ناصر قنديل
إحدى الوثائق الأميركية المنشورة في مركز دراسات الشرق الأدنى في جامعة بروكنغز تتحدث عن سلسلة اجتماعات شهدتها أنقرة للبحث في مستقبل مصر ما بعد حسني مبارك، وتشير الوثيقة إلى شراكة قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في هذه المشاورا...ت التي تواصلت لأكثر من ثلاثة أشهر، وأعيد استئنافها في واشنطن في خريف العام 2010، وتقول الوثيقة إن المشاورات التي اقترح الأتراك إضافة حكومة دولة قطر إلى تفاصيلها كشريك عربي ضروري لضمان نجاح أهدافها، تمخضت عن تولي الحكومة التركية مرحلة إعادة هيكلة وتنظيم وتكوين جماعة الإخوان بما يجعلها جزءاً من مشروع سياسي يتناسب أمنياً وفكرياً مع التصور التركي للإسلام السياسي، كإطار مدني تعددي متصالح مع مفهوم العلمانية من جهة، وقادرعلى تقبل التعايش مع وجود إسرائيل والمصالح الغربية بعيداً عن مفاهيم الجهاد والمقاومة، من جهة أخرى، على الطريقة القطرية، مقابل تعهد القيادة العليا للإخوان بالقبول بعدم المساس باتفاقيات كامب ديفيد، بعد رحيل حسني مبارك من الحكم في مصر، تحت شعار فقهي وضعه الشيخ يوسف القرضاوي عنوانه الالتزام بالعهود وما وقعه السلف.
الوثيقة تقول إن التفاهم أفضى إلى التوصل لخطة متعددة الجوانب، على رأسها ضمان انتقال سلس للسلطة في مصر بتعاون الجيش مع الإخوان هناك، وقد استقدم لهذا الغرض ضباط مصريون لحضور بعض الاجتماعات تطرقت لتفاصيل آليات التنسيق والتعاون بين الجيش والإخوان، كما تقول إن مهلة إعادة التكوين التي تعهدتها تركيا واستغرقت سنتين تضمنت إنشاء مدرسة كوادر وإعداد حزبي في أنقرة لمدة سنتين، شهدت تخريج ألف جامعي ورجل دين لتسلم مواقع فاعلة في المشهد السياسي الجديد، ينتمون إلى كل من العراق ومصر وسورية والأردن، إضافة لليمن وتونس والسودان وليبيا، وهي الدول التي تضمنت طلباً أميركياً صريحاً بأن تشملها ساحات التعاون.
تضيف الوثيقة إن التفاهم كان على توظيف السنتين اللازمتين لتأهيل الإخوان في تسريع مسارات التوصل إلى تفاهم مثلث على الساحة الفلسطينية، يتضمن اشتراك كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مفاوضات عاجلة من جهة، وحركة حماس والسلطة الفلسطينية من جهة ثانية، والسعي لتغييرات هيكلية في بنية حركة حماس تتناسب مع إنجاح هذا المثلث، من جهة ثالثة، لضمان نجاح مفاوضات التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية لاستباق أي دور علني للإخوان في السلطة، بإعلان نهاية القضية الفلسطينية وإعفاء الإخوان من عبء تغطية تسوية تتضمن تنازلات جوهرية لإسرائيل، بينما يكفيهم عبء الحفاظ على اتفاقيات كامب ديفيد، مقابل استعدادهم للمساهمة في تنظيم تغييرات في بنية حركة حماس تستهدف إقصاء القيادات المتمسكة بخط المقاومة وعلى رأسها الدكتور خالد مشعل عن موقع القرار، من بوابة تفاهم فلسطيني- فلسطيني يقايض ابتعاد مشعل بإقصاء بعض القيادات المتطرفة ضد حماس من سلطة محمود عباس برعاية تركية- قطرية.
أهمية قطر التي تنبه لها الأتراك وتحمس لها الأميركيون، تنبع حسب الوثيقة، من المصداقية التي تمتلكها قناة (الجزيرة) القطرية لدى شرائح واسعة من الرأي العام العربي من جهة، وللدور الذي يمكن للشيخ القرضاوي القيام به لتحريك شرائح لا تفضل التعاون مع الإخوان في الشارع الإسلامي، من جهة ثانية، خصوصا أئمة المساجد والعلماء الذي يفضلون علاقة شراكة لا تبعية مع الإخوان، يمكن لاتحاد العلماء المسلمين الذي يتزعمه القرضاوي أن يتولاها بتمويل قطري سخي لكن بمصالحة سعودية- قطرية لنجاح هذا الدور، والتنسيق مع القيادة السعودية يجب ألا يؤدي إلى ظهورها في الصورة، لعدم امتلاكها جاذبية كتلك التي حازتها قطر بسبب موقف أميرها من الحربين الإسرائيليتين على لبنان وغزة.
تقول الوثيقة إن قناة (الجزيرة) أعيدت هيكلتها هي الأخرى وجرت مساندتها بقناة تركية ناطقة باللغة العربية، وقناة (الجزيرة) الناطقة باللغة الإنكليزية، وإن التغيير الديمقراطي بات الطريق الحتمي لتجديد المشروع الأميركي في المنطقة، وضمان مصالح واشنطن العليا، وإن زوال الكثير من الأصدقاء من مواقع الحكم يبدو تضحية ضرورية بعدما استهلكوا القدرة على البقاء، وإن مثل هذه التضحية التي تفزع البعض في البداية ستبدو كبداية سعيدة لنهاية سعيدة إذا تدحرجت كرة التغيير لتطول خصوما شرسين لا يمكن التعاون معهم.
الوثيقة لا تتحدث عن ثورة في مصر ولا ثورة في تونس ولا اضطرابات في سورية، لكنها تقول إن مثال الإسلام التركي أثبت صلاحيته للتعميم إذا ضمن قيادة تنظيم الإخوان المسلمين تحت رايته، وإن حرية الإعلام التي تبنتها قطر نجحت في غزو الشارع العربي وباتت سلاحاً فعالا لا يجوز إغفال أهميته، وتختم بأن التحفظ والقلق الإسرائيليين من التغيير ومن مواقف تركيا وقطر، هو تحفظ وقلق مفيدان لما يوفرانه من مصداقية شعبية للموقفين التركي والقطري، لكن في نهاية الطريق ستكون إسرائيل المستفيد الأول، لأن شرعية كامب ديفيد من نظام ديمقراطي أقوى بكثير من شرعية نظام متهالك، ولأن إسرائيل تستطيع أن تضمن فك علاقة سورية بالمقاومات اللبنانية والفلسطينية إذا نجح التفاهم المثلث التركي- القطري- الإخواني، وهذا بذاته بوليصة تأمين تاريخية لأمن إسرائيل.
لا تعليق، ولا علاقة لهذا بما يجري في سورية بنظر البعض، مادام المشهد تصنعه قناة (الجزيرة)، دماء وإصلاحاً وشهود عيان، الرحمة للذين يسقطون، والرئيس باراك أوباما يقول بلسان متحدثة رسمية ما قالته إسرائيل قبل يومين، سورية ستستقر إذا قطعت علاقتها بقوى المقاومة؟!