قررتُ أن يكون اليومً فنجاني / بلا رفاق ٍ / ..و بلا ثرثرة ٍ تتراقص على نغم ٍ هابط ٍ قاتلٍ للوقت ..
أسرعت هاربة من نفسي .. و عانقت أحجار الأرصفة المتراصة بفنٍ .. و المتأملة ً إياي كمجنون يهرول إلى اللاشيئ .. بحثت عن ركن دافء يحتضنني و أمتعتي : من ذكريات و مناديل إجمع فيها ضحكاتي , و شالٍ خبأت فيه غصة فجرت عنقي .. و .. هو .. !
إختبأت هناك تحت حائط أصفر كئيت .. و كأن يد من طلاه أصيبت بسهم الحزن فأدمتها بذاك اللون المثير للقشعريرة ..
لن أنظر إليــه ,
إستدرت ,
و تأملت الشارع , تكويه خطوات يائسة .. وأخرى ترتفع عن تصدعه على نسمة سعيدة ..
إقترَبتْ مني و سألتني و قد إرتدتْ تلكَ الإبتسامة المزيفة بإتقان ..
كدت أن أنطق إسمه , فتلعثمت بأول حرف و تدراكت زلتي و قلت : قهوة قهوة سوداء ..
( إي بلا تعقيد بدون سكر أو حليب يغتال جمالها )
ثوان ٍ و أنا أغازل عقارب الساعة , و أتقمص شخصيات تمرّ من خلف الحائط الزجاجي الفاصل بيني و بين الواقع .. المرتمي على أرصفة المدينة الهادئة , إلا من وقع المطر الموجع ..
قدمت لي فنجاناً مزخرفاً بمنظر باريسي جميل ..
إحتضن َ الفنجان منديلٌ مزركشٌ أبيض بدى و كأنه ثوب عروس تـُقدمُ وجبة ً شهية لزائر غريب ..
و قطعة سكر واحدة وُضعت خجلاً , و كأن الفنجان كان لينتحر بدونها ..
لوحة من طقس برجوازي مزيف ..
إبتسمت ..
أردت قهوة .. فقط .. بدون أن تأتيني معها بقطوف من عوالم أخرى .. ..
إلتقطته و يدي ترتجف فقد بدأت جسور الرائحة السوداء تنتصب بينه و بيني ..
و تنخر في راسي شبح رجل أردت الإبتعاد عنه و لو لمرة .. و ممارسة طقسي بدونه ..
جسور وصلتي به بدون حتى أن ترقص أول رشفة في فمي من مخزون الذكرى تلك , المعبئ و المضغوط في ... فنجان .. !
لا المطر أسعفني .. و لا طرق خطوات مدينة كاملة ..
و لا ذاك الحائط الأصفر الكئيب , من أن أبعدك عن فمي ..
إرتشفتك بنشوة ..
و كنت كما تركتك آخر مرة .. تكون مرة سكراً يحلي غابة السواد تلك و مرة حليباً مضيئاً ..