ما الذي يعنيه فرض حظر جوي احترازي على ليبيا؟ تجبرنا الإجابة عن هذا السؤال على التأمل إن كان قرار المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الأخير، هو بداية خلاص شعب ليبيا، أم عبرت به من نفق إلى آخر، سيكون مظلماً بدوره.
ففي مناقشات المجلس الوزاري العربي التي جرت أمس الأول، كان ثمة أكثر من رأي قانوني وجدلي، فيما يعنيه سير العرب خلف الخيار الغربي، ومطالب المحتجين في سؤال مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا، من غير المستبعد أن يكون ضمن إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وقد ركزت المناقشات في الاجتماع الذي تمحور حول هذه النقطة، على ضرورة الحذر من خيار «ليبيا سماء خالية من الطيران» لأنها ستكون تئز بطائرات غربية، تغطي كلفتها أموال عربية، ليس أبعدها المال الخليجي، وقد يكون أقربها النفط الليبي الذي قد يكون مصيره مشابهاً لمصير النفط العراقي إبان احتلال العراق.
وقد تساءل البعض في الاجتماع إن كان العرب يفهمون جيداً المنحى القانوني لخيار الحظر الجوي، وهو منحى يركز أولا على منع المضادات الأرضية الليبية من اعتراض طائرات المراقبة الجوية الليبية. وهذا يعني أولاً قصف وتدمير مهابط الطيران والمضادات الأرضية والرادارات لدى الجيش الليبي. وأتساءل بين قوسين هنا، إلى أي مدى المعنويات العربية مستعدة لمشاهد الطيران الأميركي وغيره يقصف ليبيا، ولو كان الهدف صاروخاً معطوباً في الصحراء، أو ديكتاتوراً عربياً مختبئاً في حصن حصين؟
ثانيا يتم فرض حظر طيران تراقبه طائرات «الحلفاء» حين يتشكل الحلف المتوقع فرنسياً وأميركياً وبريطانياً بغطاء عربي، فتجول في سماء ليبيا، طائراتهم، وصولاً إلى اليوم الذي قد تنزل فيه هذه الطائرات أسلحة للثوار الليبيين، ومرتزقة أجانب ربما لحماية مصادر النفط، ما يبدو حرباً أهلية في طور التشكل إن لم تكن قد بدأت فعلياً.
وبالطبع مع الإحساس بأن أياً من المحللين الإستراتيجيين أو خبراء المنطقة لا يستطيع أن يقيم زمنياً كيف يمكن أن تنتهي الأزمة في ليبيا، يبدو واضحاً أن المسألة لم تعد احتجاجات شعبية على طريقة مصر وتونس، حين صفع النظام الشعب الجريء، ثم عاد وصفعه ليستسلم بعدها ويمنحه شرف النصر. في ليبيا الأمر مختلف. لقد أهين الشعب في ليبيا، فجرى في الشوارع الليلة الأولى والثانية، وتسلح في الثالثة، وبات طرفاً يحمل قاذفات الصواريخ في حرب داخلية لا يمكن التكهن بنتائجها.
طبعاً لا يمكن الدفاع بعد ما جرى عن العقيد القذافي. فهو لم يعد خير من يمثل شعبه، إن تعمد المرء التهذيب هنا. وهو كصدام حسين الذي فتح بسياسته الفردية الهزيلة الأبواب للنار في بلده وسخف دوماً مقدرات وطنه وشعبه. كما لا يسع الخيال وضع تصور للحل، خارج ما هو مطروح حالياً، لأن الحل هو بحوار الطرفين، وهو ما يبدو مستحيلاً.
ولكن أيضاً، لا يمكن الوقوف إلى جانب من كذبوا عقوداً بشأن موقفهم من حقوق الإنسان، ومصائر الشعوب، فقالوا شيئاً في النور، وفعلوا نقيضه في الظلام. وعلى الرغم من أن الأسابيع القادمة قد تثبت ما نخافه، نتمنى أن نكون على خطأ، لأن الشعب المحاصر في ليبيا بين مصيرين، وهو من سيدفع بدمائه الثمن.