باسم الدين والأخلاق ذبحنا على مقاصل الشرف.. فكانت دمائنا غطاءا ستر عورة الرجل... وكان القانون غطاءا شرعيا للقاتل.. في مجتمع ذكوري لا يعامل المرأة بالمثل.
فإذا كانت الحرية هي الشيء الذي يستحق أن نجرب الموت من اجله فإن ما يناقضها مكانة المرأة في المجتمع السوري من حيث وضعها في قمقم والنظر إليها كعورة وحصر مفهوم الشرف بحريتها الشخصية..
وأخيرا ذبحت والحمد لله!..... لم تكن هذه الصيحات التي أطلقها أهل قرية بداما (التابعة لمحافظة ادلب) حين وردهم نبا مقتل الطفله درداء(17 عاما)على يد أبيها بفأس حديدي بصيحات غريبة عن آذان المشرع السوري ولم تكن درداء هي الضحية الأولى من ضحاياه!
فعبارات مثل قتلها طعنا حتى الموت... ذبحها كالنعجة بعد أن لطخت شرف العائلة بالوحل.. هي عبارات تمثل أبشع الجرائم التي يرتكبها الإنسان تحت مسمى الشرف ومازال المشرع السوري يصم آذانه عن سماعها بإصراره على تصنيف مثل هذه الجرائم بأنها دفاع عن النفس ومنحها شرعية قانونية تحت مظلة المادة 548 من قانون العقوبات.
بلغة الأرقام
يزعم البعض أن جرائم الشرف في سوريا نادرة الحدوث ولم تصبح ظاهرة اجتماعية تستحق أن يسلط الضوء عليها بخلاف ما تدل عليه آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء إذ تشير هذه الإحصائيات إلى أن عدد المدانون بالجرائم الواقعة على الحرية والشرف في سوريا بلغ 1392 مدان خلال عام 2005 بعد أن كان 819 مدان في العام 2001 و1283 مدان عام 2002.
وتلحظ الإحصائيات أن جرائم الشرف تتمركز في الأرياف النائية حيث مازال المجتمع الريفي يعيش بؤس الجهل والتخلف وإدمان العادات والتقاليد فتشير الإحصائيات إلى أن عدد المدانين بمثل هذه الجرائم بلغ في حلب (366 مدان) وادلب (198) بينما في دمشق (95 مدان). ناهيك على أن سورية تصنف الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار «جرائم الشرف».
المادة 548 والإفلات من العقاب
المحامي عمار عيسى قال (تمتد يد المادة 548 من قانون العقوبات، لتخرج القاتل من عقوبته الطبيعية بعد أشهر نادرا ما تجاوزت عدد أصابع اليد الواحدة إذ تعتبر هذه المادة المسئول الأول عن تمكين مرتكب هذا النوع من الجرائم من الإفلات من العقاب فهي تنص صراحة على مايلي:
(1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد, 2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفِّف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر).
القانون يأخذ جنس المجرم
أوضح عيسى (أن المادة 548 تمثل حالة فريدة في القانون أن يكون جنس المجرم (ذكر أو أنثى) هو المعيار في استفادته من أحد الأعذار المحلة المنصوص عليها في القانون فإذا كان المجرم ذكراً فإنه يستفاد من العذر المحل وينجو بفعلته أما إذا كان الفاعل أنثى فإنه يحرم من هذا العذر وتنزل به أقسى العقوبات). وأضاف عيسى (هذا التمييز يخالف بالتأكيد نص الدستور الذي يعتبر المواطنين (بغض النظر عن جنسهم) متساوين أمام القانون والقضاء).
مفارقات
أكد المحامي عمار عيسى أن المادة (تتناقض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سورية وأهمها اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CIDAW) والاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان. كما تلغي هذه المادة دور النظام القضائي في تنفيذ الحكم لأن القاتل يقوم بتنفيذ الحكم على الضحية بنفسه)
على هامش الحديث
أشار عيسى إلى أن (المادة 548 من قانون العقوبات مأخوذة عن القانون الفرنسي الموضوع عام 1810 والغريب أن فرنسا أوقفت التعامل بهذه المادة وظل معمول بها في القانون السوري؟!).
جريمة فيها ظرف مخفف!
من جهته أكد الدكتور محمد الحسن البغا، عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق أن: (جريمة الشرف تتضمن جريمتين: الأولى هي جريمة شرف تستبيح عرض القاتل. والثانية هي جريمة قتل تستبيح دم المقتول). وتساءل د. البغا: (أيهما نرجح على الأخرى؟... لاشك أن جريمة القتل أشد فسادا وإفسادا.. لكنها تحمل ظرفا مخففا إن كانت الواقعة جريمة شرف)!
احتيال على المادة لاتهام التشريع؟!
بخلاف موقف مفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، على اعتبار أن كلمة "الشرف" تدل على قيم وأخلاق، وليست دعوة إلى القتل، اعتبر د. البغا أن المطالبة بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات هو: "احتيال على المادة لاتهام التشريع"!) وأضاف: "لنكن واقعيين! إن إلغاء هذه المادة مخالف للواقع الذي نعيشه.. وعلى المطالبين بتغييرها أن ينظروا في علاجها خارج سوريا".
وأكد الدكتور البغا أن جريمة الشرف: "اعتداء على حق القاضي في تنفيذ العقوبة. ولو أوكلت إلى القاضي ربما لنفذ هذه العقوبة. لذلك إلغاء هذه المادة يعد تشديدا في العقوبة يتناقض مع المطالبة بعدم تشديد العقوبة، ويؤدي إلى مفاسد أشد. ويصبح النص القانوني ناقصا عند تقابل الجريمتين مع وجود هذا الظرف المخفف ووحدة المبدأ القانوني في الجريمة والعقاب.. وإلا وقعنا في التناقض".
المادة تتفق مع الشريعة الإسلامية؟!
ويؤطر د. البغا موقفه فيشير إلى أن "المادة 548 تتفق مع الشريعة الإسلامية فهناك حديث صحيح عن النبي "ص": (سأل هلال بن أمية النبي "ص" لو رأى رجل مع امرأته رجلا أخر فقتله فإنكم قاتلوه فأجاب النبي والله ليبينن الله في ذلك بيانا شافيا) ... فنزلت آيات الظهار".
تساؤل مشروع؟
الدكتور مصطفى حجازي، في كتابه سيكولوجيا الإنسان المقهور، يتساءل (أليس من المستغرب أن يربط الشرف والكرامة بالمرأة بدلا من أن يربط بالمكانة الاجتماعية والمهنية؟؟ أليس في ذلك تحويلا للأنظار عن مصدر العار وسببه وهو الاستغلال والتسلط وما يفرضانه من قهر على الإنسان ودوس لكرامته؟! لماذا يثور الإنسان ضد من يمثل عاره الوهمي (المرأة المستضعفة) ولا يثور ضد مصدر عاره الحقيقي؟!.
من القاتل من الضحية
ربما يعتبر تغيّير المادة الأنفة الذكر من قانون العقوبات شرطا لازما وليس كافيا للحد من انتشار جرائم الشرف في المجتمع وحتى يكون الشرط كافيا لابد من تغيير وجهة النظر الموجودة في العقول والتي مازالت تنظر إلى المرأة كمدخل أساسي لتقييم الإنسان وتربطها بشرفه وكرامته فالقاتل ليس الأخ او الأب بل الذهنية المتخلفة والضحية دائما ليست فتاة بعينها بل المرأة.
فإذا كانت الحرية هي الشيء الذي يستحق أن نجرب الموت من اجله فإن ما يناقضها مكانة المرأة في المجتمع السوري من حيث وضعها في قمقم والنظر إليها كعورة وحصر مفهوم الشرف بحريتها الشخصية..
وأخيرا ذبحت والحمد لله!..... لم تكن هذه الصيحات التي أطلقها أهل قرية بداما (التابعة لمحافظة ادلب) حين وردهم نبا مقتل الطفله درداء(17 عاما)على يد أبيها بفأس حديدي بصيحات غريبة عن آذان المشرع السوري ولم تكن درداء هي الضحية الأولى من ضحاياه!
فعبارات مثل قتلها طعنا حتى الموت... ذبحها كالنعجة بعد أن لطخت شرف العائلة بالوحل.. هي عبارات تمثل أبشع الجرائم التي يرتكبها الإنسان تحت مسمى الشرف ومازال المشرع السوري يصم آذانه عن سماعها بإصراره على تصنيف مثل هذه الجرائم بأنها دفاع عن النفس ومنحها شرعية قانونية تحت مظلة المادة 548 من قانون العقوبات.
بلغة الأرقام
يزعم البعض أن جرائم الشرف في سوريا نادرة الحدوث ولم تصبح ظاهرة اجتماعية تستحق أن يسلط الضوء عليها بخلاف ما تدل عليه آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء إذ تشير هذه الإحصائيات إلى أن عدد المدانون بالجرائم الواقعة على الحرية والشرف في سوريا بلغ 1392 مدان خلال عام 2005 بعد أن كان 819 مدان في العام 2001 و1283 مدان عام 2002.
وتلحظ الإحصائيات أن جرائم الشرف تتمركز في الأرياف النائية حيث مازال المجتمع الريفي يعيش بؤس الجهل والتخلف وإدمان العادات والتقاليد فتشير الإحصائيات إلى أن عدد المدانين بمثل هذه الجرائم بلغ في حلب (366 مدان) وادلب (198) بينما في دمشق (95 مدان). ناهيك على أن سورية تصنف الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار «جرائم الشرف».
المادة 548 والإفلات من العقاب
المحامي عمار عيسى قال (تمتد يد المادة 548 من قانون العقوبات، لتخرج القاتل من عقوبته الطبيعية بعد أشهر نادرا ما تجاوزت عدد أصابع اليد الواحدة إذ تعتبر هذه المادة المسئول الأول عن تمكين مرتكب هذا النوع من الجرائم من الإفلات من العقاب فهي تنص صراحة على مايلي:
(1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد, 2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفِّف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر).
القانون يأخذ جنس المجرم
أوضح عيسى (أن المادة 548 تمثل حالة فريدة في القانون أن يكون جنس المجرم (ذكر أو أنثى) هو المعيار في استفادته من أحد الأعذار المحلة المنصوص عليها في القانون فإذا كان المجرم ذكراً فإنه يستفاد من العذر المحل وينجو بفعلته أما إذا كان الفاعل أنثى فإنه يحرم من هذا العذر وتنزل به أقسى العقوبات). وأضاف عيسى (هذا التمييز يخالف بالتأكيد نص الدستور الذي يعتبر المواطنين (بغض النظر عن جنسهم) متساوين أمام القانون والقضاء).
مفارقات
أكد المحامي عمار عيسى أن المادة (تتناقض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سورية وأهمها اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CIDAW) والاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان. كما تلغي هذه المادة دور النظام القضائي في تنفيذ الحكم لأن القاتل يقوم بتنفيذ الحكم على الضحية بنفسه)
على هامش الحديث
أشار عيسى إلى أن (المادة 548 من قانون العقوبات مأخوذة عن القانون الفرنسي الموضوع عام 1810 والغريب أن فرنسا أوقفت التعامل بهذه المادة وظل معمول بها في القانون السوري؟!).
جريمة فيها ظرف مخفف!
من جهته أكد الدكتور محمد الحسن البغا، عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق أن: (جريمة الشرف تتضمن جريمتين: الأولى هي جريمة شرف تستبيح عرض القاتل. والثانية هي جريمة قتل تستبيح دم المقتول). وتساءل د. البغا: (أيهما نرجح على الأخرى؟... لاشك أن جريمة القتل أشد فسادا وإفسادا.. لكنها تحمل ظرفا مخففا إن كانت الواقعة جريمة شرف)!
احتيال على المادة لاتهام التشريع؟!
بخلاف موقف مفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، على اعتبار أن كلمة "الشرف" تدل على قيم وأخلاق، وليست دعوة إلى القتل، اعتبر د. البغا أن المطالبة بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات هو: "احتيال على المادة لاتهام التشريع"!) وأضاف: "لنكن واقعيين! إن إلغاء هذه المادة مخالف للواقع الذي نعيشه.. وعلى المطالبين بتغييرها أن ينظروا في علاجها خارج سوريا".
وأكد الدكتور البغا أن جريمة الشرف: "اعتداء على حق القاضي في تنفيذ العقوبة. ولو أوكلت إلى القاضي ربما لنفذ هذه العقوبة. لذلك إلغاء هذه المادة يعد تشديدا في العقوبة يتناقض مع المطالبة بعدم تشديد العقوبة، ويؤدي إلى مفاسد أشد. ويصبح النص القانوني ناقصا عند تقابل الجريمتين مع وجود هذا الظرف المخفف ووحدة المبدأ القانوني في الجريمة والعقاب.. وإلا وقعنا في التناقض".
المادة تتفق مع الشريعة الإسلامية؟!
ويؤطر د. البغا موقفه فيشير إلى أن "المادة 548 تتفق مع الشريعة الإسلامية فهناك حديث صحيح عن النبي "ص": (سأل هلال بن أمية النبي "ص" لو رأى رجل مع امرأته رجلا أخر فقتله فإنكم قاتلوه فأجاب النبي والله ليبينن الله في ذلك بيانا شافيا) ... فنزلت آيات الظهار".
تساؤل مشروع؟
الدكتور مصطفى حجازي، في كتابه سيكولوجيا الإنسان المقهور، يتساءل (أليس من المستغرب أن يربط الشرف والكرامة بالمرأة بدلا من أن يربط بالمكانة الاجتماعية والمهنية؟؟ أليس في ذلك تحويلا للأنظار عن مصدر العار وسببه وهو الاستغلال والتسلط وما يفرضانه من قهر على الإنسان ودوس لكرامته؟! لماذا يثور الإنسان ضد من يمثل عاره الوهمي (المرأة المستضعفة) ولا يثور ضد مصدر عاره الحقيقي؟!.
من القاتل من الضحية
ربما يعتبر تغيّير المادة الأنفة الذكر من قانون العقوبات شرطا لازما وليس كافيا للحد من انتشار جرائم الشرف في المجتمع وحتى يكون الشرط كافيا لابد من تغيير وجهة النظر الموجودة في العقول والتي مازالت تنظر إلى المرأة كمدخل أساسي لتقييم الإنسان وتربطها بشرفه وكرامته فالقاتل ليس الأخ او الأب بل الذهنية المتخلفة والضحية دائما ليست فتاة بعينها بل المرأة.