لا يمكن لأي شخص يقوم بجولة في برلين اليوم أن يتصور كيف كان الجدار والاسلاك الشائكه تقسم تلك المدينة العالمية الحية ونابضه بالحياة طوال ٣٠ عاما تقريبا. بل انه يصعب على من يعيشون في برلين اليوم اقتفاء اثر ومعرفة مسار الجدار. في السنوات التي انقضت منذ التاسع من نوفمبر١٩٨٩ ، وهو اليوم الذي هدم فيه الجدار نما شطرا برلين معا. وقد بني هذا الجدار من قبل جمهورية المانيا الديمقراطيه ونظامها الحاكم لمنع سكانها من الفرار إلى الغرب. فقد شيدت حكومتها جدارا حول مواطنيها في ١٣ أغسطس ١٩٦١ لانه لم يعد من الممكن لها تحمل حركة النزوح. وبذلك تم تقسيم برلين وتقسيم المانيا وتقسيم اوروبا بشكل نهائي. فقد قطع الجدار لمدة ٢٩ عاما المدينة والبلد والقارة.
في تلك الفترة استعرض اللاجئون اليائسون ما لا يصدق من الابداع في محاولاتهم الراميه الى تسلق الجدار أو المرور من أنفاق تحته او حتى التحليق فوقه. ونحن نعلم اليوم ان اكثر من ١٠٠ شخص لقوا حتفهم في تلك المحاولات. ففي عام ١٩٦١ وبين عشية وضحاها دمر الجدار عمليا أسرا وصداقات وبدد خططا وآمال. في عملية بطيئه وصعبة تم إقناع جمهورية المانيا الديمقراطيه السابقة بإدخال نظام للزيارات مما ادى الى تراجع الألم الناتج عن الإنفصال بعض الشيء.
وقد أدت الإضطرابات وبوادر تفكك الكتلة الاشتراكيه في شرق أوروبا إلى خلق فرصة جديدة أمام برلين والألمان. ففي ٩ نوفمبر ١٩٨٩ فوجئ شعب برلين الشرقية والغربية بسقوط الجدار ، فاستقبلوا الحدث بدموع الفرح وبالأحضان. فقد سقط الجدار دون عنف بل وكان التغير نتيجة لملاحظه عابرة. احتفل الآلاف حول نقاط التفتيش الحدودية ، وفي طريق الكورفورستندام وعند بوابة براندنبورج. وستبقى تلك الليلة أبدا محفورة في ذاكرة برلين.
في ٣ أكتوبر ١٩٩٠ وبعد سنة واحدة تقريبا من سقوط الجدار أصبحت الوحدة الألمانيه حقيقة واقعة في القانون الدولي. وبذلك فاز في النهاية التصميم على تحقيق الحرية وحق تقرير المصير، وانضمت ولايات جمهورية ألمانيا الديمقراطية المعاد تأسيسها إلى جمهورية المانيا الاتحادية. وأضحت برلين التي كانت لعدة سنوات مركزا للحرب الباردة والمواجهات رمزا للوحدة الألمانيه ولمستقبل اوروبا.
واليوم لم يتبق من الجدار السابق الا أجزاء قليلة في عدد من الاماكن البارزة في برلين. المسؤولية التاريخية للحفاظ على هذه البقايا من الجدار للأجيال المقبلة تعد بمثابة التزام علينا. النصب التذكاري للجدار في شارع برناور Bernauer Strasse والذي تم افتتحه في عام ١٩٩٨ يحي ذكرى الحدود القاسيه وغير الإنسانيه.
أقدمت الحكومات الشموليه مرتين خلال القرن العشرين على جعل برلين مقرا لحكوماتهما. أما في نهاية هذا القرن فأصبحت برلين عاصمة ألمانيا حرة وموحدة وعضو في التحالفات الغربية وتعيش في سلام مع جيرانها ووجدت موقعها المعترف به في المجتمع الدولي. يقف ما تبقى من الجدار اليوم كنصب للذكرى والتنبيه. وهي تذكرنا بالديكتاتوريه الثانية القائمة على أرض المانيا فى هذا القرن و أيضا -- وقبل كل شيء -- بالضحايا. وهي تنبهنا بواجبنا للعمل الدئوب في سبيل إقرار السلام والحرية والعدالة.