ثامر قرقوط: للعام الثاني على التوالي، يضرب الجفاف المنطقة الشرقية، ويحل ضيفاً ثقيل الظل وغير المرغوب فيه على المنطقة الأغنى بالثروات في سورية. وإن كان الجفاف من صنع الطبيعة فإن مواجهته من صنع الحكومة وخططها، أو هكذا يفترض أن يكون. وبمقدار التصاق هذه الخطط التنموية بالواقع وقدرتها على تلبية احتياجات المواطنين يمكن مواجهة (غول) الجفاف الذي يثقل كاهل الاقتصاد.
عودة الجفاف، بكامل قسوته وآثاره السلبية الوخيمة، يشير للوهلة الأولى إلى تغيّر المناخ. فمنطقة الجزيرة السورية التي كانت تشكل أهراء القمح لسورية، باتت بصفتها منطقة شرقية ـ حسب التقسيمات الإدارية ـ تبحث عن مساعدات غذائية تسد رمق المواطنين والأفواه المفتوحة بحثاً عن لقمة عيش كريم. وأشار تقرير أعده المعهد الدولي للتنمية المستدامة في مطلع الشهر الماضي إلى أن الجفاف أدى إلى هجرة سكان 160 قرية في شمال شرقي سورية إلى المدن. وتوقع التقرير أن تكون هذه المنطقة أكثر جفافاً ما سيؤثر جدياً في قطاع الزراعة وتدفق المياه.
رئيس اللجنة الدولية التي أتت لدراسة الجفاف شبّه الوضع الذي رآه في الجزيرة السورية بأنه أسوأ مما هو في الهند، إذ يوجد 30% من السكان تحت خط الفقر.
صارت آثار الجفاف غير محتملة، وهي أكثر عمقاً وتجذراً مما كنا نراه في غير منطقة بالعالم. وهذا يثبت أن المنطقة الشرقية لم يعد نهر الفرات قادراً على إنقاذها، كما أن قرارات رفع أسعار المحروقات أخرجت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية من دائرة الري لتواجه قدراً غير محتوم إطلاقاً لولا القرار الآنف الذكر، لم تقدم لها التدخلات الحكومية سوى حالة إسعاف مؤقت.
قدمت الحكومة مساعدات غذائية، عبارة عن سلة غذاء مؤلفة من: 150 كيلوغراماً من الطحين، و25 كيلو غراماً من السكر، و25 كيلوغراماً من البرغل، وعشرة كيلوغرامات من العدس، وكيلوغرامين من السمنة، وكيلو غرام واحد من الشاي، وليتر من الزيت، وتقدر قيمتها بستة آلاف ليرة سورية لكل أسرة، إضافة إلى تأجيل سداد القروض الزراعية.
وبلا شك يعد هذا خطوةً في المسار الصحيح وإجراء لا جدال في أهميته، لأنه يُبلسم جراح الفقراء والمعوزين والمزارعين والذين لا يملكون سوى قوة عملهم، لكنه لايشبع البطون الجائعة التي لا تجد سوى الريح تصفر في جهات الجزيرة السورية الأربع. خاصة أن السلة التي قدمتها الحكومة التي من المقرر أن توزع كل شهرين مرة تقتصر على30 ألف أسرة في محافظة الحسكة إضافة إلى 30 ألف أسرة أخرى توزعت في المحافظات.
ما يثير التساؤلات هو إصرار الحكومة على تكرار التجربة عاماً آخر، بالاستنجاد بالهيئات والمنظمات الدولية، وبشكل غير مباشر بالدول المانحة، التي يمكن أن تساعد في تقديم بعض المساعدات. وللوهلة الأولى، لا ضير من الحصول على هذه المساعدات المادية أو العينية، لكن جفاف هذا العام الذي لم يك أقل وطأة وشدة من جفاف العام الماضي، الذي ضرب معظم المناطق السورية ممتداً من جزيرتها إلى شمالها إلى مناطقها الجنوبية، ولم يشفع يومذاك كل هذا الامتداد الجغرافي لمد يد المساعدة إلى المناطق المتضررة. ونذكر تماماً المهلة التي أعطاها ممثل الفاو بعد اجتماعه مع العديدين من سفراء وممثلي الدول والهيئات المانحة. المهلة انتهت ولم يرجع الصدى الطيب الذي كان منتظراً، وكانت النتيجة لا مساعدات ولا من يحزنون. إذ طالبت الفاو بـ 2.750 مليون دولار عام 2008. واستلمت 1.750 مليون دولار فقط. هذه التجربة لا يمكن نسيان مرارتها، والمؤشرات الراشحة عنها تؤكد أن الدول والهيئات لا تريد تقديم المساعدة لسورية لأسباب عدة أبرزها العامل السياسي.
تحركت وزارة الزراعة هذا العام أيضاً، بما يشبه تحركها العام الماضي، ورغبت أن تلتمس بعضاً من المساعدات، ولكنها حتى الآن حصلت على اعتراف من ممثل رئيس اللجنة الدولية يشرح فيه الواقع المأسوي الذي ترزح تحته المنطقة الشرقية. ووجهت الأمم المتحدة نداء إلى المجتمع الدولي لجمع 20 مليون دولار مساعدةً لسورية التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً لإنقاذ ومساعدة نحو مليون نسمة يواجهون مخاطر الجفاف.
رب سؤال فيه من الدلالات ما يشبع النهم: هل سورية بحاجة إلى مساعدات دولية لإنقاذ الوضع في المنطقة الشرقية؟
ها هو ذا السؤال الذي قد لا يفضل أحد من المسؤولين الحكوميين سماعه أو طرحه، سواء بصيغة سؤال أو أية صيغة أخرى. إلا أن سلسلة الأسئلة تتكرر : هل نريد سفح ماء الوجه من أجل الحصول على بعض المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وأين القطاعات الإنتاجية التي كنا نتفاخر فيها؟ وقدرة ومتانة الاقتصاد السوري؟ وغيرها من سبحة الأسئلة التي تكر تباعاً.
بالتأكيد إن الدول والهيئات المانحة لن تقدم مساعداتها للسكان في المنطقة الشرقية، استناداً إلى تجربة العام الماضي، كما أن هذه المنطقة التي تعد خزان سورية النفطي، وسلة غذائها الرئيسية، لم تُعلن أنها منطقة منكوبة أو جائعة أو..، رغم أن كل ما قيل عنها يجعلها منطقة منكوبة جوعاً بامتياز.
إضافة إلى أن عدد سكانها الكبير هو جزء من مليار إنسان جائع في العالم، من بينهم 40 مليون في الشرق الأوسط، لا يجدون طرقاً لمواجهة الجفاف والجوع، ولا يملكون وسيلة مناسبة لتخطي عتبة الجوع والوصول إلى الاكتفاء الذاتي. بمعنى ثان سيبقى حال المنطقة الشرقية كما هو، بانتظار سنة قادمة من السنوات غير العجاف.
إلا أنه لا يجوز ترك المنطقة الشرقية وغيرها من جيوب الفقر تواجه المصير البائس، كما لا يمكن التعويل أو الرهان على مساعدات دولية قد لا تأتي إطلاقاً، وبالتالي لا توجد دواع للانتظار ريثما تحصل المعجزة، ولن تُغتفر فيما بعد الإجراءات القاصرة حكومياً، لأن الواقعة تكون قد وقعت.
في المنطقة الشرقية ثمة غياب واضح للبرامج التنموية المستدامة، هذه البرامج هي الوحيدة القادرة على مواجهة الجفاف وآثاره القاتلة، بل إن التعويل على قطاع آخر غير مجد بدليل ما تمخض عنه مؤتمر استثمار المنطقة الشرقية الذي عقد في آذار 2008.
بلغ سيل الجفاف وآثاره الزبى، وقد يتحول الجفاف إلى كارثة حقيقية، بدأت بوادرها بالظهور من خلال تخلي السكان عن قراهم وهجرهم لمساكنهم وتطويق المدن الرئيسية بأحزمة فقر جديدة. وتجربة عامين من الجفاف باتت تحتاج إلى برامج إغاثة لإحياء التنمية الغائبة خلال الأعوام السابقة في المنطقة الشرقية. فالبرامج والخطط التنموية هي حل استراتيجي وجذري في الوقت ذاته، أما مفاتيح الحل فهي بيد الحكومة.
SyriaFace
عودة الجفاف، بكامل قسوته وآثاره السلبية الوخيمة، يشير للوهلة الأولى إلى تغيّر المناخ. فمنطقة الجزيرة السورية التي كانت تشكل أهراء القمح لسورية، باتت بصفتها منطقة شرقية ـ حسب التقسيمات الإدارية ـ تبحث عن مساعدات غذائية تسد رمق المواطنين والأفواه المفتوحة بحثاً عن لقمة عيش كريم. وأشار تقرير أعده المعهد الدولي للتنمية المستدامة في مطلع الشهر الماضي إلى أن الجفاف أدى إلى هجرة سكان 160 قرية في شمال شرقي سورية إلى المدن. وتوقع التقرير أن تكون هذه المنطقة أكثر جفافاً ما سيؤثر جدياً في قطاع الزراعة وتدفق المياه.
رئيس اللجنة الدولية التي أتت لدراسة الجفاف شبّه الوضع الذي رآه في الجزيرة السورية بأنه أسوأ مما هو في الهند، إذ يوجد 30% من السكان تحت خط الفقر.
صارت آثار الجفاف غير محتملة، وهي أكثر عمقاً وتجذراً مما كنا نراه في غير منطقة بالعالم. وهذا يثبت أن المنطقة الشرقية لم يعد نهر الفرات قادراً على إنقاذها، كما أن قرارات رفع أسعار المحروقات أخرجت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية من دائرة الري لتواجه قدراً غير محتوم إطلاقاً لولا القرار الآنف الذكر، لم تقدم لها التدخلات الحكومية سوى حالة إسعاف مؤقت.
قدمت الحكومة مساعدات غذائية، عبارة عن سلة غذاء مؤلفة من: 150 كيلوغراماً من الطحين، و25 كيلو غراماً من السكر، و25 كيلوغراماً من البرغل، وعشرة كيلوغرامات من العدس، وكيلوغرامين من السمنة، وكيلو غرام واحد من الشاي، وليتر من الزيت، وتقدر قيمتها بستة آلاف ليرة سورية لكل أسرة، إضافة إلى تأجيل سداد القروض الزراعية.
وبلا شك يعد هذا خطوةً في المسار الصحيح وإجراء لا جدال في أهميته، لأنه يُبلسم جراح الفقراء والمعوزين والمزارعين والذين لا يملكون سوى قوة عملهم، لكنه لايشبع البطون الجائعة التي لا تجد سوى الريح تصفر في جهات الجزيرة السورية الأربع. خاصة أن السلة التي قدمتها الحكومة التي من المقرر أن توزع كل شهرين مرة تقتصر على30 ألف أسرة في محافظة الحسكة إضافة إلى 30 ألف أسرة أخرى توزعت في المحافظات.
ما يثير التساؤلات هو إصرار الحكومة على تكرار التجربة عاماً آخر، بالاستنجاد بالهيئات والمنظمات الدولية، وبشكل غير مباشر بالدول المانحة، التي يمكن أن تساعد في تقديم بعض المساعدات. وللوهلة الأولى، لا ضير من الحصول على هذه المساعدات المادية أو العينية، لكن جفاف هذا العام الذي لم يك أقل وطأة وشدة من جفاف العام الماضي، الذي ضرب معظم المناطق السورية ممتداً من جزيرتها إلى شمالها إلى مناطقها الجنوبية، ولم يشفع يومذاك كل هذا الامتداد الجغرافي لمد يد المساعدة إلى المناطق المتضررة. ونذكر تماماً المهلة التي أعطاها ممثل الفاو بعد اجتماعه مع العديدين من سفراء وممثلي الدول والهيئات المانحة. المهلة انتهت ولم يرجع الصدى الطيب الذي كان منتظراً، وكانت النتيجة لا مساعدات ولا من يحزنون. إذ طالبت الفاو بـ 2.750 مليون دولار عام 2008. واستلمت 1.750 مليون دولار فقط. هذه التجربة لا يمكن نسيان مرارتها، والمؤشرات الراشحة عنها تؤكد أن الدول والهيئات لا تريد تقديم المساعدة لسورية لأسباب عدة أبرزها العامل السياسي.
تحركت وزارة الزراعة هذا العام أيضاً، بما يشبه تحركها العام الماضي، ورغبت أن تلتمس بعضاً من المساعدات، ولكنها حتى الآن حصلت على اعتراف من ممثل رئيس اللجنة الدولية يشرح فيه الواقع المأسوي الذي ترزح تحته المنطقة الشرقية. ووجهت الأمم المتحدة نداء إلى المجتمع الدولي لجمع 20 مليون دولار مساعدةً لسورية التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً لإنقاذ ومساعدة نحو مليون نسمة يواجهون مخاطر الجفاف.
رب سؤال فيه من الدلالات ما يشبع النهم: هل سورية بحاجة إلى مساعدات دولية لإنقاذ الوضع في المنطقة الشرقية؟
ها هو ذا السؤال الذي قد لا يفضل أحد من المسؤولين الحكوميين سماعه أو طرحه، سواء بصيغة سؤال أو أية صيغة أخرى. إلا أن سلسلة الأسئلة تتكرر : هل نريد سفح ماء الوجه من أجل الحصول على بعض المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وأين القطاعات الإنتاجية التي كنا نتفاخر فيها؟ وقدرة ومتانة الاقتصاد السوري؟ وغيرها من سبحة الأسئلة التي تكر تباعاً.
بالتأكيد إن الدول والهيئات المانحة لن تقدم مساعداتها للسكان في المنطقة الشرقية، استناداً إلى تجربة العام الماضي، كما أن هذه المنطقة التي تعد خزان سورية النفطي، وسلة غذائها الرئيسية، لم تُعلن أنها منطقة منكوبة أو جائعة أو..، رغم أن كل ما قيل عنها يجعلها منطقة منكوبة جوعاً بامتياز.
إضافة إلى أن عدد سكانها الكبير هو جزء من مليار إنسان جائع في العالم، من بينهم 40 مليون في الشرق الأوسط، لا يجدون طرقاً لمواجهة الجفاف والجوع، ولا يملكون وسيلة مناسبة لتخطي عتبة الجوع والوصول إلى الاكتفاء الذاتي. بمعنى ثان سيبقى حال المنطقة الشرقية كما هو، بانتظار سنة قادمة من السنوات غير العجاف.
إلا أنه لا يجوز ترك المنطقة الشرقية وغيرها من جيوب الفقر تواجه المصير البائس، كما لا يمكن التعويل أو الرهان على مساعدات دولية قد لا تأتي إطلاقاً، وبالتالي لا توجد دواع للانتظار ريثما تحصل المعجزة، ولن تُغتفر فيما بعد الإجراءات القاصرة حكومياً، لأن الواقعة تكون قد وقعت.
في المنطقة الشرقية ثمة غياب واضح للبرامج التنموية المستدامة، هذه البرامج هي الوحيدة القادرة على مواجهة الجفاف وآثاره القاتلة، بل إن التعويل على قطاع آخر غير مجد بدليل ما تمخض عنه مؤتمر استثمار المنطقة الشرقية الذي عقد في آذار 2008.
بلغ سيل الجفاف وآثاره الزبى، وقد يتحول الجفاف إلى كارثة حقيقية، بدأت بوادرها بالظهور من خلال تخلي السكان عن قراهم وهجرهم لمساكنهم وتطويق المدن الرئيسية بأحزمة فقر جديدة. وتجربة عامين من الجفاف باتت تحتاج إلى برامج إغاثة لإحياء التنمية الغائبة خلال الأعوام السابقة في المنطقة الشرقية. فالبرامج والخطط التنموية هي حل استراتيجي وجذري في الوقت ذاته، أما مفاتيح الحل فهي بيد الحكومة.
SyriaFace