في الشارع وعلى الطرقات ,يتناثر بكثرة , يسير مسرعا وغير آبه بحوله من السيارات الحديثة اللامعة , يحمل خليطا غير متجانس من الناس , على الرغم من تقاطعهم بمشكلة الجيب القزم أو الجيب الفارغ( الفاضي ) . إنه الميكروباص أو ما يسمى ب( السرفيس) .
بعد صعودك إلى داخل مركبة الفقراء (السرفيس) ,وتحت مسمع أغنية رخيصة تافهة , تدخل بدون سابق إنذار أو قصد جواً مشحوناً من الكآبة والهموم من البساطة والفقر تراها في أوجه الركاب الحزينة أو مرسومة على جدران السرفيس الصدئة .
فهذا الذي يجلس إلى يسارك أستاذ المدرسة الفاضل ,كانت قد هدت حاله ظروف الحياة المعقدة ابتداء من راتبه الغير متناسب مع عمله والذي لا يكفيه أجارا لمنزله الصغير وتعريفة هذا السرفيس وبعض الفواتير ,وحتى طلابه الذين انقصوا من عمره السنوات ,فهم لا يحترمونه ولا يقدرونه بل يهزؤون منه ويصنعون من حضرته تسليتهم الوحيدة في حصار المدرسة لهم ,تراه شارد الذهن يفكر ومنشغل في تقليب خواطره الكثيرة من أين سيطعم عائلته بعد منتصف الشهر ويبحث عن أية فرصة ثمينة في درس خاص لأحد الطلاب .
أما الذي على يمينك ينفخ همومه متأففاً ,أنه متقاعد عجوز متجهم الوجه ,رث الثياب ,يتصبب عرقاً ويبدو عليه التعب والإرهاق ,لا يعرف حاله الاستقرار بعد شقاء عمر طويل ,ينتظر قدوم أول الشهر ليستلم معاشه التقاعدي البخس الذي قد يغطي ثمن دواء القلب أو دواء الضغط أو السكري ,فيباشر بعدها بالبحث في جميع نظريات الحساب والجبر عن أي طريقة لتكفيه هذه الليرات حتى نهاية الشهر ,فعمره الهرم الذي من المفترض أن يجد فيه بعض الراحة و الأمان والاستقرار كنهاية معقولة لمشوار موظف رهن أكثر من نصف عمره في العمل ,ليس بوسعه اليوم إلا بالبحث عن من يقرضه أو يسلفه إلى آجل غير مسمى .
وإلى أمامك جلس طالبان يحملان كتبهم الجامعية بعناية ,تتضارب في عقولهم الأحلام الخيالية عن مستقبلهم مع واقعهم الراهن ,واقع البطالة المتفشية كالطاعون في شبابنا ,هذا الواقع الصعب والمرير الذي يصطدمون فيه بعد التخرج ,ليتخلوا عن كل حلم جميل وهدف قد خططوا له ليرضوا بأي فرصة عمل تسندهم وتعين جيوبهم المهترئة ,ويلقوا بشهاداتهم في سلة المهملات .
وفي أمامهم جلست فتاة في وجهها براءة الطفولة ويأس الشباب ,كانت قد خرجت من بيتها بعد العديد من الضغوط والتحقيقات, لقد اعتادت على سيل الأوامر والتحذيرات ,وتقيدت بمزاج كل رجل من عائلتها ومدى الحرية الممنوحة لها داخل أسوار سجنهم الكبير ,فعادات المجتمع وتقاليده يحّرم عليها كل شيء , بل يعلبها في إطار من الضعف والممنوع والكبت ,وحين يأتيها العريس المناسب لهم يرمونها إليه كأنه أراحهم من عبء ثقيل على حياتهم لتخرج من السجن الذي ولدت فيه لتنتقل إلى معتقل مع الأشغال الشاقة المؤبدة يسمى بالرجل الشرقي ,والذي يقمع لها كل رأي أو قرار ,حتى في تسمية أحد أولادها .
أما قبطان السرفيس ,فهو عابس الوجه ولا يعرف طريق الابتسامة , أصبح جزء لا يتجزأ من مركبته , وصار الميكرو بيته وأسرته وحتى مجتمعه ,يوصل النهار مع الليل وهو يقوده في طريق واحد ذهابا وإيابا ,ومع ضيق الدروب وقسوة الحال عليه , هدت روحه كثرة المخالفات وخنقه غلاء المازوت حتى أصبح حاله كحالة كرسيه العتيق الذي يجلس عليه ممزقا وفاقد الأمل في التغيير .
وعلى الإشارة الحمراء وقف السرفيس ,لتميل أعناق الركاب بشكل عفوي وغير إرادي ,لتتوجه كل الأنظار إلى سيارة أوربية حديثة مكيفة وذات لمعه كأنها مغسولة بالزيت تقف إلى جانب الميكرو , لتطغى على الموجودين سحابة من الحسد والحسرة والأحلام الممزوجة مع الدعاء إلى الله ليرزقوا مثلها ويتخلصوا من زل السرفيس وقهره .....
فيفتح السير على الإشارة الخضراء ليحطوا ثانية على أرض واقعهم العقيم .
وكانت هذه بمثابة اللمسة الأخيرة في اللوحة المؤثرة والحزينة التي تمثل هذه المشاهد
بعد صعودك إلى داخل مركبة الفقراء (السرفيس) ,وتحت مسمع أغنية رخيصة تافهة , تدخل بدون سابق إنذار أو قصد جواً مشحوناً من الكآبة والهموم من البساطة والفقر تراها في أوجه الركاب الحزينة أو مرسومة على جدران السرفيس الصدئة .
فهذا الذي يجلس إلى يسارك أستاذ المدرسة الفاضل ,كانت قد هدت حاله ظروف الحياة المعقدة ابتداء من راتبه الغير متناسب مع عمله والذي لا يكفيه أجارا لمنزله الصغير وتعريفة هذا السرفيس وبعض الفواتير ,وحتى طلابه الذين انقصوا من عمره السنوات ,فهم لا يحترمونه ولا يقدرونه بل يهزؤون منه ويصنعون من حضرته تسليتهم الوحيدة في حصار المدرسة لهم ,تراه شارد الذهن يفكر ومنشغل في تقليب خواطره الكثيرة من أين سيطعم عائلته بعد منتصف الشهر ويبحث عن أية فرصة ثمينة في درس خاص لأحد الطلاب .
أما الذي على يمينك ينفخ همومه متأففاً ,أنه متقاعد عجوز متجهم الوجه ,رث الثياب ,يتصبب عرقاً ويبدو عليه التعب والإرهاق ,لا يعرف حاله الاستقرار بعد شقاء عمر طويل ,ينتظر قدوم أول الشهر ليستلم معاشه التقاعدي البخس الذي قد يغطي ثمن دواء القلب أو دواء الضغط أو السكري ,فيباشر بعدها بالبحث في جميع نظريات الحساب والجبر عن أي طريقة لتكفيه هذه الليرات حتى نهاية الشهر ,فعمره الهرم الذي من المفترض أن يجد فيه بعض الراحة و الأمان والاستقرار كنهاية معقولة لمشوار موظف رهن أكثر من نصف عمره في العمل ,ليس بوسعه اليوم إلا بالبحث عن من يقرضه أو يسلفه إلى آجل غير مسمى .
وإلى أمامك جلس طالبان يحملان كتبهم الجامعية بعناية ,تتضارب في عقولهم الأحلام الخيالية عن مستقبلهم مع واقعهم الراهن ,واقع البطالة المتفشية كالطاعون في شبابنا ,هذا الواقع الصعب والمرير الذي يصطدمون فيه بعد التخرج ,ليتخلوا عن كل حلم جميل وهدف قد خططوا له ليرضوا بأي فرصة عمل تسندهم وتعين جيوبهم المهترئة ,ويلقوا بشهاداتهم في سلة المهملات .
وفي أمامهم جلست فتاة في وجهها براءة الطفولة ويأس الشباب ,كانت قد خرجت من بيتها بعد العديد من الضغوط والتحقيقات, لقد اعتادت على سيل الأوامر والتحذيرات ,وتقيدت بمزاج كل رجل من عائلتها ومدى الحرية الممنوحة لها داخل أسوار سجنهم الكبير ,فعادات المجتمع وتقاليده يحّرم عليها كل شيء , بل يعلبها في إطار من الضعف والممنوع والكبت ,وحين يأتيها العريس المناسب لهم يرمونها إليه كأنه أراحهم من عبء ثقيل على حياتهم لتخرج من السجن الذي ولدت فيه لتنتقل إلى معتقل مع الأشغال الشاقة المؤبدة يسمى بالرجل الشرقي ,والذي يقمع لها كل رأي أو قرار ,حتى في تسمية أحد أولادها .
أما قبطان السرفيس ,فهو عابس الوجه ولا يعرف طريق الابتسامة , أصبح جزء لا يتجزأ من مركبته , وصار الميكرو بيته وأسرته وحتى مجتمعه ,يوصل النهار مع الليل وهو يقوده في طريق واحد ذهابا وإيابا ,ومع ضيق الدروب وقسوة الحال عليه , هدت روحه كثرة المخالفات وخنقه غلاء المازوت حتى أصبح حاله كحالة كرسيه العتيق الذي يجلس عليه ممزقا وفاقد الأمل في التغيير .
وعلى الإشارة الحمراء وقف السرفيس ,لتميل أعناق الركاب بشكل عفوي وغير إرادي ,لتتوجه كل الأنظار إلى سيارة أوربية حديثة مكيفة وذات لمعه كأنها مغسولة بالزيت تقف إلى جانب الميكرو , لتطغى على الموجودين سحابة من الحسد والحسرة والأحلام الممزوجة مع الدعاء إلى الله ليرزقوا مثلها ويتخلصوا من زل السرفيس وقهره .....
فيفتح السير على الإشارة الخضراء ليحطوا ثانية على أرض واقعهم العقيم .
وكانت هذه بمثابة اللمسة الأخيرة في اللوحة المؤثرة والحزينة التي تمثل هذه المشاهد