منتدى فور جامعة 4jam3a - طلاب كلية اقتصاد طرطوس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الطلابي الأول في طرطوس .. والحاضر يعلم الغايب


    جذور الأزمة المالية العالمية ودور الدولة الاقتصادي

    محمد عفارة
    محمد عفارة
    جامعي ذهبي
    جامعي ذهبي


    ذكر
    عدد المساهمات : 2250
    العمر : 38
    المكان : أتستراد ــــــــــ
    المزاج : الحمدلله تمااام
    الدراسة : اقتصاد
    السنة الدراسية : متخرج
    المستوى : 409
    نقاط : 3507
    تاريخ التسجيل : 10/10/2008

    جذور الأزمة المالية العالمية ودور الدولة الاقتصادي Empty جذور الأزمة المالية العالمية ودور الدولة الاقتصادي

    مُساهمة من طرف محمد عفارة الثلاثاء أكتوبر 28, 2008 1:43 am

    جذور الأزمة المالية العالمية ودور الدولة الاقتصادي

    مجرد تساؤلات
    هل عادت اليقظة الاقتصادية إلى مفكري الليبرالية والليبرالية الجديدة ليؤكدوا دور الدولة في الحياة الاقتصادية منذ بداية الأزمة؟! أما آن الأوان لنعيد النظر في الكثير من الفتاوى التي اعتمدتها المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة الدولية WTO؟! ألا يجب أن نميز بين «الاقتصاد الحقيقي» القائم على الإنتاج من السلع والخدمات و«الاقتصاد الورقي الوهمي» القائم إلى حد ما على التعامل مع الأسهم المالية والبورصات والمضاربات؟! هل هذه الأزمة هي أزمة رهن عقاري وأزمة عابرة فقط؟ أم إنها مرتبطة بأسس النظام الأميركي القائم على مبدأ اقتصاد المستهلكين؟! وهل الأسواق تنظم نفسها بنفسها اعتماداً على مبدأ اليد الخفية التي طرحها الاقتصادي الإنكليزي آدم سميث في القرن السابع عشر؟ هل نحن بحاجة إلى يد مرئية لتنظيم الأسواق لأنها لا تنظم نفسها بنفسها بل بحاجة إلى من ينظمها؟ ولماذا لم تنجح حتى الآن كل المحاولات، سواء من قبل الدول السبع الصناعية G7 أو اجتماع الكونغرس الأميركي أو دول الاتحاد الأوروبي أو مجموعة الدول المتعاملة مع اليورو؟ ما تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الدول الرأسمالية؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تطرح نفسها من تاريخ بدء الأزمة وحتى الآن.
    أولاً: جذور الأزمة: بداية نقول إن هذه الأزمة لن تؤدي إلى انهيار النظام الرأسمالي بل إعادة النظر بنهج وآلية وقيادة أميركا للنظام المالي العالمي، مع قناعتنا بأن الرأسمالية ليست نسيجاً واحداً، وتتمايز بين الرأسمالية الأنغلوساكسونية (أميركا وبريطانيا) والرينانية (فرنسا) والاجتماعية في دول الشمال الأوروبي (السويد والدانمارك)، وبعد هذه الأزمة تنبأ البعض بأن مصير الإمبراطورية الأميركية هو إلى التضاؤل نتيجة التناقض بين إمكانياتها وطموحاتها وبين مواردها ومستوى معيشتها، فهي تستهلك 40% من إنتاج العالم وتنتج أقل من 20% منه وبلغ عجز موازنتها العسكرية أكثر من 500 مليار دولار وتطبع من الدولارات الأميركية أكثر من احتياجات السوقين الداخلية والخارجية، ولا يوجد ضبط للكميات الدولارية المصدرة وأقصد بها «م 3» ولا حجم الدولارات المنتشرة في العالم، وهذا ما دفع البعض للقول: إن أفضل تجارة هي طباعة الدولارات نظراً لضآلة تكلفتها بالمقارنة مع قيمتها التبادلية، لكن مقابل هذه النقود تحصل الولايات المتحدة الأميركية على منتجات حقيقية من جميع بلدان العالم، لهذا السبب تهتم إدارة الولايات المتحدة الأميركية ببقاء الدولار يقوم بوظيفة النقود العالمية كعملة للعملات، ومن خلال العودة إلى التاريخ النقدي القريب نجد أنه في القرن العشرين وخاصة بعد الأزمة الرأسمالية الكبيرة بين عامي 1929-1933، حيث ظهرت (النظرية الكينزية) التي دعت إلى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وعدم ترك الأمور لعشوائية الأسواق، وبعد مباحثات طويلة بين دول العالم وفي مقدمتها (بريطانيا قائدة التطور الصناعي في القرن التاسع عشر) و(الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تتزعم قيادة العالم)، توصلتا إلى اتفاق في مدينة (بريتون وودز) في الولايات المتحدة الأميركية، على أن يكون الدولار هو العملة المعتمدة عالمياً، وحدد سعر الأونصة الذهبية بمقدار 33 دولاراً، ومن ثم تم الخروج عما كان معتمداً في السابق وكمثال على ذلك:
    1- قبل الحرب العالمية الأولى، كانت القاعدة المعمول بها في النظام النقدي العالمي (قاعدة الذهب) وكان متاحاً لكل دولة إمكانية شراء الذهب وبيعه بسعر ثابت يحدد من قبل ما تدعى (دار سك العملة) ويؤخذ بعين الاعتبار درجة نقاوة الذهب، وكان الذهب هو المقيم لكل السلع وعلى سبيل المثال:
    كان سعر الأونصة من الذهب هو 20.67 دولاراً وتعادل بالجنيهات الإسترلينية 3.17 جنيهات، ومن ثم يكون سعر التعادل بين الدولار والجنيه هو حاصل قسمة 20.67 دولاراً على 3.17، وكان ما يميز هذه المرحلة أن كل بنك من البنوك المركزية والخاضعة (لتوجيهات الدولة) مستعد لتلبية طلبات الزبائن بشراء الذهب وفقاً للأسعار الرسمية المعتمدة، ونتيجة لهذا الإجراء تمَّ العمل وفق القاعدة التالية «عندما يحصل المصدرون على الذهب من عملائهم الأجانب يقومون ببيعه إلى البنك المركزي مقابل عملة محلية، ويقوم البنك المركزي بطباعة نقود تعادل قيمة التراكم من الذهب، ومن ثم يؤدي إلى زيادة عرض النقود والاحتياطيات الذهبية للبنك المركزي باعتباره (مصرف المصارف)»، ومن ثم وفي ضوء هذه الآلية حافظت الأسعار على نوع من الاستقرار إلى حد ما وبإشراف الدول.
    2- مع بداية الحرب العالمية الأولى ارتفعت الأسعار وزاد الطلب على الذهب ولاسيما أن الكميات المستخرجة منه تناقصت فارتفعت تكاليف استخراجه، في هذه المرحلة كان الاقتصاد الأميركي ينمو نمواً سريعاً ولم يعان من الاختلالات الاقتصادية التي تعرضت لها أوروبا، ومن ثم أصبح الدولار من أكثر العملات قابلية للتحول إلى الذهب، وهكذا بدأت العملات تقيم بكل من «الذهب والدولار»، لكن في أواخر عشرينيات القرن الماضي بدأت الدول (تعوم عملاتها) وفي عام 1931 خرجت النمسا عن اعتماد (قاعدة الذهب) ثم تلتها ألمانيا وبعدها بريطانيا التي عوّمت الجنيه الإنكليزي، وكل هذا تم بقرارات حكومية أيضاً.
    3- في عام 1933 تولى (فرانكلين روزفلت) الرئاسة الأميركية، وقام مباشرة بفك ارتباط الذهب بالدولار على أساس أن (أوقية الذهب = 20.67 دولاراً) واستمر هذا حتى عام 1935 وبعدها تم اعتماد سعر (35 دولاراً للأوقية من الذهب)، وبدأت الحروب الاقتصادية بين الدول الرأسمالية اعتماداً على «سياسة إفقار الجار»، وكان الهدف من تخفيض سعر العملة هو الإصدار الكبير للنقود لزيادة التشغيل وامتصاص البطالة، لأن تخفيض الأسعار سيؤدي إلى زيادة الصادرات وتقليل المستوردات من خلال رفع أسعار البضائع المستوردة، وترتب على هذا زيادة المشاكل المالية بين الدول خلال فترة ما بين الحربين.
    4- بعد الحرب العالمية الثانية تمّ إنشاء صندوق النقد الدولي بهدف إقراض الدول من النقود عند الحاجة للمحافظة على التوازن في ميزان مدفوعاتها، وكان معدل زيادة الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية أكثر من معدل إنتاج الذهب الجديد، لذلك كانت البنوك المركزية تشبع طلباتها من البنوك المركزية للدول الأخرى، وهكذا تناقصت احتياطيات الولايات المتحدة من الذهب، وعوّض النقص في الزيادة في الدولارات والاسترليني والعملات الأخرى، وارتفعت الممتلكات الأجنبية من الأصول الدولارية السائلة، وسندات الخزينة الأميركية والودائع في البنوك الأميركية وهنا ظهرت المشكلة التالية:
    «إن قدرة أميركا على إمداد البنوك المركزية الأجنبية بالذهب محدودة فكل مليون دولار من الذهب يباع للبنوك المركزية الأجنبية كان يمثل نقصاً يساوي مليون دولار في الخزانة الأميركية» وأرادت بعض الدول زيادة احتياطياتها من الذهب، وهكذا في عام 1968 عانت الخزينة الأميركية مما يلي: «ازدادت الممتلكات الأجنبية الدولارية وتناقصت ممتلكات الخزانة الأميركية الذهبية» وذلك لأن الدول كانت تريد زيادة احتياطياتها من النقود الدولية التي تصدرها أميركا، ومن ثم زاد عجز ميزان المدفوعات الأميركي من خلال زيادة الواردات ونقص الصادرات، وظهرت بعض الممارسات الحكومية الأميركية التي تتنافى مع الشفافية الاقتصادية ومنها «قامت الإدارة الأميركية بربط حجم حشودها العسكرية في ألمانيا بتعهد ألمانيا بعدم الإكثار من شراء الذهب»، وتم إصدار سندات خزينة أميركية بالفرنك السويسري والمارك الألماني.. إلخ، وفي عام 1965 تحسست الإدارة الأميركية أن المشكلة في عجز ميزان مدفوعاتها تكمن في الطلب على الذهب والأصول الدولارية أكثر مما تتعلق بتقييم سعر الدولار.
    5- تدخلت الولايات المتحدة وطلبت من «صندوق النقد الدولي» إصدار «نقود دولية» وهو «ورقة ذهب»، بنفس القيمة النقدية للذهب ولكنها ليست بنفس الخواص الطبيعية له، ولكن فرنسا رفضت هذه المبادرة حتى تسوي أميركا عجز ميزان مدفوعاتها، وبناء على ذلك تم توقيع اتفاقية دولية نتج عنها «حقوق السحب الخاصة» التي تستخدم في صندوق النقد الدولي، وقامت بعض الدول الأوروبية بتهديد أميركا بشراء الذهب من بنوكها مقابل ما تملكه من دولارات اعتقاداً منها أن أميركا ستلبي الطلب سعر «35 دولاراً للأوقية الواحدة»، ولكن أميركا رفضت لذلك لم تعد الدول الأوروبية مقتنعة بحكمة الاستفادة من الاحتفاظ بالدولارات، وخاصة بعد أن عمد الرئيس الأميركي (نيكسون) إلى تأجيل إبدال الدولار بالذهب في 15/8/1971، ومن ثم أعلن سقوط اتفاقية بريتون وودز وأصبح يطلق على مرحلة ما بعد 1971 اسم (ما بعد بريتون وودز) وكان سبب الانهيار هو أن النظام المالي الأميركي لم يستطع أن يتحمل ويحتوي الاختلالات الهائلة في ميزان المدفوعات التي سببها التضخم في الأسعار وتعويم العملات، وهنا نشير إلى تدخل الدولة من خلال أن حكومة الولايات المتحدة عمدت في شهر آب 1971 إلى رفع سعر (الين الياباني) وهذا عرف في تاريخ النقد الياباني بـ «صدمة نيكسون» كما أن الحكومة الألمانية خففت سعر المارك ثلاث مرات لتخفيض فوائد ميزان المدفوعات والتقليل من الضغوط التضخمية واحتمال سحب أعداد كبيرة من القوات الأميركية نتيجة الاتفاق بين البلدين، كما قام الرئيس شارل ديغول في ستينيات القرن الماضي بشراء (2 بليون من الدولارات الذهبية من الخزانة الأميركية ليجبرها على مضاعفة السعر الدولاري للذهب ويؤكد للعالم أن الدولار عملة ضعيفة وغير جديرة بالثقة)، فما كان من الحكومة الأميركية إلا أن رفعت سعر الأونصة من الذهب إلى 39 دولاراً للأوقية وفي خطوة ثانية عام 1973 رفعته إلى 42 دولاراً للأوقية الذهبية، ونشأت السوق السوداء وأصبح سعر الأوقية 200 دولار أي أكثر من 6 أضعاف السعر الرسمي ووصل إلى 970 دولاراً في عام 1980، وأصبحت العملات الوطنية تتجدد بقوى العرض والطلب ولكن بقي تدخل السلطات النقدية واضحاً ما خفف من وطأة الأزمات المالية.
    6- إن الولايات المتحدة كانت رائدة للإنتاج العالمي الحقيقي سواء أكان سلعاً أم خدمات، لكنها في العقدين الأخيرين من القرن الماضي تحولت إلى قطاع الخدمات وخاصة الخدمات المالية، وأصبح يشكل من إجمالي ناتجها العام أكثر من 60%، ولكن قوتها الحقيقية كانت تستند إلى أنها تنتج الدولار ومسؤولة عن طباعته، وهكذا بدأت الولايات المتحدة الأميركية تنتج كميات كبيرة من الدولارات من دون أي تغطية تزيد على حاجة سوقها الداخلية والسوق الخارجية، وبدأت سلسلة التراجعات في أسعار الصرف وخاصة أنه فقد في السنتين الأخيرتين بحدود 20 إلى 30% من قيمته التبادلية، وأصبح الأميركيون مقتنعين بأنه مادمنا نطبع النقود فسنحصل على المواد الخام من روسيا الفيدرالية وعلى البضائع من الصين.. إلخ، وبما أن البنوك المركزية في هاتين الدولتين تدعم عملتها الوطنية، فإن جزءاً من الدولارات سيعود إلى الاقتصاد الأميركي على شكل استثمارات، ومن ثم لا شيء أفيد للاقتصاد الأميركي من الاحتفاظ بطباعة الدولار الذي يعتبر إلى حد ما (عملة عالمية).
    7- أمام هذا الإصدار الكبير للدولارات الأميركية (غير المغطاة بالذهب أو الإنتاج) وإنما من خلال قبول العالم لها كمقيم ومكافئ للسلع الأخرى، فقد عمدت الإدارات الأميركية منذ عام 1995 الى استخدام البورصات العالمية في أكبر عمليات مضاربة والغاية هي زيادة معدل دوران الكتلة النقدية، ومن ثم تمَّ الابتعاد عن «الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي» والتوجه نحو «الاقتصاد المالي ومشتقاته»، وتؤكد بعض الدراسات الاقتصادية أنه:
    في عام 1995 كان 90% من التبادلات في البورصات العالمية لها علاقة بالاقتصاد الحقيقي و10% لها علاقة بالمضاربات المالية، التي تهدف إلى البيع والشراء بالأسهم البعيدة عن عمليات الإنتاج الحقيقية ولكن بعد عام 1995 حدث العكس وأصبح 90% من المبادلات لا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي، وإذا علمنا أنه يتم يومياً تبادل 1500 مليار دولار في البورصات العالمية نستطيع أن نقدر حجم الأزمة المالية الكبيرة التي تعانيها العملة الأميركية ولذلك توقع الكثير من الاقتصاديين الانهيار السريع للدولار ولاسيما بعد ظهور العملة الأوروبية «اليورو»، وهنا سارع صندوق النقد الدولي ليقدم اقتراحاً في تقريره في حزيران 2001 إلى الإدارة الأميركية بتخفيض قيمة الدولار شهرياً نحو 6-7% وصولاً إلى 40% من قيمته الاسمية وذلك تجنباً للصدمة التي يسببها اليورو بإزاحته للدولار تدريجياً من الأسواق والمعاملات العالمية، ولاسيما أن حجم الكتلة الدولارية في السوق تزيد كثيراً عن الحاجة لها.
    وهذا ما دفع الدولة الأميركية إلى التدخل لحماية عملتها رغم الادعاءات الكبيرة «بتحييد الدولة» وخاصة بعد مؤتمر واشنطن عام 1995 الذي ركز على ترسيخ «حكومة الحد الأدنى»، ولتحقيق ذلك لابد من:
    أ- ضمان سيطرتها الاقتصادية من خلال التمسك بعملتها العالمية وبكل الطرق حتى العسكرية منها إذا تطلب الأمر ذلك.
    ب- إشغال العالم بمشاكل كثيرة وتسويق أهم البضائع الأميركية أي الأسلحة، واعتماداً على ذلك فإن الكثير من المفكرين تنبؤوا بأحداث 11/أيلول/2001 قبل حصولها بفترة طويلة ومنهم الأميركي «ليندون لاروش» والروسية «تاتيانا كالياغينا» والكندي «ميخاييل شادوفسكي».
    8- حالياً إن من أهم الآراء الداعمة لتدخل الحكومة هو دعوة الرئيس ساركوزي قائلاً: «إن سياسة عدم التدخل الحكومية أو سياسة إطلاق حرية السوق قد انتهت، نحن بحاجة إلى إعادة بناء النظام النقدي والمالي والعالمي بالكامل»، إن هذا النظام قد ولّد شريحة من الناس تعادل 10% من سكان العالم يملكون 85% من كل شيء.
    ثالثاً- عشية الأزمة ودور الدولة: في الوقت الذي كانت به خطة هنري بولسون وزير الخزانة الأميركية تشق طريقها في أروقة الكونغرس الأميركي، كانت درجة الارتياب في أوساط المقرضين تزداد، وترتفع أيضاً نسبة الفائدة بين البنوك إلى مستوى كبير جداً، لأن كلاً منها يتوقع أن البنك الآخر سيتعرض للإفلاس، ولم تعد مقولة ما هو صحيح (لوول ستريت) هو صحيح للشعب الأميركي، وانتقلت هذه العدوى بسرعة إلى الاقتصاد الأنغلوساكسوني «الأميركي والبريطاني» وبدأت تتساقط معالم الإيديولوجية الليبرالية القائمة على الفلسفة (تاتشر وريغان)، وتزداد الدعوة للتدخل الحكومي وإصلاح النظام المالي وبدأ بعض الاقتصاديين في «ألمانيا وفرنسا والصين» يشعرون بالارتياح لسقوط الفكرة الانغلوساكسونية حول حرية الأسواق، ومن هنا جاءت فكرة ساركوزي لإقامة منتدى عالمي لإعادة النظر في جوهر الرأسمالية، من خلال العودة إلى ترسيخ معالم الاقتصاد الحقيقي بدلاً من اقتصاد المضاربات، وتأكيداً لما ذكرناه فإن الناتج العالمي بلغ 48 تريليون دولار لعام 2007 لكن قيمة الأصول 144 تريليون دولار ويتم التعامل يومياً مع البورصات بحدود 1500 مليار كما زادت الاحتكارات والبيروقراطية وكأن السوق العالمية أصبحت حفنة لمجموعة من المضاربين، وتؤكد الدراسات الاقتصادية أنه:
    أ- يوجد خمس شركات عملاقة تسيطر على 50% من الأسواق العالمية في مجال صناعة - الالكترونيات- السيارات- الطائرات- الفولاذ.
    ب- خمس شركات تسيطر على 70% من السلع الاستهلاكية.
    ت- خمس شركات تسيطر على 40% من النفط والسلع الالكترونية.
    ث- هناك 200 شركة تمثل 28.3% من إجمالي المنتجات العالمية.
    إذاً يمكن القول: إن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ليس بدعة بل حقيقة تؤكدها الأحداث التالية:
    1- كما ذكرنا في ثلاثينيات القرن الماضي وعند انتخاب «فرانكلين روزفلت» كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، كانت البورصة الأميركية على حافة الانهيار، لكن الرئيس الأميركي اعتمد على النظرية الكينزية نسبة إلى «جون مينارد كينز» الذي يدعو إلى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ومن ثم تجنب هذه الهزات المالية الكبيرة.
    2- أما حالياً فإن تدخل الحكومة الأميركية في هذه الأزمة بدعم كل من مؤسستي «فاني ماي- فريدي ماك» ووضعهما تحت التأمين والوصاية الحكومية وقيام الخزينة بشراء أسهم منهما ومنحهما القروض أدى إلى إنقاذهما علماً أنهما يملكان نصف الرهن العقاري في أميركا، والبالغ 12 تريليون دولار، على حين ترك مصرف «ليمان برادزرز» وأصوله بحدود 634 مليار دولار يسقط ويعلن إفلاسه.
    3- قامت الحكومة الأميركية بالتداعي لإنقاذ شركة AIG أي (أميركان أنترناشيونال غروب) بالموافقة على إقراضها 185 مليار دولار مقابل استحواذ 80% من أسهمها ولفترة زمنية تزيد على (2 سنة) وذلك بهدف إنقاذ عملاق التأمين الأميركي.
    4- كان أكبر دليل على ضرورة تدخل الدولة هو الخطة الأميركية التي وضعت من قبل وزير الخزانة الأميركية «هنري بولسون» وبمشاركة رئيس البنك الفيدرالي «بن برنانكي» وإشراف الرئيس بوش والداعية إلى تدخل وزارة الخزانة- وهي جهة حكومية- بالإسراع في شراء الأسهم والديون المعدومة، وتعتبر هذه الخطة المتضمنة 700 مليار دولار أكبر خطة إنقاذ في العالم حتى الآن.
    5- ركز اجتماع الدول السبع الصناعية G7 في خطته لمعالجة الإعصار المالي على تدخل حكومي مباشر ومراقبة لحركة الأسواق المالية وتوجيه لشراء الأسهم والديون المشكوك في تحصيلها وتقوية الجهاز المالي ومراقبة حوافز الإدارات والمشرفين وشروط الرهن العقاري.. إلخ، وقد رحب بهذه الخطوة حتى (المصرفيون الكبار) وأضافوا إلى ذلك ضرورة إجراء بعض التأميمات.
    6- أقدمت بريطانيا وغيرها على إجراء بعض عمليات التأميم ما ذكر البعض بالحقبة السوفييتية والاشتراكية السابقة، وخاصة بعد طرح رئيس وزراء بريطانيا موضوع تأميم أكبر ثلاثة بنوك بريطانية تأميناً جزئياً للمحافظة عليها.
    7- ضرورة تدخل الدولة في تنظيم عملية الإقراض، لأن من أحد أهم أسباب انفجار هذه الأزمة سوء استخدام الرهن العقاري من خلال أنه:
    أ- تم إعطاء الكثير من الرهون إلى مهاجرين غير شرعيين، ساهم في ذلك تخفيض معدلات الفائدة وإفلاس الكثير من الشركات العاملة في غير مجال الرهون العقاري مثل (وورلد كوم – إنرون) وتحويل بعض المدخرات للعمل في سوق الرهن العقاري النشيطة جداً.
    ب- التوسع الأفقي في منح الرهن العقاري إلى أناس ذوي سمعة ائتمانية سيئة، وخاصة بعد أن استطاع السماسرة تضخيم رواتب ودخول المقترضين بعدة أضعاف، فلو كان هناك إشراف ورقابة حكومية لما حدث هذا.
    8- إن غياب دور الدولة عن السوق المالية أدى إلى ظهور الكثير من شركات «التصنيف الإئتماني» والتي تتعامل مع البنوك، ولم تكن أمينة مهنياً في ترتيب درجاتها وتصنيفها وفق المعايير الدولية بهدف الحصول على مكاسب مالية من المصارف الكبرى.
    9- إن أفضل من عبَّر عن النتائج السيئة لتجاهل دور الدولة، هو الكاتب الأميركي من أصل ياباني «فرانسيس فوكوياما»، الذي بشّر سابقاً بالنتائج الإيجابية للسياسة الريغانية في ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة اعتمادها على «أن الأسواق هي سيدة نفسها بنفسها وضرورة إبعاد الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية»، لكن بعد انفجار الأزمة المالية تراجع عما طرحه سابقا قائلاً:
    «إن الذنب الوحيد هو النموذج الأميركي، لقد أهملت واشنطن تنظيم الطريق المالي المناسب وتركته يرتكب أخطاء كبيرة بحق باقي فئات المجتمع» وأضاف قائلاً: «إن سقوط وول ستريت يشكل نهاية حقيقية للفترة الريغانية»، أي لابد من العودة إلى تدخل الدولة مثلها مثل فعاليات القطاع الخاص.



      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 2:37 pm