لم أحس في حياتي بالعتب على النظام السوري كما أحسسته بالأمس
والسبب كان مشاهدتي -بعد انقطاع طويل- لبرنامج الاتجاه المعاكس
الذي جمع المعارض السوري محمد عبد الله وممثل السلطة في سوريا عبد المسيح الشامي
وكان عنوان الحلقة هو عن صلاحية النظام السوري للاستمرار ..
أنا لاأنكر أنني منقطع عن الجزيرة منذ زمن طويل، لكن ماقيل عن حلقة الاتجاه المعاكس السابقة
والتي أصابت المعارضة السورية بالجنون والاكتئاب كان السبب في لفت نظري
وخاصة بعدما رأيت معارضين ومؤيدين يتحرقون شوقا لهذه الحلقة التي بدت للمعارضين
كمباراة الثأر من هزيمة الاسبوع الماضي المجلجلة ..
وبدا المعارضون يتوعدون ويراهنون على هدّاف اسمه محمد عبدالله وكأنه مارادونا المعارضة ..
وقد أرغمت نفسي على رؤية هذا البرنامج
الذي كنت اعتبره في السابق لايساوي أكثر من حلقات مسلسل الكارتون توم وجيري
حيث يتصارع الطرفان بشكل كوميدي ويحضران المقالب والقفشات لبعضهما
والخطط الجهنمية للايقاع بالخصم بعيدا عن كل منطق
فيما يقوم فيصل القاسم بدور الكلب القوي والطرف الفاصل بين المعتدي (توم) والمظلوم (جيري) ...
هذا البرنامج ممجوج بالنسبة لي بعد ان رأيت برامج الحوار الغربية المتوازنة والرزينة
والثرية بالفائدة والنقد البناء والحوار الموضوعي بين أشد الخصوم تناقضا
دون الوصول للهستيريا التي تصلها في هذا البرنامج الرديء الذي لم يفعل شيئا
سوى تعميم ثقافة حوار عبس وتميم.. ومضر وتغلب.. وحوار المشارط اللسانية ..وحوار توم وجيري ..
قبل كل شيء لابد لي من القول ان حجم الصراخ والصياح والانفعال
جعلني أحس بالألم على وطني الذي يتقاتل فيه الناس أثناء الحوار
بالكلمات المكتوبة بالاسلاك الشائكة والمسيّجة بالأكاذيب..
وتصبح الألسنة سكاكين وسواطير والحروف مسامير تشبه مسامير صلب السيد المسيح
..فما سمعته وبالذات من المعارض السوري كان أشبه برقصة الموت الهائجة
التي ترقصها القبائل الافريقية في الأدغال عند احتفالات أكل لحم البشر
وكان أشبه بأغاني المشعوذين والسحرة حول النار
وأما ما أقنعني أن النظام ارتكب خطأ كبيرا ورزية من الرزايا
فهو ماسمعته من المعارض محمد عبد الله
لأنني اكتشفت أن سجن شخص مثله وهو بهذه السوية الفكرية الرديئة
والضحالة الأدبية دل على سوء تقدير النظام في اختيار الخصوم
لأن الانسان يباهي بخصومه اما مثل هذا الخصم فان التخاصم معه اذلال واهانة وتحقير لمن يخاصمه
فالخصوم من أمثال برنار ليفي وليفي شتراوس وفوكوياما وشيمون بيريز وصموئيل هنتينغتون
تزيد من مهابة المعركة ومن قدر من يخاصمهم
أما محمد عبدالله فان التخاصم معه لا يشبه الا التخاصم مع الحج صلاح في حارتنا
ـ وجيراني بالطبع في الحارة هم وحدهم يعرفون من هو الحج صلاح- ـأنا شخصيا لاأستطيع مناقشة شخص مثل محمد عبدالله لايستعمل أذنيه الا كديكور دون أن يكون لهما وظيفة الاستماع .. وأنا لاأستطيع مناقشة شخص يعتقد أن كل الدنيا خاطئة ولايعرف أن أجمل مافي النقاش الاستماع
والقاء الحجة والاعتراف بحجة الخصم ووثائقه -وهو هنا السلطة-ـ
وان أجمل مافي تخاصم الفرسان هو أن ينحني الفارس لنزاهة خصمه
مهما كان في جسده جراح منه
لكن مارأيناه بالأمس لم يكن فرسانا.. ولا نصالا تكسرت فوق النصال
وقد حكمت على محمد عبدالله منذ العبارة الأولى التي نطقها
على أنه شخص لايعرف شيئا عن الوضع في سوريا
وأنه في منفاه الأمريكي اختار ألا يتابع الا أخبار الجزيرة وفيلم الرعب الطويل الهوليوودي
الذي حبس نفسه يراقبه في الظلام وهو يدري أنه من اخراج تنسيقيات الثورة السورية
التي صار سكان الاسكيمو يعرفون كذبها
والتي صار مخرجو هوليوود يراجعون تجربتها فيما يسمى سينما (الشارع الوهمي)..
فمحمد عبدالله بدا حديثه بالرحمة على الشهداء ..
فأيدناه وترحمنا معه عليهم ..لكنه قال: وأخص بالذكر الطفل حمزة الخطيب
الذي عذب وقطع عضوه الذكري
) فأدركت على الفور أنني أمام رجل كذاب أو مغيب العقل
لأنني شخصيا عرفت أن حمزة الخطيب بالفعل لم يعذب
وأنه قضى بطلقات نارية أصيب بها ليلا أثناء هجومه مع مجموعة من مجانين درعا
على مساكن العسكريين السوريين بعد فتوى حقيرة بسبي نساء "الكفار".
.ولكي لاأتهم نفسي أنني أصدق الاعلام السوري ومحطة الدنيا ذهبت بنفسي منذ أسابيع
والتقيت الطبيب الذي استقبل جثته في اسعاف المشفى العسكري
في دمشق ليلة 28 – 5- 2011 ـ على ماأذكر ـ
وشاءت الصدف والأقدار أن هذا الطبيب ورئيس قسم الاسعاف هو صديق الطفولة
والذي بيني وبينه خبز وملح وأيام صداقة طويلة ومعاناة وهموم مشتركة
وأسرار اصدقاء منذ وعينا على هذه الدنيا ..
وقد سألته أن يصدقني القول عن قصة حمزة الخطيب وتعهدت له أن أحفظ السر
كما حفظت له أسرارا في الماضي..
فما كان منه الا أن طلب من زوجته أن تروي لي بنفسها ماذا قال لها
يوم وصول جثة حمزة الخطيب الى المشفى
فقالت لي ان زوجها وصل تلك الليلة متأخرا وأخبرها عن وصول بضعة قتلى من درعا
قتلوا في ذلك اليوم أثناء هجوم مجموعة مسلحة على سكن العسكريين
كما قال له العسكريون والجنود الدرعاويون البسطاء الذين نقلوا الجثث..
وكان أحد القتلى ضخما جدا واحتاج بالضبط ستة من عناصر الاسعاف الطبي لوضعه في النقالة
وكانت هذه الجثة لمراهق ضخم الجثة وقد اصيب بعيارات نارية قاتلة حديثا في درعا..
واستكمل صديقي قائلا: بقينا اسبوعا كاملا في المشفى ننتظر من يأتي للسؤال عن بعض الضحايا
التي لم نتعرف عليها ومن بينها تلك الجثة الضخمة فبعثنا الى محافظ درعا بالصور لسؤال الأهالي
عن أصحاب تلك الصور لتسليمها الى ذويها لدفنها
فعاد الرد أن الجثة الضخمة تعود لمراهق اسمه حمزة الخطيب
وهو من قرية تبعد عن المكان الذي قتل فيه 20 كيلو مترا ..
وتابع صديقي الطبيب قائلا: وقد تم اخراج الجثة سليمة وبحضوري من البراد
وارسالها الى درعا وبقيت في مشرحة درعا 3 أيام وبعدها فورا ظهرت على قناة الجزيرة
في أسنان عزمي بشارة ليلوك لحوم الأموات بطريقة حقيرة..
وكان صديقي الطبيب العسكري في حالة ذهول من حجم الكذب والنفاق في قصة حمزة الخطيب
وهو الشاهد على حقيقة ماحدث..
وتساءل بمرارة : ماذا كان هذا المراهق يفعل ليلا في سكن العسكريين
بعيدا عن قريته 20 كيلومترا ومعه مجموعة من المسلحين ..
وهل هذه القصة دليل دامغ على أن معظم الذين عرضوا في الاعلام المعارض
أكلت لحومهم بالكذب وعرضوا بهذه الطريقة المهينة لهم
وزج بهم في خانة الشهداء مثلهم مثل من قتلته اسرائيل..هذه اهانة للشهادة والشهداء..
وبالطبع ولأنني –كما رويت بالضبط وبصدق- أعرف قصة حمزة الخطيب من شاهد عيان أعرفه
منذ عقود وربما ألتقيه بشكل شبه يومي وأعرف أنه لم يكذب علي يوما
فقد عرفت أنني أمام افتتاحية محمد عبدالله أقف امام شخص جاهل وكذاب
أو على الأقل لايعتد برأيه طالما أنه لايعتمد الا على أخبار الحكواتيين ونسوان الثوار في الحارات و"الزنقات" ..
ورأيه مشروخ ومصاب بنقص المناعة ..
وأقل مايقال فيه أنه رأي رجل مقاهي وجلسات طاولات الزهر والأركيلة
حيث لاتوثيق ولاوثائق ولاتحقيق ولاصدقية
في وقت نطلب فيه كسوريين من المعارضين أن يتمتعوا بكل الصدق الشديد
وألا يلقوا الاتهامات جزافا لحساسية الوضع
ولكننا ابتلينا بقامات المعارضين الصغيرة والهزيلة والمريضة والتي تعتمد مقولة ـ لاأخلاق في الحرب ـ
ومقولة (كل شيء يجوز في الحب و..في الحرب)..
كم كان مهينا لنا أن يصنع رجل مخابرات من شخص مثل محمد عبدالله بطلا
وهو لايمكن أن يكون الا مناديا على بسطة أبو كاسم في صح النوم ـ أصابيع الببو الخيار ـ
فالتقطته المعارضة ليكون مؤذّنا لها لمواهب الانفلات الصوتي والكراهية العمياء
ولميزة عجيبة وهي غياب الاتصال بين الدماغ والأذنين وغياب قطعة كاملة من المخ
اسمها جهاز التفكير السليم وغرفة المحاكمة العقلية
ولميزة أخرى هي احتكاك نظام الكهرباء الدماغية دون حدوث ماس كهربائي
بل انهيار كل أنظمة التحكم بالمزاج والنشاط الفكري السليم.
محمد عبدالله رجل صغير على السجون السياسية المعروفة
أنها لقامات كبيرة وأستغرب من ضآلة حجمه السياسي كيف لم يتمكن من المرور عبر قضبانها
بل عبر أي ـ ثقوب منخل أو غربال سياسيـ
هذا رجل ماكان يجب القاؤه في السجن بل ارسال فريق طبي نفسي
للتعامل مع عقده وأزماته
هذا شخص غير سوي على الاطلاق والطريقة الانفعالية التي كان يهاجم بها
تدل على أنه ليس معارضا بل ـ خريج حبوس ـ
وان شركاءه في السجن لم يكونوا الا بسوية أبو عنتر وأبو النار وأبو صخر.
كنا بالأمس نكتشف أننا أمام رجل ناقم دخل السجن لشهرين
فلم يعد قادرا على التمييز بين الثأر الشخصي وبين دماء وطن..
وأنه يريد أن يكون نلسون مانديلا لأنه دخل السجن 60 يوما..
هلا قارنتم بين حكمة مانديلا الذي سجن أكثر من ربع قرن وخرج ليسامح سجانيه
وبين "ثويئر" صغير اسمه محمد عبد الله كان غاضبا بالأمس كما لو كان نلسون مانديللا سوريا.
.ويريد أن يحرق الدنيا وكأن عرش الرب اهتز بسبب سجنه..
مع فائق تعاطفي معه أثناء محنة السجن 60 يوما..
لكنها فورة التشفي والصغار وليست ثورة الفرسان..فلا تلوموه..
المعارض لايروّج الأكاذيب ولايتحدث بهذه الطريقة الانفعالية
لأنني شخصيا لاأصدق منفعلا سواء كان مع النظام أم ضد النظام ..
فالانفعال حالة نفسية يعرفها الطب النفسي جيدا ويعرف أنها تشبه
عملية استخراج الماء من بئر موحل
والهدوء هو الذي يأتي بالماء القراح والنقي العذب
فيما الهياج والتوتر يحرك الوحول ولانحصل الا على الوحل والمياه العكرة..المليئة بديدان القاع..
محمد عبدالله أهاننا جميعا عندما استغل منبر الجزيرة ليعلن أنه مجرد كاتب صغير
وجندي من جنود عزمي بشارة وكرر الدفاع عنه عشرات المرات ..
هل بعد فضيحة 45 دقيقة وـ الأردن بلاه ـ يجرؤ رجل محترم على الدفاع عن عزمي ..
حتى عزمي نفسه لم يتجرأ أن يبرر تلك الفضيح
أو أن يدلك لها ظهرها ويدهنها بالمراهم التي يستعملها للتبييض والتسكين
بل حتى العنصري سوموزا في أدغال افريقيا اعتبرها فضيحة مشينة ....
ومحمد عبدالله أهاننا لأنه أعلن أنه صعلوك صغير من صعاليك حمد وموزة
يدافع عن أبي لهب وامرأته حمالة الحطب
فهذا زمن يكفي فيه الاشادة بعزمي بشارة وحمد وموزة
كي نعرف أننا لسنا أمام صعلوك فالصعاليك شعراء وثوار
ـ بل أمام مملوك وضيع..وأننا ندشن عهد المماليك
...كبير المماليك عزمي بشارة وملكهم حمد المملوك لقاعدة العيديد والسيلية..
كنت أترقب ان أرى في محمد عبدالله معارضا سوريا
كانت الأقلام تتحدث عن قداسته لأنه دخل السجن
وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتابعه فيها مطولا
فحزنت بشدة أن يكون انتظاري على موعد مع وقت ضائع وثغاء ورثاء
وأن يكون مستوى المعارضة السورية بهذه الرداءة والقماءة والجهل والانحطاط .
.أنا لم أكن أنتظر من محمد عبدالله كي يقرأ لي ماذا قال منافحو النظام ومحطة الدنيا
وكذلك لم أكن أريده أن يكرر ماكتبت لجنة حقوق الانسان التي تملي عليها رزان زيتونة ورامي عبد الرحمن
كل أرقام الضحايا وكأنهما مراسلان حربيان اسرائيليان يضخمان أرقام خسائر العدو السوري
من المتظاهرين السلميين ولايذكران خسائرهما من المسلحين ـ الكوماندوز الاسرائيليين ـ
المسلحين بالبومباكشين والقناصات على أسطح الأبنية في سوريا..
انتظرت من محمد عبد الله أن يقول كمعارض شيئا ما عن نضال جنود وعن مئات الجنود المدفونين
في قمامات جسر الشغور .
.وعن وجثث نهر العاصي الذي صارت ماؤه حمراء لأيام كي يعيد علينا ذكريات دجلة عندما اقتحم هولاكو بغداد
رجال هولاكو سفكوا دماء العلم والكتب الزرقاء في دجلة
أما ثوار محمد عبد الله فلونوا نهر العاصي باللون القرمزي
.لون الدم والذبائح البشرية ورسموا عيوننا بأشلاء رجال مقطعة على يد دبيحة دير الزور..
تمنيت من محمد عبدالله أن يقر أن النظام لم يقتل الجميع بل ان البعض على الأقل قتلته "الثورة" ـ
وتمنيت منه أن لايستخف بعبارة المؤامرة وأن يسأل نفسه عن مصير الثوار السوريين
اذا ماانسحبت الجزيرة والعربية وبي بي سي وفرانس 24 واعلام العالم الغربي
والتركي واعلام ساركوزي وكاميرون وأوباما وبان كي مون..
هل كانوا سيستمرون أم سيختبؤون تحت الشراشف حيث لانصير ولاظهير؟؟ أم انهم مطمئنون
ان هذه الأمومة الاعلامية والحنان العالمي يحميهم من غضب النظام؟
ان كان كذلك فهذه ثورة ليست للسوريين بل ثورة للأغيار..وان كان كذلك فهؤلاء ثوار بيادق ..
والثورات الحقيقية لاتصنعها البيادق ..
ان كان من ميزة الاستماع للمعارضة هذه الأيام فهو ليس مراقبة ممثل الدفاع عن السلطة
ان كان قويا أم ضعيفا بل اكتشاف الكارثة التي كانت ستحل بنا من وصول هذه العصفوريات
المتنقلة والجرائم النائمة الى سدة الحكم تحت اسم المعارضة..
بعد مقابلة محمد عبدالله زاد تمسكي بالنظام وتقديري للرئيس الأسد الكبير في خصومته وزعامته،
ولكن هذا لايعفي النظام من لوم شديد لتصنيع نجوم المعارضة في السجون السياسية
بعض المعارضين السوريين يشبهون الشحادين المفلسين
الذين يعطيهم أحد المستهترين ورقة يانصيب رابحة ..فيتصرفون كالسادة وأبناء الذوات وربيبي السرايات .
والسجن هو تلك الورقة الرابحة ..هؤلاء المعارضون كقطع الظلام والليل الأسود الشتوي تدخل السجن
لترصع نفسها بنجوم وأقمار بلاستيكية ومصابيح على انها نجوم..
أخيرا لمحمد عبدالله نعتذر عن اهانة السجون السياسية بك
وكلي ثقة أن سهرة الأمس رسخت القناعة لدى الكثيرين أنك مرحب بك
لتسير في شوارع دمشق حرا
فأمثالك لايهزون العواصم العظيمة وأمثالك لايجب أن نعاملهم بالسجن
بل بالاهمال واللامبالاة وسدادات الأذنين وكتاباتك لاشك ليست نظريات
وماقلته عن قانون الطوارئ كان يقال في كل مكان..
ونؤكد لك أن ثورتك تآكلت وأن الصياد السوري قد أردى ببارودة الخردق ضباعا
مثل عزمي بشارة ورجب طيب أردوغان
وبالأمس ألحق بهما صفيكم وخليلكم وضاح خنفر..وهناك طيور بوم سوداء ستسقط قريبا
قبل أن يقطع رأس الأفعى التي تسللت الى الشجرة السورية..
بقلم نارام سرجون
والسبب كان مشاهدتي -بعد انقطاع طويل- لبرنامج الاتجاه المعاكس
الذي جمع المعارض السوري محمد عبد الله وممثل السلطة في سوريا عبد المسيح الشامي
وكان عنوان الحلقة هو عن صلاحية النظام السوري للاستمرار ..
أنا لاأنكر أنني منقطع عن الجزيرة منذ زمن طويل، لكن ماقيل عن حلقة الاتجاه المعاكس السابقة
والتي أصابت المعارضة السورية بالجنون والاكتئاب كان السبب في لفت نظري
وخاصة بعدما رأيت معارضين ومؤيدين يتحرقون شوقا لهذه الحلقة التي بدت للمعارضين
كمباراة الثأر من هزيمة الاسبوع الماضي المجلجلة ..
وبدا المعارضون يتوعدون ويراهنون على هدّاف اسمه محمد عبدالله وكأنه مارادونا المعارضة ..
وقد أرغمت نفسي على رؤية هذا البرنامج
الذي كنت اعتبره في السابق لايساوي أكثر من حلقات مسلسل الكارتون توم وجيري
حيث يتصارع الطرفان بشكل كوميدي ويحضران المقالب والقفشات لبعضهما
والخطط الجهنمية للايقاع بالخصم بعيدا عن كل منطق
فيما يقوم فيصل القاسم بدور الكلب القوي والطرف الفاصل بين المعتدي (توم) والمظلوم (جيري) ...
هذا البرنامج ممجوج بالنسبة لي بعد ان رأيت برامج الحوار الغربية المتوازنة والرزينة
والثرية بالفائدة والنقد البناء والحوار الموضوعي بين أشد الخصوم تناقضا
دون الوصول للهستيريا التي تصلها في هذا البرنامج الرديء الذي لم يفعل شيئا
سوى تعميم ثقافة حوار عبس وتميم.. ومضر وتغلب.. وحوار المشارط اللسانية ..وحوار توم وجيري ..
قبل كل شيء لابد لي من القول ان حجم الصراخ والصياح والانفعال
جعلني أحس بالألم على وطني الذي يتقاتل فيه الناس أثناء الحوار
بالكلمات المكتوبة بالاسلاك الشائكة والمسيّجة بالأكاذيب..
وتصبح الألسنة سكاكين وسواطير والحروف مسامير تشبه مسامير صلب السيد المسيح
..فما سمعته وبالذات من المعارض السوري كان أشبه برقصة الموت الهائجة
التي ترقصها القبائل الافريقية في الأدغال عند احتفالات أكل لحم البشر
وكان أشبه بأغاني المشعوذين والسحرة حول النار
وأما ما أقنعني أن النظام ارتكب خطأ كبيرا ورزية من الرزايا
فهو ماسمعته من المعارض محمد عبد الله
لأنني اكتشفت أن سجن شخص مثله وهو بهذه السوية الفكرية الرديئة
والضحالة الأدبية دل على سوء تقدير النظام في اختيار الخصوم
لأن الانسان يباهي بخصومه اما مثل هذا الخصم فان التخاصم معه اذلال واهانة وتحقير لمن يخاصمه
فالخصوم من أمثال برنار ليفي وليفي شتراوس وفوكوياما وشيمون بيريز وصموئيل هنتينغتون
تزيد من مهابة المعركة ومن قدر من يخاصمهم
أما محمد عبدالله فان التخاصم معه لا يشبه الا التخاصم مع الحج صلاح في حارتنا
ـ وجيراني بالطبع في الحارة هم وحدهم يعرفون من هو الحج صلاح- ـأنا شخصيا لاأستطيع مناقشة شخص مثل محمد عبدالله لايستعمل أذنيه الا كديكور دون أن يكون لهما وظيفة الاستماع .. وأنا لاأستطيع مناقشة شخص يعتقد أن كل الدنيا خاطئة ولايعرف أن أجمل مافي النقاش الاستماع
والقاء الحجة والاعتراف بحجة الخصم ووثائقه -وهو هنا السلطة-ـ
وان أجمل مافي تخاصم الفرسان هو أن ينحني الفارس لنزاهة خصمه
مهما كان في جسده جراح منه
لكن مارأيناه بالأمس لم يكن فرسانا.. ولا نصالا تكسرت فوق النصال
وقد حكمت على محمد عبدالله منذ العبارة الأولى التي نطقها
على أنه شخص لايعرف شيئا عن الوضع في سوريا
وأنه في منفاه الأمريكي اختار ألا يتابع الا أخبار الجزيرة وفيلم الرعب الطويل الهوليوودي
الذي حبس نفسه يراقبه في الظلام وهو يدري أنه من اخراج تنسيقيات الثورة السورية
التي صار سكان الاسكيمو يعرفون كذبها
والتي صار مخرجو هوليوود يراجعون تجربتها فيما يسمى سينما (الشارع الوهمي)..
فمحمد عبدالله بدا حديثه بالرحمة على الشهداء ..
فأيدناه وترحمنا معه عليهم ..لكنه قال: وأخص بالذكر الطفل حمزة الخطيب
الذي عذب وقطع عضوه الذكري
) فأدركت على الفور أنني أمام رجل كذاب أو مغيب العقل
لأنني شخصيا عرفت أن حمزة الخطيب بالفعل لم يعذب
وأنه قضى بطلقات نارية أصيب بها ليلا أثناء هجومه مع مجموعة من مجانين درعا
على مساكن العسكريين السوريين بعد فتوى حقيرة بسبي نساء "الكفار".
.ولكي لاأتهم نفسي أنني أصدق الاعلام السوري ومحطة الدنيا ذهبت بنفسي منذ أسابيع
والتقيت الطبيب الذي استقبل جثته في اسعاف المشفى العسكري
في دمشق ليلة 28 – 5- 2011 ـ على ماأذكر ـ
وشاءت الصدف والأقدار أن هذا الطبيب ورئيس قسم الاسعاف هو صديق الطفولة
والذي بيني وبينه خبز وملح وأيام صداقة طويلة ومعاناة وهموم مشتركة
وأسرار اصدقاء منذ وعينا على هذه الدنيا ..
وقد سألته أن يصدقني القول عن قصة حمزة الخطيب وتعهدت له أن أحفظ السر
كما حفظت له أسرارا في الماضي..
فما كان منه الا أن طلب من زوجته أن تروي لي بنفسها ماذا قال لها
يوم وصول جثة حمزة الخطيب الى المشفى
فقالت لي ان زوجها وصل تلك الليلة متأخرا وأخبرها عن وصول بضعة قتلى من درعا
قتلوا في ذلك اليوم أثناء هجوم مجموعة مسلحة على سكن العسكريين
كما قال له العسكريون والجنود الدرعاويون البسطاء الذين نقلوا الجثث..
وكان أحد القتلى ضخما جدا واحتاج بالضبط ستة من عناصر الاسعاف الطبي لوضعه في النقالة
وكانت هذه الجثة لمراهق ضخم الجثة وقد اصيب بعيارات نارية قاتلة حديثا في درعا..
واستكمل صديقي قائلا: بقينا اسبوعا كاملا في المشفى ننتظر من يأتي للسؤال عن بعض الضحايا
التي لم نتعرف عليها ومن بينها تلك الجثة الضخمة فبعثنا الى محافظ درعا بالصور لسؤال الأهالي
عن أصحاب تلك الصور لتسليمها الى ذويها لدفنها
فعاد الرد أن الجثة الضخمة تعود لمراهق اسمه حمزة الخطيب
وهو من قرية تبعد عن المكان الذي قتل فيه 20 كيلو مترا ..
وتابع صديقي الطبيب قائلا: وقد تم اخراج الجثة سليمة وبحضوري من البراد
وارسالها الى درعا وبقيت في مشرحة درعا 3 أيام وبعدها فورا ظهرت على قناة الجزيرة
في أسنان عزمي بشارة ليلوك لحوم الأموات بطريقة حقيرة..
وكان صديقي الطبيب العسكري في حالة ذهول من حجم الكذب والنفاق في قصة حمزة الخطيب
وهو الشاهد على حقيقة ماحدث..
وتساءل بمرارة : ماذا كان هذا المراهق يفعل ليلا في سكن العسكريين
بعيدا عن قريته 20 كيلومترا ومعه مجموعة من المسلحين ..
وهل هذه القصة دليل دامغ على أن معظم الذين عرضوا في الاعلام المعارض
أكلت لحومهم بالكذب وعرضوا بهذه الطريقة المهينة لهم
وزج بهم في خانة الشهداء مثلهم مثل من قتلته اسرائيل..هذه اهانة للشهادة والشهداء..
وبالطبع ولأنني –كما رويت بالضبط وبصدق- أعرف قصة حمزة الخطيب من شاهد عيان أعرفه
منذ عقود وربما ألتقيه بشكل شبه يومي وأعرف أنه لم يكذب علي يوما
فقد عرفت أنني أمام افتتاحية محمد عبدالله أقف امام شخص جاهل وكذاب
أو على الأقل لايعتد برأيه طالما أنه لايعتمد الا على أخبار الحكواتيين ونسوان الثوار في الحارات و"الزنقات" ..
ورأيه مشروخ ومصاب بنقص المناعة ..
وأقل مايقال فيه أنه رأي رجل مقاهي وجلسات طاولات الزهر والأركيلة
حيث لاتوثيق ولاوثائق ولاتحقيق ولاصدقية
في وقت نطلب فيه كسوريين من المعارضين أن يتمتعوا بكل الصدق الشديد
وألا يلقوا الاتهامات جزافا لحساسية الوضع
ولكننا ابتلينا بقامات المعارضين الصغيرة والهزيلة والمريضة والتي تعتمد مقولة ـ لاأخلاق في الحرب ـ
ومقولة (كل شيء يجوز في الحب و..في الحرب)..
كم كان مهينا لنا أن يصنع رجل مخابرات من شخص مثل محمد عبدالله بطلا
وهو لايمكن أن يكون الا مناديا على بسطة أبو كاسم في صح النوم ـ أصابيع الببو الخيار ـ
فالتقطته المعارضة ليكون مؤذّنا لها لمواهب الانفلات الصوتي والكراهية العمياء
ولميزة عجيبة وهي غياب الاتصال بين الدماغ والأذنين وغياب قطعة كاملة من المخ
اسمها جهاز التفكير السليم وغرفة المحاكمة العقلية
ولميزة أخرى هي احتكاك نظام الكهرباء الدماغية دون حدوث ماس كهربائي
بل انهيار كل أنظمة التحكم بالمزاج والنشاط الفكري السليم.
محمد عبدالله رجل صغير على السجون السياسية المعروفة
أنها لقامات كبيرة وأستغرب من ضآلة حجمه السياسي كيف لم يتمكن من المرور عبر قضبانها
بل عبر أي ـ ثقوب منخل أو غربال سياسيـ
هذا رجل ماكان يجب القاؤه في السجن بل ارسال فريق طبي نفسي
للتعامل مع عقده وأزماته
هذا شخص غير سوي على الاطلاق والطريقة الانفعالية التي كان يهاجم بها
تدل على أنه ليس معارضا بل ـ خريج حبوس ـ
وان شركاءه في السجن لم يكونوا الا بسوية أبو عنتر وأبو النار وأبو صخر.
كنا بالأمس نكتشف أننا أمام رجل ناقم دخل السجن لشهرين
فلم يعد قادرا على التمييز بين الثأر الشخصي وبين دماء وطن..
وأنه يريد أن يكون نلسون مانديلا لأنه دخل السجن 60 يوما..
هلا قارنتم بين حكمة مانديلا الذي سجن أكثر من ربع قرن وخرج ليسامح سجانيه
وبين "ثويئر" صغير اسمه محمد عبد الله كان غاضبا بالأمس كما لو كان نلسون مانديللا سوريا.
.ويريد أن يحرق الدنيا وكأن عرش الرب اهتز بسبب سجنه..
مع فائق تعاطفي معه أثناء محنة السجن 60 يوما..
لكنها فورة التشفي والصغار وليست ثورة الفرسان..فلا تلوموه..
المعارض لايروّج الأكاذيب ولايتحدث بهذه الطريقة الانفعالية
لأنني شخصيا لاأصدق منفعلا سواء كان مع النظام أم ضد النظام ..
فالانفعال حالة نفسية يعرفها الطب النفسي جيدا ويعرف أنها تشبه
عملية استخراج الماء من بئر موحل
والهدوء هو الذي يأتي بالماء القراح والنقي العذب
فيما الهياج والتوتر يحرك الوحول ولانحصل الا على الوحل والمياه العكرة..المليئة بديدان القاع..
محمد عبدالله أهاننا جميعا عندما استغل منبر الجزيرة ليعلن أنه مجرد كاتب صغير
وجندي من جنود عزمي بشارة وكرر الدفاع عنه عشرات المرات ..
هل بعد فضيحة 45 دقيقة وـ الأردن بلاه ـ يجرؤ رجل محترم على الدفاع عن عزمي ..
حتى عزمي نفسه لم يتجرأ أن يبرر تلك الفضيح
أو أن يدلك لها ظهرها ويدهنها بالمراهم التي يستعملها للتبييض والتسكين
بل حتى العنصري سوموزا في أدغال افريقيا اعتبرها فضيحة مشينة ....
ومحمد عبدالله أهاننا لأنه أعلن أنه صعلوك صغير من صعاليك حمد وموزة
يدافع عن أبي لهب وامرأته حمالة الحطب
فهذا زمن يكفي فيه الاشادة بعزمي بشارة وحمد وموزة
كي نعرف أننا لسنا أمام صعلوك فالصعاليك شعراء وثوار
ـ بل أمام مملوك وضيع..وأننا ندشن عهد المماليك
...كبير المماليك عزمي بشارة وملكهم حمد المملوك لقاعدة العيديد والسيلية..
كنت أترقب ان أرى في محمد عبدالله معارضا سوريا
كانت الأقلام تتحدث عن قداسته لأنه دخل السجن
وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتابعه فيها مطولا
فحزنت بشدة أن يكون انتظاري على موعد مع وقت ضائع وثغاء ورثاء
وأن يكون مستوى المعارضة السورية بهذه الرداءة والقماءة والجهل والانحطاط .
.أنا لم أكن أنتظر من محمد عبدالله كي يقرأ لي ماذا قال منافحو النظام ومحطة الدنيا
وكذلك لم أكن أريده أن يكرر ماكتبت لجنة حقوق الانسان التي تملي عليها رزان زيتونة ورامي عبد الرحمن
كل أرقام الضحايا وكأنهما مراسلان حربيان اسرائيليان يضخمان أرقام خسائر العدو السوري
من المتظاهرين السلميين ولايذكران خسائرهما من المسلحين ـ الكوماندوز الاسرائيليين ـ
المسلحين بالبومباكشين والقناصات على أسطح الأبنية في سوريا..
انتظرت من محمد عبد الله أن يقول كمعارض شيئا ما عن نضال جنود وعن مئات الجنود المدفونين
في قمامات جسر الشغور .
.وعن وجثث نهر العاصي الذي صارت ماؤه حمراء لأيام كي يعيد علينا ذكريات دجلة عندما اقتحم هولاكو بغداد
رجال هولاكو سفكوا دماء العلم والكتب الزرقاء في دجلة
أما ثوار محمد عبد الله فلونوا نهر العاصي باللون القرمزي
.لون الدم والذبائح البشرية ورسموا عيوننا بأشلاء رجال مقطعة على يد دبيحة دير الزور..
تمنيت من محمد عبدالله أن يقر أن النظام لم يقتل الجميع بل ان البعض على الأقل قتلته "الثورة" ـ
وتمنيت منه أن لايستخف بعبارة المؤامرة وأن يسأل نفسه عن مصير الثوار السوريين
اذا ماانسحبت الجزيرة والعربية وبي بي سي وفرانس 24 واعلام العالم الغربي
والتركي واعلام ساركوزي وكاميرون وأوباما وبان كي مون..
هل كانوا سيستمرون أم سيختبؤون تحت الشراشف حيث لانصير ولاظهير؟؟ أم انهم مطمئنون
ان هذه الأمومة الاعلامية والحنان العالمي يحميهم من غضب النظام؟
ان كان كذلك فهذه ثورة ليست للسوريين بل ثورة للأغيار..وان كان كذلك فهؤلاء ثوار بيادق ..
والثورات الحقيقية لاتصنعها البيادق ..
ان كان من ميزة الاستماع للمعارضة هذه الأيام فهو ليس مراقبة ممثل الدفاع عن السلطة
ان كان قويا أم ضعيفا بل اكتشاف الكارثة التي كانت ستحل بنا من وصول هذه العصفوريات
المتنقلة والجرائم النائمة الى سدة الحكم تحت اسم المعارضة..
بعد مقابلة محمد عبدالله زاد تمسكي بالنظام وتقديري للرئيس الأسد الكبير في خصومته وزعامته،
ولكن هذا لايعفي النظام من لوم شديد لتصنيع نجوم المعارضة في السجون السياسية
بعض المعارضين السوريين يشبهون الشحادين المفلسين
الذين يعطيهم أحد المستهترين ورقة يانصيب رابحة ..فيتصرفون كالسادة وأبناء الذوات وربيبي السرايات .
والسجن هو تلك الورقة الرابحة ..هؤلاء المعارضون كقطع الظلام والليل الأسود الشتوي تدخل السجن
لترصع نفسها بنجوم وأقمار بلاستيكية ومصابيح على انها نجوم..
أخيرا لمحمد عبدالله نعتذر عن اهانة السجون السياسية بك
وكلي ثقة أن سهرة الأمس رسخت القناعة لدى الكثيرين أنك مرحب بك
لتسير في شوارع دمشق حرا
فأمثالك لايهزون العواصم العظيمة وأمثالك لايجب أن نعاملهم بالسجن
بل بالاهمال واللامبالاة وسدادات الأذنين وكتاباتك لاشك ليست نظريات
وماقلته عن قانون الطوارئ كان يقال في كل مكان..
ونؤكد لك أن ثورتك تآكلت وأن الصياد السوري قد أردى ببارودة الخردق ضباعا
مثل عزمي بشارة ورجب طيب أردوغان
وبالأمس ألحق بهما صفيكم وخليلكم وضاح خنفر..وهناك طيور بوم سوداء ستسقط قريبا
قبل أن يقطع رأس الأفعى التي تسللت الى الشجرة السورية..
بقلم نارام سرجون