اللاعودة
بقلم المواطن السوري نضال سيجري
عندما نسمع مفردة "اللاعودة" يخال لنا أن شيئاً ما قد انكسر ولا يمكن إصلاحه، فنأتي بغيره، كأن نمسك بقطعة كريستال غالية الثمن وفجأة تقع على الأرض وتتحطم وتتحول لشظايا، فننظر صوبها بحزن شديد ولكننا نعرف أننا لن نستطيع إعادتها كما كانت.. وعندما يموت الأب أو الأم نحزن كثيراً ولكننا نكون متأكدين بأنهما لن يعودا، وعندما يغادرنا طفل من أطفالنا نبكيه ولكننا نكون على ثقة بأن الجنة تنتظره وسيتحول إلى ملاك وهذا يعني أن لا عودة له إلى الحياة الدنيا.. وهناك حالات أخرى كثيرة نستطيع أن نقول عنها لم تعد كما كانت، لا عودة، لا رجوع إلى الوراء، لاتنظر إلى الخلف، ما حدث قد حدث وانتهى الأمر.
أما في بلدنا سورية فما الذي يحدث؟، لماذا وصلنا إلى مصطلح اللاعودة؟ وكيف؟ ومن المستفيد من مصطلح اللاعودة ولمصلحة من؟
لماذا نعطي آذاننا للآخرين، لماذا نسمح لهم أن يسيّروا عواطفنا ونصل بها إلى حالة لم نعد معها نقبل بعضنا البعض...؟
لماذا نسمح لهم أن يزرعوا في رؤوسنا مصطلح "اللاعودة"؟
هل حقاً صرنا نحن السوريين ووطننا الجريح في نقطة اللارجوع واللاعودة؟ ونحن السوريون العرب الذين عرفنا بعاطفتنا الجياشة الحقيقية وحالة الحب التي فينا تملأ الدنيا.
أيها السوريون يا أبناء أمي العظيمة:
ألا ترون أننا ومن خلال سماعنا لكلمة"لا عودة" نغوص في الكارثة أكثر وأكثر، بالتأكيد أني لست مع الدعوة لعودة بائسة، ولا يوجد أحد فينا يدعو لأن نعود لنعيش كما كنا، فقد أصابنا التحوّل جميعاً، وأصابنا التغيير الداخلي، وكل المواطنين السوريين باتوا متأكديناليوم أن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والتعددية الحزبية والانتخابات النزيهة وحضور البرلمان بشكل حقيقي يكون شغله الشاغل مصلحة الوطن والمواطن.... وكل هذه المتطلبات هي متطلبات سورية بحتة، صار يطلبها الفقير والغني، ويعرفها الأمي والمتعلم.
وهنا أنا أتكلم عن المواطن السوري الذي لم يتورط بالفساد ولم يغرق بالجريمة من أخمص القدمين حتى الرأس...بل كلنا نطالب بمحاكمة عادلة لكل من اقترف جرماً بحق أي مواطن سوري، إن كان من المدنيين أو العسكريين. وعندما نصرخ بأننا مع الحوار الوطني الحرّ، فإن هذا الصراخ لا يعني أننا نريد أن يتغلب فريق على آخر، ولا ندعو لتحسين شروط فريق معين على حساب الفريق الآخر، وإنما لاستشراف الحلول، لأنهمن دون الحوار لا يوجد رابح، الكل خاسر، وخاصة المواطن.
ولكن كلمة "لاعودة" صارت تثير خوف الشارع السوري أو بعضاً منه..إنها تعني فيما تعنيه تدخل خارجي بالتأكيد، وإلا كيف ستصطلح الأمور..؟ ألم نر ما حدث"اللاعودة" عندما طبقت في العراق، حيث لوّحت أميركا بديمقراطيتها هناك، وها هو شعب العراق يقع ضحية الموت العبثي والفوضى القادمة مع وهم "الديمقراطية الأميركية" حتى اليوم، وجميعنا عايشنا الجرح العراقي، وما زلنا نعيشه حتى الآن.
لماذا لم نر عبر كل هذه السنين أي غيرة أميريكية على حقوق الإنسان وعلى تطبيق الديمقراطية على الشعب الفلسطيني من قبل أميركا (الديمقراطية)؟
أعتقد أنه لم تنطل على أحد لعبة الديمقراطية الأميركية في مصر، رغم الإغراء الذي تشكله محاكمة رئيسها المخلوع، وقد فقد الشعب المصري ثقته فيه منذ عشرات السنين.
ألم نلاحظ أين وصلت ليبيا؟ دم وقتل بأعداد لا تعد ولا تحصى من الطرفين، أليس كلهم مواطنون ليبيون؟ سقطوا ضحايا النيتو الذي لم يفرق بين طفل وأم ورجل عجوز أو أي مواطن، فشكراً للقتل الجماعي.
أيها السوريون:
أرجوكم لنفكر قليلاً إلى أين نحن نأخذ وطننا الطاهر بتمسكنا بمصطلح"اللاعودة" وهو مصطلح لم نقترحه نحنبل جاء بمثابة تلقين وغسل الدماغ من الصديقة أميركا..
منذ متى كانت أميركا صديقة للشعب السوري؟ أعطوني موقفاً واحداً عبر التاريخ والسيدة أميركا وقفت مع الشعب السوري، أو مع أي شعب عربي.
أنا شخصياً وعبر قراءتي الضئيلةوغير الاختصاصية للتاريخ لم أر أي موقف مشرّف لأميركا يناصر الشعوب العربية.
هل يعقل أن نسمح لدول معروفة عبر التاريخ بفكرها الاستعماري أن تخلع رئيساً وتنصّب غيره من أجل مصلحة المواطن العربي بشكل خاص؟ ألا ترون معي أن هذه الدول عندما تقترح تغييراً وتوظف رئيساً يكون همها توظيف ذهنية هدفها الأساسي تحقيق مصالحها هي، دون مصلحة الشعوب التي لا تعني لها أكثر من مجرد وسيلة ومطيّة وحصان طروادة فقط ليس أكثر بل أقل.
يا أولاد الوطن الواحد نحن محكومون بالعيش المشترك منذ 7000 سنة. وعبر التاريخ البشري والسياسي،كلنا نعرف بأنه دائماً ثمة صراع بين سلطة ومعارضة، من أجل حكم البلاد وهذا طبيعي وغير معيب، بل مهم وديمقراطي، ما دام الشعب هو الذي يختار البرنامج المناسب لمصلحته..لذلك تعالوا نبحث عن صراع حضاري من أجل تطوير البلاد وإصلاحها، وليس من أجل الخراب فالبلد فوق الجميع والوطن هو أولاً وثانياً وثالثاً... وإن اختلف النظام والمعارضة، فلتكن الحلول الأمثل لخلافاتهما هي الحوار والعقل المنفتح وقبول الآخر، فالخلافات هي من أجل حالة أفضل للوطن، وليس من أجل أن نقول " يسقط النظام- يعيشالنظام"، والمسألة أبعد بكثير وأعمق، وعلينا أن نستفيد مما نحن فيه الآن، علينا أن نسمع بعضنا البعض، فنحن المواطنون أرهقت أرواحنا، تعبنا من محاولة كسر العظم..
نحن المواطنون السوريون نريد من الطرفين المتنازعين، الجلوس على طاولة مستديرة والكلام في العمق وربما العتب.. المهم أن نصل إلى حل لمصلحة الوطن.. فالوطن بحاجة لكل أبنائه، بحاجة لمبادرات جديدة، لقلوب جديدة، شجاعة جديدة، أفكار جديدة، قديسين جدد.. وحوار جديد، الوطن ليكون وطناً بحاجة دائماً للحقيقة والبراءة والحب.
الوطن ذاهب إلى الجحيم إذا بقينا لاهثين خلف كلمة ليست أصيلة في حالتنا السورية وهي مصطلح يدعو إلى الدم والموت والخراب، مصطلح كريه يدعى "اللاعودة".
.