كانت الصناعات الثقيلة على الدوام وفي مقدمتها صناعة السيارات إحدى معايير قياس التقدم التكنولوجي الغربي، إلا أن أغلبنا ينظر إلى تجارب هذه الصناعة في سورية بعين السخرية على أساس أننا لن نستطيع تقليد الجودة الغربية فما بالك بمنافستها.
لكن هذه الجودة الغربية لم تستطع إلى الآن تصنيع سيارة كهربائية تستغني عن الوقود التقليدي وتحافظ على البيئة، وربما لأن الأوروبيون لا يريدون ذلك، إلا مستثمراً سورياً استطاع وبعد تجارب عديدة التوصل لصناعة سيارة كهربائية بمواصفات هي الأولى من نوعها عالمياً.
أحمد طاهر بهلول مستثمر ورجل أعمال سوري، عمل في المغترب وجاء إلى البلاد حاملاً معه فكرة إنتاج سيارة كهربائية سورية، ستحدث عند ظهورها ثورة في عالم صناعة السيارات في العالم!.
وبعد أن نشرت إحدى الصحف الرسمية أنباء عن هذا المشروع، كان لابد لموقع فنّات تخصيص حيز واسع لهذه التجربة الفريدة، عبر لقاء السيد طاهر بهلول في زيارته الأخيرة لسورية، الذي استضافنا في بيته وأجاب على أسئلتنا بكل رحابة صدر:
· نود تعريف زوار موقع فنّات ببطاقة أعمالك السابقة وبمجال أعمالك السابقة؟
أسستُ مجموعة "البهلول غروب" في النمسا عام 1988 في تخصص"High Technology" ، والتي حصلت منذ إنشائها على 12 براءة اختراع دولية، وانتقلت هذه المجموعة منذ عام 1996 إلى سورية وعملت على توريد النظم التكنولوجية إلى القطاع العام، وحصلت المجموعة في عام 2003 على عقد باستثمار 1,700 باص يعمل على الغاز للنقل الداخلي في سورية، ولكن بنود العقد لم تُنفذ لأن الحكومة لم تستطع تحديد حجم وكفاية الغاز الموجود في باطن الأراضي السورية اللازم لتشغيل الباصات، ولأن الجهات المسؤولة وجدت أن الطرق المحلية لن تستوعب هذا العدد من الباصات، كما وعرضنا على الشركة السورية للطيران 22 طائرة جديدة جاهزة للطيران باسم مجموعة البهلول، إلا أن هذا المشروع بدوره لم ير النور.
· ما الدافع الذي حذا بكم إلى الاستثمار في صناعة السيارات؟
تملك المجموعة براءة الاختراع للسيارة الكهربائية، وهي نتاج مركز البحوث الخاص بالمجموعة، بعد بحث وتجارب جرت في سورية واستمرت 5 سنوات ونصف، ولم تك لتكتمل هذه التجارب لو جرت خارج البلاد، لأن هذه السيارات تعاني حرباً واسعة، إذ بمجرد أن منحت الحكومة السورية ترخيص إقامة معمل هذه السيارة، بدأ الاتحاد الأوروبي بمحاولة عرقلة المشروع.
· لماذا يعارض الاتحاد الأوربي إنتاج السيارة الكهربائية؟
لاقى مشروع صناعة السيارة الكهربائية منذ بدايات ظهور الفكرة منافسة صفراء للحيلولة دون استمراره، لأنه في حال دخوله حيز التنفيذ سيتسبب بخسارة 16 مليون فرصة عمل في دول الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة، مع خسائر مالية تقدر بمئات مليارات الدولارات، إلى جانب المعارضة الشديدة من قبل شركات النفط والسيارات حيث تلقينا تحذيرات من المضي بالمشروع، فالشركات المصنعة تتعمد عدم إنتاج سيارات كاملة للمواصفات ليبقى احتمال تعرضها للحوادث عالي، حتى تستفيد الشركات المتحالفة معها مثل شركات التأمين والأدوية.
· هل هذا يعني إن الشركات العالمية لا تنتج سيارات آمنة؟
لو قارنت بين السيارة التي يبيعها المعمل لزبائنه وبين السيارة التي تعطى لمدير الشركة من نفس الفئة والطراز، فإنك ستجد فوارق تصبُّ تجاه سيارة المدير الذي يحتفظ لنفسه بالتصنيع الأفضل!!!
· لكن الأوروبيين والأمريكيين يسعون لتطوير صناعة السيارات الكهربائية؟
إن السيارة الكهربائية التي صنعتها الشركات الأوروبية تحتاج لشبكات كهربائية خاصة على الطرقات لشحنها كل 70 إلى 90 كم، لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 ساعات، وهي سيارات صغيرة الحجم تشبه الغولف وهي تتسع لشخصين فقط، ولا تتجاوز سرعة السيارة 90 كم وهي مصنعة لأغراض علمية.
· ما الميزات التي تحققها سيارتكم الكهربائية بالمقارنة إلى السيارات الكهربائية الغربية الحالية؟
تصل سرعة سيارتنا الكهربائية إلى 240 كم، و يتم إعادة شحنها بالكامل لمدة لا تتجاوز نصف ساعة كل 800 كم، إضافة لمراكز خاصة لتبديل بطارية السيارة الفارغة بأخرى مشحونة، في مدة لا تتجاوز الدقيقة ونصف لقاء رسم قدره 100 ليرة عند كل تبديل، مع إعادة البطارية الفارغة لصاحبها في مكان سكنه بعد شحنها، مع الإشارة إلى أن استطاعة هذه البطارية تبلغ 600 أمبير مع كفالة لمدة خمس سنوات بدون شرط سوء الاستعمال، لأن محرك السيارة مقفل بالأساس وأي عبث به سينتج عنه طاقة كهربائية بقوة 30 ألف فولت، أما السيارات الكهربائية الحالية تسير بالطاقة الكهربائية في الطرقات السهلية ولكن الطرقات الصاعدة تجبرها على التخلي عن الكهرباء واستخدام البنزين بكثافة.
· ما هي أنواع السيارات الكهربائية التي سيتم إنتاجها؟
سوف ننتج السيارات سيدان صغيرة ومتوسطة وكبيرة وسيارات الدفع الرباعي SUV، التي تتسع لسبع ركاب وسيارات الشحن والتي سوف تتراوح حمولتها من 500 كغ إلى 5 طن.
· ما هي الآثار بعيدة المدى التي سوف تنتج عن الإنتاج التجاري لهذه السيارة؟
سوف يؤدي إنتاج السيارات الكهربائية القابلة للشحن إلى تخفيض كلفة النقل بصورة هائلة، مما سينعكس إيجاباً على سعر السلعة النهائي، كما سيؤدي إنتاج السيارات الكهربائية إلى اختفاء العوادم وما تصدره من غازات ضارة، فضلاً عن مساهمة هذه السيارة في زيادة عمر الطرقات لأنها لا تولد ضغطاً زائداً على الطريق بفضل اعتمادها على الطاقة الكهرومغناطيسية.
· وهل تحقق هذه السيارة عنصر الأمان للسائق وللركاب؟
بوسعي تأكيد استحالة انقلاب هذه السيارة، لأنها تعتمد على الطاقة الكهرومغناطيسية وكلما زادت سرعة السيارة زاد دوران الدارة المغناطيسية، أي زاد ثبات السيارة على الطريق، وخلال التجارب قمنا بتعريض السيارة لاصطدام مع شاحنة تحمل 50 طن ما أدى لتحطيم السيارة بالكامل لكنها تزحزحت بمقدار 15 سم فقط! وهذه السيارة لن تنقلب لو كانت قيادتها رعناء أو سريعة أو تعرضت إلى مطبات، وأنا أتحدى فيها أية سيارة موجودة حالياً من ناحية الأمان والتقنية.
· قد يقبل البعض تأكيدكم أن السيارة متفوقة من ناحية الأمان لكن الكثيرون سيعارضون زعم تفوقها التقني؟
لقد توصلنا إلى نوعية خلائط في هياكل السيارات أقسى من الموجودة حالياً بنسبة 200% وتوفر 45% من وزن السيارة، إضافة إلى توفر نظام GPS "نظام الملاحة"، الذي يعرّف السائق على السيارات الموجودة في الطريق ويعلمه بالمسافات التي تفصله عنها وسرعاتها والسيارات التي انضمت مؤخراً للطريق، وآمل أن يُسمح بتطبيق هذه النظام في سورية، وسوف تزود السيارة بنظام "WiFi" نظام الاتصالات اللاسلكية، الذي يؤمن اتصال السائق مع السيارات الأخرى التي ننتجها، ومن المعروف أن هذه الميزات موجودة في السيارات المرفهة بحجة أنها مكلفة وواقع الأمر يؤكد خلاف ذلك، وهذه هي البداية فقط لأني سأعمد إلى وضع كل إمكانياتي المادية عندما سيبدأ الإنتاج التجاري.
· هل سيكون تصميم السيارة منافساً؟
لن نصنع سيارة كهربائية فحسب، بمعنى لن يكون شعارنا للمستهلك يكفيك أنك حصلت على سيارة اقتصادية وآمنة بل ستكون منافسة بالتصميم الذي جاء عقب تطبيقات مخبرية وعملية مكثفة.
· ألم تتعاونوا مع جهات خارجية علمية أو رؤوس أموال؟
كانت تقنية الإنتاج وتجريب السيارة وتصنيعها سورية بحتة، ولم نشأ الاستعانة بالمعرفة أو الخبرة الخارجية لأن هذه المساهمة قد تتوقف بناء على توجيهات سياسية خارجية وتوقف المشروع في مهده.
· ألا يؤثر افتقار القوانين المحلية إلى تشريع خاص بالسيارات الكهربائية على هذا المشروع؟
طرحت غياب قانون خاص بالسيارات الكهربائية على رئاسة الوزراء وعلى هيئة الاستثمار، وتلقيت وعوداً بتغطية هذه الجانب، وأكدت هيئة الاستثمار أنها ستنجز تشريعاً خاصاً بالسيارات الكهربائية حالما نبدأ بتنفيذ المشروع، واعتقد بأن وضع هذا القانون لن يستغرق أكثر من شهر متى ظهرت أولى بشائر إنتاج السيارات الكهربائية.
· ما هي الأقسام التي سيتألف منها المعمل عند افتتاحه؟
في المرحلة الأولى سيتم تركيب خطوط الإنتاج وهي تشمل أفران الصهر والخلائط وخطوط التجميع، التي ستلي عمليات الصهر والقولبة وإنتاج المحرك، وسيبلغ عدد خطوط الإنتاج عند إنجازها 22 خطاً تعمل كلها في المرحلة الأولية على الروبوت، وفي المرحلة الثانية على العنصر البشري عندما يتم تأهيل الكوادر التي ستشمل جميع المهندسين والفنيين والعمال وسيستغرق 6 أشهر لتدريبهم على عملية التصنيع ومراحلها، وأود أن أشير أن المعمل سيؤمن 20 ألف فرصة عمل في مراحله النهائية، وهؤلاء كلهم سيجبرون على شراء أسهم في الشركة، وهو أحد شروط التوظيف مما سيجعل العمال يسعون لتطوير الشركة لأن ذلك سيعني تطوير وزيادة أرباحهم.
· لكنكم تؤكدون أن المعمل هو عبارة عن مجموعة معامل؟
هو عبارة عن 11 معمل، لكن في البدء سوف نقوم بالتجميع ومن ثم سننتقل للتصنيع والذي يتضمن صناعة بلور السيارة وفرشها وهيكلها، ويحتاج إنتاجه إلى عدة معامل، وسيكون هناك معمل لإنتاج الإطارات إذ توصلنا لنوعية تضاهي الصناعة الأوروبية والأمريكية وستلائم كل فصول السنة، وإنتاج هذه المعامل لن يكون مقتصراً على القطع المكونة للسيارات بل سننتج مواداً كيماوية نسيجية ومواد بناء وستوفر هذه الأخيرة 60% من تكلفة البناء الحالية، ولا تتأثر بالكهرباء وذات قدرة عالية على المقاومة الحرارية العالية.
· أين قررتم تشييد المعمل؟
عندما طلبنا الاستثمار في المدينة الصناعية في حمص طلب منا دفع 1.700 مليون ليرة عن كل دونم لقاء تأمين الخدمات الفنية "كهرباء وماء وهاتف وصرف صحي"، من دون أن نستملك الأرض وهذه تكلفة عالية لأن المشروع يحتاج إلى 138 دونم أي أني سأدفع مبلغ 234 مليون ليرة ثمن الأرض دون أن استملكها، لذلك صرفت النظر عن الاستثمار في المدينة الصناعية وبدأت أبحث على أرض واسعة جرداء، ووجدت بغيتي في محافظة إدلب حيث قدم لنا المحافظ كل التسهيلات، ووعدنا بإنجاز كافة المعاملات التي نحتاجها قبل المباشرة ببناء المعمل، وهذا المعمل سيؤمن 20 ألف فرصة عمل مباشرة عند اكتماله أي أنه سيقضي على البطالة في إدلب وفي المناطق المجاورة.
· متى تتوقعون ظهور هذه السيارة في الأسواق وكم ستكون طاقة إنتاج المعمل؟
سيبدأ المعمل بالإنتاج خلال ستة أشهر من تركيب خط الإنتاج، غير أني لا أستطيع التنبؤ بتاريخ مباشرة إنشاء المعمل لأنه قد لا نحصل على كل الرخص اللازمة من وزارات الصناعة والاقتصاد والبلديات... ولتفادي هذه الاحتمالات لدي خطة بديلة لمتابعة هذا المشروع خارج سورية في حال تعذر إنجاز المشروع في البلاد، وفي كل الأحوال لدينا القدرة على إنتاج 50 ألف سيارة سنوياً و 90% من الإنتاج معد للتصدير وفق عقود جاهزة لمدة خمس أعوام، ولدينا اتفاقات مع ستة شركات عالمية لإنتاج السيارات لتصنيع ماركاتها في معاملنا ومن بينها اثنتين من أكبر الشركات الأمريكية واللتين تعانيان أزمات مالية خانقة فعرضنا عليهما تمويل بناء مصانعهما في سورية، وعند المباشرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات سوف يبلغ إنتاجنا السنوي 250 ألف سيارة.
· كم سيبلغ سعر السيارة النهائي عند إنتاجها وهل ستقدمون حوافز لشراء السيارات؟
لا أستطيع الآن تحديد سعر السيارة، لأن ذلك مرتبط بالقوانين الحكومية وبحجم الإنتاج وبالرسوم التي ستفرض علينا، لكن السيارة ستكون في متناول الجميع، واقترحنا في هذا الصدد على الجهات الحكومية عرضاً يتضمن السماح للمواطنين باقتناء السيارة الكهربائية مقابل إعطاءنا سياراتهم القديمة.
· ما هي كلمتك الأخيرة في هذا الحوار؟
لدى سورية خبرات وكفاءات محلية عالية تحتاج دعماً مالياً فقط، ويكفي أن أذكر للتأكيد على صحة هذا الكلام أن المسؤول عن إطلاق الصواريخ في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا هو عالم سوري، وهنا أريد أن أتوجه عبر موقع فنّات إلى كل سوري لديه أفكار أو اختراعات عن استعدادنا لتبني هذه الفكرة وإخراجها إلى حيز الوجود، لأن كل الاختراعات كانت في بداياتها أفكار وتصورات، ويجب أن لا نبخس حق أنفسنا أو نستهين بإمكانياتنا كما حدثني البعض، إذ قالوا لي عندما بدأت بطرح فكرة صنع السيارة الكهربائية هل تتصور نفسك أذكى من الأوروبيين؟!.
عندما دخلت صناعة السيارات إلى سورية منذ عامين لم تعجب الكثيرين، لأنها حسب رأيهم تعتمد على التجميع، وعندما فكر البعض صناعة سيارة سورية منافسة وصفت هذه الفكرة بالمبالغة الزائدة، ويبدو أننا بحاجة لأن نمنح أنفسنا الثقة بقدراتنا المادية والفكرية، وصناعة سيارة كهربائية هي الأفضل عالمياً سوف تسجل اسم سورية في ريادة صناعة السيارات، وهذا الإنجاز يقتضي تضامن ودعماً معنوياً للصانعين، وهؤلاء لا يريدون أكثر من ذلك.
عن موقع فناّت السوري