من الأشياء المشاغبة في طبيعة المخلوق الإنساني: ضرس العقل! الذي يبدأ ظهوره أحياناً في السنة الخامسة من العمر، أو ربما في الحادية والعشرين.. أو ربما لا يظهر أبداً لدى بعض الأشخاص المحظوظين!
نعم المحظوظين.. لأن ضرس العقل في أغلب أحيانه يأتي لمهمة واحدة فقط: التخريب! فبعد أن تكون الأسنان قد أنفقت عمراً في التراكب والانتظام، وبعد بلوغها الصيغة النهائية لتشكيل واجهة الـ بني آدم، قد يخطر على بال ضرس العقل ما غيره أن يظهر على غفلة مقتحماً مسرح الفم.. وكثيراً ما يحدث، أن لا يجد مكاناً له في الفك، حيث تكون جميع الأسنان المتعبة والتلفانة التي قاسَتْ لسنين، عضّت ما عضّت.. واصطكت ما اصطكت، تكون قد احتجزت مكانها وثبتت في الموضع الذي يريحها..
وهنا يدهمها ضرس العقل – الإمام المنتظر.. وإن لم يجد كرسيّه الملكي الخاص، فإنه يَطحَش ويخترق العباب غير آبهاً بالنتائج الكارثيّة، فيضغط على بقية الأسنان ويعيق هناءها ورغدها.. فتتراكب بطريقة عشوائية، منها ما يبرز إلى الخارج.. ومنها ما ينزوي إلى الداخل.. وكل ذلك فقط كي تؤمن مكاناً يليق ببزوغ حضرته وزعامته!
ذلك ما ينتج شكلاً مشوهاً يخرّب الناحية الجمالية لفم ووجه صاحب الحظّ التعيس.. وهنا ليس بوسعه إلا الهرولة إلى دكتور تقويم الأسنان.. وفي جيبه ثلاثون ألفاً وما فوق.. ليرة تنطح ليرة!
بعض الأشخاص في الحياة التي نعيشها لا شبيه لهم إلا ضرس العقل.. فحين يمضون أيامهم نياماً وغافلين، تكون التنظيمات والمؤسسات الكبرى والناجحة تبني كيانها على أسس ودعامات اجتماعية راسخة، آخذة بالنمو والازدهار، وقد اتفق كل المنتسبين إليها على النظام والتعاضد والولاء..
هنا، وبعد عقود، يستفيق البشر-أضراس العقل.. يغريهم الشكل الجمالي الذي تفتّح عليه التنظيم وأبناؤه.. فيطحَشون ويدّعون المشاركة في البناء والنَهضَة.. يتغلغلون بين العناصر الراقية، وتبدأ وظيفتهم في التخريب، وحلّ الجماعة، والخلل بتآزر الخليّة.. ينفثون النميمة والتململ والازدراء من كل شيء.. وكما ضرس العقل يعيقون النواحي الجماليّة والوظيفية للتنظيم ويقضون على شكله البيانيّ المهندَس.. هم كما البرجوازي الصغير الذي تحدث عنه زياد في سكيتش الغبرا..
هؤلاء العناصر لا فائدة لوجودهم معنا.. تماماً كما لا فائدة تذكر لضرس العقل.. الذي لم ترصد له أية أهميةـ لا في طحن الأطعمة ولا في تحسين الحديث..
وأفعالهم السيّئة تدمغ المركز الذي يشغلونه..
مثل هذه العناصر ينبغي اقتلاعها وبترها مباشرة من التنظيمات الاجتماعية.. ومن غير الحاجة إلى صور شعاعيّة.. ففسادها واضح للعيان..
-----------------------
أكثر البشر يميلون للتشبّه بالأسنان..
الأسنان مغطّاة بطبقة قاسية صلبة هي الميناء تخفي وراءها طبقة غاية في المرونة وامتصاص الصدمات هي العاج.. وفي الباطن تكمن طبقة اللب والعصب.. الحسّاسة جداً..
أغلب من نصادفهم في المجتمع هم كذلك أيضاً.. تخدعنا مظاهر القساوة والخشونة المرتجَلة التي يتقنّعون بها، وهم في الواقع يبطنون سهولة ومرونة في التعامل.. وشخصيات طيّبة وهلاميّة، لكن دفينة..
في عيادة دكتور الأسنان يسهل عليه اختراق طبقة السن القاسية.. وكذلك اللينة.. لكن يحظّر عليه اختراق اللب..
كذلك البشر.. يسهل علينا فضّ المستور عن شخصياتهم الازدواجية اللدنة-المرنة.. ويبقى "اللبّ" خفيّاً وعصيّاً على الاختراق أو على نفاذ أشعة الشمس الأبدية..
-----------------------
المجتمع الشرقي والأنظمة العربية عموماً شبيهة إلى حدّ ما بالبيئة الفمويّة:
سلطة رأسماليّة: قواطع تقطّع
سلطة سياسيّة: أنياب تمزّق
سلطة دينيّة: أرحاء تطحن
وتبقى حصّة الأسد للـ(بلعوم)!
أما (اللعاب) المسهّل والمرطّب لعملية البلع، فهو عقول جماهيرنا المسطّحة والبليدة، المخلاّة من أي سائل دماغي يبثّ فيها روح التغيير والتمدّن والإصلاح.. والثورة.
-----------------------
بعض "مخوخ" هذا المجتمع أصبحت مضحكة لكثرة ما شاختْ.. وقد بلغ حدّ النخر والتسوّس فيها أعمق الطبقات البيولوجية.. لدرجة أنه لم يعد ينفع معها لا الحشوات المرمّمة للتشويه، ولا الجسور المعوّضة للفقد.. ولا البدلات المَعِينة على البقاء..
النخر هنا يستدعي القلع مباشرةً..
قلع فوري.. ومن غير تخدير! :mad:
-----------------------
كلما تقدّم العمر بالإنسان قلّت في فمه الأسنان الطبيعية.. وتضاعفت لديه الأسنان الاصطناعية..
على العكس.. كلما تقدّم العمر بهذا الكائن.. تقلّصت فيه المظاهر المصطنعة.. وتراءت لنا ظواهره الحقيقية.. وليدة الطبيعة.
-----------------------
هل تبحث عن الزوجة المثاليّة التي تستر آخرتك؟ إليك الوصفة العلاج..
أسنان البنتْ مكمن صفاتها.. فإن كانت أسنان فتاتك بيضاء لمّاعة برّاقة.. فهذا يضمن لك كثيراً من الخصال الإيجابية.. فهذا يعني أولاً أنها "نضايفيّة" و"مسرسبة" فطالما أنها تعتني بنظافة أسنانها، فهي منطقياً ستلاحق نظافة بيتها وأولادها (وهذا أكثر ما يبحث عنه الرجل في الزوجة).. ويعني ثانياً أنها نشيطة ومثابرة ونائية عن "قلّة المروّة".. فأن لا تنام قبل تفريش أسنانها والعناية الجيدة بها.. فهذا يضمن لك عدم خمولها أو فتورها.. وثالثاً، مجرّد اهتمام الفتاة بلمعانيّة أسنانها يعني أنها تثابر على أناقتها ومظهرها الأنثوي الجذاب.. أي أنها ليست مهملة لصورتها أمام العوام.. فتبقى جميلة يانعة في ناظريك..
وأضعف الإيمان.. فأنك حين تلتقي فتاة الأسنان البياض والنصاعة، فمن المحتمل ألاّ تمتلك أي من الصفات التي ذكرنا.. لكنها حكماً ستكون ابنة عائلة "سينييه"، وقد بيّضت أسنانها بالليزر في أقرب عيّادة لبيتها.. وهذه هي الغنيمة.. إياك أن تفلّتها من يديك!
-----------------------
حين تخرّب الجرثومات السن.. غالباً ما نلجأ إلى الحشوة التي تعوّض السن عن نسيجه المفقود والمتعفّن.. هذه الحشوة تصمد في الفم سنوات طويلة، تقاوم كل العوامل المخرّشة والمنغّصة.. لكن في لحظة "عضّة" مروّعة لشدتها.. تقع هذه الحشوة ويصبح السن سَفَوراً للعراء ولكل التأثيرات المهيّجة.. فيبدأ العويل والزعيق والصراخ..
أرى حالي كثيراً في هذا المشهد.. فكلما رجعت إلى نفسي وشرعت أمارس النقد الذاتي لاصطفاء صفاتي السلبيّة والبشعة.. ألجأ إلى الترميم.. وصدقاً أنني أنجح في مداواة ما أراه مزعجاً وبحاجة إلى طبابة في شخصيتي..
لكنني وفي لحظة انفعالية وعصبيّة واحدة.. أتمَعدَن، وأنتبج بكل بواطني وجموحي.. أفقد السيطرة.. يقع عني الترميم (الحشوة).. وأعود سناً منكشفاً لوجعه وآلامه.. ومأساته..
و"هون حطنا.. الجمّال"
ملطوش
نعم المحظوظين.. لأن ضرس العقل في أغلب أحيانه يأتي لمهمة واحدة فقط: التخريب! فبعد أن تكون الأسنان قد أنفقت عمراً في التراكب والانتظام، وبعد بلوغها الصيغة النهائية لتشكيل واجهة الـ بني آدم، قد يخطر على بال ضرس العقل ما غيره أن يظهر على غفلة مقتحماً مسرح الفم.. وكثيراً ما يحدث، أن لا يجد مكاناً له في الفك، حيث تكون جميع الأسنان المتعبة والتلفانة التي قاسَتْ لسنين، عضّت ما عضّت.. واصطكت ما اصطكت، تكون قد احتجزت مكانها وثبتت في الموضع الذي يريحها..
وهنا يدهمها ضرس العقل – الإمام المنتظر.. وإن لم يجد كرسيّه الملكي الخاص، فإنه يَطحَش ويخترق العباب غير آبهاً بالنتائج الكارثيّة، فيضغط على بقية الأسنان ويعيق هناءها ورغدها.. فتتراكب بطريقة عشوائية، منها ما يبرز إلى الخارج.. ومنها ما ينزوي إلى الداخل.. وكل ذلك فقط كي تؤمن مكاناً يليق ببزوغ حضرته وزعامته!
ذلك ما ينتج شكلاً مشوهاً يخرّب الناحية الجمالية لفم ووجه صاحب الحظّ التعيس.. وهنا ليس بوسعه إلا الهرولة إلى دكتور تقويم الأسنان.. وفي جيبه ثلاثون ألفاً وما فوق.. ليرة تنطح ليرة!
بعض الأشخاص في الحياة التي نعيشها لا شبيه لهم إلا ضرس العقل.. فحين يمضون أيامهم نياماً وغافلين، تكون التنظيمات والمؤسسات الكبرى والناجحة تبني كيانها على أسس ودعامات اجتماعية راسخة، آخذة بالنمو والازدهار، وقد اتفق كل المنتسبين إليها على النظام والتعاضد والولاء..
هنا، وبعد عقود، يستفيق البشر-أضراس العقل.. يغريهم الشكل الجمالي الذي تفتّح عليه التنظيم وأبناؤه.. فيطحَشون ويدّعون المشاركة في البناء والنَهضَة.. يتغلغلون بين العناصر الراقية، وتبدأ وظيفتهم في التخريب، وحلّ الجماعة، والخلل بتآزر الخليّة.. ينفثون النميمة والتململ والازدراء من كل شيء.. وكما ضرس العقل يعيقون النواحي الجماليّة والوظيفية للتنظيم ويقضون على شكله البيانيّ المهندَس.. هم كما البرجوازي الصغير الذي تحدث عنه زياد في سكيتش الغبرا..
هؤلاء العناصر لا فائدة لوجودهم معنا.. تماماً كما لا فائدة تذكر لضرس العقل.. الذي لم ترصد له أية أهميةـ لا في طحن الأطعمة ولا في تحسين الحديث..
وأفعالهم السيّئة تدمغ المركز الذي يشغلونه..
مثل هذه العناصر ينبغي اقتلاعها وبترها مباشرة من التنظيمات الاجتماعية.. ومن غير الحاجة إلى صور شعاعيّة.. ففسادها واضح للعيان..
-----------------------
أكثر البشر يميلون للتشبّه بالأسنان..
الأسنان مغطّاة بطبقة قاسية صلبة هي الميناء تخفي وراءها طبقة غاية في المرونة وامتصاص الصدمات هي العاج.. وفي الباطن تكمن طبقة اللب والعصب.. الحسّاسة جداً..
أغلب من نصادفهم في المجتمع هم كذلك أيضاً.. تخدعنا مظاهر القساوة والخشونة المرتجَلة التي يتقنّعون بها، وهم في الواقع يبطنون سهولة ومرونة في التعامل.. وشخصيات طيّبة وهلاميّة، لكن دفينة..
في عيادة دكتور الأسنان يسهل عليه اختراق طبقة السن القاسية.. وكذلك اللينة.. لكن يحظّر عليه اختراق اللب..
كذلك البشر.. يسهل علينا فضّ المستور عن شخصياتهم الازدواجية اللدنة-المرنة.. ويبقى "اللبّ" خفيّاً وعصيّاً على الاختراق أو على نفاذ أشعة الشمس الأبدية..
-----------------------
المجتمع الشرقي والأنظمة العربية عموماً شبيهة إلى حدّ ما بالبيئة الفمويّة:
سلطة رأسماليّة: قواطع تقطّع
سلطة سياسيّة: أنياب تمزّق
سلطة دينيّة: أرحاء تطحن
وتبقى حصّة الأسد للـ(بلعوم)!
أما (اللعاب) المسهّل والمرطّب لعملية البلع، فهو عقول جماهيرنا المسطّحة والبليدة، المخلاّة من أي سائل دماغي يبثّ فيها روح التغيير والتمدّن والإصلاح.. والثورة.
-----------------------
بعض "مخوخ" هذا المجتمع أصبحت مضحكة لكثرة ما شاختْ.. وقد بلغ حدّ النخر والتسوّس فيها أعمق الطبقات البيولوجية.. لدرجة أنه لم يعد ينفع معها لا الحشوات المرمّمة للتشويه، ولا الجسور المعوّضة للفقد.. ولا البدلات المَعِينة على البقاء..
النخر هنا يستدعي القلع مباشرةً..
قلع فوري.. ومن غير تخدير! :mad:
-----------------------
كلما تقدّم العمر بالإنسان قلّت في فمه الأسنان الطبيعية.. وتضاعفت لديه الأسنان الاصطناعية..
على العكس.. كلما تقدّم العمر بهذا الكائن.. تقلّصت فيه المظاهر المصطنعة.. وتراءت لنا ظواهره الحقيقية.. وليدة الطبيعة.
-----------------------
هل تبحث عن الزوجة المثاليّة التي تستر آخرتك؟ إليك الوصفة العلاج..
أسنان البنتْ مكمن صفاتها.. فإن كانت أسنان فتاتك بيضاء لمّاعة برّاقة.. فهذا يضمن لك كثيراً من الخصال الإيجابية.. فهذا يعني أولاً أنها "نضايفيّة" و"مسرسبة" فطالما أنها تعتني بنظافة أسنانها، فهي منطقياً ستلاحق نظافة بيتها وأولادها (وهذا أكثر ما يبحث عنه الرجل في الزوجة).. ويعني ثانياً أنها نشيطة ومثابرة ونائية عن "قلّة المروّة".. فأن لا تنام قبل تفريش أسنانها والعناية الجيدة بها.. فهذا يضمن لك عدم خمولها أو فتورها.. وثالثاً، مجرّد اهتمام الفتاة بلمعانيّة أسنانها يعني أنها تثابر على أناقتها ومظهرها الأنثوي الجذاب.. أي أنها ليست مهملة لصورتها أمام العوام.. فتبقى جميلة يانعة في ناظريك..
وأضعف الإيمان.. فأنك حين تلتقي فتاة الأسنان البياض والنصاعة، فمن المحتمل ألاّ تمتلك أي من الصفات التي ذكرنا.. لكنها حكماً ستكون ابنة عائلة "سينييه"، وقد بيّضت أسنانها بالليزر في أقرب عيّادة لبيتها.. وهذه هي الغنيمة.. إياك أن تفلّتها من يديك!
-----------------------
حين تخرّب الجرثومات السن.. غالباً ما نلجأ إلى الحشوة التي تعوّض السن عن نسيجه المفقود والمتعفّن.. هذه الحشوة تصمد في الفم سنوات طويلة، تقاوم كل العوامل المخرّشة والمنغّصة.. لكن في لحظة "عضّة" مروّعة لشدتها.. تقع هذه الحشوة ويصبح السن سَفَوراً للعراء ولكل التأثيرات المهيّجة.. فيبدأ العويل والزعيق والصراخ..
أرى حالي كثيراً في هذا المشهد.. فكلما رجعت إلى نفسي وشرعت أمارس النقد الذاتي لاصطفاء صفاتي السلبيّة والبشعة.. ألجأ إلى الترميم.. وصدقاً أنني أنجح في مداواة ما أراه مزعجاً وبحاجة إلى طبابة في شخصيتي..
لكنني وفي لحظة انفعالية وعصبيّة واحدة.. أتمَعدَن، وأنتبج بكل بواطني وجموحي.. أفقد السيطرة.. يقع عني الترميم (الحشوة).. وأعود سناً منكشفاً لوجعه وآلامه.. ومأساته..
و"هون حطنا.. الجمّال"
ملطوش