هو مواطن سوري، قارئ لعدد كبير من عناوين الكتب (( العناوين فقط على الأغلب))، و اعتبر أن هذا كاف ليعلن نفسه مثقفا"، و يساريا" في معظم الحالات، يتبنى الماركسية و إن كان له العديد من المآخذ عليها، و باعتباره أصبح مثقفا" فيتوجب عليه لزاما" أن يكون معارضا". أهم إنجازات مثقفنا هذا أن وجوده بيننا أعاد الحياة إلى مصطلح (( الإنتلجنسيا ))، و هي طبقة المثقفين السوفييت في بداية عهد الاتحاد السوفييتي، كانت وظيفة هذه الطبقة التنظير للثورة البلشفية و الفكر الماركسي و العمل على تطويره و تكييفه مع الواقع و الأحداث المستجدة، الجميل في الأمر أنهم كانوا موظفين لدى الدولة السوفييتية، فالمثقف يذهب إلى دوامه و يدخل مكتبه ليفكر و يحلل و يقرأ و ينظْر و يكتب و يستلم راتبا" شهريا" مقابل ذلك. هذه الطبقة لم تكن طبعا" مع الملايين الذين أجبروا على ترك بيوتهم و أعمالهم و مدنهم و حشروا في الكولخوزات (المزارع الجماعية)، و لم تعايش هذه الطبقة بالطبع معاناة العمال في قطاعات الصناعة السوفييتية الآخذة بالاهتراء، و لم تكن مهمة هؤلاء المثقفين بطبيعة الحال إحصاء عدد الجثث المتجمدة في ثلوج ستالينغراد و سيبيريا. انهار الاتحاد السوفييتي لجملة عوامل و أسباب لكنني اعتقد شخصيا" أن الإنتلجنسيا و قصور أدائها كان أهم هذه الأسباب. الانتلجنسيا السورية على ضحالتها الثقافية تتبنى ما تعتبره حتى هذه اللحظة حراكا" مطلبيا" شعبيا"، هذا التبني يقوم بالأساس على افتراض استشراقي برأيي يقول بأن المثقف (( معارض بالفطرة ))، و لكنها في حالتنا معارضة العين الواحدة الضيقة، الأسوأ من ذلك أن مثقف الغفلة موضوع حديثنا يتميز بالجبن بشكل رئيسي، حيث أستطيع القول بضمير مرتاح جدا" أن لا أحد من هؤلاء الإخوة المثقفين مارس وجودا" فيزيائيا" في الشارع في كل الأحداث الأخيرة، لكنه مارس دوره كإنتلجنسيا بامتياز، فهو و لله الحمد الرافعة الشرعية و الفكرية للتخريب و الحرق و القتل على الهوية. و إلى أن يخرج من رحم الأزمة الحالية طبقة مثقفة حقيقية قادرة على فهم الشارع و قراءة الأحداث و تفنيدها و معايشتها على أرض الواقع بشكل رئيسي، إلى أن يأتي ذلك اليوم سيبقى مثقفو الغفلة كابوسنا الدائم إضافة إلى جملة كوابيس هذه المرحلة. في النهاية سؤال بريء جدا" إلى هؤلاء المثقفين: لماذا تلكلخ؟ لماذا تلبيسة؟ لماذا جسر الشغور؟ لماذا بابا عمرو؟.
زياد حسون
زياد حسون