كلمة ديالكتيكا، التي نترجمها عربيًّا بـ"جدلية"، مشتقة من الفعل اليوناني dialegein، الذي يعني تحديدًا الكلام "عبر" المجال الفاصل بين المتحاورين كطريقة استقصاء وضعها زينون الإيلي، قبل أن تستكمل شكلها على يد أفلاطون.
والكلمة تعني أيضًا، كمفهوم أفلاطوني، التقسيم المنطقي الذي يوصل المرء عبر المقاربة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة (أو المُثُل). ونشير هنا، للتذكير، إلى أن الجدلية، بنظر أفلاطون، جدليتان: الجدلية الأولى صاعدة (وهي تلك التي تنطلق من الواقع الملموس لتصل إلى مفهوم الخير)، والجدلية الثانية هابطة (بمعنى أنها تنطلق من مفهوم الخير المجرَّد لتعود إلى الملموس أو اليومي). وقد شُرِحَتْ هاتان الجدليتان، المتكاملتان في حركتهما، اللتان تشغلان كامل حياة الفيلسوف الحق، في الجمهورية، وخاصةً في استعارة الكهف.
أما عند أرسطو – الذي كان يعارض أفلاطون حول هذه النقطة وحول غيرها – فإننا نلاحظ اختزالاً في معنى العبارة: حيث تصبح الجدلية التحليلية، التي تسعى للتوصل إلى البرهان الحقيقي (عند أفلاطون)، مجرَّد استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة (عند أرسطو). من هذا المنظور الأرسطي، تحدث إ. كانط في كتابه نقد العقل الخالص عن مفهوم "الجدلية الصورية"؛ وكان يعني بها دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعالم والإله.
وقد استمر هذا الفهم سائدًا بشكل عام في العصر الوسيط، حيث كانت الجدلية أو "الديالكتيكا" تعني المنطق الشكلي (أي ذلك المستوحى من تحليلات أرسطو)؛ وقد كانت مسجلة ضمن الـtrivium الجامعي، أي خارج ما كان يُصطلَح على تسميته بالفلسفة، مرافقةً للنحو والصرف وعلم البلاغة. لا بل إن بعضهم (كالقديس توما الإكويني ودونْس سكوتوس) كان يربطها حتى بأصداء سلبية، مازلنا نجد انعكاساتها إلى الآن، حيث مازالت الكلمة تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد وغير المجدي.
أما في القرن التاسع عشر، فتعود الجدلية على يد هيغل لتكتسب معنى فلسفيًّا جديدًا وعميقًا، مازال سائدًا حتى هذه الساعة: لأن مؤسِّس المثالية المطلقة جعل منها قانونًا يحدِّد مسيرة الفكر والواقع عبر تفاعلات النفي المتتالي للطريحة thèse والنقيضة antithèse، وحلِّ إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال الارتقاء إلى الشميلة synthèse – تلك التي سرعان ما يجري تجاوزُها هي الأخرى، ومن نفس المنطلق. وهكذا، يتحول "الفعل السلبي" ليصبح جزءًا من الصيرورة، الأمر الذي يجعله، وفق هيغل، محركًا للتاريخ وللطبيعة وللفلسفة.
ويقبل ماركس وإنجلز جدلية هيغل كطريقة، لكن (على حدِّ قولهما) "بعد إنزالها من السماء إلى الأرض"؛ فيطبِّقانها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية: لأن الروح أو الفكرة (من منظورهما) ليست هي التي تحدِّد الواقع، إنما العكس. وكان هذا هو المفهوم الذي طوَّره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين وماو تسي دونغ)، الذين جعلوا من تلك "المادية الجدلية" منظومة فكرية شبه متكاملة.
أما في القرن العشرين، فقد أصبحت الجدلية تعني كلَّ فكر يأخذ بعين الاعتبار، بشكل جذري، ديناميَّة الظاهرات التاريخية وتناقضاتها. من هذا المنطلق، كان مفهوم باشلار عن "فلسفة اللا" محاولةً عقلانيةً لتطوير المفاهيم العلمية، التي وصفها أيضًا بـ"الجدلية"، كي يبيِّن، في العلوم، الحركة التدرجية لنظريات سبق أن كانت مقبولة عالميًّا، ثم تمَّ تجاوزها، وذلك من خلال شَمْلها ضمن مفاهيم أوسع وأكثر انفتاحًا (كميكانيكا نيوتن وهندسة إقليدس، مثلاً، في علاقتها بنسبية أينشتاين والهندسات اللاإقليدية، ليس حصرًا).
"
ويكبيديا الموسوعة الحرة
والكلمة تعني أيضًا، كمفهوم أفلاطوني، التقسيم المنطقي الذي يوصل المرء عبر المقاربة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة (أو المُثُل). ونشير هنا، للتذكير، إلى أن الجدلية، بنظر أفلاطون، جدليتان: الجدلية الأولى صاعدة (وهي تلك التي تنطلق من الواقع الملموس لتصل إلى مفهوم الخير)، والجدلية الثانية هابطة (بمعنى أنها تنطلق من مفهوم الخير المجرَّد لتعود إلى الملموس أو اليومي). وقد شُرِحَتْ هاتان الجدليتان، المتكاملتان في حركتهما، اللتان تشغلان كامل حياة الفيلسوف الحق، في الجمهورية، وخاصةً في استعارة الكهف.
أما عند أرسطو – الذي كان يعارض أفلاطون حول هذه النقطة وحول غيرها – فإننا نلاحظ اختزالاً في معنى العبارة: حيث تصبح الجدلية التحليلية، التي تسعى للتوصل إلى البرهان الحقيقي (عند أفلاطون)، مجرَّد استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة (عند أرسطو). من هذا المنظور الأرسطي، تحدث إ. كانط في كتابه نقد العقل الخالص عن مفهوم "الجدلية الصورية"؛ وكان يعني بها دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعالم والإله.
وقد استمر هذا الفهم سائدًا بشكل عام في العصر الوسيط، حيث كانت الجدلية أو "الديالكتيكا" تعني المنطق الشكلي (أي ذلك المستوحى من تحليلات أرسطو)؛ وقد كانت مسجلة ضمن الـtrivium الجامعي، أي خارج ما كان يُصطلَح على تسميته بالفلسفة، مرافقةً للنحو والصرف وعلم البلاغة. لا بل إن بعضهم (كالقديس توما الإكويني ودونْس سكوتوس) كان يربطها حتى بأصداء سلبية، مازلنا نجد انعكاساتها إلى الآن، حيث مازالت الكلمة تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد وغير المجدي.
أما في القرن التاسع عشر، فتعود الجدلية على يد هيغل لتكتسب معنى فلسفيًّا جديدًا وعميقًا، مازال سائدًا حتى هذه الساعة: لأن مؤسِّس المثالية المطلقة جعل منها قانونًا يحدِّد مسيرة الفكر والواقع عبر تفاعلات النفي المتتالي للطريحة thèse والنقيضة antithèse، وحلِّ إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال الارتقاء إلى الشميلة synthèse – تلك التي سرعان ما يجري تجاوزُها هي الأخرى، ومن نفس المنطلق. وهكذا، يتحول "الفعل السلبي" ليصبح جزءًا من الصيرورة، الأمر الذي يجعله، وفق هيغل، محركًا للتاريخ وللطبيعة وللفلسفة.
ويقبل ماركس وإنجلز جدلية هيغل كطريقة، لكن (على حدِّ قولهما) "بعد إنزالها من السماء إلى الأرض"؛ فيطبِّقانها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية: لأن الروح أو الفكرة (من منظورهما) ليست هي التي تحدِّد الواقع، إنما العكس. وكان هذا هو المفهوم الذي طوَّره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين وماو تسي دونغ)، الذين جعلوا من تلك "المادية الجدلية" منظومة فكرية شبه متكاملة.
أما في القرن العشرين، فقد أصبحت الجدلية تعني كلَّ فكر يأخذ بعين الاعتبار، بشكل جذري، ديناميَّة الظاهرات التاريخية وتناقضاتها. من هذا المنطلق، كان مفهوم باشلار عن "فلسفة اللا" محاولةً عقلانيةً لتطوير المفاهيم العلمية، التي وصفها أيضًا بـ"الجدلية"، كي يبيِّن، في العلوم، الحركة التدرجية لنظريات سبق أن كانت مقبولة عالميًّا، ثم تمَّ تجاوزها، وذلك من خلال شَمْلها ضمن مفاهيم أوسع وأكثر انفتاحًا (كميكانيكا نيوتن وهندسة إقليدس، مثلاً، في علاقتها بنسبية أينشتاين والهندسات اللاإقليدية، ليس حصرًا).
"
ويكبيديا الموسوعة الحرة