الثابت
والمتغير في الماركسية كمفهوم فلسفي موجود قبل أدونيس وسيبقى بعده، لأنه
عملياً تعبير عن المطلق والنسبي، ومشكلة الثابت والمتغير أن العلاقة بين
شقيه متغيرة وغير ثابتة الحدود الفاصلة، مرنة ومتحركة مع تغير الواقع
(لايوجد ثابت مطلق ولا متغير مطلق) مشكلة الماركسيين إلى اليوم أن بعضهم
وهم الجامدون يعتبرون أن كل الماركسية ثابت بينما العدميون يعتبرون كل
الماركسية متغيرة، وهناك صنف آخر وهو أخطر وهم الجهلة ومدعّو ا لماركسية
حيث يخلطون بين الثابت والمتغير. الثابت يصبح متغيراً والمتغير يصبح
ثابتاً وهذا ما يفضي بالبعض إلى أن ماركس انتهى، لأن فكرته حول أن تنتصر
الثورة البروليتارية في الغرب لم تثبت بينما هذه فكرة تدخل في إطار
المتغير وانتهت بحلول الرأسمالية الاحتكارية عندما أتى لينين في أوائل
القرن العشرين واقترح متغير آخر هو انتصار الثورة في بلد واحد وهذا
المتغير الذي أطلقه لينين هو افتراض انتقل بحكم التجربة و الواقع إلى
الثابت في حينه حيث تحول إلى نظرية «التفاوت» و«إمكانية الثورة في بلد
واحد» لذلك فالعلاقة بين الثابت والمتغير معقدة جداً لأنه يجب أن نحدد
بشكل عام بإطار النظري ماهو الثابت وماهو المتغير. ولكي نستطيع أن نحدد
الثابت والمتغير يجب أن نتعامل مع الماركسية كأي علم آخر وأي علم حتى يحق
له أن يسمى علماً يجب أن يتكوّن من مكونات محددة هي المنهج والقوانين
والفرضيات أي علم لديه طريقته ومنهجه وأدواته وباستخدام طريقته ومنهجه
وأدواته باكتشاف القوانين الداخلية للظاهرة التي يتعامل معها، هذه
القوانين الداخلية هي قوانين موضوعية لا تخترع بل تكتشف، والقوانين
بتراكمها بالإضافة إلى المنهج تسمح للباحث في هذا المجال أن يتنبأ (يفترض)
حيث أن الافتراض هو احتمال قانون واحتمال القانون بعد أن يدخل إلى المخبر
فإما أن يهمل أو يصبح قانوناً ويضاف إلى الرصيد النظري وتغني النظرية
نفسها.
المشكلة أن الماركسية تملك منهجاً ثابتاً نسبياً وفرضياتها هي متغيرة
نسبياً، أما القوانين فتدخل في إطار الإثنين (المنهج والفرضية) فبعض
القوانين من حيث الشكل والمضمون تبقى ثابتة وهناك قوانين تغير شكلها
وتحافظ على مضمونها كما حلل لينين قانون القيمة الزائدة، حيث اكتشفه ماركس
وأطلق عليه هذا الاسم، أما لينين فقال عنه: «إنه في الرأسمالية الاحتكارية
القيمة الزائدة هي الربح الاحتكاري، الجوهر ثابت هنا وهو الاستيلاء على
كميات عمل الآخرين».
اليوم نحن مدعوون كماركسيين أن نكتشف ما هو شكل القيمة الزائدة في ظروفنا
الجديدة حيث الاستغلال الجائر للطبيعة وللعالم الثالث وللعمل الذهني.
أعتقد أن هناك شكلاً جديداً على علماء الماركسية وحركات الماركسية اكتشاف
الشكل الجديد، لكن الجوهر ثابت الاستيلاء على كمية العمل الحالية في عهد
ماركس، اليوم يقول أحدهم: إن القيمة الزائدة اليوم ليست استيلاء على كميات
عمل حالية فقط بل واللاحقة أيضاً للأجيال المقبلة من خلال الاستغلال
الجائر للطبيعة. وهناك قوانين جديدة يجب أن نكتشفها لذلك فإن الثابت
والمتغير في إطار القوانين هي مشكلة كبيرة فالفرضية التي هي متغيرة قد
تصبح بالثابت وتغني النظرية أو تهمل إلى الأبد، والمنهج نفسه من حيث
الجوهر ثابت ومحافظ على نفسه ولكنه باغتناء المعارف العلمية أدواتنا
وطرقنا تتغير أيضاً (ماركسياً تتطور)، لذلك فإن مهمة المفكرين ليست سهلة
أبداً حيث تتطلب أن نستند إلى أفضل ما أنجزه العلم، ولكي نعرف كم نحن
مقصرون يحضرني المثال التالي: (لينين يقول إن ماركس أطلق نظريته في عهد
ظهور ثلاث اكتشافات علمية:
- نظرية الخلية – نظرية الحفاظ على الطاقة – نظرية داروين)
هذه النظريات الثلاثة تدرس لأطفالنا في الإبتدائي.
واليوم العلم قد خطا خطوات كبيرة وأكبر الاكتشافات الثلاثة اليوم هي:
- الخريطة الجينية والتحكم الوراثي.
- الكومبيوتر والمعلوماتية.
- غزو الفضاء الكوني.
وأقصد أن أقول، ماهي المسافة التي قطعها العلم منذ تلك الاكتشافات حتى الآن.
هل الماركسيون قطعوا بالماركسية المسافة نفسها.
أعتقد لا، نحن مقصرون والذنب ليس ذنب الماركسية بل ذنب العاملين فيها.
لذلك ليس صدفة في بداية الألفية الثالثة إجماع علماء بمناسبة الذكرى
(150) لوفاة كارل ماركس أجمعوا على أنه أهم مفكر الآن في الألفية الثالثة.
لذلك علينا أن نبذل جهوداً كبيرة كي نكون ماركسيين حقيقيين.
1. حول لينين واللينينية:
هل قوة اللينينية تنبع من أن لينين قام بثورة أكتوبر فقط حسب التعريف
الذي ذكره (د. نايف) اللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية استناداً إلى
(إلياس مرقص) ولكن هذا التعريف لـ (ستالين) حيث أن ماركس حلل الرأسمالية
في عصر المنافسة الحرة، وعندما نقول أن اللينينية هي ماركسية الإمبريالية
نعني أن لينين أضاف نظرياً إلى المنهج والقوانين و الافتراضات. لينين
اكتشف (قانون التطور المتفاوت) يجب أن نعمل عليه الآن. دعونا نَعُد إلى
الخلف قليلاً، عندما قال ماركس أن الثورة ستحدث في كل أوروبا لم يكن ذلك
عبثاً فقد درس من خلال قانون القيمة C + V +M = W علاقة الرأسمال المتحرك
بالرأسمال الثابت. استنتج أن التركيب العضوي للرأسمال في أوروبا الغربية
نفسه ومستوى التناقض واحد وهذا سيؤدي إلى انفجار واحد. ثم أتى لينين
واستخدم المنهج نفسه ودرس التركيب العضوي لرأس المال في عصر الإمبريالية
واستنتج أن الوضع قد تغير فقد ظهر التفاوت في التركيب العضوي لرأس المال
وهذا ينفي افتراض ماركس واقترح الافتراض الجديد قانون الحلقة الأضعف من
خلال قانون التطور المتفاوت وطبقه عملياً في مخبر التاريخ. وعلينا أن ندرس
كيف يعمل قانون التطور المتفاوت وأنا أعتقد أنه يعمل اليوم بالطريقتين
معاً (ماركس ـ لينين) حسب نفي النفي.
واليوم فإن التطور المتفاوت لم يعد بين بلد وبلد آخر بل بين مجموعة بلدان
وأخرى، ولكن السؤال أي الحلقة الأضعف، التي تحتاج إلى دراسة.
من الحلقة الأضعف ـ / بلدان الشمال لانستطيع أن نقول أن فيها تطوراً
متفاوتاً و بلدان الجنوب لا نستطيع أن نقول أن فيها تطوراً متفاوتاً لكن
بين الشمال والجنوب لم تعد كلمة (متفاوت) تفي بالغرض / ـ لذلك يجب أن
نكتشف الحلقة الأضعف لكي نعرف أين ستقوم الثورة الاشتراكية اللاحقة وهذا
يحتاج إلى دراسة. ولينين اكتشف أشياء كثيرة ففي مجال الاقتصاد السياسي
اكتشف قوانين اقتصادية حيث أنه طور قانون معادلة إعادة الإنتاج الإجتماعي
لماركس ـ كان ماركس يقول العلم لا يكون علماً إلا عندما نتكلم عنه بلغة
الرياضيات وضع أول معادلة وهي معادلة إعادة الإنتاج الموسع والتي يستغربون
حتى الآن، ومع الكمبيوتر كيف صنعها وأخرج هذه الأرقام حيث أنه لايمكن لأية
أرقام أن تكون مكانها (معادلة نموذجية).
ولينين في عصر الإمبريالية اكتشف إضافات جديدة لهذا القانون وهي ليست مجال بحثنا الآن.
لذلك إذا كان ماركس قد اكتشف حوالي (70) قانوناً في الرأسمال مازالت تفعل
فعلها حتى الآن والتي سمحت للماركسيين أن يتنبوؤا بانهيار النمور الأسيوية
وتحولها إلى قطط في الوقت الذي كان كثيرون يمدحونها وقد أتى تنبؤهم لأنهم
كانوا يعرفون قانوناً كانوا يدرسونه في الصف الأول في الاقتصاد السياسي
«قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي لرأس المال»
والذي يعرف هذا القانون يعلم أن هذه النمور سوف تنتهي حيث أن القانون يفعل
فعله حتى آخر القرن العشرين وكل القوانين أيضاً يمكن أن تغير أشكالها فقط.
لذلك كان لينين له الحق كاملاً في أن يكون إلى جانب ماركس بغض النظر ماذا
نطلق على نظريته ومن حقه أن نطلق عليها اسم اللينينية لأن نظرية إينشتاين
نطلق عليها اسم (نظرية إينشتاين) ونظرية نيوتن نطلق عليها اسم (نظرية
نيوتن) وكذلك نظرية ابن خلدون. الأمانة العلمية تفرض علينا أن نطلق عليها
اسم اللينينية.
هنا أريد أن أنبه إلى مسألة: (إذا كان أعداؤنا يسعون إلى تكوين رموز لهم
في الوعي الاجتماعي عبر أشخاص في كل المجالات من الفن والموسيقا والرقص
إلى السينما والسياسة والفكر كل يوم يكونون رموزاً جديدة حتى يكسبوا
الشباب ونحن مع الأسف في السنوات الـ 50 الماضية كنا كل يوم نحطم رموزنا
التي تكونت تاريخياً ونفتخر بهذا) عندما أتى الصينيون ليعالجوا مسألة
(ماو) بعد موته اقترح البعض إخراجه من ضريحه كما فعل (خروتشوف مع
ستالين)، وهنا انتصرت الحكمة الصينية في النهاية حيث قرروا أن 70 % مما
جاء به ماو صح و 30 % خطأ لأن (ماو) بغض النظر عن كل شيء هو بذهن الفلاح
الصيني البسيط رمز للثورة في الصين ورمز للبناء الاشتراكي و(ماو) عندما
يلقى من ضريحه لن يتضرر هو بل سوف يتضرر كل الوعي الاجتماعي الذي تكون
خلال 30 سنة من انتصار الثورة الاشتراكية في الصين. وهذه المسألة نحن
مقصرون فيها مسألة الوعي الاجتماعي ورموزه وإشاراته.
2. حول الرأسمالية وتقدميتها ورجعيتها:
الكلام الذي قيل عن تقدمية الرأسمالية في مرحلة معينة صحيح. وهناك مثالان:
- أنجلز في عام 1895 قال: «في كل خطوة تخطوها الرأسمالية إلى الأمام في
إطار تطوير القوى المنتجة هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان والطبيعة».
هذا الكلام دعا لينين في كتابه: «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية»
للاستنتاج بأن الرأسمالية أصبحت رجعية على طول الخط.
تلك الرأسمالية التقدمية في عام 1789 حين حطمت الإقطاع وكانت خطوة تقدمية
تاريخياً أصبحت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رجعية على
طول الخط حيث فقدت كل الطاقة التقدمية التي حملتها، بل وكأي ظاهرة تاريخية
انتقلت إلى نقيضها. هذا هو موقف الكلاسيكيين في هذا المجال. أنا أعرف أن
الذي يؤخذ على الحزب الشيوعي السوري تاريخياً من خلال النقاشات الجارية
أنه منذ المؤتمر الثاني بالغ في موضوع دعمه لتطور الرأسمالية في سورية،
وهناك كتابات حول هذا الموضوع كثيرة وجرت نقاشات كثيرة حولها. لا أعتقد
أنه يمكن أن يؤخذ على الشيوعيين السوريين أنهم كانوا ضد دخول الرأسمالية
بشكل طبيعي إلى سورية، في مرحلة كان يمكن دخولها بشكل طبيعي، أعتقد أنهم
حاولوا أن يسهلوا ذلك مع أن الكثير من الرفاق والحركات أخذت عليهم ذلك
فيما بعد.
ولكن منذ أوائل السبعينات حينما أصبح التطور الرأسمالي سائداً في سورية
ويغلب عليه الطابع الطفيلي لا يمكن للشيوعيين إلا أن يعلنوا الحرب التي
لاهوادة فيها على علاقات الإنتاج هذه لأنه لا مبر لوجودها، حتى اليوم يطرح
علنيا سؤال كنا نفترض أننا قد جاوبنا عليه في السنوات العشر الماضية، أن
تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي ممكن، واليوم هل
(يمكن تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية في ظل العولمة المتوحشة من طابعها
الطفيلي دون إزالة الرأسمالية نفسها)؟ هذا سؤال يحتاج إلى بحث.
وأنا من حيث المبدأ أشكك اليوم في ظروف التوازنات والوقائع الموجودة أن حل
هذه المهمة ممكن (تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي بدون
إزالة علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها لأنه في ظل العولمة المتوحشة هناك
تقسيم عمل معين).
من هنا أعتقد أن الشيوعيين السوريين يمكن أن يؤخذ عليهم أنهم لم يعملوا
بالشكل الكافي في الظروف التاريخية الملموسة التي كانت تسمح بتثبيت علاقات
الإنتاج الرأسمالية. لكنهم لم يكونوا ضد دخول الرأسمالية إلى سورية وإذا
بحثنا في التاريخ نجد أن الذي قطع التطور الطبيعي في سورية في هذا المجال
هو الوحدة السورية مع مصر، حيث شوهت التطور حيث تكون لدينا قطاع عام مشوه
وعلاقات إنتاج رأسمالية مشوهة وإلا لو كان التطور الطبيعي في الخمسينات
بقي كما هو في خط مستقيم لأصبحنا بلداً كاليونان أو إسبانيا من حيث تطور
القوى المنتجة ومن حيث وضعنا في المنظومة الرأسمالية العالمية ولكن هذا
الأمر محسوم لأنه كان هناك تقسيم عمل وتقسيم جغرافي مبتوت فيه.
أعتقد أنه في روسيا اليوم رغم قلة الحديث عنها بقدر ما هي حبلى بالمفاجآت
أكثر مما نتوقع، روسيا حسمت مصير القرن العشرين ثلاث مرات (ثورة أكتوبر ـ
الحرب العالمي الثانية ـ انهيار الاتحاد السوفييتي) هي مركز موضوعي للتطور
العالمي بحجمها ودورها، هذا المركز مازال قائماً وسوف يلعب دوراً وهذا
الدور مفتوح على الاحتمالين، إذا عملية النهب الجارية فيها استمرت
واستطاعت الرأسمالية الكومبرادورية اليهودية تحديداً أن تخصخص الكهرباء
وسكك الحديد والنفط والغاز آخر ما تبقى من خطوط تربط أشلاء من روسيا فإن
روسيا سوف تنقسم إلى مئة قسم من خلال الخصخصة فقط، وليس من خلال شيء آخر،
حتى نعرف أن الخصخصة ليست مسألة اقتصادية بحتة. أما إذا استطاعت روسيا أن
تمنع ذلك وتنطلق وتستعيد سيادتها فإن سيادتها لن تقوم إلا على أساس
اشتراكي بظروفها الروسية. لذلك فإن الخيارين مفتوحان الحياة أو الموت
بالنسبة لروسيا
المصدر:موقع كتابي
والمتغير في الماركسية كمفهوم فلسفي موجود قبل أدونيس وسيبقى بعده، لأنه
عملياً تعبير عن المطلق والنسبي، ومشكلة الثابت والمتغير أن العلاقة بين
شقيه متغيرة وغير ثابتة الحدود الفاصلة، مرنة ومتحركة مع تغير الواقع
(لايوجد ثابت مطلق ولا متغير مطلق) مشكلة الماركسيين إلى اليوم أن بعضهم
وهم الجامدون يعتبرون أن كل الماركسية ثابت بينما العدميون يعتبرون كل
الماركسية متغيرة، وهناك صنف آخر وهو أخطر وهم الجهلة ومدعّو ا لماركسية
حيث يخلطون بين الثابت والمتغير. الثابت يصبح متغيراً والمتغير يصبح
ثابتاً وهذا ما يفضي بالبعض إلى أن ماركس انتهى، لأن فكرته حول أن تنتصر
الثورة البروليتارية في الغرب لم تثبت بينما هذه فكرة تدخل في إطار
المتغير وانتهت بحلول الرأسمالية الاحتكارية عندما أتى لينين في أوائل
القرن العشرين واقترح متغير آخر هو انتصار الثورة في بلد واحد وهذا
المتغير الذي أطلقه لينين هو افتراض انتقل بحكم التجربة و الواقع إلى
الثابت في حينه حيث تحول إلى نظرية «التفاوت» و«إمكانية الثورة في بلد
واحد» لذلك فالعلاقة بين الثابت والمتغير معقدة جداً لأنه يجب أن نحدد
بشكل عام بإطار النظري ماهو الثابت وماهو المتغير. ولكي نستطيع أن نحدد
الثابت والمتغير يجب أن نتعامل مع الماركسية كأي علم آخر وأي علم حتى يحق
له أن يسمى علماً يجب أن يتكوّن من مكونات محددة هي المنهج والقوانين
والفرضيات أي علم لديه طريقته ومنهجه وأدواته وباستخدام طريقته ومنهجه
وأدواته باكتشاف القوانين الداخلية للظاهرة التي يتعامل معها، هذه
القوانين الداخلية هي قوانين موضوعية لا تخترع بل تكتشف، والقوانين
بتراكمها بالإضافة إلى المنهج تسمح للباحث في هذا المجال أن يتنبأ (يفترض)
حيث أن الافتراض هو احتمال قانون واحتمال القانون بعد أن يدخل إلى المخبر
فإما أن يهمل أو يصبح قانوناً ويضاف إلى الرصيد النظري وتغني النظرية
نفسها.
المشكلة أن الماركسية تملك منهجاً ثابتاً نسبياً وفرضياتها هي متغيرة
نسبياً، أما القوانين فتدخل في إطار الإثنين (المنهج والفرضية) فبعض
القوانين من حيث الشكل والمضمون تبقى ثابتة وهناك قوانين تغير شكلها
وتحافظ على مضمونها كما حلل لينين قانون القيمة الزائدة، حيث اكتشفه ماركس
وأطلق عليه هذا الاسم، أما لينين فقال عنه: «إنه في الرأسمالية الاحتكارية
القيمة الزائدة هي الربح الاحتكاري، الجوهر ثابت هنا وهو الاستيلاء على
كميات عمل الآخرين».
اليوم نحن مدعوون كماركسيين أن نكتشف ما هو شكل القيمة الزائدة في ظروفنا
الجديدة حيث الاستغلال الجائر للطبيعة وللعالم الثالث وللعمل الذهني.
أعتقد أن هناك شكلاً جديداً على علماء الماركسية وحركات الماركسية اكتشاف
الشكل الجديد، لكن الجوهر ثابت الاستيلاء على كمية العمل الحالية في عهد
ماركس، اليوم يقول أحدهم: إن القيمة الزائدة اليوم ليست استيلاء على كميات
عمل حالية فقط بل واللاحقة أيضاً للأجيال المقبلة من خلال الاستغلال
الجائر للطبيعة. وهناك قوانين جديدة يجب أن نكتشفها لذلك فإن الثابت
والمتغير في إطار القوانين هي مشكلة كبيرة فالفرضية التي هي متغيرة قد
تصبح بالثابت وتغني النظرية أو تهمل إلى الأبد، والمنهج نفسه من حيث
الجوهر ثابت ومحافظ على نفسه ولكنه باغتناء المعارف العلمية أدواتنا
وطرقنا تتغير أيضاً (ماركسياً تتطور)، لذلك فإن مهمة المفكرين ليست سهلة
أبداً حيث تتطلب أن نستند إلى أفضل ما أنجزه العلم، ولكي نعرف كم نحن
مقصرون يحضرني المثال التالي: (لينين يقول إن ماركس أطلق نظريته في عهد
ظهور ثلاث اكتشافات علمية:
- نظرية الخلية – نظرية الحفاظ على الطاقة – نظرية داروين)
هذه النظريات الثلاثة تدرس لأطفالنا في الإبتدائي.
واليوم العلم قد خطا خطوات كبيرة وأكبر الاكتشافات الثلاثة اليوم هي:
- الخريطة الجينية والتحكم الوراثي.
- الكومبيوتر والمعلوماتية.
- غزو الفضاء الكوني.
وأقصد أن أقول، ماهي المسافة التي قطعها العلم منذ تلك الاكتشافات حتى الآن.
هل الماركسيون قطعوا بالماركسية المسافة نفسها.
أعتقد لا، نحن مقصرون والذنب ليس ذنب الماركسية بل ذنب العاملين فيها.
لذلك ليس صدفة في بداية الألفية الثالثة إجماع علماء بمناسبة الذكرى
(150) لوفاة كارل ماركس أجمعوا على أنه أهم مفكر الآن في الألفية الثالثة.
لذلك علينا أن نبذل جهوداً كبيرة كي نكون ماركسيين حقيقيين.
1. حول لينين واللينينية:
هل قوة اللينينية تنبع من أن لينين قام بثورة أكتوبر فقط حسب التعريف
الذي ذكره (د. نايف) اللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية استناداً إلى
(إلياس مرقص) ولكن هذا التعريف لـ (ستالين) حيث أن ماركس حلل الرأسمالية
في عصر المنافسة الحرة، وعندما نقول أن اللينينية هي ماركسية الإمبريالية
نعني أن لينين أضاف نظرياً إلى المنهج والقوانين و الافتراضات. لينين
اكتشف (قانون التطور المتفاوت) يجب أن نعمل عليه الآن. دعونا نَعُد إلى
الخلف قليلاً، عندما قال ماركس أن الثورة ستحدث في كل أوروبا لم يكن ذلك
عبثاً فقد درس من خلال قانون القيمة C + V +M = W علاقة الرأسمال المتحرك
بالرأسمال الثابت. استنتج أن التركيب العضوي للرأسمال في أوروبا الغربية
نفسه ومستوى التناقض واحد وهذا سيؤدي إلى انفجار واحد. ثم أتى لينين
واستخدم المنهج نفسه ودرس التركيب العضوي لرأس المال في عصر الإمبريالية
واستنتج أن الوضع قد تغير فقد ظهر التفاوت في التركيب العضوي لرأس المال
وهذا ينفي افتراض ماركس واقترح الافتراض الجديد قانون الحلقة الأضعف من
خلال قانون التطور المتفاوت وطبقه عملياً في مخبر التاريخ. وعلينا أن ندرس
كيف يعمل قانون التطور المتفاوت وأنا أعتقد أنه يعمل اليوم بالطريقتين
معاً (ماركس ـ لينين) حسب نفي النفي.
واليوم فإن التطور المتفاوت لم يعد بين بلد وبلد آخر بل بين مجموعة بلدان
وأخرى، ولكن السؤال أي الحلقة الأضعف، التي تحتاج إلى دراسة.
من الحلقة الأضعف ـ / بلدان الشمال لانستطيع أن نقول أن فيها تطوراً
متفاوتاً و بلدان الجنوب لا نستطيع أن نقول أن فيها تطوراً متفاوتاً لكن
بين الشمال والجنوب لم تعد كلمة (متفاوت) تفي بالغرض / ـ لذلك يجب أن
نكتشف الحلقة الأضعف لكي نعرف أين ستقوم الثورة الاشتراكية اللاحقة وهذا
يحتاج إلى دراسة. ولينين اكتشف أشياء كثيرة ففي مجال الاقتصاد السياسي
اكتشف قوانين اقتصادية حيث أنه طور قانون معادلة إعادة الإنتاج الإجتماعي
لماركس ـ كان ماركس يقول العلم لا يكون علماً إلا عندما نتكلم عنه بلغة
الرياضيات وضع أول معادلة وهي معادلة إعادة الإنتاج الموسع والتي يستغربون
حتى الآن، ومع الكمبيوتر كيف صنعها وأخرج هذه الأرقام حيث أنه لايمكن لأية
أرقام أن تكون مكانها (معادلة نموذجية).
ولينين في عصر الإمبريالية اكتشف إضافات جديدة لهذا القانون وهي ليست مجال بحثنا الآن.
لذلك إذا كان ماركس قد اكتشف حوالي (70) قانوناً في الرأسمال مازالت تفعل
فعلها حتى الآن والتي سمحت للماركسيين أن يتنبوؤا بانهيار النمور الأسيوية
وتحولها إلى قطط في الوقت الذي كان كثيرون يمدحونها وقد أتى تنبؤهم لأنهم
كانوا يعرفون قانوناً كانوا يدرسونه في الصف الأول في الاقتصاد السياسي
«قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي لرأس المال»
والذي يعرف هذا القانون يعلم أن هذه النمور سوف تنتهي حيث أن القانون يفعل
فعله حتى آخر القرن العشرين وكل القوانين أيضاً يمكن أن تغير أشكالها فقط.
لذلك كان لينين له الحق كاملاً في أن يكون إلى جانب ماركس بغض النظر ماذا
نطلق على نظريته ومن حقه أن نطلق عليها اسم اللينينية لأن نظرية إينشتاين
نطلق عليها اسم (نظرية إينشتاين) ونظرية نيوتن نطلق عليها اسم (نظرية
نيوتن) وكذلك نظرية ابن خلدون. الأمانة العلمية تفرض علينا أن نطلق عليها
اسم اللينينية.
هنا أريد أن أنبه إلى مسألة: (إذا كان أعداؤنا يسعون إلى تكوين رموز لهم
في الوعي الاجتماعي عبر أشخاص في كل المجالات من الفن والموسيقا والرقص
إلى السينما والسياسة والفكر كل يوم يكونون رموزاً جديدة حتى يكسبوا
الشباب ونحن مع الأسف في السنوات الـ 50 الماضية كنا كل يوم نحطم رموزنا
التي تكونت تاريخياً ونفتخر بهذا) عندما أتى الصينيون ليعالجوا مسألة
(ماو) بعد موته اقترح البعض إخراجه من ضريحه كما فعل (خروتشوف مع
ستالين)، وهنا انتصرت الحكمة الصينية في النهاية حيث قرروا أن 70 % مما
جاء به ماو صح و 30 % خطأ لأن (ماو) بغض النظر عن كل شيء هو بذهن الفلاح
الصيني البسيط رمز للثورة في الصين ورمز للبناء الاشتراكي و(ماو) عندما
يلقى من ضريحه لن يتضرر هو بل سوف يتضرر كل الوعي الاجتماعي الذي تكون
خلال 30 سنة من انتصار الثورة الاشتراكية في الصين. وهذه المسألة نحن
مقصرون فيها مسألة الوعي الاجتماعي ورموزه وإشاراته.
2. حول الرأسمالية وتقدميتها ورجعيتها:
الكلام الذي قيل عن تقدمية الرأسمالية في مرحلة معينة صحيح. وهناك مثالان:
- أنجلز في عام 1895 قال: «في كل خطوة تخطوها الرأسمالية إلى الأمام في
إطار تطوير القوى المنتجة هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان والطبيعة».
هذا الكلام دعا لينين في كتابه: «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية»
للاستنتاج بأن الرأسمالية أصبحت رجعية على طول الخط.
تلك الرأسمالية التقدمية في عام 1789 حين حطمت الإقطاع وكانت خطوة تقدمية
تاريخياً أصبحت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رجعية على
طول الخط حيث فقدت كل الطاقة التقدمية التي حملتها، بل وكأي ظاهرة تاريخية
انتقلت إلى نقيضها. هذا هو موقف الكلاسيكيين في هذا المجال. أنا أعرف أن
الذي يؤخذ على الحزب الشيوعي السوري تاريخياً من خلال النقاشات الجارية
أنه منذ المؤتمر الثاني بالغ في موضوع دعمه لتطور الرأسمالية في سورية،
وهناك كتابات حول هذا الموضوع كثيرة وجرت نقاشات كثيرة حولها. لا أعتقد
أنه يمكن أن يؤخذ على الشيوعيين السوريين أنهم كانوا ضد دخول الرأسمالية
بشكل طبيعي إلى سورية، في مرحلة كان يمكن دخولها بشكل طبيعي، أعتقد أنهم
حاولوا أن يسهلوا ذلك مع أن الكثير من الرفاق والحركات أخذت عليهم ذلك
فيما بعد.
ولكن منذ أوائل السبعينات حينما أصبح التطور الرأسمالي سائداً في سورية
ويغلب عليه الطابع الطفيلي لا يمكن للشيوعيين إلا أن يعلنوا الحرب التي
لاهوادة فيها على علاقات الإنتاج هذه لأنه لا مبر لوجودها، حتى اليوم يطرح
علنيا سؤال كنا نفترض أننا قد جاوبنا عليه في السنوات العشر الماضية، أن
تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي ممكن، واليوم هل
(يمكن تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية في ظل العولمة المتوحشة من طابعها
الطفيلي دون إزالة الرأسمالية نفسها)؟ هذا سؤال يحتاج إلى بحث.
وأنا من حيث المبدأ أشكك اليوم في ظروف التوازنات والوقائع الموجودة أن حل
هذه المهمة ممكن (تخليص علاقات الإنتاج الرأسمالية من طابعها الطفيلي بدون
إزالة علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها لأنه في ظل العولمة المتوحشة هناك
تقسيم عمل معين).
من هنا أعتقد أن الشيوعيين السوريين يمكن أن يؤخذ عليهم أنهم لم يعملوا
بالشكل الكافي في الظروف التاريخية الملموسة التي كانت تسمح بتثبيت علاقات
الإنتاج الرأسمالية. لكنهم لم يكونوا ضد دخول الرأسمالية إلى سورية وإذا
بحثنا في التاريخ نجد أن الذي قطع التطور الطبيعي في سورية في هذا المجال
هو الوحدة السورية مع مصر، حيث شوهت التطور حيث تكون لدينا قطاع عام مشوه
وعلاقات إنتاج رأسمالية مشوهة وإلا لو كان التطور الطبيعي في الخمسينات
بقي كما هو في خط مستقيم لأصبحنا بلداً كاليونان أو إسبانيا من حيث تطور
القوى المنتجة ومن حيث وضعنا في المنظومة الرأسمالية العالمية ولكن هذا
الأمر محسوم لأنه كان هناك تقسيم عمل وتقسيم جغرافي مبتوت فيه.
أعتقد أنه في روسيا اليوم رغم قلة الحديث عنها بقدر ما هي حبلى بالمفاجآت
أكثر مما نتوقع، روسيا حسمت مصير القرن العشرين ثلاث مرات (ثورة أكتوبر ـ
الحرب العالمي الثانية ـ انهيار الاتحاد السوفييتي) هي مركز موضوعي للتطور
العالمي بحجمها ودورها، هذا المركز مازال قائماً وسوف يلعب دوراً وهذا
الدور مفتوح على الاحتمالين، إذا عملية النهب الجارية فيها استمرت
واستطاعت الرأسمالية الكومبرادورية اليهودية تحديداً أن تخصخص الكهرباء
وسكك الحديد والنفط والغاز آخر ما تبقى من خطوط تربط أشلاء من روسيا فإن
روسيا سوف تنقسم إلى مئة قسم من خلال الخصخصة فقط، وليس من خلال شيء آخر،
حتى نعرف أن الخصخصة ليست مسألة اقتصادية بحتة. أما إذا استطاعت روسيا أن
تمنع ذلك وتنطلق وتستعيد سيادتها فإن سيادتها لن تقوم إلا على أساس
اشتراكي بظروفها الروسية. لذلك فإن الخيارين مفتوحان الحياة أو الموت
بالنسبة لروسيا
المصدر:موقع كتابي