اختار القيّمون على برنامج «طيمشة ونيمشة» حجرة (كابين) الهاتف المجاورة للمستشفى الحكومي في دمشق
لتنفيذ واحد من مقالبهم. وقف المقدّم رضوان القنطار بداخلها للتحدث إلى زوجته وقد طال الأمر... خلفه كان
طفل يستجديه الاستعجال لأن أمه مريضة في المستشفى. ضرب المذيع الطفل لإلحاحه ثم عاد يسأل زوجته عما
أعدّته من طعام... استفذ الموقف تمام بركات الذي كان ينتظر دوره لإجراء مكالمة، فانهال ضرباً على القنطار،
حتى أعلمه بأنه مقلب من مقالب الكاميرا الخفية... لم يضحك بركات حين علم باليقين بل زاد غضباً لاستخدام
الأطفال في مثل تلك البرامج.
في «نجم المقالب» الذي يعدّه أيضاً القنطار ويخرجه رافي وهبة، تعرّضت طفلة لمقلب من مقالبهم، وهي تعمل
في تنظيف المنازل. طلبتها الممثلة السورية يارا صبري للعمل في منزلها، لتفاجأ بأثاث يتهاوى بين يديها.
ركضت الطفلة إلى الطابق العلوي حيث صبري فرأتها مطعونة بسكين حتى المقبض، وسط «بركة» من الدماء.
خافت الطفلة وهرعت، قبل أن تفاجأ بعناصر من الشرطة يتهمونها بالقتل...
وقد قدّم «نجم المقالب» بعضاً من الفنانين السوريين في مواقف لا يحسدون عليها، على غرار الممثلة سلمى
المصري التي تتهم إمرأة مولجة بحمايتها بقتل معجب بها. والفنانة منى واصف التي تهين أحد هواة التمثيل في
مقلب من مقالب الكاميرا الخفية...
إذاً هي «فرجة» رخيصة يُسخّر لها أشخاص عاديون، فتحوّلهم إلى أدوات للضحك. وعلى الرغم من فشل تلك
البرامج، في غالب الأحيان، في إتمام الهدف منها، تبقى «المفضّلة» لدى شركات الإنتاج، التي ترى فيها ربحاً
من دون كلفة.
ولا يبدو أن المنتجين أو المعدين العرب على استعداد لأخذ العبر من التجربة الروسية. فروسيا منعت بقرار
رسمي إنتاج هذا النوع من البرامج على أثر إطلاق نار تعرّض له أحد المقدمين وهو يعدّ مقلباً من داخل برميل
للنفايات. وهي مشاهد تابعها الملايين عبر موقع الـ«يوتيوب».
بل على العكس تابع المقدم ربيع طه تصوير برنامجه «حالة خفية» على الرغم من قيام أحد الإماراتيين بثقب
غشاء طبلة أذنه خلال تنفيذه أحد المقالب.
انطلقت سلسلة برامج الكاميرا الخفية في سوريا منذ عام 1988 مع الفنان بشار إسماعيل عبر برنامج «منكم
وإليكم والسلام عليكم» الذي أنتجته شركة الفيصل السورية وقدّمه عباس النوري وعبد المعين عبد المجيد.
لتزدهر فيما بعد على يد الثنائي زياد سحتوت وجمال شقدوحة، قبل أن يرحل الأخير ويكمل سحتوت الطريق
وحيداً.
ويأتي ازدهار هذا النوع من البرامج من رحم برامج تلفزيون الواقع الذي بدأته مصر مع الراحل فؤاد المهندس
في ثمانينيات القرن الفائت، ليتكاثر كالنار في الهشيم مع فورة الفضائيات العربية، بنسخ عربية خليجية وسورية
ومصرية ومغربية...
القضية لا تقف عند الرغبة بالربح عبر التعدي على حرية الناس وسلامتهم الشخصية، بل تتعدى ذلك نحو
ترويعهم واستغلالهم كفرجة عامة لا ينجو منها أحد. ولعلنا نكرر بصورة عدوانية ما ابتكره الغرب في العام
1948 وتحديداً الأميركي ألين فانت معدّ البرنامج الإذاعي «الميكرفون الصريح/اللاذع» 1947، الذي انبثق عنه برنامجه التلفزيوني
أو الكاميرا الصريحة /اللاذعة كأول برنامج من برامج تلفزيون الواقع، أوما يسمّيه نقاد الميديا برامج القمامة.
وشارك في برنامج ألين فانت، في ستينيات القرن الفائت، كبار ممثلي السينما الأميركية ومخرجيها على غرار
وودي ألن الذي قدم حلقاته بالاشتراك مع الممثلة آن جيليان. ووهب ريع أرباح الحلقات المسجلة لدعم فقراء
ليتوانيا. ومن أشهر برامج النوع البرنامج الكندي «JUST FOR LAUGHS» (لأجل الضحك فقط) الذي
ينتج منذ العام 1983 على يد غيلبرت روزون بالاعتماد على المقالب الخفيفة التي لا تدور فيها أية حوارات،
إنما يتكل على الموسيقى التصويرية. وذلك بأسلوب طريف و«مهذب» لا يزعج أياً من المارة في شوارع
مونـــتريال أو الحـــي اللاتيـــني فيها المعروف بمسارحه ومقاهيه المكشوفة.
في حين تتعدى الكاميرا الخفيةً في العالم العربي على الناس باسم النكتة السطحية، وتؤذيهم بتحويلهم من مارة
وعابري سبيل إلى ضحايا مقالب أقلها ينتهي بـ«لا تحزن... كانت معك الكاميرا الخفية!» هذا إن لم تكن زائفة
تصوّر ما هو متفق عليه على أنه واقع وحقيقة.
إذاً الكاميرا الخفية جاءت من مسرح الشارع، من كتاب ومخرجي كوميديا «ديلارتي» المعاصرة، والتي تحوّلت
بدورها في شوارع أميركا، وبريطانيا، والمكسيك، وأستراليا إلى نماذج من المقالب الطريفة الصامتة المبنية
على فكرة أو دعابة لا تمس بحرية وسلامة الآخر. لكنها في العالم العربي عدوانية وخبيثة.
سامر اسماعيل