يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماء واحدا مسيطرا يفوق كل الانتماءات الأخرى و في كل الظروف ,إلى درجة انه يحق لنا أن ندعوه " هويّة " . هذا الانتماء هو الوطن بالنسبة لبعضهم و الدين بالنسبة لبعضهم الآخر ,و لكن يكفي ان نجول بنظرنا على مختلف الصراعات التي تدور حول العالم لننتبه إلى ان أي انتماء لا يسود بشكل مطلق , فحيث يشعر الناس انهم مهددون في عقيدتهم , يبدو ان الانتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها , و لكن لو كانت لغتهم الام و مجموعتهم الاثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد اخوتهم في الدين .
إن الجروح هي التي تحدد , في كل مرحلة من مراحل الحياة موقف البشر اتجاه انتماءاتهم , و التراتبية ما بينها , عندما يضطهد المرء بسبب ديانته و عندما يتعرض للاهانة او للسخرية بسبب بشرته او لهجته او ثيابه المرقعة فهو لن ينسى ذلك .
لقد شددّت باستمرار على حقيقة ان , الهوية تتشكل من انتماءات متعددة و لكن من الضروري ان نشدد بالقدر ذاته على حقيقة انها واحدة ,و اننا نعيشها بوصفها كلا متكاملا , ليست هوية الشخص تراكما لانتماءات تلقائية , ليست " رقعا " انها رسم على بشرة مشدودة , و يكفي المساس بانتماء واحد لكي ينتفض الشخص بكلّيته .
من جهة اخرى نميل , في اغلب الاحيان لان نتعرف على انفسنا في انتمائنا الاكثر عرضة للخطر, احيانا نشعر بعجزنا عن الدفاع عنه فنواريه و يبقى في اعماقنا مطويا في الظل ,بانتظار ان يثأر ؛ و لكن سواء اضطلعنا به او خبأناه سواء اعلناه سرا او بكثير من الضجة , فاننا نتماهى معه و عندها يجتاح الانتماء المتهم , أي " اللون , الدين , اللغة , الطبقة , الهوية كاملة " يشعر الذين يتشاطرونه بالتعاضد فيتجمعون و يتجندون و يتبادلون التشجيع و يهاجمون الذين في المواجهة , بالنسبة لهم يصبح تأكيد هويتهم , اضطرار عملا شجاعا و عملا محررا .
و بشكل طبيعي يبرز في قلب كل مجموعة مجروحة قادة , سواء كانوا ساخطين او مخططين , يحافظون على طروحاتهم المتطرفة التي تضع المرهم على الجرح .يقولون انه يجب عدم استجداء الاحترام من الاخرين لانه حق مكتسب , بل يجب فرضه عليهم , يعدون بالنصر او بالثار و يلهبون النفوس ,و يستخدمون احيانا وسائل متطرفة حلم بها سرا بعض اخوتهم المسحوقين .
نحن لا نشهد فجر زمن القوميات بل نهايته , و لا نشهد فجر زمن الاممية على الاقل في صيغتها البروليتارية , بل انحطاطها ايضا ,كما انه لا يمكن اعتبار شعور الانتماء الدين أولا بكل استهزاء , لحظة تاريخية سيتم تجاوزها قريبا , لان السؤال الذي لا مفر منه هو تجاوزها نحو ماذا ؟ الي عصر جديد للقوميات ؟ و هو امر يبدو لي غير محتمل , بل غير مرغوب فيه ,اضافة الى ان شعور الانتماء الى عقيدة مشتركة هو الرباط الأوثق للقوميات .و حتى للذين يعتبرون انفسهم علمانيين . نحو ماذا اذا سنتجاوز الانتماء الديني ؟ و أي انتماء اخر سيتكمن من جعله مهملا كما كان يبدو حتى عهد قريب .
.. ... .. .. ..
" لا أحلم بعالم لا مكان للدين فيه , و إنما بعالم تنفصل فيه الحاجة الى الروحانية عن الحاجة الى الانتماء , بعالم لا يستشعر فيه الانسان مع بقائه متعلقا بمعتقداته و عبادته و قيمه الاخلاقية المستلهمة من كتاب مقدس , بالحاجة للانضمام الى اخوته في الدين , بعالم لا يستخدم فيه الدين وشيجة بين اثنيات متحاربة " .
من كتاب " هويات قاتلة "
قراءات في الانتماء و العولمة
امين معلوف , الطبعة الاولى 1999
زينة
.. .. .. .. .. ..
إن الجروح هي التي تحدد , في كل مرحلة من مراحل الحياة موقف البشر اتجاه انتماءاتهم , و التراتبية ما بينها , عندما يضطهد المرء بسبب ديانته و عندما يتعرض للاهانة او للسخرية بسبب بشرته او لهجته او ثيابه المرقعة فهو لن ينسى ذلك .
لقد شددّت باستمرار على حقيقة ان , الهوية تتشكل من انتماءات متعددة و لكن من الضروري ان نشدد بالقدر ذاته على حقيقة انها واحدة ,و اننا نعيشها بوصفها كلا متكاملا , ليست هوية الشخص تراكما لانتماءات تلقائية , ليست " رقعا " انها رسم على بشرة مشدودة , و يكفي المساس بانتماء واحد لكي ينتفض الشخص بكلّيته .
من جهة اخرى نميل , في اغلب الاحيان لان نتعرف على انفسنا في انتمائنا الاكثر عرضة للخطر, احيانا نشعر بعجزنا عن الدفاع عنه فنواريه و يبقى في اعماقنا مطويا في الظل ,بانتظار ان يثأر ؛ و لكن سواء اضطلعنا به او خبأناه سواء اعلناه سرا او بكثير من الضجة , فاننا نتماهى معه و عندها يجتاح الانتماء المتهم , أي " اللون , الدين , اللغة , الطبقة , الهوية كاملة " يشعر الذين يتشاطرونه بالتعاضد فيتجمعون و يتجندون و يتبادلون التشجيع و يهاجمون الذين في المواجهة , بالنسبة لهم يصبح تأكيد هويتهم , اضطرار عملا شجاعا و عملا محررا .
و بشكل طبيعي يبرز في قلب كل مجموعة مجروحة قادة , سواء كانوا ساخطين او مخططين , يحافظون على طروحاتهم المتطرفة التي تضع المرهم على الجرح .يقولون انه يجب عدم استجداء الاحترام من الاخرين لانه حق مكتسب , بل يجب فرضه عليهم , يعدون بالنصر او بالثار و يلهبون النفوس ,و يستخدمون احيانا وسائل متطرفة حلم بها سرا بعض اخوتهم المسحوقين .
نحن لا نشهد فجر زمن القوميات بل نهايته , و لا نشهد فجر زمن الاممية على الاقل في صيغتها البروليتارية , بل انحطاطها ايضا ,كما انه لا يمكن اعتبار شعور الانتماء الدين أولا بكل استهزاء , لحظة تاريخية سيتم تجاوزها قريبا , لان السؤال الذي لا مفر منه هو تجاوزها نحو ماذا ؟ الي عصر جديد للقوميات ؟ و هو امر يبدو لي غير محتمل , بل غير مرغوب فيه ,اضافة الى ان شعور الانتماء الى عقيدة مشتركة هو الرباط الأوثق للقوميات .و حتى للذين يعتبرون انفسهم علمانيين . نحو ماذا اذا سنتجاوز الانتماء الديني ؟ و أي انتماء اخر سيتكمن من جعله مهملا كما كان يبدو حتى عهد قريب .
.. ... .. .. ..
" لا أحلم بعالم لا مكان للدين فيه , و إنما بعالم تنفصل فيه الحاجة الى الروحانية عن الحاجة الى الانتماء , بعالم لا يستشعر فيه الانسان مع بقائه متعلقا بمعتقداته و عبادته و قيمه الاخلاقية المستلهمة من كتاب مقدس , بالحاجة للانضمام الى اخوته في الدين , بعالم لا يستخدم فيه الدين وشيجة بين اثنيات متحاربة " .
من كتاب " هويات قاتلة "
قراءات في الانتماء و العولمة
امين معلوف , الطبعة الاولى 1999
زينة
.. .. .. .. .. ..