اليوم كنت هيك عم عم بحبش بالنت وهيك لفت نظري مقال قديم من 29_12_1999 لصحفي سوري
وهو عن العبوس تلك الصفة الدائمة للسوريين وقلت والله معه حئ وعرفت من منوين احنا جايبين هالعبوس
بتمنى يعجبكم .....
لِــمَ نـحــن عــابــســـون دائــمـا؟؟
نعم نحن كذلك اطفالنا اغنياؤنا وفقراؤنا، حتى النساء الجميلات، عابسات.
"كوميديانا" عابسة، والدراما عابسة، جدية، لا فرق، كل شيء عابس في سوريا. رجال الدين، مذيعو ومذيعات التلفزيون الارضي والفضائي الراقصات في الملاهي الليلية كلهم كذلك. هم سفراؤنا، وهن سفيراتنا في العبوس بجدارة، وما الابتسامات على الوجوه إلا حركة ضرورية تتطلبها المهنة.
عندما قرأت مقال ادوارد سعيد في احدى الصحف العربية الصادرة في لندن، منذ فترة، حيث استخدم هذه الصفة للسوريين، فيما وصف اشقاءهم اللبنانيين بالذكاء، تأكدت انه يعيش معنا، وبيننا رغم المحيط الاطلسي العظيم.
عندما قرأته، تذكرت امي، وهي تطلب مني مذ كنت صغيرا ان "افك عقدة وجهي عندما انام" فذلك أحسن برأيها، حاولت غير اني لم استطع!!
السوريون عبوسون! لكن لماذا، وكيف، ومنذ متى هم كذلك؟
اذا كانت هذه الصفة الملازمة للسوريين لها علاقة بجينات وراثية خاصة "قطرية" فذلك بالتأكيد سيتعارض مع طرح الكثيرين من منظّري غالبية احزابنا القومية العروبية تحديدا، لان العرب، والسوريون جزء منهم، على حد تعبير تلك الاحزاب، ملتقون في "التاريخ، واللغة والعقيدة والاحزان والآمال" لذلك تسقط فكرة الجينات القطرية والعبوس المميز لشعب عن آخر شقيق.
غير ان الكلام والوصف الذي اتى به ادوارد سعيد لنا، صحيح الى حد كبير، فنحن عابسون، لكن لماذا؟
هل لاننا نحلم كثيرا، ودائما، باشياء كبيرة فوق طاقاتنا؟ نعاند الطبيعة ونواميسها ونحلم دائما بالمستحيل؟ غالبا ما ننكسر فتتراكم انكساراتنا وخيباتنا ومتغلغل في الذاكرة والدم والجينات الوراثية لكن لتظهر على الوجوه بقعا كظيمةً وحواجب مهدلة فوق عيون قاسية الملامح هادئة اللحاظ!
ام هي احلام جماهيرية جدا، صغيرة في التفاصيل المعيشية التي تكبر يوما اثر يوم، ككرة الثلج، لتصبح التفاصيل الصغيرة مشاريع احلام كبيرة، نعيش ونموت سعيا وراءها ولا نحصل عليها فنعود في المساء، كل مساء، الى بيوتنا منكسرين حزانى، وقبلها اجهضت احلامنا الكبرى (الوحدوية مثلا)؟
هل كنا كذلك، منذ ايبلا وماري واوغاريت وافاميا وكنعان والفينيق، ام منذ الفتوحات الاسلامية وبعدها "الفتوحات" الصليبية، ام هي الاموية وبعدها العباسية، ام هي اربعمئة عام عثمانية، كافية لنبقى ، نحن السوريين، اربعمائة اخرى بعدها، والعبوس لا يفارقنا!؟
أهو الانتداب الفرنسي القصير تاريخيا، ام استقلالنا العزيز والاحلام الكبيرة المرافقة، اهي الحروب والضحايا على امتداد التاريخ في منطقة الحضارة والاديان السموية؟ لم نحن عبوسون؟ اسئلة تراجيدية، واحيانا كوميدية، لكن لا بأس اذا كانت الاجوبة ستساعدنا على فك عُقدنا لتبدو وجوهنا منبسطة ومتفائلة، لكن ليست بالطبع بليدة لطالما اشقاء لنا عاشوا الوفرة والبذخ البدوي يوم كنا نعيش القحط والتقشف الضروري، وتاليا الفقر "الضروري والوطني". نعم، كانت اسرائيل على مقربة منا، ثم قضمت جزءا من ارضنا، لتدخل في ما بعد بيت كل سوري بلا استئذان، فكان موتا اول الامر، وترسخ عبوسا فيما بعد.
وبعد اسرائيل والحروب والصراعات والهزائم والموازنات الوطنية الضخمة التي اعدت من اجلها - وضاع نصفها على الطريق - كانت الانقلابات والعسكر والدم...
هكذا انطفأ النور في محاجر السوريون، اسودت الدنيا وتكرس العبوس في تقاسيم الوجوه السورية وفي تلافيف الذاكرة، فكانت ملامح خاصة وقاسية. وحدّهم ابناء نيرون، مع اشقاء لبنانيين "اذكياء"، على حد تعبير ادوارد سعيد عاشوا الكابوس العثماني، وبقيت عندهم فضاءات رحبة لاحلام وردية عن وطن حرّ يجلب الفرح لوجوه ابنائه تحمسوا للفكرة، عملوا لها، غير ان "السفاح" التركي شنق اكثرهم فسال دم "كثير" في شوارع دمشق وآخر في الجبل اللبناني، ترك ندبا من الحزن على الوجوه، فسمي لاحقا عبوسا.
هذه اجابة، وماذا بعد؟
هي دول، قامت عبر التاريخ على جزء من ارضنا او فوقها وقديما كانت "الدولة" جهازا كبيرا للتسلط والقهر لابنائها ولـ"الضالين" منهم خصوصا فعرفوا كيف يكون الالغاء والتصفية. منذ تلك الاثناء نبت العبوس في ارضنا. هكذا ينبت في كل ارض. وهكذا كان قدر السوريين، لانهم فسيفساء جميلة وليس "تركيبة طائفية"، فسيفساء باصوات متعددة، وفلكلور ملون وزاه، كل هذا لم يعجب اولئك الخلفاء، ارادوها ارضا بصوت واحد وثوب واحد ووجه لا معنى له، كان ذلك حتى عهد قريب، الى ان اتى زمن حاول فيه السوريون ترميم ذاكرتهم - فسيفسائهم علَّ اللوحة تبدو وطنية اكثر بالوانها، ونصبح اكثر فرحا. لم يكتمل مشروع حلمنا - احلامنا. ولدت اسرائيل غفلة، استمر عبوسنا - هكذا كنّا، استاذنا الكبير ادوارد سعيد، ولعلنا نصبح افضل.
--------------------------------
وهو عن العبوس تلك الصفة الدائمة للسوريين وقلت والله معه حئ وعرفت من منوين احنا جايبين هالعبوس
بتمنى يعجبكم .....
لِــمَ نـحــن عــابــســـون دائــمـا؟؟
نعم نحن كذلك اطفالنا اغنياؤنا وفقراؤنا، حتى النساء الجميلات، عابسات.
"كوميديانا" عابسة، والدراما عابسة، جدية، لا فرق، كل شيء عابس في سوريا. رجال الدين، مذيعو ومذيعات التلفزيون الارضي والفضائي الراقصات في الملاهي الليلية كلهم كذلك. هم سفراؤنا، وهن سفيراتنا في العبوس بجدارة، وما الابتسامات على الوجوه إلا حركة ضرورية تتطلبها المهنة.
عندما قرأت مقال ادوارد سعيد في احدى الصحف العربية الصادرة في لندن، منذ فترة، حيث استخدم هذه الصفة للسوريين، فيما وصف اشقاءهم اللبنانيين بالذكاء، تأكدت انه يعيش معنا، وبيننا رغم المحيط الاطلسي العظيم.
عندما قرأته، تذكرت امي، وهي تطلب مني مذ كنت صغيرا ان "افك عقدة وجهي عندما انام" فذلك أحسن برأيها، حاولت غير اني لم استطع!!
السوريون عبوسون! لكن لماذا، وكيف، ومنذ متى هم كذلك؟
اذا كانت هذه الصفة الملازمة للسوريين لها علاقة بجينات وراثية خاصة "قطرية" فذلك بالتأكيد سيتعارض مع طرح الكثيرين من منظّري غالبية احزابنا القومية العروبية تحديدا، لان العرب، والسوريون جزء منهم، على حد تعبير تلك الاحزاب، ملتقون في "التاريخ، واللغة والعقيدة والاحزان والآمال" لذلك تسقط فكرة الجينات القطرية والعبوس المميز لشعب عن آخر شقيق.
غير ان الكلام والوصف الذي اتى به ادوارد سعيد لنا، صحيح الى حد كبير، فنحن عابسون، لكن لماذا؟
هل لاننا نحلم كثيرا، ودائما، باشياء كبيرة فوق طاقاتنا؟ نعاند الطبيعة ونواميسها ونحلم دائما بالمستحيل؟ غالبا ما ننكسر فتتراكم انكساراتنا وخيباتنا ومتغلغل في الذاكرة والدم والجينات الوراثية لكن لتظهر على الوجوه بقعا كظيمةً وحواجب مهدلة فوق عيون قاسية الملامح هادئة اللحاظ!
ام هي احلام جماهيرية جدا، صغيرة في التفاصيل المعيشية التي تكبر يوما اثر يوم، ككرة الثلج، لتصبح التفاصيل الصغيرة مشاريع احلام كبيرة، نعيش ونموت سعيا وراءها ولا نحصل عليها فنعود في المساء، كل مساء، الى بيوتنا منكسرين حزانى، وقبلها اجهضت احلامنا الكبرى (الوحدوية مثلا)؟
هل كنا كذلك، منذ ايبلا وماري واوغاريت وافاميا وكنعان والفينيق، ام منذ الفتوحات الاسلامية وبعدها "الفتوحات" الصليبية، ام هي الاموية وبعدها العباسية، ام هي اربعمئة عام عثمانية، كافية لنبقى ، نحن السوريين، اربعمائة اخرى بعدها، والعبوس لا يفارقنا!؟
أهو الانتداب الفرنسي القصير تاريخيا، ام استقلالنا العزيز والاحلام الكبيرة المرافقة، اهي الحروب والضحايا على امتداد التاريخ في منطقة الحضارة والاديان السموية؟ لم نحن عبوسون؟ اسئلة تراجيدية، واحيانا كوميدية، لكن لا بأس اذا كانت الاجوبة ستساعدنا على فك عُقدنا لتبدو وجوهنا منبسطة ومتفائلة، لكن ليست بالطبع بليدة لطالما اشقاء لنا عاشوا الوفرة والبذخ البدوي يوم كنا نعيش القحط والتقشف الضروري، وتاليا الفقر "الضروري والوطني". نعم، كانت اسرائيل على مقربة منا، ثم قضمت جزءا من ارضنا، لتدخل في ما بعد بيت كل سوري بلا استئذان، فكان موتا اول الامر، وترسخ عبوسا فيما بعد.
وبعد اسرائيل والحروب والصراعات والهزائم والموازنات الوطنية الضخمة التي اعدت من اجلها - وضاع نصفها على الطريق - كانت الانقلابات والعسكر والدم...
هكذا انطفأ النور في محاجر السوريون، اسودت الدنيا وتكرس العبوس في تقاسيم الوجوه السورية وفي تلافيف الذاكرة، فكانت ملامح خاصة وقاسية. وحدّهم ابناء نيرون، مع اشقاء لبنانيين "اذكياء"، على حد تعبير ادوارد سعيد عاشوا الكابوس العثماني، وبقيت عندهم فضاءات رحبة لاحلام وردية عن وطن حرّ يجلب الفرح لوجوه ابنائه تحمسوا للفكرة، عملوا لها، غير ان "السفاح" التركي شنق اكثرهم فسال دم "كثير" في شوارع دمشق وآخر في الجبل اللبناني، ترك ندبا من الحزن على الوجوه، فسمي لاحقا عبوسا.
هذه اجابة، وماذا بعد؟
هي دول، قامت عبر التاريخ على جزء من ارضنا او فوقها وقديما كانت "الدولة" جهازا كبيرا للتسلط والقهر لابنائها ولـ"الضالين" منهم خصوصا فعرفوا كيف يكون الالغاء والتصفية. منذ تلك الاثناء نبت العبوس في ارضنا. هكذا ينبت في كل ارض. وهكذا كان قدر السوريين، لانهم فسيفساء جميلة وليس "تركيبة طائفية"، فسيفساء باصوات متعددة، وفلكلور ملون وزاه، كل هذا لم يعجب اولئك الخلفاء، ارادوها ارضا بصوت واحد وثوب واحد ووجه لا معنى له، كان ذلك حتى عهد قريب، الى ان اتى زمن حاول فيه السوريون ترميم ذاكرتهم - فسيفسائهم علَّ اللوحة تبدو وطنية اكثر بالوانها، ونصبح اكثر فرحا. لم يكتمل مشروع حلمنا - احلامنا. ولدت اسرائيل غفلة، استمر عبوسنا - هكذا كنّا، استاذنا الكبير ادوارد سعيد، ولعلنا نصبح افضل.
--------------------------------