علما أن القصة مستوحاة من حادثة حقيقية حصلت معي شخصيا
كان جالسا على شرفة
منزله يحتسي قهوته الصباحية ويقلب جريدة الصباح كعادته اليومية عله
يعثر بين صفحاتها على خبر هام هنا أو هناك . وبينما يديه تتلاعب بأوراق جريدة
الصباح وقع نظره في إحدى الصفحات على خبر وقع كالصاعقة على عقله . (
الأستاذ ربيع زكي استاذ في مادة الرياضيات في حالة خطرة وهو بحاجة لكلية في مشفى الطب الحديث ، على من يستطيع التبرع له
التوجه إلى المشفى حالأ) ..........أعاد
قراءة الخبر ويديه ترتجفان مرة واثنتان وثلاثة ......ثم هرع
من مكانه متجها إلى غرفته
وعقله مشتت الأفكار ، بدل ملابسه
والذكريات تتضارب في رأسه لتعود
به عقدين ونيف
إلى الوراء .....إلى تلك المدرسة الإعدادية وذلك المقعد
الخشبي الذي تلون بألوان أقلامه المختلفة . هناك
حيث قضى أجمل فترات حياته مع زملائه في الصف الأول الإعدادي بدأت الأفكار والذكريات تتسارع لتعيده إلى الأستاذ ربيع ذلك الأستاذ الرائع المثالي الذي كان
سبب نجاحه في حياته أستاذ أحبه من صميم قلبه لأنه صادق ووقف
إلى جانبه . أستاذ كان له الفضل الأول في النجاح الذي حققه في مادة الرياضيات . أنهى ارتداء ملابسه ثم اتجه نحو الباب وخرج منه مسرعا ،وزوجته
تناديه : مابك يارجل إلى أين ؟ ألا تسمعني أنا أكلمك ؟ مابك ؟ ماذا حصل ؟ لكنه
لم يسمع أي كلمة مما قالته .لقد كان مشغولا بشيء آخر كانت
ذاكرته تتلاعب به وتعيده إلى أيام خلت أيام لم تغب عن ذهنه ولا لحظة.
كيف ينسى مافعلهذلك الأستاذ لأجله كيف يمكن أن ينسى الدموع التي سالت من عينيه
وهو يودعه مغادرا المدرسة ليذهب لمنطقة بعيدة ، كيف يمكن أن ينسى دفاعه عنه أمام مجلس الأولياء في المدرسة وتكريمه دون رفاقه من أولاد كبار المسؤولين ........
هناك حيث رفض أن ينصاع للأوامر ويكرم عدد من الطلاب الذين لايستحقون التكريم وأصر على تكريمه بمفرده ، وقد فعلها ،.ولكنه دفع ثمن ذلك الكثير الكثير من الاهانة والعذاب،لأنه رفض أن يخالف ضميره وقال كلمة الحق . نعم لقدكان مثاله العالي وقد
عاهده أن يتابع تفوقه ووفى بوعده .. لكن هذا
لايكفي اليوم سوف يرد له الجميل
اليوم فقط حانت ساعة رد الدين .
وصل المشفى وبدأ يسأل بلهفة :أين غرفة الأستاذ ربيع ذكي ؟ أين هو؟ أريد أن أتبرع له أنا جاهز لذلك ........... وبينما هويسأل بلهفته التي لفتت نظر جميع المرضى
والزائرين في المشفى ،جاء أحد الأطباء ليقول له: حسنا ، أتريد أن تتبرع للأستاذ زكي ؟
-نعم ، نعم طبعا
أريد .
-إذا يجب أن نجري لك
مجموعة من الفحوصات وبعد ها نقرر
.
- نعم ،
أنا جاهز
لكن أريد أن أرى الأستاذ اولا .
بصراحة لايمكنك رؤيته الأن لأن حالته
خطرة وهو في غرفة العناية المشددة .
-حسنا أنا جاهز
للفحوصات .
دخل المخبر وقلبه يتراقص بين أضلاعه فرحا . أخذ طبيب المخبر الدم اللازم للفحص
ثم طلب إليه الانتظار حتى تأتي نتيجة التحليل . استغرقت النتائج حوالي الساعة حتى صدرت ، وفي أثناء ذلك كان قد تعرف على أسرة الأستاذ أولاده وأحفاده ، فقد كان لديه حفيد صغير اسمه محمد جميل الوجه ، جعل صالح يبتسملمجرد النظر إليه لقد
شعر بشعور جميل ، شعور تفاؤلي.
لم يحدثهم كيف يعرف الأستاذ ربيع
واكتفى بالاجابة عن سؤالهم من أين تعرف الأستاذ ربيع بالقول لقد كان أستاذي وأنا
مدين له واليوم حان موعد رد الدين .لم يلح الأهل السؤال لأن همهم الأول هو صحة
الأستاذ . وردوا عليه سوف نعطيك
مقابل ذلك مليوني ليرة
. ضحك قائلا :نعم
لن نختلف من أجل
ذلك . بينما كان عقله في تلك
اللحظة يقول : أنا لن أخذ
منهم ولا ليرة ،هذادين في رقبتي وحان موعد رده .لن أخذ أي شيء ، تكفيني ابتسامة من ذلك الذي علمني معنى التضحية والضمير الحي تكفيني نظرة أبوة منه ، يكفيني أن يتذكرني
،هههه. ضحك قلبه عندما قال يتذكرني ...وهل من المعقول أن يكون
قد نسيني لا ،لا طبعا سيذكرني كيف
ينسى أنه عوقب بسسببي . اه يا
أستاذي كم كانت
تضحيتك من أجلي عظيمة !!!!
جاءت نتيجة الفحوصات إيجابية ، وطلبوا منه الاستعداد
لإجراء العملية ،، لأنه كلما
حدث ذلك بسرعة
كان أفضل للمريض .......قال
أريد أن أرى الأستاذ أولا
الطبيب :لايمكن ذلك أبدا . لايمكن أن
يدخل أحد إلى غرفة العناية . بسرعة أخبر أهلك
انك ستدخل غرفة العمليات ليأ تو اويكونوا بجانبك
أثناء العملية .
- سأفعل هذا الأن .
لكنه لم يأبه هذا الكلام ولم يتصل بأحد ،ودخل غرفة العمليات وقلبه مليء بالفرح .، "اليوم سأردُّ دينا أثقل كاهلي الحمد لله ".
أُعطي ابرة مخدر ومن تلك
اللحظة لم يشعر بشيء حتى استيقظ على ألم في جسده لايستطيع أن يحدد موضعه تماما ....-
لماذا فعلت هذا ياصالح ؟ لم لم تخبرني ؟أنا زوجتك ومن حقي أن أعرف ؟ ثم
من هذا الأستاذ كي تتبرع له بكليتك ؟
- اه اه
كيف عرفتي اني هنا ؟
- ليس مهما ، أتتألم
كثيرا ، أنت تتأوّه.
-نعم نعم . هل تحسن الأستاذ ؟
- حتى وأنت تتألم تسأل عنه ؟ منذ قليل كان
ولده الأكبر هنا وقال إنه بحالة مستقرة لكنّه لم يستيقظ بعد .
وبينما هما يتحدثان دخل الطبيب - الحمد لله
على سلامتك ياصالح . كيف
حالك ؟هل تشعر بألم ؟
-نعم يادكتور .
- هل الألم شديد ؟
؟ ليس كثيرا ،لكني أتوجع.
- حسنا سأعطيك ابرة
تخفف أوجاعك .
أريد أن أرى الأستاذ ربيع ولو لحظة . كيفأصبح ، هل هو بخير؟
نعم نعم هو بحالة أفضل إن كنت مصرّاً سوف أسمح لك برؤيته
دقائق فقط ولكن دون أن تثير أية ضجة .
-أعدك بذلك .
ساعد الطبيب
صالح على النهوض والمشي
بخطوات صغيرة إلى غرفة الأستاذ فتح الطبيب باب الغرفة وقال له :هاهو الأستاذ ربيع . تلفّت صالح يمنة ويسرة وتفحص وجوه المرضى بعينين
ثاقبتين ،ثم قال أين هو ؟!هل تمازحني يادكنور ؟!أنا لاأراه . فأشار الطبيب
بيده إلى رجل في العقد الخامس من العمر ذو بشرة بيضاء عيناه
مغمضتان وقال : هذا هو الأستاذ ربيع الّذي تبرعت له بكليتك . سأل صالح
بصوت مبحوح يكاد لا يظهر : هل هذا
هو الأستاذ ربيع الّذي
تبرعت له بكليتي ؟!!!فأجاب الطبيب : نعم .
أخرجه من الغرفة و أعاده إلى عرفته ، ثمّ أعطاه إبرة مهدئة ليدخل في سبات
عميق ينسيه الحقيقة التي
اكتشفها ....... انتهى