دي برس – وكالات)
للوهلة
الأولى بدت إنجازًا باهرًا، خطط له جهاز عالي الكفاءة، ونفَّذه طاقم
محترف، نجح في اقتناص هدفه، لكنها سرعان ما استحالت فشلا ذريعًا، قلب
الطاولة على رأس المخططين -الذين وقعوا في خطأ فادح كشف تورطهم في الحادث،
بحسب كبار المعلقين الإسرائيليين- والمنفذين، الذين باتت صور معظمهم منشورة
في كافة وسائل الإعلام، بينما تزداد المقاعد الذي حجزوها في قائمة
المطلوبين دوليًا مع مرور الوقت ووضوح المزيد من الأدلة.
وبذلك استحقت عملية دبي عن جدارة لقب (الفشل العظيم) الذي أطلقته عليها
صحيفة يديعوت أحرونوت، وربما لا يختلف كثيرون حول استحقاقها مقعدًا في
قائمة (أفشل العمليات في تاريخ الموساد والأجهزة الاستخباراتية
الإسرائيلية) على حد وصف "بن كاسبيت"، كبير المعلقين في صحيفة "معاريف"
الإسرائيلية. هذا الفشل الكبير يستوجب– كما طالبت "يديعوت أحرونوت" وعددًا
من المعلقين الإسرائيليين- إقالة "مائير داجان"، رئيس جهاز الموساد
الإسرائيلي، الذي أحرق (الطبخة)، ومن الأفضل إبعاده لإحدى مستوطنات الشمال،
على حد قول " أمير أورن" في هاآرتس
صحيحٌ أن الموساد وحكومته
التزما الصمت، لكن تاريخ عملياتهم في المنطقة العربية وأمريكا الجنوبية
وأوروبا ترجح كفة الاتهام، فضلا عن الضربات الموجعة التي وجهتها لهما شرطة
دبي. هذا الصمت، ولا شك، يمتص بعضًا من رد الفعل الدولي، كما أن أي وكالة
استخباراتية في العالم ترغب في إبقاء أعدائها يخمنون، كما يقول المحللون،
لكن ذلك لا ينفي بحال فداحة الخطأ الذي ارتكبه الموساد هذه المرة.
اعتراف ضمني
ومع بلوغ الأدلة على تورط الموساد حد التواتر، انتقل الكتاب الإسرائيليين
من التساؤل عن مسئولية الموساد، إلى تحليل الخطأ الذي أوقعه في قبضة
العدالة، وانتقلت وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل من نفي تورط إسرائيل، إلى
تبرير الاغتيال بإخراج الحادث من دائرة الجريمة إلى دائرة الدفاع عن
النفس، تارة بسرد تاريخ العمليات التي قادها المبحوح ضد إسرائيل، وأخرى
بتسليط الضوء على تاريخ العمليات التي ارتكبها مقاومون آخرون ضد الكيان
الصهيوني، وثالثة بعقد مقارنات مضحكة، كقول مجلة ذي أتلانيتك، إن اغتيال
المبحوح أكثر أخلاقية من الهجمات الأمريكية على باكستان وأفغانستان، وأقل
شراسة من حرب غزة الأخيرة! وهو ما يجده البعض انعكاسًا للضوء الأخضر
الأمريكي الممنوح للكيان الصهيوني.
هذه التبريرات تستدعي للذهن تقرير اللجنة الصهيونية التي شكلت في
9/10/1997، برئاسة الدكتور "يوسف تشحنوفر" وعضوية الجنرال احتياط "رافي
بيلد" والعميد احتياط "دان طولكوفسكي"؛ لتوضيح ملابسات محاولة اغتيال خالد
مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأردن
أول جملة في التقرير حملت تبريرًا لمحاولة الاغتيال، مقدمة إياه وكأنه جاء
ردًا على عمليتي يوم 30/7/1997 التي وقعت في سوق محنيه يهودا في القدس،
وأسفرت عن مقتل 16 إسرائيليا وجرح 169 آخرين، وعملية يوم 4/9/1997 التي جرت
في شارع بن يهودا في القدس وأسفرت عن مقتل 5 أشخاص وجرح 169 آخرين.
تاريخ حافل بالفضائح
لم تكن جريمة دبي هي الفشل الأول الذي يقع فيه الموساد، بل سبقتها سلسلة من
العمليات الفاشلة التي اعتبرت وصمة عار كبرى في جبين جهاز الاستخبارات
الذي تتفاخر به دولة الاحتلال، وتعتبره يدها الطولى:
*في شهر آذار عام 1963 اعتقلت السلطات السويسرية في مدينة بازل شخصا
نمساويا يدعي "أوتو يوكليك"، وآخر إسرائيليًا يدعي "يوسف بن جل"، أثناء
محاولتهما إقناع فتاة ألمانية تدعى "هايدي جيركا" بالعمل لصالح الموساد
ضد والدها خبير الصواريخ الألماني.
*في تموز عام 1973 قام ستة أشخاص من عملاء الموساد بإطلاق النار علي
جرسون مغربي يدعي "أحمد بوشيكي" في مدينة ليلهامر بالنرويج اعتقادا
منهم أنه "علي حسن سلامة" - الأمير الأحمر - كما أطلقت عليه جولدا مائير،
وقد نجحت السلطات النرويجية في القبض عليهم وقدموا للمحاكمة ثم تم إطلاق
سراحهم بعد فترة قصيرة.
*في نيسان عام 1991 ألقت السلطات القبرصية القبض علي أربعة من عملاء
الموساد (رجلين وامرأتين) في أثناء محاولتهم زرع أجهزة تنصت علي
السفارة الإيرانية هناك وبعد تقديمهم للمحاكمة أطلق سراحهم بعد دفع غرامات
مالية وعادوا إلي إسرائيل بعد أن نشرت صورهم في جميع وسائل الإعلام
العالمية.
*في الخامس والعشرين من شباط عام 1998 كشف التليفزيون السويسري عن إحباط
محاولة تجسس للموساد وتم القبض علي عدد من العملاء بينهم علي الأقل
إسرائيلي واحد وتضاربت الروايات وقتها حول سبب اعتقال هؤلاء العملاء، فقائل
قال: إنهم تورطوا في تصوير وثائق مهمة في سفارة إيران بحسب ما نقلته
صحيفة الديلي تليجراف, وقائلٌ: إنهم قاموا بزرع أجهزة تنصت في مقر البعثة
الإيرانية بالأمم المتحدة في جنيف، وثالث ذهب إلى أنه تم اعتقال عملاء
الموساد بعد محاولتهم اقتحام منزل قائد بارز في حزب الله اللبناني، وفق ما
نشرته صحيفة ذا جارديان البريطانية.
* وفي 25 أيلول 1997 أقدم الموساد علي اغتيال خالد مشعل "أبو الوليد"،
وبتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجهاز
الأمني الإسرائيلي التابع لرئيس الوزراء. وبالفعل تم حقن مشعل بمادة سامة
أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان، إلا أن السلطات الأردنية نجحت في
إلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في عملية الاغتيال،
وأرغم نتنياهو –بعد تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون- بتقديم المصل المضاد
للسم المستعمل.
* وفي آذار عام 2004 ألقت السلطات النيوزلندية القبض على عميلين للموساد،
("أوري كلمان"-30 سنة، و"إليشع قراء"، 50 سنة) في مدينة أوكلاند،
أثناء محاولتهما الحصول علي جواز سفر نيوزيلاندي مزور، لاستخدامه في إحدى
عملياتهم التي باءت محاولتهم بالفشل عقب كشف أمرهم.
تفاخرٌ بالجريمة
وباستعراض تاريخ هذه العمليات القذرة، يمكن القول بأن إسرائيل لا تشعر
بالحرج من اعتمادها أسلوب الاغتيال منهجًا، بل يجاهر به رؤساؤهم مثلما فعل
"رابين" بعد اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد فتحي الشقاقي، في 26 تشرين
الأول العام 1995، في جزيرة مالطا، وكذا فعل "شيمون بيريز" بعد اغتيال
"يحيي عياش" أحد كوادر حماس عام 1996، بل وصل الأمر لدرجة التفاخر
والتباهي، مثلما فعل مسئول جهاز العمليات القذرة في الموساد "شتباي شبيط"،
بعد قتل "محسن زهير"، عندما اعتبر عمليات الاغتيال "نموذجا ناجحا للعمل".
حتى شارون فعل ذلك بعد فشل عملية اغتيال "خالد مشعل"، حينما أكد أن
"إسرائيل ستحاول مرة أخرى، وأنها لن تستخدم السم مرة ثانية لقتله".
ولا غروَ فقد اختار الجمهور الإسرائيلي قائد جهاز الموساد" الإسرائيلي
مائير داجان كـرجل العام الماضي 2009، في استطلاع أجرته القناة الثانية في
التلفزيون الإسرائيلي؛ لما اعتبروه "إنجازات وطنية". تتساءل عن ماهية هذه
الإنجازات؟ يجيبك مذيع القناة: "لم يُقدِّم داجان في حياته إلا الأمور
الطيبة؛ فقد اشتهر بقطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسادهم باستخدام سكين
ياباني"!
رخصة للقتل
تجدر الإشارة إلى أن القانون الإسرائيلي يبيح اغتيال أو قتل "أعداء
إسرائيل" في أي مكان، ففي نهاية عام 1972، وبعد قتل 11 رياضيا إسرائيليا في
أولمبياد ميونخ، طلبت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك "جولدا مائير" من رئيس
الموساد "تسفي زامير"، ضرب كل فلسطيني اتهمته إسرائيل بالاشتراك في عملية
احتجاز الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونخ. ووقفت رئيسة الوزراء
الإسرائيلية في تشرين الأول 1972 لتعلن أن إسرائيل سوف تطارد الفدائيين "في
كل مكان وكل بلد"، وصادق الكنيست بأغلبية ساحقة، باستثناء ممثلي الحزب
الشيوعي وقتها، علي قانون يسمح بمعاقبة أي أجنبي متهم بالعمل ضد إسرائيل،
بغض النظر عن مكان وقوع هذا العمل! هكذا أقرت إسرائيل، رسميا، بشكل علني،
خطط الموساد، لقتل قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الذريعة
الإسرائيلية المعلنة هي الرد علي عملية ميونخ. بيد أن خطط الاغتيال كان قد
بدأ تنفيذها قبل حادث أولمبياد ميونخ، في شهر أيلول 1972، حينما اغتال
"الموساد" في 8 تموز من العام نفسه الكاتب الفلسطيني، غسان كنفاني في
بيروت!
ولم تمض سوى أسابيع قليلة على القانون الذي أصدره الكنيست حني بدأ
"الموساد" سلسلة من الاغتيالات للفلسطينيين، وكانت البداية في 16 تشرين
الثاني باغتيال ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا "وائل زعيتر"؛
فقد اصطاده "الموساد" وهو عائد إلي منزله مساء، وقبل أن يفتح باب شقته،
وأطلقوا عليه 12 رصاصة.
مسكنات مؤقتة
يقول أهاروني كلين، الضابط السابق بالموساد، أشعر أحيانًا أننا نلجأ إلى
هذا الأسلوب، ونبذل الكثير من طاقتنا ومصادرنا لأن ذلك أسهل من التعامل مع
القضايا الاستراتيجية، كتقرير كيفية التعامل مع حماس. فهذا أكثر تعقيدًا في
الواقع. هناك رغبة في التحول إلى الأمور الاعتيادية. وهذا الأسلوب ربما
ينجح، لكنه أبدًا لن يفضي إلى حل".
وقال "أندرو سالفيان" في مجلة "ذي أتلانتيك" تعليقًا على اغتيال المبحوح:
"لا أرى أي استراتيجية هنا، فقط المزيد من الحرب".
صحيفة واشنطن بوست أعدت تقريرًا رصدت فيه بعض محطات هذه الحرب
الاستخباراتية، على مدى عقود، وختمت في النهاية بقولها: "ربما توفر عمليات
الموساد لإسرائيل تقدمًا تكتيكيًا قصير المدى عن طريق إزاحة بعض أعدائها من
على الساحة. لكن جدوى هذه السياسة على المدى البعيد أمر مشكوك فيه".
للوهلة
الأولى بدت إنجازًا باهرًا، خطط له جهاز عالي الكفاءة، ونفَّذه طاقم
محترف، نجح في اقتناص هدفه، لكنها سرعان ما استحالت فشلا ذريعًا، قلب
الطاولة على رأس المخططين -الذين وقعوا في خطأ فادح كشف تورطهم في الحادث،
بحسب كبار المعلقين الإسرائيليين- والمنفذين، الذين باتت صور معظمهم منشورة
في كافة وسائل الإعلام، بينما تزداد المقاعد الذي حجزوها في قائمة
المطلوبين دوليًا مع مرور الوقت ووضوح المزيد من الأدلة.
وبذلك استحقت عملية دبي عن جدارة لقب (الفشل العظيم) الذي أطلقته عليها
صحيفة يديعوت أحرونوت، وربما لا يختلف كثيرون حول استحقاقها مقعدًا في
قائمة (أفشل العمليات في تاريخ الموساد والأجهزة الاستخباراتية
الإسرائيلية) على حد وصف "بن كاسبيت"، كبير المعلقين في صحيفة "معاريف"
الإسرائيلية. هذا الفشل الكبير يستوجب– كما طالبت "يديعوت أحرونوت" وعددًا
من المعلقين الإسرائيليين- إقالة "مائير داجان"، رئيس جهاز الموساد
الإسرائيلي، الذي أحرق (الطبخة)، ومن الأفضل إبعاده لإحدى مستوطنات الشمال،
على حد قول " أمير أورن" في هاآرتس
صحيحٌ أن الموساد وحكومته
التزما الصمت، لكن تاريخ عملياتهم في المنطقة العربية وأمريكا الجنوبية
وأوروبا ترجح كفة الاتهام، فضلا عن الضربات الموجعة التي وجهتها لهما شرطة
دبي. هذا الصمت، ولا شك، يمتص بعضًا من رد الفعل الدولي، كما أن أي وكالة
استخباراتية في العالم ترغب في إبقاء أعدائها يخمنون، كما يقول المحللون،
لكن ذلك لا ينفي بحال فداحة الخطأ الذي ارتكبه الموساد هذه المرة.
اعتراف ضمني
ومع بلوغ الأدلة على تورط الموساد حد التواتر، انتقل الكتاب الإسرائيليين
من التساؤل عن مسئولية الموساد، إلى تحليل الخطأ الذي أوقعه في قبضة
العدالة، وانتقلت وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل من نفي تورط إسرائيل، إلى
تبرير الاغتيال بإخراج الحادث من دائرة الجريمة إلى دائرة الدفاع عن
النفس، تارة بسرد تاريخ العمليات التي قادها المبحوح ضد إسرائيل، وأخرى
بتسليط الضوء على تاريخ العمليات التي ارتكبها مقاومون آخرون ضد الكيان
الصهيوني، وثالثة بعقد مقارنات مضحكة، كقول مجلة ذي أتلانيتك، إن اغتيال
المبحوح أكثر أخلاقية من الهجمات الأمريكية على باكستان وأفغانستان، وأقل
شراسة من حرب غزة الأخيرة! وهو ما يجده البعض انعكاسًا للضوء الأخضر
الأمريكي الممنوح للكيان الصهيوني.
هذه التبريرات تستدعي للذهن تقرير اللجنة الصهيونية التي شكلت في
9/10/1997، برئاسة الدكتور "يوسف تشحنوفر" وعضوية الجنرال احتياط "رافي
بيلد" والعميد احتياط "دان طولكوفسكي"؛ لتوضيح ملابسات محاولة اغتيال خالد
مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأردن
أول جملة في التقرير حملت تبريرًا لمحاولة الاغتيال، مقدمة إياه وكأنه جاء
ردًا على عمليتي يوم 30/7/1997 التي وقعت في سوق محنيه يهودا في القدس،
وأسفرت عن مقتل 16 إسرائيليا وجرح 169 آخرين، وعملية يوم 4/9/1997 التي جرت
في شارع بن يهودا في القدس وأسفرت عن مقتل 5 أشخاص وجرح 169 آخرين.
تاريخ حافل بالفضائح
لم تكن جريمة دبي هي الفشل الأول الذي يقع فيه الموساد، بل سبقتها سلسلة من
العمليات الفاشلة التي اعتبرت وصمة عار كبرى في جبين جهاز الاستخبارات
الذي تتفاخر به دولة الاحتلال، وتعتبره يدها الطولى:
*في شهر آذار عام 1963 اعتقلت السلطات السويسرية في مدينة بازل شخصا
نمساويا يدعي "أوتو يوكليك"، وآخر إسرائيليًا يدعي "يوسف بن جل"، أثناء
محاولتهما إقناع فتاة ألمانية تدعى "هايدي جيركا" بالعمل لصالح الموساد
ضد والدها خبير الصواريخ الألماني.
*في تموز عام 1973 قام ستة أشخاص من عملاء الموساد بإطلاق النار علي
جرسون مغربي يدعي "أحمد بوشيكي" في مدينة ليلهامر بالنرويج اعتقادا
منهم أنه "علي حسن سلامة" - الأمير الأحمر - كما أطلقت عليه جولدا مائير،
وقد نجحت السلطات النرويجية في القبض عليهم وقدموا للمحاكمة ثم تم إطلاق
سراحهم بعد فترة قصيرة.
*في نيسان عام 1991 ألقت السلطات القبرصية القبض علي أربعة من عملاء
الموساد (رجلين وامرأتين) في أثناء محاولتهم زرع أجهزة تنصت علي
السفارة الإيرانية هناك وبعد تقديمهم للمحاكمة أطلق سراحهم بعد دفع غرامات
مالية وعادوا إلي إسرائيل بعد أن نشرت صورهم في جميع وسائل الإعلام
العالمية.
*في الخامس والعشرين من شباط عام 1998 كشف التليفزيون السويسري عن إحباط
محاولة تجسس للموساد وتم القبض علي عدد من العملاء بينهم علي الأقل
إسرائيلي واحد وتضاربت الروايات وقتها حول سبب اعتقال هؤلاء العملاء، فقائل
قال: إنهم تورطوا في تصوير وثائق مهمة في سفارة إيران بحسب ما نقلته
صحيفة الديلي تليجراف, وقائلٌ: إنهم قاموا بزرع أجهزة تنصت في مقر البعثة
الإيرانية بالأمم المتحدة في جنيف، وثالث ذهب إلى أنه تم اعتقال عملاء
الموساد بعد محاولتهم اقتحام منزل قائد بارز في حزب الله اللبناني، وفق ما
نشرته صحيفة ذا جارديان البريطانية.
* وفي 25 أيلول 1997 أقدم الموساد علي اغتيال خالد مشعل "أبو الوليد"،
وبتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجهاز
الأمني الإسرائيلي التابع لرئيس الوزراء. وبالفعل تم حقن مشعل بمادة سامة
أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان، إلا أن السلطات الأردنية نجحت في
إلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في عملية الاغتيال،
وأرغم نتنياهو –بعد تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون- بتقديم المصل المضاد
للسم المستعمل.
* وفي آذار عام 2004 ألقت السلطات النيوزلندية القبض على عميلين للموساد،
("أوري كلمان"-30 سنة، و"إليشع قراء"، 50 سنة) في مدينة أوكلاند،
أثناء محاولتهما الحصول علي جواز سفر نيوزيلاندي مزور، لاستخدامه في إحدى
عملياتهم التي باءت محاولتهم بالفشل عقب كشف أمرهم.
تفاخرٌ بالجريمة
وباستعراض تاريخ هذه العمليات القذرة، يمكن القول بأن إسرائيل لا تشعر
بالحرج من اعتمادها أسلوب الاغتيال منهجًا، بل يجاهر به رؤساؤهم مثلما فعل
"رابين" بعد اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد فتحي الشقاقي، في 26 تشرين
الأول العام 1995، في جزيرة مالطا، وكذا فعل "شيمون بيريز" بعد اغتيال
"يحيي عياش" أحد كوادر حماس عام 1996، بل وصل الأمر لدرجة التفاخر
والتباهي، مثلما فعل مسئول جهاز العمليات القذرة في الموساد "شتباي شبيط"،
بعد قتل "محسن زهير"، عندما اعتبر عمليات الاغتيال "نموذجا ناجحا للعمل".
حتى شارون فعل ذلك بعد فشل عملية اغتيال "خالد مشعل"، حينما أكد أن
"إسرائيل ستحاول مرة أخرى، وأنها لن تستخدم السم مرة ثانية لقتله".
ولا غروَ فقد اختار الجمهور الإسرائيلي قائد جهاز الموساد" الإسرائيلي
مائير داجان كـرجل العام الماضي 2009، في استطلاع أجرته القناة الثانية في
التلفزيون الإسرائيلي؛ لما اعتبروه "إنجازات وطنية". تتساءل عن ماهية هذه
الإنجازات؟ يجيبك مذيع القناة: "لم يُقدِّم داجان في حياته إلا الأمور
الطيبة؛ فقد اشتهر بقطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسادهم باستخدام سكين
ياباني"!
رخصة للقتل
تجدر الإشارة إلى أن القانون الإسرائيلي يبيح اغتيال أو قتل "أعداء
إسرائيل" في أي مكان، ففي نهاية عام 1972، وبعد قتل 11 رياضيا إسرائيليا في
أولمبياد ميونخ، طلبت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك "جولدا مائير" من رئيس
الموساد "تسفي زامير"، ضرب كل فلسطيني اتهمته إسرائيل بالاشتراك في عملية
احتجاز الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونخ. ووقفت رئيسة الوزراء
الإسرائيلية في تشرين الأول 1972 لتعلن أن إسرائيل سوف تطارد الفدائيين "في
كل مكان وكل بلد"، وصادق الكنيست بأغلبية ساحقة، باستثناء ممثلي الحزب
الشيوعي وقتها، علي قانون يسمح بمعاقبة أي أجنبي متهم بالعمل ضد إسرائيل،
بغض النظر عن مكان وقوع هذا العمل! هكذا أقرت إسرائيل، رسميا، بشكل علني،
خطط الموساد، لقتل قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الذريعة
الإسرائيلية المعلنة هي الرد علي عملية ميونخ. بيد أن خطط الاغتيال كان قد
بدأ تنفيذها قبل حادث أولمبياد ميونخ، في شهر أيلول 1972، حينما اغتال
"الموساد" في 8 تموز من العام نفسه الكاتب الفلسطيني، غسان كنفاني في
بيروت!
ولم تمض سوى أسابيع قليلة على القانون الذي أصدره الكنيست حني بدأ
"الموساد" سلسلة من الاغتيالات للفلسطينيين، وكانت البداية في 16 تشرين
الثاني باغتيال ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا "وائل زعيتر"؛
فقد اصطاده "الموساد" وهو عائد إلي منزله مساء، وقبل أن يفتح باب شقته،
وأطلقوا عليه 12 رصاصة.
مسكنات مؤقتة
يقول أهاروني كلين، الضابط السابق بالموساد، أشعر أحيانًا أننا نلجأ إلى
هذا الأسلوب، ونبذل الكثير من طاقتنا ومصادرنا لأن ذلك أسهل من التعامل مع
القضايا الاستراتيجية، كتقرير كيفية التعامل مع حماس. فهذا أكثر تعقيدًا في
الواقع. هناك رغبة في التحول إلى الأمور الاعتيادية. وهذا الأسلوب ربما
ينجح، لكنه أبدًا لن يفضي إلى حل".
وقال "أندرو سالفيان" في مجلة "ذي أتلانتيك" تعليقًا على اغتيال المبحوح:
"لا أرى أي استراتيجية هنا، فقط المزيد من الحرب".
صحيفة واشنطن بوست أعدت تقريرًا رصدت فيه بعض محطات هذه الحرب
الاستخباراتية، على مدى عقود، وختمت في النهاية بقولها: "ربما توفر عمليات
الموساد لإسرائيل تقدمًا تكتيكيًا قصير المدى عن طريق إزاحة بعض أعدائها من
على الساحة. لكن جدوى هذه السياسة على المدى البعيد أمر مشكوك فيه".