قلم
الدكتور : محيي الدين السفوجلاني
خولة بنت الأزور
الكندي في مقدمة أبطال العرب المغاوير اللواتي سجلن على جبين الدهر في صفحات
التاريخ أروع آيات المجد في ميادين البطولة وساحات الشرف , واليها و الى أمثالها
يعود الفضل الأكبر في فتوحات الشام وانكسار جيوش الرومان .
ومما يذكر عن بسالتها
الخارقة أن أخاها ضرار كان في مقدمة الجيش العربي الذي فتك فتكا مروعا في جيش الروم
, مما حمل الروم أن يتكاثروا على ضرار فأسروه فذهب البطل خالد بن الوليد على رأس
جماعة من المغاوير لنجدته , ولما التحم الجمعان وعلا صليل السيوف و تصاعدت همهمة
الأبطال وتناثرت أشلاء الأجساد وتحولت الأرض الى قباب من جماجم وبساط من دماء , كان
هناك في المعمعة فارس مقدام , كأنه قذيفة ملتهبة من حديد ونار , يصول ويجول ويعمل
في الروم قتلا مروعا وفتكا ذريعا حيث زعزع كتائبهم وحطم مواكبهم وبلغ قلب جيوشهم
واوقع في الرعب والهزيمة . وماهي الا ساعات حتى خرج الفارس المغوار بعد انتهاء
المعركة وحسامه يقطر دما فظنه العرب أنه البطل خالد بن الوليد , ثم رأوا خالدا معهم
, وهو مثلهم يعجب من ذلك الفارس العنيد الذي تمت على يديه هزيمة الروم . وعندما الح
خالد على الفارس بتعريف نفسه , كشف عن قناعه , فإذا هي خولة بنت الأزور , التي كتب
للعرب على يدها نصر مبين .
فمن هي العربية اليوم التي
تضاهي خولة , سيدة ابطال العرب في عزمها وحزمها ؟ هل لفتياتنا أن يستعددن للحذو
حذوها , ولا سيما أن العرب اليوم على عتبة الجولة الثانية , جولة الثأر لفلسطين
الدامية.من أول الحقوق المفروضة على المسؤولين اليوم أن يأخذو بيد المرأة العربية
في طريق العلم و النور و الحياة , فلقد كانت المرأة العربية في الجاهلية وبعد
الأسلام مع الرجل صنوان متساويان في ميادين العلم و العمل , ولا ميزة لاحدهما على
الأخر بشئ , الا بالعلم و العمل . لهذا جاء في الحديث الشريف ( طلب العلم فريضة على
كل مسلم ومسلمة ) و العلم لغة هو معرفة الشيئ بدليله غير من تحديد . أن في مقدمة
العلوم المفروضة خدمة العلم و الجندية , فقد كانت نساء العرب يخضن غمار الهيجاء
ويقاتلن قتال الأبطال .
وان ننس لا ننسى ماكان من قتال
الخنساء طلبا لثأر أخيها صخر, وما كان من زينوبيا , الملكة العربية في تدمر , التي
كانت تنادي بالأمبراطورية العربية و تدمير الأمبراطورية الرومانية , فقد جاء في
الصفحة 378 من تاريخ الرومان – لمالي واسحاق – بالفرنسية ما نصه : (( أن زنوبيا
انقذت سورية من استعمار الرومانيين , افتتحت مصر واستولت على كل بلاد آسيا الصغرى .
وكانت تهدف لا لتجعل بينها وبين روما ميادين للحرب فحسب بل لكي تنعم بما فيها من
خيرات وترف حياة . وفي موقعة ذي قار نازل العرب العجم وكان في جانبهم نساؤهم
اللواتي ابلين أحسن البلاء وكذلك في حروب سيف بن ذي يزن , وفي الفتوحات الأسلامية
الكبرى كان لمنظر النساء وهن يقاتلن العدو بالسيوف و الرماح , ويرددن الفارين من
الرجال بالعصي و الصياح , فعله العظيم في اثارة نخوة الرجال وتثبيت أقدامهم , وهن
يصحن اذا ما اشتدت الازمات و الخطوب في المعارك : (( نحن لها نحن لها .. الى أين
الى أين .. يا حماة الأسلام وطلاب الشهادة . ))
ومن هن من كان يقول : (( لستم
بعولنا أن لم تمنعونا )) .. وأخريات يقلن ( قبح الله رجلا يفر عن كريمته أو
حليلته )) .. وغيرهن يصحن : (( أين أين عز الأسلام و الأمهات و الأزواج : ))
وباضافة الى من ذكرنا من أعمال الخنساء وبطولة الزباء الملكة العربية في تدمر فاننا
لنذكر باجلال واكبار اسم ((خديجة الكبرى . وام سلمى )) من زوجات النبي , وما كان
منهن من اعمال رائعة في ميادين الحكمة و البطولة وما كان من خولة بنت الأزور وأم
عبدالله الكلبية وحروبها وارادتها . وكذلك نذكر ما كان من بطولة هند بنت عتبة أم
معاوية بن أبي سفيان , وما كان من أقدام جويرية بنت أبي سفيان , وبسالة ام حكيم بنت
الحارس بنت هشام . وما كان من شجاعة فاطمة بنت الخرشب . ماذا أذكر وماذا أعدد ما
كان عليه الكثيرات من أمثال هؤلاء الفضليات المغاوير وهن أكثر من أن يحصين ؟
لم يقتصر نساء العرب على خوض
معارك القتال فحسب , بل كان الكثيرات منهن يسابقن الرجال في العلوم و الحكمة و
الأدب , وفي مقدمة هؤلاء جمانة بنت قيس , وعتبة بنت عفيف أم حاتم الطائي سيد سمحاء
العرب , وأميمة أم تأبط شرا وعمره بنت علقة وغيرهن كثيرات.
اني لاذكر بهذه المناسبة أيام
كنت في بلاد الغرب ما كتبه أحد المستشرقين الأميركيين في جريدة (( لموند)) الفرنسية
الصادرة في باريس عن نساء العرب ونساء اسرائيل اليوم ما معناه :
(( النساء في سورية و الشرق
الأوسط الكثيرات منهن جاهلات العبء الثقيل الملقى على عاتق الرجال . وهن لا يفقهن
من شؤون الحياة الا الزواج و المتعة , ولا يشذ عن هذه الحقيقة الواقعة الا العدد
اليسير الذي يعد على الأصابع . اما في اسرائيل فاننا نجد المراة لا تقل عن الرجل
مساهمة في مختلف شؤون الحياة ايام السلم . وفي أيام الحرب تمتاز على الرجال في
الأقدام وسعة العلم . ولا نكون مبالغين أذا قلنا أن فتاة اسرائيل بصورة عامة تكاد
اقوى ساعدا واوسع علما من كثير من شباب الشرق الأوسط . لقد كنا نحارب هذه الدعايات
الباطلة بكل ما اوتينا من عزم في مختلف الأوساط العلمية و الاجتماعية و الأدبية و
السياسية .
من كل ما تقدم نخلص الى مطالبة
المسؤولين , ونلح بالطلب بوجوب رفع مستوي المرأة العربية الى مصاف زميلاتها في
العالم المتمدن , والى وجوب منحها كافة حقوقها الشرعية و الطبيعية و المهنية اننا
نقصد بتلك الحقوق التي تنتج في ميادين العلم و العمل أروع آيات البطولة الخالدة ,
وتثمر اعظم العمل النافع للمجتمع العام في سبيل أعلاء شأن الأمة و الوطن تلك الحقوق
الفاضلة السامية المنزهة عن اتباع الهوى وعمل المنكر و التفتن بالازياء و التمسك
بسافل العادات , وتبذير الأموال في سفيه الأفعال . اننا نريد لفتاة العرب أن تبلغ
من العلم أرفع الدرجات , وأن تتمتع بالحرية الفاضلة أسمى المعاني وأن تبلغ المدنية
الصحيحة المنزهة عن الأرجاس و الدنايا لتسمو بابنائنا وأفلاذ أكبادنا الى أعماقهم
المجد و العلاء .
الى هذه المثل السامية ندعو
الجيل الجديد من طالبات و فتيات العرب ليلبين صوت الضمير و الواجب .
ايها المسؤولون أعيدو الى
المرأة العربية حقوقها في الحياة ليرضى الله وتسعد الامة العربية ويخلد الوطن
*مجلة الدنيا : صدرت في دمشق في اربعينيات القرن الماضي لصاحبها
ورئيس تحريرها المسؤول عبد الغني العطري
الدكتور : محيي الدين السفوجلاني
خولة بنت الأزور
الكندي في مقدمة أبطال العرب المغاوير اللواتي سجلن على جبين الدهر في صفحات
التاريخ أروع آيات المجد في ميادين البطولة وساحات الشرف , واليها و الى أمثالها
يعود الفضل الأكبر في فتوحات الشام وانكسار جيوش الرومان .
ومما يذكر عن بسالتها
الخارقة أن أخاها ضرار كان في مقدمة الجيش العربي الذي فتك فتكا مروعا في جيش الروم
, مما حمل الروم أن يتكاثروا على ضرار فأسروه فذهب البطل خالد بن الوليد على رأس
جماعة من المغاوير لنجدته , ولما التحم الجمعان وعلا صليل السيوف و تصاعدت همهمة
الأبطال وتناثرت أشلاء الأجساد وتحولت الأرض الى قباب من جماجم وبساط من دماء , كان
هناك في المعمعة فارس مقدام , كأنه قذيفة ملتهبة من حديد ونار , يصول ويجول ويعمل
في الروم قتلا مروعا وفتكا ذريعا حيث زعزع كتائبهم وحطم مواكبهم وبلغ قلب جيوشهم
واوقع في الرعب والهزيمة . وماهي الا ساعات حتى خرج الفارس المغوار بعد انتهاء
المعركة وحسامه يقطر دما فظنه العرب أنه البطل خالد بن الوليد , ثم رأوا خالدا معهم
, وهو مثلهم يعجب من ذلك الفارس العنيد الذي تمت على يديه هزيمة الروم . وعندما الح
خالد على الفارس بتعريف نفسه , كشف عن قناعه , فإذا هي خولة بنت الأزور , التي كتب
للعرب على يدها نصر مبين .
فمن هي العربية اليوم التي
تضاهي خولة , سيدة ابطال العرب في عزمها وحزمها ؟ هل لفتياتنا أن يستعددن للحذو
حذوها , ولا سيما أن العرب اليوم على عتبة الجولة الثانية , جولة الثأر لفلسطين
الدامية.من أول الحقوق المفروضة على المسؤولين اليوم أن يأخذو بيد المرأة العربية
في طريق العلم و النور و الحياة , فلقد كانت المرأة العربية في الجاهلية وبعد
الأسلام مع الرجل صنوان متساويان في ميادين العلم و العمل , ولا ميزة لاحدهما على
الأخر بشئ , الا بالعلم و العمل . لهذا جاء في الحديث الشريف ( طلب العلم فريضة على
كل مسلم ومسلمة ) و العلم لغة هو معرفة الشيئ بدليله غير من تحديد . أن في مقدمة
العلوم المفروضة خدمة العلم و الجندية , فقد كانت نساء العرب يخضن غمار الهيجاء
ويقاتلن قتال الأبطال .
وان ننس لا ننسى ماكان من قتال
الخنساء طلبا لثأر أخيها صخر, وما كان من زينوبيا , الملكة العربية في تدمر , التي
كانت تنادي بالأمبراطورية العربية و تدمير الأمبراطورية الرومانية , فقد جاء في
الصفحة 378 من تاريخ الرومان – لمالي واسحاق – بالفرنسية ما نصه : (( أن زنوبيا
انقذت سورية من استعمار الرومانيين , افتتحت مصر واستولت على كل بلاد آسيا الصغرى .
وكانت تهدف لا لتجعل بينها وبين روما ميادين للحرب فحسب بل لكي تنعم بما فيها من
خيرات وترف حياة . وفي موقعة ذي قار نازل العرب العجم وكان في جانبهم نساؤهم
اللواتي ابلين أحسن البلاء وكذلك في حروب سيف بن ذي يزن , وفي الفتوحات الأسلامية
الكبرى كان لمنظر النساء وهن يقاتلن العدو بالسيوف و الرماح , ويرددن الفارين من
الرجال بالعصي و الصياح , فعله العظيم في اثارة نخوة الرجال وتثبيت أقدامهم , وهن
يصحن اذا ما اشتدت الازمات و الخطوب في المعارك : (( نحن لها نحن لها .. الى أين
الى أين .. يا حماة الأسلام وطلاب الشهادة . ))
ومن هن من كان يقول : (( لستم
بعولنا أن لم تمنعونا )) .. وأخريات يقلن ( قبح الله رجلا يفر عن كريمته أو
حليلته )) .. وغيرهن يصحن : (( أين أين عز الأسلام و الأمهات و الأزواج : ))
وباضافة الى من ذكرنا من أعمال الخنساء وبطولة الزباء الملكة العربية في تدمر فاننا
لنذكر باجلال واكبار اسم ((خديجة الكبرى . وام سلمى )) من زوجات النبي , وما كان
منهن من اعمال رائعة في ميادين الحكمة و البطولة وما كان من خولة بنت الأزور وأم
عبدالله الكلبية وحروبها وارادتها . وكذلك نذكر ما كان من بطولة هند بنت عتبة أم
معاوية بن أبي سفيان , وما كان من أقدام جويرية بنت أبي سفيان , وبسالة ام حكيم بنت
الحارس بنت هشام . وما كان من شجاعة فاطمة بنت الخرشب . ماذا أذكر وماذا أعدد ما
كان عليه الكثيرات من أمثال هؤلاء الفضليات المغاوير وهن أكثر من أن يحصين ؟
لم يقتصر نساء العرب على خوض
معارك القتال فحسب , بل كان الكثيرات منهن يسابقن الرجال في العلوم و الحكمة و
الأدب , وفي مقدمة هؤلاء جمانة بنت قيس , وعتبة بنت عفيف أم حاتم الطائي سيد سمحاء
العرب , وأميمة أم تأبط شرا وعمره بنت علقة وغيرهن كثيرات.
اني لاذكر بهذه المناسبة أيام
كنت في بلاد الغرب ما كتبه أحد المستشرقين الأميركيين في جريدة (( لموند)) الفرنسية
الصادرة في باريس عن نساء العرب ونساء اسرائيل اليوم ما معناه :
(( النساء في سورية و الشرق
الأوسط الكثيرات منهن جاهلات العبء الثقيل الملقى على عاتق الرجال . وهن لا يفقهن
من شؤون الحياة الا الزواج و المتعة , ولا يشذ عن هذه الحقيقة الواقعة الا العدد
اليسير الذي يعد على الأصابع . اما في اسرائيل فاننا نجد المراة لا تقل عن الرجل
مساهمة في مختلف شؤون الحياة ايام السلم . وفي أيام الحرب تمتاز على الرجال في
الأقدام وسعة العلم . ولا نكون مبالغين أذا قلنا أن فتاة اسرائيل بصورة عامة تكاد
اقوى ساعدا واوسع علما من كثير من شباب الشرق الأوسط . لقد كنا نحارب هذه الدعايات
الباطلة بكل ما اوتينا من عزم في مختلف الأوساط العلمية و الاجتماعية و الأدبية و
السياسية .
من كل ما تقدم نخلص الى مطالبة
المسؤولين , ونلح بالطلب بوجوب رفع مستوي المرأة العربية الى مصاف زميلاتها في
العالم المتمدن , والى وجوب منحها كافة حقوقها الشرعية و الطبيعية و المهنية اننا
نقصد بتلك الحقوق التي تنتج في ميادين العلم و العمل أروع آيات البطولة الخالدة ,
وتثمر اعظم العمل النافع للمجتمع العام في سبيل أعلاء شأن الأمة و الوطن تلك الحقوق
الفاضلة السامية المنزهة عن اتباع الهوى وعمل المنكر و التفتن بالازياء و التمسك
بسافل العادات , وتبذير الأموال في سفيه الأفعال . اننا نريد لفتاة العرب أن تبلغ
من العلم أرفع الدرجات , وأن تتمتع بالحرية الفاضلة أسمى المعاني وأن تبلغ المدنية
الصحيحة المنزهة عن الأرجاس و الدنايا لتسمو بابنائنا وأفلاذ أكبادنا الى أعماقهم
المجد و العلاء .
الى هذه المثل السامية ندعو
الجيل الجديد من طالبات و فتيات العرب ليلبين صوت الضمير و الواجب .
ايها المسؤولون أعيدو الى
المرأة العربية حقوقها في الحياة ليرضى الله وتسعد الامة العربية ويخلد الوطن
*مجلة الدنيا : صدرت في دمشق في اربعينيات القرن الماضي لصاحبها
ورئيس تحريرها المسؤول عبد الغني العطري