كانت تجلس على المقعد المواجه لغربتي، لم أكن أفكر سوى ببلدي ... أهلي ... فنجان قهوتي السادة ... جلسات المقاهي ولعب الورق .
كل تلك الأفكار كانت تخطر مجتمعة على بالي محرضةً في عقلي الفرح والحزن معاً ، وأفكاراً جنونيةً بالعودة باكراً إلى الوطن ما تلبثُ أن تتلاشى فورَ مواجهتها الواقع .
كانت الصور تتزاحم كقطرات مطر في ليلة شتوية ، وكانت تلقى نفس المصير ، إما أن تبتلعها الأرض العطشى ، أو أن تنتهي في فتحات الصرف .
صدفةً التقت نظراتنا ... ربما كانت تخطر ببالها ذات الأفكار أو ربما لا يعني لها موضوع الغربة شيئاً ، لكن إحساسي وقلبي ونظراتها كانا يوحيان بحبّّ يأبى أن ينتهي بانتهاء رحلة القطار في برلين .
صرت أتأمل التفاصيل ... عيناها اللوزيتان العسليتان ... وجهها ... لا لا ، عيناها ، لم أكن أستطيع سوى أن أرى عينيها اللتان لم تحيدا بنظرهما عنّي ،
أما أنا فصرت أنأى بنظري عنها ، لكنني لا ألبث أن أشتاق إليها مجدداً فأستسلم للموقف وأرمي بنظراتي إليها طوال ساعة ونصف من الوقت .
كلُّ الأفكار والصور التي كانت تخطر لي نسيتها تماماً ، فقد صارت عيناها وطني وأهلي وفنجان قهوتي .
توقف القطار منهياً رحلته ورحلتنا مع غروب شمس العاصمة ...
حملتُ حقائبي ، وحملتْ حقائبها ... ومضى كلٌّ في طريقه .