الهند: القارة المعلوماتية التي غيرت قدرها في نصف قرن
بالتأكيد، لم يكن رئيس الوزراء الراحل جواهر لال نهرو ليتصور بأن الخطوات الصغيرة التي خطاها مع أبناء شعبه الهندي قد تفضي إلى دولة كالتي عليها الهند الآن، فبعيد الاستقلال، وتحديداً في خمسينيات القرن الماضي قرر لال نهرو أن تكون لبلده معاهد تكنولوجيا خاصة بها على الطراز العالمي، وهنا بالذات ولدت الهند الجديدة التي واظبت على صنع شخصيتها المغايرة لتلك التي يحاول بعض الغرب ترسيخها من خلال اختزال شعبها في مرقص للثعبان على إيقاع بوقه، أو ممثل مسرح الشعر دامع العينين في بوليوود، على أهمية كلتا الصورتين.
ومع خطوة لال نهرو الطموحة، خرج إلى النور معهد الهند التكنولوجي المعروف «IIT Indian Institute of Technology» الذي تخرجت منه سلاسل الموهوبين ممن اعتمدت عليهم مسيرة كبريات الشركات العالمية في صناعة البرمجيات مثل أمثال «مايكروسوفت» و«آي بي إم» و«إنتل» و«أوراكل» و«أدوبي» وغيرهم.
القصة المعلوماتية الهندية التي بات يعرفها العالم أجمع، بدأت تؤتي أكلها في أعقاب تحرير الاقتصاد الهندي في ثمانينيات القرن الماضي، حتى حاز صعودها المذهل في التسعينيات منه إعجاب الجميع بعدما تبوأت مركزها ثاني أبرز مصدري برمجيات الكمبيوتر والصناعات المعرفية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، ما رسّخ بدوره مخاوف جديدة لدول الاقتصاديات العملاقة، نظراً إلى تبعات التطور الذي شهدته الهند على مستقبل أعمال البحث والتطوير وصناعات القيمة المضافة لديها، حتى باتت لفظة «Bangalored» المبتكرة، تشير إلى نمط اقتصادي خاطف في تطوره، غامزة في مرجعيتها، من عظمة تجربة مدينة «بنغالور» عاصمة ولاية «كارناتاكا» الهندية التي تحتضن وادي السليكون الأكبر في العالم بعدما تفوق على نظيره في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
التكامل الخبراتي
بين الداخل والخارج
لم يقتصر نجاح الهنود في إسهاماتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات على خارج بلادهم فحسب، بل تعداه إلى داخل وطنهم الأم، فعلى أراضي وطنهم يتم تطوير نحو «40%» من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية، إضافة إلى اعتبار الهند موطناً أصلياً لعدد من كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا العالية مثل شركة «تي- سي- إس»، و«إنفوسيس» و«ويبرو» و«آي - فلكس» I-Flex وغيرهم، كما على أراضيها بعض أهم مراكز البحث والتطوير في العالم خارج الولايات المتحدة مثل مختبرات مدينة «بنغالور» و«حيدر آباد».
ومن الأسماء المشهورة في قصة نجاح الهند في مجال تكنولوجيا الحوسبة، تأتي شركة «Simputer» التي اضطلعت بأولى محاولات تطوير لحواسيب رخيصة الثمن، وإلى جانبها شركة نوفاتيوم Novatium ومقرها بومباي التي أطلقت جهاز الكمبيوتر الشبكي «Nova Net PC» ذا القدرة على العمل كخادم بعيد يتولى معظم وظائف الكمبيوتر التقليدي بذات الفعالية، بثمن لا يتجاوز «100 دولار» للجهاز الواحد، ومعهما شركة «آي – فلكس»، التي قدمت أشهر الحلول المصرفية العالمية.
التحليق في سماء التكنولوجيا الرقمية
حتى عهد قريب كان ينظر للهند كمركز «sweatshops» في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث كانت الفكرة السائدة لدى البعض، أن الشركات التكنولوجيا الهندية لا تقوم إلا بأعمال روتينية لا تحتاج إلى إبداع كبير، أعمال كتابة البرمجيات واستقبال مكالمات الزبائن، أو القيام بأعمال المكاتب الخلفية، وإدخال بيانات الزبائن، إلا أن هذه الصورة ما لبثت أن اختلفت جذرياً مع كل نصر إبداعي جديد رسّخه الهنود داخل دولتهم وخارجها، وأدركت الشركات الأجنبية أهمية الهند ليس كمصدر للأيدي العاملة الماهرة والرخيصة فحسب، بل كمركز لإجراء عمليات البحث والتطوير، وهنا انطلق عصر جديد في حياة الهند المعلوماتية سحبت فيه البساط من تحت أقدام الكبار بفوزها بمناقصات تقدر بملايين الدولارات، لتقديم حلول برمجية متكاملة للشركات العملاقة، وعكفت الشركات الأجنبية إلى سباق محموم لفتح مراكز بحث وتطوير لها في الهند سواء عن طريق مراكزها الخاصة أو عن طريق التعاقد مع الشركات المحلية وأصبحت تشارك ملكيتها الفكرية مع نظيراتها الهندية.
وكان الهدف الرئيسي وراء هذه الخطوة الإستراتيجية مواجهة المنافسة العالمية عن طريق تفرغ المقرات الرئيسية لهذه الشركات في الدول الغربية في التركيز على بناء علاماتها التجارية والتسويق لمنتجاتها حول العالم بينما يتم إنجاز معظم مهامها الأساسية في مراكزها الهندية، ويعرف هذا التوجه الجديد بتطوير المنتجات في الخارج.
وليس أدل على نجاح الشركات الهندية في هذا القطاع الحيوي مساهمة شركة إنفوسيس في تطوير المكونات الداخلية لطائرات إيرباص A380، أكبرطائرات الركاب في العالم، ومساهمة ثلاث من الشركات الهندية الأخرى في تطوير الرقائق الإلكترونية الخاصة بطائرات بوينغ المنافسة.
عائدات أسطورية
تشير بعض التقديرات الحديثة إلى ما يقرب من 30 مليار دولار كقيمة صادرات الهند من قطاع التكنولوجيا والمعلومات الذي يعمل فيه نحو مليون و45 ألف شخص «بحسب إحصاءات آذار 2005»، بمعدل نمو سنوي يقارب 30 - 40%.
وبحسب المدير الإقليمي للإلكترونيات وصادرات برمجيات الكمبيوتر الهندية لمنطقة الشرق الأوسط «كمال فاتشاني» ينتظر أن تتجاوز قيمة تلك الصادرات ما إجماله 50 مليار دولار خلال هذا العام 2008، مشيراً إلى أن حصة الشرق الأوسط منها تجاوز مليار دولار في 2007.
الولايات المتحدة الأميركية بدورها تستقطب أكثر من 65% من صادرات الهند من البرمجيات، على حين 25% منها تتجّه إلى أوروبا.
الإنجاز الهندي المعلوماتي يأتي في إطار الإصلاح الاقتصادي الذي نضج في بداية التسعينيات من القرن الماضي، واعتمد سياسة انفتاحية مرنة خففت من القيود الحكومية ومن المركزية وقللت من الفساد والروتين، وشجعت رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الاستثمار عامة وفي مجال المعلوماتية خاصة.
ويتوقع المراقبون أن تتجاوز قيمة صادرات الهند من التكنولوجيا والمعلومات حاجز 60 مليار دولار بحلول عام 2010، وأن تسهم بنسبة 7% من الناتج القومي الإجمالي للبلد، فضلاً عن خلق نحو 8.8 ملايين وظيفة جديدة حسب دراسات أجرتها منظمة «NASSCOM» الهندية بالتعاون مع شركة «McKinsey» للاستشارات، ويوظف ثلاث من كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية أكثر من 70 ألف شخص لكل واحدة منها على حدة في الوقت الحالي.
ومن ناحية أخرى لم تتوقف الاستثمارات التي تضخها الشركات الأجنبية في السوق الهندية الواعد، من شركة «مايكروسوفت» و«إنتل» و«إي إم دي»، إلى «سيسكو سيستمز» و«أي بي إم» التي أعلنت في العام 2006 عن توظيف «6 مليارات دولار» في صناعة المعلوماتية الهندية.
تدفق الشركات المتعددة الجنسيات
تدفقت الشركات المتعددة الجنسيات، التواقة إلى الاستفادة من عمال مهنيين قليلي الأجور ومن فتح أحد أكبر الأسواق في العالم، إلى الهند وكانت تكساس إنسترومنتس Texas Instruments أول شركة متعددة الجنسيات من أميركا تسلك إلى الهند وذلك في عام 1988، أما اليوم فإن ما يربو على 500 من كبريات الشركات العالمية تنجز عملياتها من بنغالور وحدها، ومن بينها «هيوليت باكارت»، و«ديل»، و«أي بي إم»، و«أكسنجور».
وقد لعب مركز تطوير إنتل دوراً رئيسياً في إستراتيجية الشركة لتطوير الرقائق إلكترونية الجديدة للحواسيب التي تتلاءم مع نظام التشغيل فيستا الذي طورته شركة مايكروسوفت، التي بدورها أقامت أحد مراكز البحوث الأساسية العالمية الثلاثة لها في بنغالور، على حين المركزان الآخران في الصين، وفي المقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة.
التجربة الهندية ببساطة
يتمثل نجاح التجربة الهندية في الكتلة البشرية الهائلة التي تتجاوز مليار نسمة في ذلك البلد، بالترافق مع انخفاض الأجور الذي ساعد بلا شك على زيادة قوة العمل هناك.
كما أن للنظام التعليمي في الهند قوته وفعاليته في توفير العمالة المدربة رخيصة التكلفة، ما ساهم في استيعاب تكنولوجيا الكمبيوتر استيعاباً جدياً على مدى سنوات طويلة، قبل أن تشرع بالتوأمة بين مختلف علوم الكمبيوتر كقاعدة تنطلق منها في صناعتي البرمجيات والخدمات.
ويساعد انتشار الجامعات والمعاهد التقنية المتخصصة على تخريج أعداد هائلة من أخصائيي تكنولوجيا المعلومات، وللعامل اللغوي دوره أيضاً في هذا الميدان إذ تعتبر لغة تقنية المعلومات الإنكليزية اللغة الرسمية الثانية في الهند. كما تحوز معظم الشركات الهندية العاملة في خدمات التطوير الخارجي على شهادات الجودة «الأيزو«، حتى ليمكن القول إن ثلاثة أرباع الشركات الحائزة شهادات الجودة المتعلقة بشركات تكنولوجيا المعلومات موجودة فعلياً في الهند.
وتوفر الهند رزمة من الإعفاءات الضريبية، فمزودات خدمة الإنترنت تحظى بإعفاءات تبلغ 5 سنوات، و10 سنوات للشركات العاملة في البحث العلمي، على حين المجمعات التقنية تحظى بإعفاءات تصل إلى 15 سنة..
وتتمتع الهند ببنية اتصالات قوية، وخاصة في مراكز الإنترنت، فمزودو الاتصالات اللاسلكية منتشرون في كل أنحاء الهند، علاوة على شبكة فاعلة من الأقمار الصناعية والكابلات البحرية، التي تؤمن اتصالاً جيداً مع جميع أنحاء العالم، وتضطلع هذه البنية التحتية العملاقة بدور مهم في تنمية خدمات التطوير للخارج، فتجعل الشركات الأجنبية على اتصال مستمر ودائم مع مزودي هذه الخدمات.
ويعود النجاح الهندي في ميدان تقنية المعلومات إلى تطوير حلول برمجية متقدمة، فهناك الكثير من التجارب الهندية الناجحة، التي مرت عليها سنوات من التطوير، وتشمل هذه التجارب حلول التجارة الإلكترونية، وحلول قواعد البيانات بكل أنواعها، وحلولاً محاسبية، وحلول النشر الإلكتروني، ما يسهل على الشركات الأجنبية الاعتماد الكامل على الشركات الهندية لاستعمال مثل هذه الحلول.
وقد فعلت الهند ذلك كله بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية مع فهم عامل الوقت على أنه قيمة تنافسية مع تنظيم بيع أنشطتها ومعارفها وخبراتها على شبكة الإنترنت.
بالتأكيد، لم يكن رئيس الوزراء الراحل جواهر لال نهرو ليتصور بأن الخطوات الصغيرة التي خطاها مع أبناء شعبه الهندي قد تفضي إلى دولة كالتي عليها الهند الآن، فبعيد الاستقلال، وتحديداً في خمسينيات القرن الماضي قرر لال نهرو أن تكون لبلده معاهد تكنولوجيا خاصة بها على الطراز العالمي، وهنا بالذات ولدت الهند الجديدة التي واظبت على صنع شخصيتها المغايرة لتلك التي يحاول بعض الغرب ترسيخها من خلال اختزال شعبها في مرقص للثعبان على إيقاع بوقه، أو ممثل مسرح الشعر دامع العينين في بوليوود، على أهمية كلتا الصورتين.
ومع خطوة لال نهرو الطموحة، خرج إلى النور معهد الهند التكنولوجي المعروف «IIT Indian Institute of Technology» الذي تخرجت منه سلاسل الموهوبين ممن اعتمدت عليهم مسيرة كبريات الشركات العالمية في صناعة البرمجيات مثل أمثال «مايكروسوفت» و«آي بي إم» و«إنتل» و«أوراكل» و«أدوبي» وغيرهم.
القصة المعلوماتية الهندية التي بات يعرفها العالم أجمع، بدأت تؤتي أكلها في أعقاب تحرير الاقتصاد الهندي في ثمانينيات القرن الماضي، حتى حاز صعودها المذهل في التسعينيات منه إعجاب الجميع بعدما تبوأت مركزها ثاني أبرز مصدري برمجيات الكمبيوتر والصناعات المعرفية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، ما رسّخ بدوره مخاوف جديدة لدول الاقتصاديات العملاقة، نظراً إلى تبعات التطور الذي شهدته الهند على مستقبل أعمال البحث والتطوير وصناعات القيمة المضافة لديها، حتى باتت لفظة «Bangalored» المبتكرة، تشير إلى نمط اقتصادي خاطف في تطوره، غامزة في مرجعيتها، من عظمة تجربة مدينة «بنغالور» عاصمة ولاية «كارناتاكا» الهندية التي تحتضن وادي السليكون الأكبر في العالم بعدما تفوق على نظيره في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
التكامل الخبراتي
بين الداخل والخارج
لم يقتصر نجاح الهنود في إسهاماتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات على خارج بلادهم فحسب، بل تعداه إلى داخل وطنهم الأم، فعلى أراضي وطنهم يتم تطوير نحو «40%» من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية، إضافة إلى اعتبار الهند موطناً أصلياً لعدد من كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا العالية مثل شركة «تي- سي- إس»، و«إنفوسيس» و«ويبرو» و«آي - فلكس» I-Flex وغيرهم، كما على أراضيها بعض أهم مراكز البحث والتطوير في العالم خارج الولايات المتحدة مثل مختبرات مدينة «بنغالور» و«حيدر آباد».
ومن الأسماء المشهورة في قصة نجاح الهند في مجال تكنولوجيا الحوسبة، تأتي شركة «Simputer» التي اضطلعت بأولى محاولات تطوير لحواسيب رخيصة الثمن، وإلى جانبها شركة نوفاتيوم Novatium ومقرها بومباي التي أطلقت جهاز الكمبيوتر الشبكي «Nova Net PC» ذا القدرة على العمل كخادم بعيد يتولى معظم وظائف الكمبيوتر التقليدي بذات الفعالية، بثمن لا يتجاوز «100 دولار» للجهاز الواحد، ومعهما شركة «آي – فلكس»، التي قدمت أشهر الحلول المصرفية العالمية.
التحليق في سماء التكنولوجيا الرقمية
حتى عهد قريب كان ينظر للهند كمركز «sweatshops» في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث كانت الفكرة السائدة لدى البعض، أن الشركات التكنولوجيا الهندية لا تقوم إلا بأعمال روتينية لا تحتاج إلى إبداع كبير، أعمال كتابة البرمجيات واستقبال مكالمات الزبائن، أو القيام بأعمال المكاتب الخلفية، وإدخال بيانات الزبائن، إلا أن هذه الصورة ما لبثت أن اختلفت جذرياً مع كل نصر إبداعي جديد رسّخه الهنود داخل دولتهم وخارجها، وأدركت الشركات الأجنبية أهمية الهند ليس كمصدر للأيدي العاملة الماهرة والرخيصة فحسب، بل كمركز لإجراء عمليات البحث والتطوير، وهنا انطلق عصر جديد في حياة الهند المعلوماتية سحبت فيه البساط من تحت أقدام الكبار بفوزها بمناقصات تقدر بملايين الدولارات، لتقديم حلول برمجية متكاملة للشركات العملاقة، وعكفت الشركات الأجنبية إلى سباق محموم لفتح مراكز بحث وتطوير لها في الهند سواء عن طريق مراكزها الخاصة أو عن طريق التعاقد مع الشركات المحلية وأصبحت تشارك ملكيتها الفكرية مع نظيراتها الهندية.
وكان الهدف الرئيسي وراء هذه الخطوة الإستراتيجية مواجهة المنافسة العالمية عن طريق تفرغ المقرات الرئيسية لهذه الشركات في الدول الغربية في التركيز على بناء علاماتها التجارية والتسويق لمنتجاتها حول العالم بينما يتم إنجاز معظم مهامها الأساسية في مراكزها الهندية، ويعرف هذا التوجه الجديد بتطوير المنتجات في الخارج.
وليس أدل على نجاح الشركات الهندية في هذا القطاع الحيوي مساهمة شركة إنفوسيس في تطوير المكونات الداخلية لطائرات إيرباص A380، أكبرطائرات الركاب في العالم، ومساهمة ثلاث من الشركات الهندية الأخرى في تطوير الرقائق الإلكترونية الخاصة بطائرات بوينغ المنافسة.
عائدات أسطورية
تشير بعض التقديرات الحديثة إلى ما يقرب من 30 مليار دولار كقيمة صادرات الهند من قطاع التكنولوجيا والمعلومات الذي يعمل فيه نحو مليون و45 ألف شخص «بحسب إحصاءات آذار 2005»، بمعدل نمو سنوي يقارب 30 - 40%.
وبحسب المدير الإقليمي للإلكترونيات وصادرات برمجيات الكمبيوتر الهندية لمنطقة الشرق الأوسط «كمال فاتشاني» ينتظر أن تتجاوز قيمة تلك الصادرات ما إجماله 50 مليار دولار خلال هذا العام 2008، مشيراً إلى أن حصة الشرق الأوسط منها تجاوز مليار دولار في 2007.
الولايات المتحدة الأميركية بدورها تستقطب أكثر من 65% من صادرات الهند من البرمجيات، على حين 25% منها تتجّه إلى أوروبا.
الإنجاز الهندي المعلوماتي يأتي في إطار الإصلاح الاقتصادي الذي نضج في بداية التسعينيات من القرن الماضي، واعتمد سياسة انفتاحية مرنة خففت من القيود الحكومية ومن المركزية وقللت من الفساد والروتين، وشجعت رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الاستثمار عامة وفي مجال المعلوماتية خاصة.
ويتوقع المراقبون أن تتجاوز قيمة صادرات الهند من التكنولوجيا والمعلومات حاجز 60 مليار دولار بحلول عام 2010، وأن تسهم بنسبة 7% من الناتج القومي الإجمالي للبلد، فضلاً عن خلق نحو 8.8 ملايين وظيفة جديدة حسب دراسات أجرتها منظمة «NASSCOM» الهندية بالتعاون مع شركة «McKinsey» للاستشارات، ويوظف ثلاث من كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية أكثر من 70 ألف شخص لكل واحدة منها على حدة في الوقت الحالي.
ومن ناحية أخرى لم تتوقف الاستثمارات التي تضخها الشركات الأجنبية في السوق الهندية الواعد، من شركة «مايكروسوفت» و«إنتل» و«إي إم دي»، إلى «سيسكو سيستمز» و«أي بي إم» التي أعلنت في العام 2006 عن توظيف «6 مليارات دولار» في صناعة المعلوماتية الهندية.
تدفق الشركات المتعددة الجنسيات
تدفقت الشركات المتعددة الجنسيات، التواقة إلى الاستفادة من عمال مهنيين قليلي الأجور ومن فتح أحد أكبر الأسواق في العالم، إلى الهند وكانت تكساس إنسترومنتس Texas Instruments أول شركة متعددة الجنسيات من أميركا تسلك إلى الهند وذلك في عام 1988، أما اليوم فإن ما يربو على 500 من كبريات الشركات العالمية تنجز عملياتها من بنغالور وحدها، ومن بينها «هيوليت باكارت»، و«ديل»، و«أي بي إم»، و«أكسنجور».
وقد لعب مركز تطوير إنتل دوراً رئيسياً في إستراتيجية الشركة لتطوير الرقائق إلكترونية الجديدة للحواسيب التي تتلاءم مع نظام التشغيل فيستا الذي طورته شركة مايكروسوفت، التي بدورها أقامت أحد مراكز البحوث الأساسية العالمية الثلاثة لها في بنغالور، على حين المركزان الآخران في الصين، وفي المقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة.
التجربة الهندية ببساطة
يتمثل نجاح التجربة الهندية في الكتلة البشرية الهائلة التي تتجاوز مليار نسمة في ذلك البلد، بالترافق مع انخفاض الأجور الذي ساعد بلا شك على زيادة قوة العمل هناك.
كما أن للنظام التعليمي في الهند قوته وفعاليته في توفير العمالة المدربة رخيصة التكلفة، ما ساهم في استيعاب تكنولوجيا الكمبيوتر استيعاباً جدياً على مدى سنوات طويلة، قبل أن تشرع بالتوأمة بين مختلف علوم الكمبيوتر كقاعدة تنطلق منها في صناعتي البرمجيات والخدمات.
ويساعد انتشار الجامعات والمعاهد التقنية المتخصصة على تخريج أعداد هائلة من أخصائيي تكنولوجيا المعلومات، وللعامل اللغوي دوره أيضاً في هذا الميدان إذ تعتبر لغة تقنية المعلومات الإنكليزية اللغة الرسمية الثانية في الهند. كما تحوز معظم الشركات الهندية العاملة في خدمات التطوير الخارجي على شهادات الجودة «الأيزو«، حتى ليمكن القول إن ثلاثة أرباع الشركات الحائزة شهادات الجودة المتعلقة بشركات تكنولوجيا المعلومات موجودة فعلياً في الهند.
وتوفر الهند رزمة من الإعفاءات الضريبية، فمزودات خدمة الإنترنت تحظى بإعفاءات تبلغ 5 سنوات، و10 سنوات للشركات العاملة في البحث العلمي، على حين المجمعات التقنية تحظى بإعفاءات تصل إلى 15 سنة..
وتتمتع الهند ببنية اتصالات قوية، وخاصة في مراكز الإنترنت، فمزودو الاتصالات اللاسلكية منتشرون في كل أنحاء الهند، علاوة على شبكة فاعلة من الأقمار الصناعية والكابلات البحرية، التي تؤمن اتصالاً جيداً مع جميع أنحاء العالم، وتضطلع هذه البنية التحتية العملاقة بدور مهم في تنمية خدمات التطوير للخارج، فتجعل الشركات الأجنبية على اتصال مستمر ودائم مع مزودي هذه الخدمات.
ويعود النجاح الهندي في ميدان تقنية المعلومات إلى تطوير حلول برمجية متقدمة، فهناك الكثير من التجارب الهندية الناجحة، التي مرت عليها سنوات من التطوير، وتشمل هذه التجارب حلول التجارة الإلكترونية، وحلول قواعد البيانات بكل أنواعها، وحلولاً محاسبية، وحلول النشر الإلكتروني، ما يسهل على الشركات الأجنبية الاعتماد الكامل على الشركات الهندية لاستعمال مثل هذه الحلول.
وقد فعلت الهند ذلك كله بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية مع فهم عامل الوقت على أنه قيمة تنافسية مع تنظيم بيع أنشطتها ومعارفها وخبراتها على شبكة الإنترنت.