ولد مارسيل خليفة عام 1950 في
قرية عمشيت بمنطقة جبيل اللبنانية ووصفها لاحقا بـ" قرية هادئة يتكئ فيها
الجبل على شاطئ المياه، ومايميزها أصوات الصيادين والفلاحين، حتى جاءت
الحرب الأهلية وأضاعت كل هذا الهدوء والجمال".
كانت بداياته الموسيقية من سماعه لأجراس الكنيسة، قرع الأجراس كان يعجبه، ثم تحول إلى العزف على أدوات الطهي في المنزل.
جده الصياد كان يجيد العزف على الناي، وهو ما أثر على حياته
الموسيقية فيما بعد، ويعود لأمه الفضل في اكتشفات موهبته، ولفت انتباه
والده إليه، حتى اشتريا له العود الذي كان أرخص الأدوات الموسيقية وقتها،
ثم دخل بعد ذلك معهد الموسيقى.
عرف مارسيل مؤلفاً موسيقياً ومغنياً وعازفاً لآلة العود، و يعتبر
أحد أهم الفنانين العرب الملتزمين بقضية فلسطين.. التي يسميها"سيدة القلب"
انتمى للحزب الشيوعي في بداياته ويقال إنه "لم يلتزم كثيرا به " ومن ثم اعتقل على يد الاحتلال وتعرض للتعذيب.
وعن
سفره إلى فرنسا وبداية البداية.. يخبرنا: " تعود بي الذاكرة إلى حزيران
من العام 1976 عندما رحلت إلى باريس هاربًا من قريتي عمشيت مع كوكبة من
الأصدقاء حيث لم تتحمل المنطقة الشرقية - آنذاك- ميولنا اليسارية في حروب
صغيرة وكبيرة امتدت حتى يومنا هذا.
التقيت
في باريس بالأصدقاء الجدد الذين غصت بهم مقاهي المدينة، حلقات من الشباب
الوافدين حديثا أو المقيمين بداعي الدراسة أو بداعي السياسة، وكان مجموع
اللقاءات يكون مناخا اجتماعيا وسياسيا حارا يذكي طراوته الأحداث المتسارعة
التي كانت تجري في لبنان والتي كانت تأخذ طابعها الدراماتيكي المعروف.
ورحت
بخجل وتردد آنذاك أعرض بعضًا من تجاربي الموسيقية الأولى. شاب متحمس،
أخرق، يريد ان يغير العالم بالموسيقى، أن يخفف الألم والبؤس والفقر، أن
يعمل ثورة مدعوما بوتر العود، ليستدل على الحلم ويصل إلى تحقيقه.
كان
الاصدقاء الجدد يسمعونني ويهزوا برؤوسهم، ربما لم يدركوا يومها تماما ما
هو مشروعي؟ أو على الأقل جدية ما أحاول الخوض فيه. وكان داخلي مشحونا
بالتمرد، كان كل شيء ذاهب إلى فنائه، حتى الجمال المختبئ المحصن بعصيانه
سحقته حروب صغيرة طاحنة. كان الزمن يمشي بطيئا كسلحفاة وكنت أستعجله
لأكبر. ليتني لم أستعجله، الزمن اليوم يمر بأقصى سرعة، أستمهله فقط لأكمل
المعزوفة.
ومثلما
لعنت الزمن، لعنت الأمكنة، كما لو أنها لم تكن، وكما في الموسيقى حيث
الجمل تمحو بعضها البعض. لا شيء يتكرر. فكان علي استخراج روح الشيء للوصول
إلى خلاصته الجمالية، أن أرى الوردة تنبت بين الركام".
وفي
شهر آب في العام 1976 دخل مارسيل احد استديوهات باريس الصغيرة وسجل أغنية
"وعودة من العاصفة" وظهرت اسطوانته الأولى في احتفالات "صحيفة الإنسانية"
وكانت أول تظاهرة لهذا العمل الجديد على خشبة الجناح اللبناني في
"الكورنوف" ضاحية باريس الشمالية.
ويتابع
الفنان اللبناني : "كنت قبلها قد تخرجت في المعهد الموسيقي الوطني بأشهر
قليلة قبل اندلاع الحرب وكتبت عملا موسيقيا لفرقة كركلا – عجائب الفراديب
– واوبريت رق الصيف الاولى قدمت في الاونسكو بيروت والثانية في مهرجانات
جبيل السياحية وأقلب بعدها المدن صفحة صفحة حاملا الموسيقى والقصيدة
وباحثا عن الذات في سفر دائم، من أجل ان اعرف افضل واكثر".
وعرف
بأغانيه ذات الطابع الوطني، وبأسلوب دمجه بين الموسيقى العربية والآلات
الغربية كالبيانو، ورافقه ايمانه بالقضية الفلسطينية في أغانيه وموسيقاه
رغم أن طابع الموسيقى قد اختلف بشكل واضح حسب مراحل حياته من الحرب
الأهلية اللبنانية والنضال الفلسطيني إلى مرحلة السلم اللبناني ومرحلة ما
بعد الطائف، واتفاق أوسلو على الجانب الفلسطيني.
خلال
أواخر السبعينات والثمانينات لحن مارسيل أولاً قصائد الشاعر الفلسطيني
محمود درويش مطلقاً ظاهرة غناء القصيدة الوطنية الفلسطينية التي تمتزج
فيها صورة المرأة الحبيبة بالأرض والوطن أو الأم والوطن معاً.
كانت
البدايات مع : "ريتا والبندقية" و"وعود من العاصفة" واستمرت لسنين محققةً
مزجاً رائعاً بين العود وشعر درويش الرمزي الوطني العاشق فكانت "أمي"
وكانت "جواز السفر" أفضل شعارات تحملها وترددها الجماهير العربية المنادية
بالنضال في فترة ما بعد النكسة.
شكل
مارسيل ودرويش أقرب ما يشبه الثنائي في أذهان الناس، رغم أنهما لم يلتقيا
إلا في فترة متأخرة، ويقول عن هذه التجربة: " منذ أولى محاولاتي وقبل أن
يتعرف أحدنا إلى الآخر، كنت أحس بأن شعر درويش قد أنزل علي ولي، فطعمُ خبز
أمه كطعم خبز أمي، كذلك عينا (ريتاه) ووجع يوسفه من طعنة اخوته، وجواز
سفره الذي يحمل صورتي أنا، وزيتون كرمله، رمله، وعصافيره، سلاسله وجلادوه،
محطاته وقطاراته، رعاة بقره وهنوده... كلها كلها سُكناها في أعماقي".
وعند
وفاة الشاعر الكبير محمود درويش وقف مارسيل أمام النعش وغنى أبياتا من
أشهر قصائد الشاعر الراحل، إبتداءً بـ"سلام عليكِ" وانتهاء بـ"يطير
الحمام"..
لحن خليفة أيضا لشعراء آخرين مثل حبيب صادق وطلال حيدر "بغيبتك نزل الشتي قومي طلعي عالبال".
استطاع
إدخال الساكسفون إلى الموسيقى العربية في واحدة من أهم أغانيه " يعبرون
الجسر " وعبر عن ميوله الشيوعية بقوة في " قصيدة الخبز والورد"،
وعن الموسيقى العربية السائدة حاليا يقول مارسيل: "ان ما نسمعه ونشاهده
اليوم يسيء إلى تاريخنا العربي وحاضرنا، ان الفنون الرخيصة والتسلية
المنهكة للعقل والخيال تدفع بنا بعيدا عن الانشغال بالهموم الحقيقية
للمجتمع".
في
المرحلة الثانية (من التسعينات إلى الآن) بدأ مارسيل يميل أكثر للتلحين
الموسيقي البحت دون الغناء فكانت بداية مشاريعه الموسيقية مع معزوفة "جدل"
التي تعتبر نقاشا بين العود القديم من أداء"مارسيل خليفة" والعود الجديد
"شربل روحانا" فكانت محاولة أكثر من ثورية بالنسبة لتقديم العود.
قام
أيضا بتأليف موسيقى تصويرية في العديد من مسرحيات عبد الحليم كركلا
الأخيرة : مثل حلم ليلة صيف والأندلس... الحلم المفقود وأليسا.. ملكة قرطاج.
وتعرض
في الـ 2003 لدعوى قضائية في لبنان لأنه استخدم آية قرآنيةً في أغنية "أنا
يوسف يا أبي" وهي قصيدة كتبها محمود درويش تستلهم قصة يوسف عليه السلام من
القرآن في إسقاط على القضية الفلسطينية..
يقود
مارسيل حاليا فرقة أوركسترا شارك بها العديد من العازفين العالميين وهو
يغني أغانيه عن حبيبته فلسطين ويعزف معزوفاته الرائعة، كانت إحدى هذه
الحفلات في قصر الأونسكو في بيروت، كما أصدر ألبوماً جديداً بعنوان تقاسيم.
و تمت تسميته عام 2005 سفيراً للسلام من قبل منظمة اليونسكو.
وفي
13 آذار 2007 صوت نواب البرلمان البحرينى على إنشاء لجنة للتحقيق في عرض
لمارسيل خليفة وقاسم حداد باسم "مجنون ليلى" في فعاليات مهرجان ربيع
الثقافة في البحرين، حيث اتهم النواب الإسلاميون في البرلمان العرض (أداء
راقص) بأنه يتضمن إيحاءات جنسية، وعندها أصدر مارسيل خليفة بالاشتراك مع
الشاعر قاسم حداد بياناً بعنوان "جئنا لنعلن أن الحب يستهجن الارهاب
الفكري".
ويلخص
لنا خليفة ما يحدث في معظم الدول العربية بقوله: " نحن نعيش الآن نتائج
اتفاق السلطتين السياسية والدينية، لأن هاتين السلطتين تقمعان الناس، وأنا
أدعو السلطة الدينية للاهتمام فقط بشؤون السماء".
وفي
الـ2009 وضمن قاعة "بيانوسا" بإيطاليا قدم عمله الموسيقي "شرق" مع
الأوركستر الفيلرموتيه الإيطالية بصحبة الكورال، كذلك قدم "الكونشيرتو"
العربي المستوحى من الآلات العربية، العود والناي والقانون الرق والبزق،
و كان ذلك في دار الأوبرا في "الكيندي سنتر" بواشنطن ثم في مسرح
الشانزيلزي بباريس..
يفضل
مارسيل الإستماع لكل من "سيد درويش، و عبد الوهاب، ام كلثوم، والاخوان
رحبانى.. بالإضافة الى التراث والقدود الحلبية، والموشحات، والموال
المصرى..وموسيقى البحر في الخليج التي كان يغنيها الصيادين وهم يبحثون عن
اللؤلؤ" .
اعترف
في أحد اللقاءات بعشقه الكبير لثلاث مدن، أولها (بيروت) ثم (غرناطه) التي
قال عنها "منذ زمن طويل كنت احلم بتلك المدينة وعندما زرتها لم اشعر بأي
فرق بينها وبين مدينة عمشيت اللبنانية لذا شعرت بألفة كبيرة فيها سيما
عندما زرت قصر الحمراء واثار العرب"، اما مدينته الثالثة فهي "استانبول"
التي "تحمل تحريضا على الفن والابداع".
حياته الخاصة:
متزوج من يولا كيرياكوس وأب للشابين"رامي وبشار" اللذان أصرا على إكمال مشوار والدهما الموسيقي.. ورافقاه في حفلاته..