جهينة نيوز- بقلم: نارام سرجون:
ربما كانت الصداقة أرقى من الحب، لأن الحب هو ذروة العلاقة بين قلبين.. أما الصداقة فهي ذروة العلاقة بين عقلين وروحين..
لم يصل نصل سيف فولاذي إلى قلبي يوماً ليهزمني ويسقطني أرضاً رغم ما مررت به من تجارب قاسية.. لكن نصل الخيانة كان يخترقني بسهولة كما لو كان يسافر في الماء.. يا الله ما أقسى الخيانة وما أمرّها.. وكم تمنيت أن أموت ألف مرة على أن أواجه صديقاً خذلني.. وجاهر بالخيانة من عينيه إلى عينيّ..
لم يعبّر مشهد عن فجيعتي بالخيانة مثل مشهد مؤثر في فيلم (قلب شجاع) لـ"ميل جيبسون".. الذي تحدّث عن سيرة حياة قائد الثورة الاسكتلندية "ويليام والاس".. في ذلك المشهد المؤلم الذي لا يُنسى وأثناء معركة فولكيرك بين الاسكتلنديين والانكليز يلوّح والاس لحلفائه بالراية لينضموا إليه، فيرى على وجوههم السخرية قبل أن يديروا خيولهم ويتركوه لمصيره مشدوهاً يتجرع الهزيمة ويتلقى السهام..
عند اكتشاف ويليام والاس تخلي الأصدقاء والحلفاء الذين جاؤوا كما وعدوه للقتال في ميدان فولكيرك.. يتنبّه إلى فارس مقنّع يقف إلى يمين عدوه اللدود الملك الانكليزي "لونغشانكس" الذي كان يرمق هزيمة "والاس" بتشفّ قبل أن يغادر موكبه الميدان.. وعندما لحق والاس بموكب الملك بعد أن أدرك أنه تعرّض لخيانة وهُزم في معركة فولكيرك.. ارتد إليه الفارس المقنّع ليتصدى له وليسقطه عن ظهر جواده.. فيسقط بلا حراك.. ولما ترجّل الفارس المقنّع للتأكد من موت "والاس" وللإجهاز عليه يفاجئه الأخير بالنهوض ليمسك به ويظفر به.. ثم يستل والاس خنجره ويرفع القناع الحديدي لينحر الفارس المقنع.. لكن واحسرتاه.. كان ذلك الفارس المقنّع هو صديقه "روبرت بروس" أحد النبلاء الاسكتلنديين الذي تحالف معه وتصافحا وتعاهدا على القتال من أجل الحرية وهزيمة الانكليز الذين احتلوهم واستباحوهم.. وتبيّن أن روبرت بروس قد تمّ شراؤه من قبل الملك الانكليزي في صفقة سرية.. وبدل أن يأتي للميدان لمؤازرة والاس كما تعاهدا كان روبرت بجوار الملك يراقب من تحت قناعه صديقه والاس وهو يتلقى السهام..
هذا المشهد لا شك لديّ أن معظمنا قد رآه في فيلم (قلب شجاع).. لكنني أدعوكم لرؤيته ثانية الآن.. ولتتأملوا من جديد في نظرة الحزن والخيبة والصدمة التي بدت في عيون صاحب "القلب الشجاع" ويليام والاس وهو لايصدّق أن يخونه صديقه.. صدمة جعلته يتراجع مصدوماً يترنح..
ويجلس منهاراً لا يقدر إلا على أن تدمع عيناه وهما تتأملان صديقه وتعاتبانه على هذه القسوة.. قسوة الخيانة.. حتى أن والاس لم يقدر على إنزال العقاب بالصديق الخائن.. بل يستلقي أرضاً وهو يرى جنود الانكليز قادمين للظفر به.. هزيمة نفسه كانت أعظم من آلامه وجراحه والسهم الذي استقر في صدره.. هزيمة جعلت الموت بالسيف لذيذاً جداً بالمقارنة مع البقاء في حياة يتذوق فيها ذكرى هذه اللحظة المريرة القاسية.. تابعوا المشهد:
https://www.youtube.com/watch?v=bMQAnhIzGbA
هذا المشهد أريد أن أهديه إلى قادة حماس.. فرداً فرداً.. وأتمنى أن يقرؤوا في وجه ويليام والاس.. وجه كل سوري ينظر في ملامح الخيبة.. التي لم نتوقعها من بعضهم.. بل إن أحد الأصدقاء قال إنه يرى تشابهاً بين ملامح روبرت بروس في المشهد والسيد إسماعيل هنية، وتشابهاً بين ملامح "والاس" والرئيس بشار الأسد.. ولفتني هذا الصديق اللماح إلى نظرة الخجل والعار لدى روبرت بروس وهو يحدّق في والاس وشبّهها باللحظة التي مسح فيها السيد إسماعيل هنية عينيه المتعرقتين وهو يحيّ شعب سورية من على منبر الأزهر.. لأنه يدرك أنه طعن من لا يطعن في الظهر.. حتى الآن لم تقل القيادة السورية شيئاً واحداً عن حماس.. وتركت الأمر للتخمينات، بل إن المواقع الرسمية السورية تورد متناقضات الأخبار عن حماس.. فهنا خبر عن بقاء حماس وهناك خبر عن رحيل حماس.. واليوم هجوم من حماس على "وحشية" النظام، وبالأمس حياد ورغبة بشفاء الأخ السوري الحاضن للمقاومة.. وشكر وعرفان بفضل الرئيس الأسد.. لن أكترث برأي القيادة السورية ومجاملاتها وحساباتها ولا بدقة موقف حماس وحساسيته.. لكني سأقول رأيي بأن حماس لم تكن حصيفة بهذا الصمت الطويل الذي يبدو أنه انتهى إلى موقف مجامل للثورجيين.. وكان من الحصافة أن تبقى صامتة وأن تبقى على الحياد على الأقل إن لم ترد أن تمارس شجاعة الفرسان في رد الجميل للسوريين الذين أسكنوها قلوبهم عندما ضاقت الدنيا عليها.. هل حماس لم تستطع أن ترى حجم نفور الشارع السوري من الربيع العربي.. وثوار الناتو؟.. ألم تتمكن عيونها من رصد التأييد الذي يتمتّع به الرئيس الأسد واتجاهه الإصلاحي؟.. بل ربما لم تعرف مكانة سورية في حماس نفسها.. بل إن مشهد إسماعيل هنية أذلّني وأهانني وهو منحنٍ لتقبيل يد القرضاوي بتذلل وخضوع وعبودية حتى كاد يلامس الأرض.. هل التقطت الصورة وهو راكع، أم أنه كان يهمّ بالسجود؟؟.. هل صارت للبندقية لحية؟؟ فصارت البندقية تلتحي وتصوم عن الرصاص وتنحني وتركع وتسجد؟؟؟!!.. وهل الأحزمة الناسفة التي جعلت نصف مليون إسرائيلي يغادرون فلسطين هرباً تقبّل الأيادي؟؟.. هنية يقبل يد القرضاوي؟؟ لماذا؟؟ لأنه بارك الناتو لدخول ليبيا؟ ولأنه أفتى بقتل السوريين والحرب الأهلية؟ أم لأنه ركب الموج بنفسه إلى غزة ليفك حصارها؟ أم لأنه تسلل عبر أنفاقها بنفسه أو أرسل إسلامييه لتهريب السلاح على أكتافهم كما فعل سامي شهاب المقاتل من حزب الله؟..
إن عيني لا تصدق عيني.. هل هي فبركة الثورجيين؟؟.. هل هي ألاعيب الفوتوشوب؟؟ الصورة مقلوبة لاشك.. لأن القرضاوي هو من يجب أن ينحني ويقبل يد زعيم حماس.. لأن هنية هو زعيم الاستشهاديين الذين دوّخوا الدنيا بفدائيتهم.. ولولاهم لما كان للقرضاوي ولكل رجال الدين الإسلامي قيمة في العالم.
فالقرضاوي وكل الدعاة جيء بهم إلى وظائفهم الإفتائية وتمّ تلميعهم من أجل أن يتمّ الاستيلاء على أعمال الاستشهاديين ومنظمات المقاومة.. حماس وحزب الله والمقاومون العرب جاؤوا بالعمليات الاستشهادية إلى فلسطين ومناطق الاحتلال.. والقرضاوي وفريقه الجهادي أخذوا الاستشهاديين إلى خارج فلسطين وضلّلوهم وأبعدوهم عنها.. وتذوّق كل المسلمين أضعاف ما تذوقه الإسرائيليون على يد آلاف الانتحاريين الذين لا نعرفهم.. والذين انتشروا في كل مدن الإسلام من باكستان حتى المغرب - باستثناء إسرائيل- وأخذوا معهم أرواح عشرات آلاف المسلمين!! كل هذه المصائب بسبب هذا القرضاوي واللحيدان والظواهري وأتباعهما..
مشهد آخر أكثر ألماً قدمه لنا السيد إسماعيل هنية الذي ظهر يلقي العباءة البيضاء على كتفي موزة.. هنية كان في ذلك المشهد المهين ينزع الكوفية البيضاء الشهيرة عن رأس الشيخ أحمد ياسين ليغطي بها أكتاف موزة.. والبندقية بذلك تعلن أنها تدخل إلى القصور لتستحم بالنفط.. لتسرّح شعرها وتلبس الحلي والأقراط والأساور بدل الرصاص.. ولتتخفف من عبء الرصاص في مخازنها كي تسترخي.. في الجاكوزي.. فماذا يمكن أن تعطي واحدة مثل موزة للبندقية إلا حمام الجاكوزي.. أو أن تزوّجها من هنري ليفي أو ساركوزي.. على سنة الله ورسوله "الموزي"؟؟!!...
ستخطئون كثيراً إن قرأتم مقالتي هجوماً على حماس.. لأنني وبصراحة لا أقدر إلا أن أحب حماس.. فلن يحزنني فراق أردوغان ولاحمد ولا الغنوشي ولا جنبلاط.. لكن سيحزنني فراق حماس، لأن حماس ليست فقط إسماعيل هنية والبردويل وأبو مرزوق وخالد مشعل.. حماس هي التي علمتني الشهادة.. والعطاء.. والبسالة.. حماس هي التي جعلت شباباً يافعين يجبرون سيناتورات أميركا وجنرالات الناتو على الإصغاء لفلسطين بانبهار.. وحماس هي الشباب الذين دوى انفجار أجسادهم في قوافل الجنود الإسرائيليين في القدس وتل أبيب مراراً حتى اهتز القمر وتشقق.. وعلقت أشلاء أجسادهم وشظايا قلوبهم الفلسطينية على صخور المريخ.. وحماس التي أحبها هي المهندس يحيى عياش وقيس عدوان وأبو هنّود وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وكثيرون جداً رأيتهم برتقالاً فلسطينياً يتحول إلى رصاص وقنابل تماماً كما كان يحلم غسان كنفاني في قصص "حق لايموت".
وأنا كمواطن سوري لا يهمني حماس ولا قيادة حماس بل اتجاه حماس.. فكلما اقتربت حماس من قطر اقتربت من أميركا.. وكلما ابتعدت عنها اقتربت من القدس.. وأنا لم أقاتل يوماً من أجل حماس بل من أجل فلسطين كلها.. قاتل أبي قبلي من أجل فلسطين بحماس وبغير حماس.. وقاتلت أنا بحماس وبغير حماس.. وسيقاتل من بعدنا جيل آخر بحماس وبغير حماس، لأنني لا أملك حماس بل أملك فلسطين من البحر إلى النهر.. ولأنني سوري فإن فلسطين هي قطعة من قلبي.. والقلب لا يشق ولا يباع بالقطع بين حماس وغير حماس..
لا أدري إن كان السيد إسماعيل هنية يدرك ما يفعل.. أو أنه استدرج إلى فخاخ لا قبل له بها ولا بخبثها.. ولا أدري إن كان طيب السريرة ولم يقصد إهانة البارود والرصاص.. وأنه بما يفعل إنما يحشو الأحزمة الناسفة لحماس بالنفط والغاز والدولار.. ويذخّر بنادقه بالماء.. ويوجه صواريخ القسام إلى صدر عز الدين القسام.. لأن في صفوف حماس حتماً من لا يرى ما يراه القادة!!!..
ولا أدري إن كانت قيادة حماس تدرك خطورة ما تقدم عليه إن هي تخلت فعلاً عن دمشق ودخلت قفص الزوجية في قطر أو غير قطر.. فسيأتي زمن يتحدث فيه التاريخ ليقول: في مكان ما من قاسيون قتل قابيل هابيل.. وهناك في الأزهر الشريف قتل قابيل نفسه.. وسيقول أعداء فلسطين لأبناء فلسطين بخبث يوماً.. نريد أن نساعدكم.. ولكننا لا نريد أن نتذوق ما تذوقه السوريون من خيانة "بعضكم"..
أنا من يعرف الفلسطيني.. الفلسطيني لايخون.. والفلسطيني لا يبيع ولا يتاجر في دكاكين السياسة.. والفلسطيني يعانق جذور الزيتون وأشجار البرتقال وليس آبار النفط.. والفلسطيني قد ينحني عند عبور الأنفاق لكنه لا يركع عند حقول الغاز.. والفلسطيني لا ينحني ليقبل الأيدي.. بل هو من تنحني له المآذن كلها.. والكنائس.. والقصور.. الفلسطيني هو القلب الشجاع الذي يجب أن يعانق القلب الشجاع.. قلب الرئيس بشار الأسد.
ربما كانت الصداقة أرقى من الحب، لأن الحب هو ذروة العلاقة بين قلبين.. أما الصداقة فهي ذروة العلاقة بين عقلين وروحين..
لم يصل نصل سيف فولاذي إلى قلبي يوماً ليهزمني ويسقطني أرضاً رغم ما مررت به من تجارب قاسية.. لكن نصل الخيانة كان يخترقني بسهولة كما لو كان يسافر في الماء.. يا الله ما أقسى الخيانة وما أمرّها.. وكم تمنيت أن أموت ألف مرة على أن أواجه صديقاً خذلني.. وجاهر بالخيانة من عينيه إلى عينيّ..
لم يعبّر مشهد عن فجيعتي بالخيانة مثل مشهد مؤثر في فيلم (قلب شجاع) لـ"ميل جيبسون".. الذي تحدّث عن سيرة حياة قائد الثورة الاسكتلندية "ويليام والاس".. في ذلك المشهد المؤلم الذي لا يُنسى وأثناء معركة فولكيرك بين الاسكتلنديين والانكليز يلوّح والاس لحلفائه بالراية لينضموا إليه، فيرى على وجوههم السخرية قبل أن يديروا خيولهم ويتركوه لمصيره مشدوهاً يتجرع الهزيمة ويتلقى السهام..
عند اكتشاف ويليام والاس تخلي الأصدقاء والحلفاء الذين جاؤوا كما وعدوه للقتال في ميدان فولكيرك.. يتنبّه إلى فارس مقنّع يقف إلى يمين عدوه اللدود الملك الانكليزي "لونغشانكس" الذي كان يرمق هزيمة "والاس" بتشفّ قبل أن يغادر موكبه الميدان.. وعندما لحق والاس بموكب الملك بعد أن أدرك أنه تعرّض لخيانة وهُزم في معركة فولكيرك.. ارتد إليه الفارس المقنّع ليتصدى له وليسقطه عن ظهر جواده.. فيسقط بلا حراك.. ولما ترجّل الفارس المقنّع للتأكد من موت "والاس" وللإجهاز عليه يفاجئه الأخير بالنهوض ليمسك به ويظفر به.. ثم يستل والاس خنجره ويرفع القناع الحديدي لينحر الفارس المقنع.. لكن واحسرتاه.. كان ذلك الفارس المقنّع هو صديقه "روبرت بروس" أحد النبلاء الاسكتلنديين الذي تحالف معه وتصافحا وتعاهدا على القتال من أجل الحرية وهزيمة الانكليز الذين احتلوهم واستباحوهم.. وتبيّن أن روبرت بروس قد تمّ شراؤه من قبل الملك الانكليزي في صفقة سرية.. وبدل أن يأتي للميدان لمؤازرة والاس كما تعاهدا كان روبرت بجوار الملك يراقب من تحت قناعه صديقه والاس وهو يتلقى السهام..
هذا المشهد لا شك لديّ أن معظمنا قد رآه في فيلم (قلب شجاع).. لكنني أدعوكم لرؤيته ثانية الآن.. ولتتأملوا من جديد في نظرة الحزن والخيبة والصدمة التي بدت في عيون صاحب "القلب الشجاع" ويليام والاس وهو لايصدّق أن يخونه صديقه.. صدمة جعلته يتراجع مصدوماً يترنح..
ويجلس منهاراً لا يقدر إلا على أن تدمع عيناه وهما تتأملان صديقه وتعاتبانه على هذه القسوة.. قسوة الخيانة.. حتى أن والاس لم يقدر على إنزال العقاب بالصديق الخائن.. بل يستلقي أرضاً وهو يرى جنود الانكليز قادمين للظفر به.. هزيمة نفسه كانت أعظم من آلامه وجراحه والسهم الذي استقر في صدره.. هزيمة جعلت الموت بالسيف لذيذاً جداً بالمقارنة مع البقاء في حياة يتذوق فيها ذكرى هذه اللحظة المريرة القاسية.. تابعوا المشهد:
https://www.youtube.com/watch?v=bMQAnhIzGbA
هذا المشهد أريد أن أهديه إلى قادة حماس.. فرداً فرداً.. وأتمنى أن يقرؤوا في وجه ويليام والاس.. وجه كل سوري ينظر في ملامح الخيبة.. التي لم نتوقعها من بعضهم.. بل إن أحد الأصدقاء قال إنه يرى تشابهاً بين ملامح روبرت بروس في المشهد والسيد إسماعيل هنية، وتشابهاً بين ملامح "والاس" والرئيس بشار الأسد.. ولفتني هذا الصديق اللماح إلى نظرة الخجل والعار لدى روبرت بروس وهو يحدّق في والاس وشبّهها باللحظة التي مسح فيها السيد إسماعيل هنية عينيه المتعرقتين وهو يحيّ شعب سورية من على منبر الأزهر.. لأنه يدرك أنه طعن من لا يطعن في الظهر.. حتى الآن لم تقل القيادة السورية شيئاً واحداً عن حماس.. وتركت الأمر للتخمينات، بل إن المواقع الرسمية السورية تورد متناقضات الأخبار عن حماس.. فهنا خبر عن بقاء حماس وهناك خبر عن رحيل حماس.. واليوم هجوم من حماس على "وحشية" النظام، وبالأمس حياد ورغبة بشفاء الأخ السوري الحاضن للمقاومة.. وشكر وعرفان بفضل الرئيس الأسد.. لن أكترث برأي القيادة السورية ومجاملاتها وحساباتها ولا بدقة موقف حماس وحساسيته.. لكني سأقول رأيي بأن حماس لم تكن حصيفة بهذا الصمت الطويل الذي يبدو أنه انتهى إلى موقف مجامل للثورجيين.. وكان من الحصافة أن تبقى صامتة وأن تبقى على الحياد على الأقل إن لم ترد أن تمارس شجاعة الفرسان في رد الجميل للسوريين الذين أسكنوها قلوبهم عندما ضاقت الدنيا عليها.. هل حماس لم تستطع أن ترى حجم نفور الشارع السوري من الربيع العربي.. وثوار الناتو؟.. ألم تتمكن عيونها من رصد التأييد الذي يتمتّع به الرئيس الأسد واتجاهه الإصلاحي؟.. بل ربما لم تعرف مكانة سورية في حماس نفسها.. بل إن مشهد إسماعيل هنية أذلّني وأهانني وهو منحنٍ لتقبيل يد القرضاوي بتذلل وخضوع وعبودية حتى كاد يلامس الأرض.. هل التقطت الصورة وهو راكع، أم أنه كان يهمّ بالسجود؟؟.. هل صارت للبندقية لحية؟؟ فصارت البندقية تلتحي وتصوم عن الرصاص وتنحني وتركع وتسجد؟؟؟!!.. وهل الأحزمة الناسفة التي جعلت نصف مليون إسرائيلي يغادرون فلسطين هرباً تقبّل الأيادي؟؟.. هنية يقبل يد القرضاوي؟؟ لماذا؟؟ لأنه بارك الناتو لدخول ليبيا؟ ولأنه أفتى بقتل السوريين والحرب الأهلية؟ أم لأنه ركب الموج بنفسه إلى غزة ليفك حصارها؟ أم لأنه تسلل عبر أنفاقها بنفسه أو أرسل إسلامييه لتهريب السلاح على أكتافهم كما فعل سامي شهاب المقاتل من حزب الله؟..
إن عيني لا تصدق عيني.. هل هي فبركة الثورجيين؟؟.. هل هي ألاعيب الفوتوشوب؟؟ الصورة مقلوبة لاشك.. لأن القرضاوي هو من يجب أن ينحني ويقبل يد زعيم حماس.. لأن هنية هو زعيم الاستشهاديين الذين دوّخوا الدنيا بفدائيتهم.. ولولاهم لما كان للقرضاوي ولكل رجال الدين الإسلامي قيمة في العالم.
فالقرضاوي وكل الدعاة جيء بهم إلى وظائفهم الإفتائية وتمّ تلميعهم من أجل أن يتمّ الاستيلاء على أعمال الاستشهاديين ومنظمات المقاومة.. حماس وحزب الله والمقاومون العرب جاؤوا بالعمليات الاستشهادية إلى فلسطين ومناطق الاحتلال.. والقرضاوي وفريقه الجهادي أخذوا الاستشهاديين إلى خارج فلسطين وضلّلوهم وأبعدوهم عنها.. وتذوّق كل المسلمين أضعاف ما تذوقه الإسرائيليون على يد آلاف الانتحاريين الذين لا نعرفهم.. والذين انتشروا في كل مدن الإسلام من باكستان حتى المغرب - باستثناء إسرائيل- وأخذوا معهم أرواح عشرات آلاف المسلمين!! كل هذه المصائب بسبب هذا القرضاوي واللحيدان والظواهري وأتباعهما..
مشهد آخر أكثر ألماً قدمه لنا السيد إسماعيل هنية الذي ظهر يلقي العباءة البيضاء على كتفي موزة.. هنية كان في ذلك المشهد المهين ينزع الكوفية البيضاء الشهيرة عن رأس الشيخ أحمد ياسين ليغطي بها أكتاف موزة.. والبندقية بذلك تعلن أنها تدخل إلى القصور لتستحم بالنفط.. لتسرّح شعرها وتلبس الحلي والأقراط والأساور بدل الرصاص.. ولتتخفف من عبء الرصاص في مخازنها كي تسترخي.. في الجاكوزي.. فماذا يمكن أن تعطي واحدة مثل موزة للبندقية إلا حمام الجاكوزي.. أو أن تزوّجها من هنري ليفي أو ساركوزي.. على سنة الله ورسوله "الموزي"؟؟!!...
ستخطئون كثيراً إن قرأتم مقالتي هجوماً على حماس.. لأنني وبصراحة لا أقدر إلا أن أحب حماس.. فلن يحزنني فراق أردوغان ولاحمد ولا الغنوشي ولا جنبلاط.. لكن سيحزنني فراق حماس، لأن حماس ليست فقط إسماعيل هنية والبردويل وأبو مرزوق وخالد مشعل.. حماس هي التي علمتني الشهادة.. والعطاء.. والبسالة.. حماس هي التي جعلت شباباً يافعين يجبرون سيناتورات أميركا وجنرالات الناتو على الإصغاء لفلسطين بانبهار.. وحماس هي الشباب الذين دوى انفجار أجسادهم في قوافل الجنود الإسرائيليين في القدس وتل أبيب مراراً حتى اهتز القمر وتشقق.. وعلقت أشلاء أجسادهم وشظايا قلوبهم الفلسطينية على صخور المريخ.. وحماس التي أحبها هي المهندس يحيى عياش وقيس عدوان وأبو هنّود وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وكثيرون جداً رأيتهم برتقالاً فلسطينياً يتحول إلى رصاص وقنابل تماماً كما كان يحلم غسان كنفاني في قصص "حق لايموت".
وأنا كمواطن سوري لا يهمني حماس ولا قيادة حماس بل اتجاه حماس.. فكلما اقتربت حماس من قطر اقتربت من أميركا.. وكلما ابتعدت عنها اقتربت من القدس.. وأنا لم أقاتل يوماً من أجل حماس بل من أجل فلسطين كلها.. قاتل أبي قبلي من أجل فلسطين بحماس وبغير حماس.. وقاتلت أنا بحماس وبغير حماس.. وسيقاتل من بعدنا جيل آخر بحماس وبغير حماس، لأنني لا أملك حماس بل أملك فلسطين من البحر إلى النهر.. ولأنني سوري فإن فلسطين هي قطعة من قلبي.. والقلب لا يشق ولا يباع بالقطع بين حماس وغير حماس..
لا أدري إن كان السيد إسماعيل هنية يدرك ما يفعل.. أو أنه استدرج إلى فخاخ لا قبل له بها ولا بخبثها.. ولا أدري إن كان طيب السريرة ولم يقصد إهانة البارود والرصاص.. وأنه بما يفعل إنما يحشو الأحزمة الناسفة لحماس بالنفط والغاز والدولار.. ويذخّر بنادقه بالماء.. ويوجه صواريخ القسام إلى صدر عز الدين القسام.. لأن في صفوف حماس حتماً من لا يرى ما يراه القادة!!!..
ولا أدري إن كانت قيادة حماس تدرك خطورة ما تقدم عليه إن هي تخلت فعلاً عن دمشق ودخلت قفص الزوجية في قطر أو غير قطر.. فسيأتي زمن يتحدث فيه التاريخ ليقول: في مكان ما من قاسيون قتل قابيل هابيل.. وهناك في الأزهر الشريف قتل قابيل نفسه.. وسيقول أعداء فلسطين لأبناء فلسطين بخبث يوماً.. نريد أن نساعدكم.. ولكننا لا نريد أن نتذوق ما تذوقه السوريون من خيانة "بعضكم"..
أنا من يعرف الفلسطيني.. الفلسطيني لايخون.. والفلسطيني لا يبيع ولا يتاجر في دكاكين السياسة.. والفلسطيني يعانق جذور الزيتون وأشجار البرتقال وليس آبار النفط.. والفلسطيني قد ينحني عند عبور الأنفاق لكنه لا يركع عند حقول الغاز.. والفلسطيني لا ينحني ليقبل الأيدي.. بل هو من تنحني له المآذن كلها.. والكنائس.. والقصور.. الفلسطيني هو القلب الشجاع الذي يجب أن يعانق القلب الشجاع.. قلب الرئيس بشار الأسد.