كان بين الأنقاض ثلاثة رجال، هم كلُّ من تبقّى بعد المذبحة الأرضية. التراب تحت أرجلهم رماد، والسماء فوق رؤوسهم دخان.
الأول: فعلها الأشرار. طمعوا بها فدمّروها. لم يعيشوا ولم يتركوا الأبرياء يعيشون. ها نحن أولاء وحدنا على هذه الأرض. دعونا نفكّر في طريقة للحياة.
الثاني: أشتهي أن أدخّن.
الأول: دخّن كما تشاء..الهواء كلُّه تحت أمرك.
الثاني: كلاّ. أريد سيجارة. حبّذا لو كانت سيجارة أجنبية.
الثالث: ليس في الأرض أجانب يصنعون السجاير. نحن وحدنا الأحياء، وليس بيننا أجنبي.
الأول: كفاكما جدلاً. ليس هذا وقته. المهم الآن أن نجد ما نأكله.
الثالث: هذا صحيح. يجب أن نجد ما نأكله.
الثاني: أنا جائع في الحقيقة، لكن لا تظنّا أنني سأنسى رغبتي إذا ما شبعت. التدخين يكون أشهى بعد الطعام. ثم إنني أرغب في كوب من الشاي بعد أن آكل.
الأول: أيّها الطيبان، هذه كماليات. الأمر الضروري هو أن نجد ما نأكله. لاحظا أننا سيمكننا مواصلة العيش بلا تبغ أو شاي، لكننا لن نعيش بلا طعام.
الثالث: السجاير أصلاً اختراع هولندي. هي أصل الشر. ليست سوى وسيلة من وسائل الإستعمار.
الأول: والشاي كذلك. صحيح انه اختراع صيني، إلاّ أن الإنجليز برعوا في جعله وسيلة من وسائل الإستعمار.
الثاني: يسقط الإستعمار.
الأول: لقد سقط فعلاً، لكنّه واأسفاه أسقط الدنيا كلَّها معه.
الثاني: لندخّن إذَن على شرف سقوط الإستعمار.
الأول: حاول أن تصبر يا صديقي، ودعنا الآن نفكّر في طريقة لاستعمار الأرض.
الثاني: فكّر وحدك. لن أسلك طريق الإمبريالية حتى لو مِتُّ جوعاً.
الأول: أنت مخطئ يا عزيزي. الإستعمار عمل عظيم. الإستعمار هو أصل وجود آدم على هذه الأرض، لكنَّ قراصنة الغرب هم الذين شوّهوا سمعته.
الثاني: إذن فهو مشوّه السمعة.
الأول: لنبدأ سمعته من جديد. دعونا نحسّنها على أيدينا.
الثالث: نعم. إنه مشوّه السمعة. نعم..دعونا نحسّن سمعته على أيدينا.
الثاني: إرفع قدمك عن أعصابي. إنك تؤلمني. أأنت معي أم معه؟
الثالث: أنا معكما.
الأول: وأنا أيضاً معكما.
الثاني: أنا أكره وجهة نظرك، لكنني أحترمها. أمّا هذا فليس لديه وجهة نظر..ولذلك فأنا مضطر لأن أكرهه.
الأول: ينبغي ألاّ يكره أحدنا الآخر. ألا ترون أن الكراهية هي التي أوصلت الأرض إلى هذه النتيجة؟
الثاني: إذن، أنا مضطر لأن لا أكرهه، وأحسب أن هذا الأمر سيجعلني محتاجاً إلى التدخين.
الثالث: التدخين مضر بالصحة.
الثاني: صحّتك أم صحّتي؟
الثالث: صحّتك طبعاً. لكنني أتضايق أيضاً من رائحة التبغ.
الثاني: إبتعد عنّي حين أدخّن. بإمكانك مثلاً أن تخرج إلى القطب الشمالي.
الأول: في الواقع نحن لا نعرف موقعنا على الأرض بالضبط. ربّما نحن في القطب الشمالي فعلاً!
الثاني: ليذهب إلى خط الإستواء. هناك سعة لمن لا يحب رائحة التبغ.
الأول: أووه..لا يعنيني تدخينك، ولا كراهيته للتدخين. إنني مهتم الآن بتحديد موقعنا على هذه الأرض.
الثاني: هل أنت متأكّد من أننا فوق الأرض حقّاً؟
الأول: وأين يمكن أن نكون؟!
الثاني: على المرّيخ مثلاً.
الثالث: لا يمكن. ليس على المريخ حياة.
الثاني: اسكت أنت. ماذا نعرف عن المريخ؟ كلُّ ما نعرفه الآن هو أن ليس على الأرض حياة.
الثالث: عليها..نحن الثلاثة لا نزال أحياء.
الثاني: أيها الغبي، لم نتحقق بعد من أننا فوق الأرض. ثم مَن يستطيع أن يؤكد أننا أحياء؟!
الأول: أعتقد أننا أحياء. فالموتى لا يتكلمون.
الثاني: هل مِتَّ من قبل لتعرف أن الموتى لا يتكلمون؟ ربّما لم نكن نفهم كلام الموتى لأننا كنا أحياء. وها نحن أولاء يفهم بعضنا بعضاً لأننا ميتون!
هل تتذكرون؟ عندما كنا نحيا في الوطن العربي لم نكن نتكلم إطلاقاً.
الثالث: هذا صحيح، أذكر ذلك جيداً.
الثاني: إذن فليس الموتى وحدهم الذين لا يتكلمون. كلُّ المسائل نسبيّة يا جماعة.
الثالث: لا أتفق معك. فنحن مازلنا عرباً..ومع ذلك فنحن نتكلّم.
الثاني: طبعاً لا تتفق معي، لأنّك مصّر على أن تظلَّ عربياً. إسمع يا رجل، ينبغي أن تدرك أنك تتكلم الآن لأنك لم تعد عربياً. أنت الآن عالمي. إذا أردت الدقّة أنت الآن ثلث نفوس العالم.
الثالث: أيُّ عالم؟
الثاني: إذا لم نكن على المريخ، وإذا كنّا أحياء، فليس عندي شك في أنك العالم الثالث!
الأول: نحن جميعاً في موقع واحد.
الثاني: في اللحظة الراهنة نعم. لكنني أعتقد أنه جاءنا لاجئاً. ألا ترى أنه بلا رأي؟
الأول: لقد عبَّر عن رأيه بكل وضوح.
الثاني: أيُّ رأي؟ إنه يردّد ما أقوله أو ما تقوله. لم يقل شيئاً سوى أن التدخين مضر بالصحّة.
الثالث: وبالبيئة أيضاً.
الثاني: البيئة؟!
الأول: اسكتا..البيئة نفسها تدخّن الآن. ينبغي أن نفكّر ريثما يزول هذا الدخان.
الثاني: لا أستطيع التفكير وهذا(الأخضر) مغروز في خاصرتي. قل له أن يشفق على أعصابي بقدر إشفاقه على البيئة.
الأول: إذا واصلنا الجدال فسنهلك.
الثاني: لا بأس، إذا كان الهلاك سيخلصني من هذا الببغاء.
الأول: الجدل مفيد إذا كان مفيداً.
الثالث: حكمة والله!
الأول: علينا أن ننظّم تفكيرنا وحوارنا.
الثاني: الإختلاف قائم لا محالة.
الثالث: نعم نحن نختلف لا محالة. علينا أن ننظّم تفكيرنا.
الثاني: وحوارنا كما قال.
الثالث: وحوارنا.
الثاني: ألم أقل إنك ببغاء؟!
الأول: إننا ندور في حلقة مفرغة. لماذا لا ننتخب واحداً منّا ليكون هو القائد، ويكون على الآخَرين احترام رأيه؟
الثاني: مَن يضمن لي أن يجري الإنتخاب دون تزوير؟
الأول: أنا أضمن ذلك. إننا لم نعد في الوطن العربي، كما اننا جميعاً سنراقب العملية عن كثب.
الثالث: نحتاج إلى صندوق.
الثاني: ما حاجتنا للصندوق؟!
الثالث: هه..كيف يجري الإنتخاب دون صندوق للاقتراع؟
االثاني: إذا عثرنا على صندوق فأول ما سأفعله هو أن أضعك فيه وأشيّعك إلى مثواك الأخير.
الثالث: أنت دكتاتور.
الأول: كلاّ..هو ديمقراطي.
الثالث: لماذا يقف ضدَّ فكرة صندوق الاقتراع؟
الثاني: يا كائن. ألا ترى أنه لا يوجد صندوق؟
الثالث: نبحث عن صندوق.
الأول: حسناً..لننتخب أحدنا ليقود عملية البحث.
الثالث: هذا أحسن حل.
الثاني: كيف ننتخب؟!
الأول: بالاقتراع.
الثالث: نحتاج إلى صندوق.
الأول: نحن نحاول انتخاب أحدنا ليقود عملية البحث عن صندوق.
الثالث: حل جيّد.
الثاني: سأقتل هذا الببغاء.
الأول: لا تشتبكا. بإمكاننا في هذه المرّة أن نجري الانتخاب بالتصويت المباشر.
الثالث: في هذه المرحلة فقط.
الثاني: أنا أرشّح نفسي.
الأول: وأنا ارشّح نفسي.
الثالث: وأنا أرشّح نفسي.
الثاني: أنت لا.
الثالث: لماذا؟ أأنتما أحسن منّي؟!
الثاني: إذا رشّحنا جميعاً فمن سيراقب سير الانتخاب؟ لابدَّ أن يتولّى أحدنا مهمة الرقابة.
الثالث: لننتخب أحدنا لهذه المهمة.
الثاني: أنا أرشّحك وأصوّت لصالحك.
الأول: سأصوّت ضدّه.
الثاني: إذن، أعيّنك أنت رئيساً للجنة الرقابية.
الثالث: مَن أنت حتى تعيّنه؟ كلاّ..يجب أن يجرى انتخاب.
الأول: لا شأن لي بانتخابات رئاسة اللجنة الرقابية، أنا مرشّح قيادة للبحث عن صندوق اقتراع لانتخابات القيادة العامة.
الثاني: أنا منسحب.
الأول: في هذه الحالة رشّح نفسك لانتخابات اللجنة الرقابية.
الثاني: لن أرشّح في أي انتخاب.
الثالث: إذن إدلِ بصوتك كمواطن عادي.
الثاني: لا ثقة لي بأي مرشّح. أنت مثلاً..ما هو برنامجك الانتخابي؟
الثالث: برنامجي؟!
الأول:...ومن أبرز أهدافي أن أكون في خدمة هذين الرفيقين الطيبَين. وأعد بشرفي انني إذا تمّ انتخابي، سأعمل بكل طاقاتي وبتفانٍ وإخلاص لتحقيق المكاسب التالية: أولاً :العثور على صندوق للاقتراع، ثانياً:إجراء انتخابات حرة مستندة إلى صندوق الاقتراع، ثالثاً:توحيد الصّف ومحاربة الأميّة وتوفير الوظائف وإطلاق حرية الرأي.
الثالث: ماذا يقول؟!
الثاني: أحسن منك. رجل عنده برنامج.
الثالث: أهذا هو البرنامج؟
الثاني: نعم. هذا هو. أم كنت تظنه برنامج(ما يطلبه المستمعون)؟
الثالث: ويحي. هذا سهل. أنا أيضاً أستطيع أن أقول مثل هذا البرنامج.
الثاني: هات ما عندك.
الثالث:..ومن أبرز أهدافي أن أكون في خدمة هذين الرفيقين الثلاثة. وأقسم بشرفي أن أحقق المنجزات التالية: أولاً: العثور على صندوق، ثانياً: العثور على طعام، ثالثاً: توحيد الصف ومحاربة الإمبريالية.
الأول: حسناً..أمامك برنامجان.
الثاني: ليس في البرنامجين ما يغريني بانتخاب أحدكما. لم يتطرق أيّ منكما إلى ضرورة توفير السجاير لي.
الأول: الطعام أوّلاً.
الثالث: السجاير مضيعة للمال والصحّة.
الثاني: انتخبا لوحدكما.
الأول: وماذا ستفعل أنت؟
الثاني: مقاطعة الانتخابات.
الأول: موقف غير حضاري. لا يجوز للمواطن الأصيل أن يتخذ موقفاً سلبيّاً من قضيّة الانتخابات.
الثاني: لست سلبياً. أنا على الحياد. الحياد الإيجابي.
الأول: أعتقد أن لا مفر من القيادة الجماعية.
الثالث: كنا هكذا منذ البداية!
الأول: نعم. لكن بطريقة بدائية. أمّا الآن وقد تبلورت القضيّة، فإننا نستطيع أن نسمّي أنفسنا مجلس قيادة.
الثاني: نقود مَن؟!
الأول: أنفسنا.
الثاني: هذه بدعة عربية. نحن الآن عالميون.
الأول: ماذا نفعل إذن؟
الثاني: احسن شيء هو أن يمضي كل واحد منا في اتجاه.
الثالث: فكرة جيدة..لكنها أيضاً فكرة عربية.
الأول: لماذا انتما معقّدان من العروبة؟ لماذا لا نكون عرباً وعالميين في الوقت نفسه؟ ألا يكفي العرب كرامة عند الله أن يكون منهم الثلاثة الوحيدون الذين بقوا على قيد الحياة فوق الأرض؟!
الثاني: على قيد الحياة؟ من قال إننا أحياء حقاً؟ فوق الأرض؟ من قال إن هذه هي الأرض حقاً؟ كرامة؟ أينبغي أن يزول جميع البشر لكي يستطيع ثلاثة من العرب أن يشعروا بكرامتهم؟!
الثالث: إثنان فقط. أنا لا أشعر بالكرامة. كيف أشعر بها وأنت عاكف على إهانتي؟
الثاني: إذا كانت كلمتي ثقيلة عليك فبإمكانك أن تطلب حقَّ اللجوء من هذا..
الأول: لا تحرجني. أنت تعلم أنني لا أستطيع البتَّ في طلبات اللجوء قبل الانتخابات.
الثاني: أقترح في هذه الحالة أن تجرى انتخابات مبكّرة.
الثالث: سنحتاج إلى صندوق..
الأول: وإلى ناخبين..
الثاني: وإلى لجنة رقابية...
الأول: فعلها الأشرار. طمعوا بها فدمّروها. لم يعيشوا ولم يتركوا الأبرياء يعيشون. ها نحن أولاء وحدنا على هذه الأرض. دعونا نفكّر في طريقة للحياة.
الثاني: أشتهي أن أدخّن.
الأول: دخّن كما تشاء..الهواء كلُّه تحت أمرك.
الثاني: كلاّ. أريد سيجارة. حبّذا لو كانت سيجارة أجنبية.
الثالث: ليس في الأرض أجانب يصنعون السجاير. نحن وحدنا الأحياء، وليس بيننا أجنبي.
الأول: كفاكما جدلاً. ليس هذا وقته. المهم الآن أن نجد ما نأكله.
الثالث: هذا صحيح. يجب أن نجد ما نأكله.
الثاني: أنا جائع في الحقيقة، لكن لا تظنّا أنني سأنسى رغبتي إذا ما شبعت. التدخين يكون أشهى بعد الطعام. ثم إنني أرغب في كوب من الشاي بعد أن آكل.
الأول: أيّها الطيبان، هذه كماليات. الأمر الضروري هو أن نجد ما نأكله. لاحظا أننا سيمكننا مواصلة العيش بلا تبغ أو شاي، لكننا لن نعيش بلا طعام.
الثالث: السجاير أصلاً اختراع هولندي. هي أصل الشر. ليست سوى وسيلة من وسائل الإستعمار.
الأول: والشاي كذلك. صحيح انه اختراع صيني، إلاّ أن الإنجليز برعوا في جعله وسيلة من وسائل الإستعمار.
الثاني: يسقط الإستعمار.
الأول: لقد سقط فعلاً، لكنّه واأسفاه أسقط الدنيا كلَّها معه.
الثاني: لندخّن إذَن على شرف سقوط الإستعمار.
الأول: حاول أن تصبر يا صديقي، ودعنا الآن نفكّر في طريقة لاستعمار الأرض.
الثاني: فكّر وحدك. لن أسلك طريق الإمبريالية حتى لو مِتُّ جوعاً.
الأول: أنت مخطئ يا عزيزي. الإستعمار عمل عظيم. الإستعمار هو أصل وجود آدم على هذه الأرض، لكنَّ قراصنة الغرب هم الذين شوّهوا سمعته.
الثاني: إذن فهو مشوّه السمعة.
الأول: لنبدأ سمعته من جديد. دعونا نحسّنها على أيدينا.
الثالث: نعم. إنه مشوّه السمعة. نعم..دعونا نحسّن سمعته على أيدينا.
الثاني: إرفع قدمك عن أعصابي. إنك تؤلمني. أأنت معي أم معه؟
الثالث: أنا معكما.
الأول: وأنا أيضاً معكما.
الثاني: أنا أكره وجهة نظرك، لكنني أحترمها. أمّا هذا فليس لديه وجهة نظر..ولذلك فأنا مضطر لأن أكرهه.
الأول: ينبغي ألاّ يكره أحدنا الآخر. ألا ترون أن الكراهية هي التي أوصلت الأرض إلى هذه النتيجة؟
الثاني: إذن، أنا مضطر لأن لا أكرهه، وأحسب أن هذا الأمر سيجعلني محتاجاً إلى التدخين.
الثالث: التدخين مضر بالصحة.
الثاني: صحّتك أم صحّتي؟
الثالث: صحّتك طبعاً. لكنني أتضايق أيضاً من رائحة التبغ.
الثاني: إبتعد عنّي حين أدخّن. بإمكانك مثلاً أن تخرج إلى القطب الشمالي.
الأول: في الواقع نحن لا نعرف موقعنا على الأرض بالضبط. ربّما نحن في القطب الشمالي فعلاً!
الثاني: ليذهب إلى خط الإستواء. هناك سعة لمن لا يحب رائحة التبغ.
الأول: أووه..لا يعنيني تدخينك، ولا كراهيته للتدخين. إنني مهتم الآن بتحديد موقعنا على هذه الأرض.
الثاني: هل أنت متأكّد من أننا فوق الأرض حقّاً؟
الأول: وأين يمكن أن نكون؟!
الثاني: على المرّيخ مثلاً.
الثالث: لا يمكن. ليس على المريخ حياة.
الثاني: اسكت أنت. ماذا نعرف عن المريخ؟ كلُّ ما نعرفه الآن هو أن ليس على الأرض حياة.
الثالث: عليها..نحن الثلاثة لا نزال أحياء.
الثاني: أيها الغبي، لم نتحقق بعد من أننا فوق الأرض. ثم مَن يستطيع أن يؤكد أننا أحياء؟!
الأول: أعتقد أننا أحياء. فالموتى لا يتكلمون.
الثاني: هل مِتَّ من قبل لتعرف أن الموتى لا يتكلمون؟ ربّما لم نكن نفهم كلام الموتى لأننا كنا أحياء. وها نحن أولاء يفهم بعضنا بعضاً لأننا ميتون!
هل تتذكرون؟ عندما كنا نحيا في الوطن العربي لم نكن نتكلم إطلاقاً.
الثالث: هذا صحيح، أذكر ذلك جيداً.
الثاني: إذن فليس الموتى وحدهم الذين لا يتكلمون. كلُّ المسائل نسبيّة يا جماعة.
الثالث: لا أتفق معك. فنحن مازلنا عرباً..ومع ذلك فنحن نتكلّم.
الثاني: طبعاً لا تتفق معي، لأنّك مصّر على أن تظلَّ عربياً. إسمع يا رجل، ينبغي أن تدرك أنك تتكلم الآن لأنك لم تعد عربياً. أنت الآن عالمي. إذا أردت الدقّة أنت الآن ثلث نفوس العالم.
الثالث: أيُّ عالم؟
الثاني: إذا لم نكن على المريخ، وإذا كنّا أحياء، فليس عندي شك في أنك العالم الثالث!
الأول: نحن جميعاً في موقع واحد.
الثاني: في اللحظة الراهنة نعم. لكنني أعتقد أنه جاءنا لاجئاً. ألا ترى أنه بلا رأي؟
الأول: لقد عبَّر عن رأيه بكل وضوح.
الثاني: أيُّ رأي؟ إنه يردّد ما أقوله أو ما تقوله. لم يقل شيئاً سوى أن التدخين مضر بالصحّة.
الثالث: وبالبيئة أيضاً.
الثاني: البيئة؟!
الأول: اسكتا..البيئة نفسها تدخّن الآن. ينبغي أن نفكّر ريثما يزول هذا الدخان.
الثاني: لا أستطيع التفكير وهذا(الأخضر) مغروز في خاصرتي. قل له أن يشفق على أعصابي بقدر إشفاقه على البيئة.
الأول: إذا واصلنا الجدال فسنهلك.
الثاني: لا بأس، إذا كان الهلاك سيخلصني من هذا الببغاء.
الأول: الجدل مفيد إذا كان مفيداً.
الثالث: حكمة والله!
الأول: علينا أن ننظّم تفكيرنا وحوارنا.
الثاني: الإختلاف قائم لا محالة.
الثالث: نعم نحن نختلف لا محالة. علينا أن ننظّم تفكيرنا.
الثاني: وحوارنا كما قال.
الثالث: وحوارنا.
الثاني: ألم أقل إنك ببغاء؟!
الأول: إننا ندور في حلقة مفرغة. لماذا لا ننتخب واحداً منّا ليكون هو القائد، ويكون على الآخَرين احترام رأيه؟
الثاني: مَن يضمن لي أن يجري الإنتخاب دون تزوير؟
الأول: أنا أضمن ذلك. إننا لم نعد في الوطن العربي، كما اننا جميعاً سنراقب العملية عن كثب.
الثالث: نحتاج إلى صندوق.
الثاني: ما حاجتنا للصندوق؟!
الثالث: هه..كيف يجري الإنتخاب دون صندوق للاقتراع؟
االثاني: إذا عثرنا على صندوق فأول ما سأفعله هو أن أضعك فيه وأشيّعك إلى مثواك الأخير.
الثالث: أنت دكتاتور.
الأول: كلاّ..هو ديمقراطي.
الثالث: لماذا يقف ضدَّ فكرة صندوق الاقتراع؟
الثاني: يا كائن. ألا ترى أنه لا يوجد صندوق؟
الثالث: نبحث عن صندوق.
الأول: حسناً..لننتخب أحدنا ليقود عملية البحث.
الثالث: هذا أحسن حل.
الثاني: كيف ننتخب؟!
الأول: بالاقتراع.
الثالث: نحتاج إلى صندوق.
الأول: نحن نحاول انتخاب أحدنا ليقود عملية البحث عن صندوق.
الثالث: حل جيّد.
الثاني: سأقتل هذا الببغاء.
الأول: لا تشتبكا. بإمكاننا في هذه المرّة أن نجري الانتخاب بالتصويت المباشر.
الثالث: في هذه المرحلة فقط.
الثاني: أنا أرشّح نفسي.
الأول: وأنا ارشّح نفسي.
الثالث: وأنا أرشّح نفسي.
الثاني: أنت لا.
الثالث: لماذا؟ أأنتما أحسن منّي؟!
الثاني: إذا رشّحنا جميعاً فمن سيراقب سير الانتخاب؟ لابدَّ أن يتولّى أحدنا مهمة الرقابة.
الثالث: لننتخب أحدنا لهذه المهمة.
الثاني: أنا أرشّحك وأصوّت لصالحك.
الأول: سأصوّت ضدّه.
الثاني: إذن، أعيّنك أنت رئيساً للجنة الرقابية.
الثالث: مَن أنت حتى تعيّنه؟ كلاّ..يجب أن يجرى انتخاب.
الأول: لا شأن لي بانتخابات رئاسة اللجنة الرقابية، أنا مرشّح قيادة للبحث عن صندوق اقتراع لانتخابات القيادة العامة.
الثاني: أنا منسحب.
الأول: في هذه الحالة رشّح نفسك لانتخابات اللجنة الرقابية.
الثاني: لن أرشّح في أي انتخاب.
الثالث: إذن إدلِ بصوتك كمواطن عادي.
الثاني: لا ثقة لي بأي مرشّح. أنت مثلاً..ما هو برنامجك الانتخابي؟
الثالث: برنامجي؟!
الأول:...ومن أبرز أهدافي أن أكون في خدمة هذين الرفيقين الطيبَين. وأعد بشرفي انني إذا تمّ انتخابي، سأعمل بكل طاقاتي وبتفانٍ وإخلاص لتحقيق المكاسب التالية: أولاً :العثور على صندوق للاقتراع، ثانياً:إجراء انتخابات حرة مستندة إلى صندوق الاقتراع، ثالثاً:توحيد الصّف ومحاربة الأميّة وتوفير الوظائف وإطلاق حرية الرأي.
الثالث: ماذا يقول؟!
الثاني: أحسن منك. رجل عنده برنامج.
الثالث: أهذا هو البرنامج؟
الثاني: نعم. هذا هو. أم كنت تظنه برنامج(ما يطلبه المستمعون)؟
الثالث: ويحي. هذا سهل. أنا أيضاً أستطيع أن أقول مثل هذا البرنامج.
الثاني: هات ما عندك.
الثالث:..ومن أبرز أهدافي أن أكون في خدمة هذين الرفيقين الثلاثة. وأقسم بشرفي أن أحقق المنجزات التالية: أولاً: العثور على صندوق، ثانياً: العثور على طعام، ثالثاً: توحيد الصف ومحاربة الإمبريالية.
الأول: حسناً..أمامك برنامجان.
الثاني: ليس في البرنامجين ما يغريني بانتخاب أحدكما. لم يتطرق أيّ منكما إلى ضرورة توفير السجاير لي.
الأول: الطعام أوّلاً.
الثالث: السجاير مضيعة للمال والصحّة.
الثاني: انتخبا لوحدكما.
الأول: وماذا ستفعل أنت؟
الثاني: مقاطعة الانتخابات.
الأول: موقف غير حضاري. لا يجوز للمواطن الأصيل أن يتخذ موقفاً سلبيّاً من قضيّة الانتخابات.
الثاني: لست سلبياً. أنا على الحياد. الحياد الإيجابي.
الأول: أعتقد أن لا مفر من القيادة الجماعية.
الثالث: كنا هكذا منذ البداية!
الأول: نعم. لكن بطريقة بدائية. أمّا الآن وقد تبلورت القضيّة، فإننا نستطيع أن نسمّي أنفسنا مجلس قيادة.
الثاني: نقود مَن؟!
الأول: أنفسنا.
الثاني: هذه بدعة عربية. نحن الآن عالميون.
الأول: ماذا نفعل إذن؟
الثاني: احسن شيء هو أن يمضي كل واحد منا في اتجاه.
الثالث: فكرة جيدة..لكنها أيضاً فكرة عربية.
الأول: لماذا انتما معقّدان من العروبة؟ لماذا لا نكون عرباً وعالميين في الوقت نفسه؟ ألا يكفي العرب كرامة عند الله أن يكون منهم الثلاثة الوحيدون الذين بقوا على قيد الحياة فوق الأرض؟!
الثاني: على قيد الحياة؟ من قال إننا أحياء حقاً؟ فوق الأرض؟ من قال إن هذه هي الأرض حقاً؟ كرامة؟ أينبغي أن يزول جميع البشر لكي يستطيع ثلاثة من العرب أن يشعروا بكرامتهم؟!
الثالث: إثنان فقط. أنا لا أشعر بالكرامة. كيف أشعر بها وأنت عاكف على إهانتي؟
الثاني: إذا كانت كلمتي ثقيلة عليك فبإمكانك أن تطلب حقَّ اللجوء من هذا..
الأول: لا تحرجني. أنت تعلم أنني لا أستطيع البتَّ في طلبات اللجوء قبل الانتخابات.
الثاني: أقترح في هذه الحالة أن تجرى انتخابات مبكّرة.
الثالث: سنحتاج إلى صندوق..
الأول: وإلى ناخبين..
الثاني: وإلى لجنة رقابية...