اتكأ تحت حطام منزل بالي ..
يضم جسده الهزيل ..
وعيناه الواسعتان تخفي الكثير ..
لم يتجاوز الخامسة من عمره وقد فقد الكثير .. الكثير ..
حلق فوق رأسه أصوات الأنفجارات المروعة .. تصطدم هنا وهناك ..
أخفى نفسه بين ركبتاه محاولا طرد ذلك الخوف الذي اجتاحه ..
نزلت دمعة حرقت وجنتاه الصغيرة .. وهو يرتجف .. وصوت نحيبه الصامت .. حطم سكون ما بعد الانفجار ..
كان وحيدا .. يرتدي ملابس ممزقة .. حولها دمه الطاهر الى لون احمر ..
ووجه الجريح .. قد قبض منه الأمل وانتزع بالقوة ..
أصبح كل شيء حوله .. كابوس مزعج لا يقظة منه..
تذكر وجه والدته .. وقد غرقت في بحر من الدماء ..
تمسك وجهه الصغير المصدوم بهول المنظر .. وتطلب منه أن يهرب .. يبتعد عن هذا المكان ..
كانت يدها دافئة .. لم يعلم ما سبب هذا الدفئ .. هل لأنها أمه الحانية الدافئة دائما في لمساتها .. ام انه دفئ دمها المنسكب ..
ارتعدت اوصاله .. أين يذهب ؟!
امه تطلب منه أن يهرب من منزله .. اين يذهب ..
حاول أن يجمع كلمات في فمه فتعلثم .. ولم يستطع اخراجها ..
فقد كان يرى أمه تموت بين عيناه ..
اخذت تنظر اليه بتلك النظرة التي لم يفهم مغزاها ..
تسللت مشاعر الخوف .. واصوات الحيرة في قلبه ..
وهو ينظر الى امه ..
توقفت عن الحركة فجأة .. وهدأ تنفسها حتى اختفى ..
اخذ ينظر اليه بفزع ..
حركها بين أصابعه الرقيقة .. حاول أن يدفع احساسه ان امه لن تعود مرة اخرى ولن يراها
قال بصوت بائس " أمي .. لا تنامي الان .. ان الليل لم يحل بعد .. لا تنامي "
ينظر الطفل الى والداه عندما يخاف .. لانه يلمس فيهم الأمن والسكينة ..
ولكن اين يبحث ذلك الطفل عن الامان .. وهو ينظر الى فيضان الحنان الذي حضنه دائما .. يموت امامه ويده عاجزة ..
أخذ يهزها بخفة وهو يطلب منها ان تستيقظ ولا تنام هنا في وسط المطبخ !
كانت كل شيء في حياته .. ولم يتبقى له شيء سواها ..
فقد قتل والده على يد عنيفة لا تعرف الرحمة .. كما فقد والدته بين انياب انفجارات لعينة .. لا يعرف سببها ..
عاد الى واقعه .. تحت ذلك الحطام ..
احاطه التفكير .. هل فعل شيء سيء يستحق كل هذا العذاب في حياته القصيرة ؟!..
لكن تفكيره كان يعود به الى امه .. وكيف ماتت في ذراعه الصغيرة ..
أخذ جسده الهزيل البارد يرتجف بشدة ..
واختفى في ظلام ذلك المكان ..
وعلى وجنتيه دمعة مؤلمة ..