[b]الصحن سقط في البئر
صرخت عمتي الكبرى:
ـ يا أمي أختي سقطت في البير..
فهرعت جدتي نحو البئر، خائفة، صارخة باسم ابنتها..و من الجهة الأخرى، أطلت جارتنا ، يتبعها زوجها، الذي صرخ:
ـ "لك" يا بنت أ تسمعين؟..
لم يرد أحد مباشرة، لكن بعد ثوان جاء صوت ضعيف من داخل البئر:
ـ دخيلكم طلعوني..
ـ إذن لم تغرق..
اكتشف جارنا ذلك عندما سمع الجواب. فكر قليلا ثم صرخ من جديد:
ـ" لك" يا بنت سأرمي لك الدلو. امسكي به جيدا لسحبك، لكن انتبهي و أنا أرميه ألا يسقط فوقك، و يعيدك إلى الماء، هل أنت ممسكة جيدا بالجدار؟..
ردت عمتي بصوت أضعف من السابق:
ـ دخيلكم طلعوني..
و سمعنا بعدها صوت الدلو يطش في الماء.
أكمل الجار صراخه، و وقتها كانت جدتي تبكي و تندب حظها، متمنية أن تطلع عمتي من البئر قبل أن يصل جدي و يراها تحت..
ـ ماذا؟ أأمسكتيه؟..
و بدأ بسحب الحبل، الذي كان يصدر صريرا قويا عند حلقته المعدنية، مع دوران الحبل عليها، و فجأة بدت عمتي، و هي متمسكة بالدلو السود، ظهر شعرها الطويل أولا، يشر منه الماء، ثم وجهها..
صرخت عمتي الأخرى، التي لم تكن هي التي سقطت في البئر:
ـ الحمد لله..أختي..
أما جدتي، فاستردت قوتها، لحظة رؤية ابنتها المتمسكة بخوف بالدلو:
ـ العمى ضربك..ما الذي أوقعك في البير..
صرخ الجار كعادته:
ـ جارتنا..انتظريها لتطلع..
لكن جدتي كررت السؤال، و هي تسحب عمتي من شعرها، و التي بدأ صوتها يتضح. عمتي التي كانت قبل قليل في البئر:
ـ كنت أوصل صحن الطعام إلى الجيران، كما قلتِ لي، قفزت من فوق البير، فزحطت رجلي...
قالت جدتي التي اطمأنت لنجاة ابنتها:
ـ يا ليتك متي..
قالت ذلك و هي تضم عمتي هذه المبلولة الملابس، والتي بللت حينها ملابس جدتي أيضا..كانت الاثنتان تبكيان، و بكت عمتي الكبرى، و ربما بكت الجارة. أما جارنا فمد رأسه داخل فوهة البئر، متذكرا صحن الطعام، و كان الدلو السود ما يزال بين يديه.
ـ الله ستر...
قال و هو يتركه فيسقط قويا في الماء. ليستدير مبتعدا داخل بيته، عند طرف البئر الآخر، في حين ظلت جارتنا واقفة. مسحت دمعتها مع ارتطام الدلو.
صمتت قليلا، ثم سألت جدتي:
ـ غيه جارتنا، لم تقولي لي ماذا كنتِ طابخة..؟
انتبهت جدتي، فصرخت بحنق بعمتي المبلولة:
ـ يا الله بسرعة..غيري ملابسك و خذي طبقا جديدا لجارتنا، لكن حذار أن تزحط رجلك، خذيه من الحارة، لا من فوق البير..
لم تجب عمتي التي كانت في البئر. كان الماء ما يزال يشر من شعرها، و جسدها. أما عمتي الكبرى، فكانت تحاول دون فائدة، إفهام جدتي بالإشارة، كيما لا تنتبه الجارة، بأنه لم يبق من الطعام إلا صحنا واحدا لجدي الذي لم يصل بعد..
الكاتب : جميل ألفريد حتمل : قاص موهوب, وصحافي مبدع, وسليل أسرة فنية أدبية مشهورة في دمشق وحوران. ولد عام 1956 في دمشق, وتلقى دراسته الثانوية في ثانوية العناية الرسمية...[/b]
صرخت عمتي الكبرى:
ـ يا أمي أختي سقطت في البير..
فهرعت جدتي نحو البئر، خائفة، صارخة باسم ابنتها..و من الجهة الأخرى، أطلت جارتنا ، يتبعها زوجها، الذي صرخ:
ـ "لك" يا بنت أ تسمعين؟..
لم يرد أحد مباشرة، لكن بعد ثوان جاء صوت ضعيف من داخل البئر:
ـ دخيلكم طلعوني..
ـ إذن لم تغرق..
اكتشف جارنا ذلك عندما سمع الجواب. فكر قليلا ثم صرخ من جديد:
ـ" لك" يا بنت سأرمي لك الدلو. امسكي به جيدا لسحبك، لكن انتبهي و أنا أرميه ألا يسقط فوقك، و يعيدك إلى الماء، هل أنت ممسكة جيدا بالجدار؟..
ردت عمتي بصوت أضعف من السابق:
ـ دخيلكم طلعوني..
و سمعنا بعدها صوت الدلو يطش في الماء.
أكمل الجار صراخه، و وقتها كانت جدتي تبكي و تندب حظها، متمنية أن تطلع عمتي من البئر قبل أن يصل جدي و يراها تحت..
ـ ماذا؟ أأمسكتيه؟..
و بدأ بسحب الحبل، الذي كان يصدر صريرا قويا عند حلقته المعدنية، مع دوران الحبل عليها، و فجأة بدت عمتي، و هي متمسكة بالدلو السود، ظهر شعرها الطويل أولا، يشر منه الماء، ثم وجهها..
صرخت عمتي الأخرى، التي لم تكن هي التي سقطت في البئر:
ـ الحمد لله..أختي..
أما جدتي، فاستردت قوتها، لحظة رؤية ابنتها المتمسكة بخوف بالدلو:
ـ العمى ضربك..ما الذي أوقعك في البير..
صرخ الجار كعادته:
ـ جارتنا..انتظريها لتطلع..
لكن جدتي كررت السؤال، و هي تسحب عمتي من شعرها، و التي بدأ صوتها يتضح. عمتي التي كانت قبل قليل في البئر:
ـ كنت أوصل صحن الطعام إلى الجيران، كما قلتِ لي، قفزت من فوق البير، فزحطت رجلي...
قالت جدتي التي اطمأنت لنجاة ابنتها:
ـ يا ليتك متي..
قالت ذلك و هي تضم عمتي هذه المبلولة الملابس، والتي بللت حينها ملابس جدتي أيضا..كانت الاثنتان تبكيان، و بكت عمتي الكبرى، و ربما بكت الجارة. أما جارنا فمد رأسه داخل فوهة البئر، متذكرا صحن الطعام، و كان الدلو السود ما يزال بين يديه.
ـ الله ستر...
قال و هو يتركه فيسقط قويا في الماء. ليستدير مبتعدا داخل بيته، عند طرف البئر الآخر، في حين ظلت جارتنا واقفة. مسحت دمعتها مع ارتطام الدلو.
صمتت قليلا، ثم سألت جدتي:
ـ غيه جارتنا، لم تقولي لي ماذا كنتِ طابخة..؟
انتبهت جدتي، فصرخت بحنق بعمتي المبلولة:
ـ يا الله بسرعة..غيري ملابسك و خذي طبقا جديدا لجارتنا، لكن حذار أن تزحط رجلك، خذيه من الحارة، لا من فوق البير..
لم تجب عمتي التي كانت في البئر. كان الماء ما يزال يشر من شعرها، و جسدها. أما عمتي الكبرى، فكانت تحاول دون فائدة، إفهام جدتي بالإشارة، كيما لا تنتبه الجارة، بأنه لم يبق من الطعام إلا صحنا واحدا لجدي الذي لم يصل بعد..
الكاتب : جميل ألفريد حتمل : قاص موهوب, وصحافي مبدع, وسليل أسرة فنية أدبية مشهورة في دمشق وحوران. ولد عام 1956 في دمشق, وتلقى دراسته الثانوية في ثانوية العناية الرسمية...[/b]