رجلاً حليماً سخياً كريماً جواداً كثير العقل سديد الرأي، فشاع بين جماعه من العرب أنه لا يقدر أحد من خلق الله تعالى على إغضابه لكثرة عقله وحلمه .
فقال أعرابي منهم أنا أقدر على إغضابه. فقالوا له: إن فعلت ذلك كان لك علينا مائة ناقة حمراء.
فأتى بجمل فذبحه وسلخه ولبس الجلد مثل الثوب وجعل اللحم من الخارج والشعر من الداخل والذباب يقع عليه ويقوم، ولبس برجليه نعلين من جلد الجمل وجلس بين يدي معن على هذه الصورة ومد رجليه في وجهه وقال :
أنا والله لا أُبدي سلاماً ***** على معن المسـمى بالأمير
فقال معن : السلام لله، إن سلمت رددنا عليك، وإن لم تسلم ما عتبنا عليك.
فقال الأعرابي:
أتـذكـر إذ لحـافك جلـد شاة ***** وإذ نعـلاك من جـلـد البـعـيـر؟
فقال معن : أذكر ذلك ولن أنساه.
فقال الأعرابي :
فسبحان الذي أعطاك ملكا ***** وعلمك الجلوس على السرير
قال معن : سبحانه وتعالى
فقال الأعرابي :
سأرحل عن بلاد أنت فيها ***** ولو جار الزمان على الفقير
قال معن : إن جاورتنا فمرحبا بك ، وإن رحلت فمصحوبا بالسلامة
قال الأعرابي :
فزدني يا بن ناقصة بمال ***** فإني قد عزمت على المسير
فقال معن : أعطوه ألف دينار ليستعين بها على سفره.
فأخذها وقال :
قليل ما أتيت به وإني ***** لأطمع منك بالمال الكثير
قال معن : أعطوه ألفاً أخرى.
فأخذها وقال :
سألت الله أن يبقيك ذخراً ***** فما لك في البرية من نظير
قال معن : أعطوه ألفا أخرى.
قال الأعرابي : أيها الأمير ، ما جئت إلا مختبراً حلمك لما بلغني عنه ، فلقد وضع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم.
قال معن : يا غلام ، كم أعطيته على نظمه ؟
قال : ثلاثة آلاف دينار .
قال : أعطه على نثره مثلها
فأخذها ومضى في طريقة شاكراً لكرمه ، قانعاً بمنتهى حلمه ، وصار يضرب به المثل في الحلم.