العمل الكوميدي الناقد الشهير عاد هذا الموسم من بعد غياب ليخالف معظم التوقعات التي تنبأت بلوحات أقوى تحمل ما يتلاءم مع غياب العمل في مواسم ماضية بحجة "الحفاظ على مستوى رفيع وعدم الرغبة بتكرار الأفكار ذاتها" وهي مشكلة حقيقية وقع فيها العمل في أجزائه الأخيرة, ما من جديد حقيقي قدمه في لوحاته إلا ما ندر فذات العقلية النقدية المناورة التي ترمّز ما لم يعد من المقبول ترميزه حاليا وخاصة والأصوات اليوم تعلو مطالبة برفع مقص الرقيب عن الدراما السورية.
مرايا بعد غيابه لمواسم لم يقدم جديدا في معالجة المشكلات ولا حتى في طرحها حيث قدم انتقاده المعتاد وبأسلوبه المعتاد ولم يخرج عن موضوعاته إلا ما تم إضافته بطريقة إسعافية ليتلاءم مع الأحداث الأخيرة في العالم العربي ليبرز تفاوتا كبيرا بين لوحات تبدو وكأنها كتبت منذ سنوات وبين لوحات طارئة تحاول الركض للحاق بالحدث.
وهذه اللوحات أيضا لم تخل من الرقيب الذاتي الذي يفرضه أسلوب العمل العالق في فترة الثمانينات أو بأفضل أحواله بداية تسعينات "القرن الماضي" وإن تخلى العظمة عن شعره المستعار في لوحة من لوحات العمل إلا أنه لازال مصراً على تقديم نقده للمؤسسات الحكومية ومشكلاتها برمزية مستغربة في أيامنا هذه خاصة وأن الدراما السورية تجاوزت الكثير مما لازال يغوص به مرايا منذ سنوات, حتى في معالجته للمشكلات الاجتماعية وإن قدم مفارقات حياتية تخلق مواقف ساخرة وإن استعان المخرج سامر برقاوي بتقنيات حديثة كالغرافيك المقحم إقحاما دون ضرورة أو توظيف درامي فإن مرايا لم يقدر في هذا العام أن يسد الفجوة بينه وبين أجزائه الأولى ولا بينه وبين الأعمال الدرامية المستنسخة عنه حيث غابت الفكرة الجريئة والذكية والرمزية اللاذعة التي كان يمتاز بها في مواسم أقدم, وطغت اللغة الخطابية والنكتة المكرورة والبطل الواحد الطاغي بحضورة على العمل, وعاد الاعتماد التام على المفردات وثنائية" اللفظة واللهجة" التي قدمها ياسر العظمة لسنوات.
فضعف النصوص واضح وغير مبرر في عمل يعتمد على مجموعة كتّاب لا كاتب واحد, وغياب الكركتيرات الكوميدية لم يخفه الكاريزما القوية لنجوم العمل حيث شهد الجزء الجديد من مرايا عودة عدد من الفنانين الذين غابوا في أجزائه الأخيرة. وإن قدم العمل عددا من الوجوه الجديدة والشابة إلا أن إصرار ياسر العظمة على التمسك بدور المشرف العام والبطل الواحد لم يسمح بتوظيف هذه الدماء الجديدة في إنقاذ العمل من شيخوخته ورفده بروح شبابية فعالة.
لازالت لوحات العمل تناور بطريقة قديمة تبتعد تماما عن ما يمكن أن يكون مطلوبا اليوم من الكوميديا الاجتماعية الناقدة تقديمه خاصة ومع كثرة الأعمال المشابهة على تفاوت مستواها لكن يبقى ما يطلب من مدرسة درامية قائمة بحد ذاتها مثل" مرايا" الحفاظ على مستوى سابق وتطويره أو الامتناع فعلاً عن تقديم جديد لا يضيف جديداً خاصة وأن العمل كما يبدو حتى الآن يتجاهل أن مهارات المشاهدة لدى المتلقي العربي في تطور مستمر وأن على العمل اللحاق بهذه المهارات وتنميتها كما عودنا في سنوات بعيدة سابقة, فكيف غابت عن صُنّاع العمل القدرة على مجاراة الجديد الطارئ والمتطور طبيعيا في مجتمعاتنا العربية وهو ينتقد بمعظم لوحاته هرولة مجتمعاتنا ومؤسساتنا وأفكارنا في مكانها؟!! وإلا لتكن لوحته الختامية بعنوان "استروا ما شفتو منا".
عكس السير