عيد الحب = عيد القرندش
في 14 شباط 1978 وأنا في مدريد، والعالم يحتفل بعيد القدّيس فالنتين أو يوم العشّاق أو عيد الحبّ، لفت انتباهي المستشرق الأب سلفادور نوغالس اليسوعي إلى أنّ عيد الحبّ هذا ذو أصل سوري بحت، وأنّ اسمه القديم (عيد الشعلة)، على أساس أنّ النفس تظلّ في ظلمة إلى أن ينيرها الحبّ. ومن الذي يحمل شعلة نور الحبّ هذه؟ إنّه طير نوراني لا يُرى ولا يُصاد اسمه القرندش. ولماذا يكون يوم الرابع عشر من شباط بالذات عيداً لشعلة الحبّ؟ ولماذا يحمل طير هذه الشعلة ولا يحملها كائن حيّ آخر؟ وجواب السؤالين هو: أنّه في الرابع عشر من شباط يبدأ موسم سفود الطيور. وبعد أن أنهى الأب نوغالس كلامه، عدت بالذاكرة إلى حلب وتذكّرت أنّ ستّي كانت تقول لعمّي الأصغر، حين يكثر من الخروج والدخول: «اشبك عم بتخفّق متل القرندش؟» وأنّه كان معي في الجيش حلاّق مجند اسمه مصطفى، وكان قائد السريّة يسمّيه القرندش لكثرة حركته ودورانه بين البرّاكات والخنادق والدشم، وأن أرمن حلب يحرقون الشتاء في الرابع عشر من شباط وتراهم يخرجون من الكنائس، وبيد كلّ منهم شمعة شاعلة وهو يحاول أن يوصلها إلى البيت دون أن تنطفئ. وفي اللقاء التالي مع الأب نوغالس سألته أن يزوّدني بمعلومات أكثر عن القرندش، فقال: القرندش أبو إيروس إله الحبّ الإغريقي وجدّ كيوبيد إله الحبّ الروماني، وقال: الإغريق والرومان حسّيون غير روحانيّين، ولذا تركوا جناحَي القرندش وبدّلوا جسمه بطفل وبدل أن يوشوش بالحبّ، حمّلوه قوساً يرمي سهام الحبّ في القلوب، ثم إنّ الإغريق والرومان مولعون بالغزو العسكري، ويرمزون لقوّتهم بالطيور الجارحة كالصقر والشاهين، ولذا أبت نفوسهم أن يتّخذوا طيراً غير جارح رمزاً للحبّ فجعلوه طفلاً مجنّحاً مسلّحاً محارباً. مع أنّ أسطورة العصفور الأزرق، أي عصفور الحبّ، لا تزال تعيش في عقول وقلوب الغربيين. وهنا تذكّرت فيلماً فرنسيّاً لإدّي كوستانتين، وأظنّ أنّ عنوانه الطفل والرجل أو العكس، وفيه يغنّي الطفل متسائلاً: «قل لي يا سيدي، يا سيدي الطيّب، هل الأرض مدوّرة؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فالعصفور الأزرق، أين يوجد في العالم؟» وسألته إن كان يعرف معنى كلمة قرندش، فأجابني إنّها كلمة سوريّة رافدينيّة، فينيقيّة سومريّة، وتعني: الذي يقرن، أي يجمع، وتتألّف من: فعل (قرن) و(ده) لاحقة تحوّل الفعل إلى اسم فاعل، والشين تصغير للتحبّب. ولقد صادف في القرن الثالث الميلادي أنّهم قطعوا رأس الكاهن الطبيب فالنتين في روما، بعد أن شفى ابنة حارسه، في الرابع عشر من شباط، فطوّبته الكنيسة قدّيساً، وحدّدت عيده في هذا اليوم بالذات، وهكذا اقترن اسمه بعيد الحبّ، وصار شفيعاً للعشّاق. ثمّ صفن وزاد: إنّ طير الهدهد المذكور في سورة النمل هو صورة من صور القرندش. وجاء في الآثار العربية: فلان أبصر من هدهد: لأنهم يزعمون أنّه يرى ما في القلوب وما تحت الأرض.
وحين رجعت إلى حلب، استشرت موسوعة حلب المقارنة لأستاذي الطيّب الذكر: العلاّمة الأسدي، فوجدت ما يلي: القرندس: طائر وهمي يزعمون أنه يعلو في الجوّ ويدعو: «الله يجيب الولف لولفو». (من أمثالهم): «القرندس يخفّق ليوفّق».
ومنذئذ وأنا أهتمّ بعيد الحب وبالقرندش. وقد أتّضح لي أنّ الطقوس الاحتفالية بعيد الحبّ تقوم على إعطاء الحبّ للمحرومين من الحبّ، وعلى تأكيد الحبّ بين المحبّين، وذلك أولاً بتبادل رسائل أو كتب عن الحبّ، وثانياً تبادل نباتات خضراء وخاصة ذوات الأزهار الحمراء، وثالثاً تبادل الحلويّات خاصة المارصبّان ومعناها: القدّيس العاشق، ورابعاً تبادل حليّ مكتوب عليها شعار عيد الحبّ: اليوم أحبّك أكثر من الأمس، وأقلّ من الغدّ. وقد أقمت مع مجموعة من الصديقات والأصدقاء عام 1987 أوّل احتفال بعيد الحبّ في حلب، وذلك في صالة حفلات نادي الحرية. وليلتها وزّعنا قلوباً ملونة وعلاّقات مفاتيح عليها شعار عيد الحبّ وتاريخ أوّل احتفال. وقد أعجبت الفكرة وحيد توما فتبنّاها، وأقام حفلات في نوادي حلب في العام التالي، وهكذا درج الاحتفال بعيد الحب في حلب وسائر سورية. كما أصدرت في العام 1998، بالاشتراك مع الملحّن سمير كويفاتي والمغنّي ميشيل أشقر، مجموعة: القرندش. وفيها أحاول بعث طير الحبّ السوري.
كلّ عام وأنتم في حب تام طام.
سمير طحان
منقول