متى كانت آخر مرّة تجولت فيها في شوارع مدينتك سيراً على الأقدام؟ ولو تذكرت فهل
استمتعت بها أنت وأقرانك كسرب عصافير تحلق بين الأرض والسماء بلا ملل؟ هل توقفت عند
خباز وتأملت يداه تدعك العجين، تقولبه، تجعله فطيرة، رغيفاً لتبتسم أنت وأصحابك
لهذا الرغيف الساخن؟ فوجهك يا صديقي قد تعب من ملامحه «البوكرية» الجامدة. وجهك في
حاجة لأن يبتسم في وجه كل من يصادفه. كفاك وجوماً، الناس في مدينتك عطشى إلى
الابتسام والدفء والألفة.
توقف عند شاحنة صغيرة تزود بقالة الحي بالمئونة وبارك تلك السواعد التي تنقل إليك
المأكل والمشرب قبل أن تدخل كرجل آلي يشتري من رجال آليين ويخرج، ثم اقصد مكتبة،
واختار كتاباً بهدوء تام بعد تصفح الكثير من الكتب. اقرأ الملخص على أغلفتها. كفانا
فضائيات، ففي فضائنا العربي 735 قناة فضائية والحبل على الجرار. كم مكتبة هناك في
شوارع مدينتك؟ وكم من مصنع وكم من معمل؟ بينما أنت تقضي نهارك ما بين الراديو
والتلفزيون والجوال ثم تريدنا أن نتقدم. كلنا مثلك نريد أن نتقدم من دون أن نقدم
شيئاً، ونريد من الجميع أن يسترضينا ويعطينا ونحن أنفسنا لا نقدم شيئاً
لأنفسنا.
نريد منهم ونطالبهم بأن ينظفوا ما فوقنا وما تحتنا، وأن يحاربوا الفساد والرشاوى
ويقضوا على البطالة ويبرمجوا السوق الماليةلنتداول على راحتنا، ولن نرضى حتى تتضاعف أرقام المؤشر إلى عشرات الآلاف. نريد أن
يقدموا لنا هدايا العيد وشرهات المناسبات والمكرمات الدورية، ونستصعب ونستخسر أن
نسقي شجرة في آخر حينا، وأن ندق باب جارنا لنتفقده ليس إلا، بل نكسل أن نشكر من
يحبنا، فأين أنت؟ أنت يا من كنت كريماً كعهدي بتاريخك من اهتمامك بأمري وأمر جارك
وأمر زميلك وعشيرتك وقبيلتك؟ أين كلماتك التي كنت تنطقها بلغة تكفي في ذاتها لشفاء
النفوس؟ تبدلت تبدلاً محزناً. تفكر في نفسك فقط وأهوائها ويا لأهوالها وتريد من
الجميع أن يتبع جداولك الشخصية، ساعة أكلك: على المطاعم أن تفتح، وساعة نومك: على
السير أن يتوقف، وأن يبدأ الدوام الصباحي بحسب صحتك البدنية، وينتهي بحسب صحتك
النفسية
على مزاجك ويا لتقلبات مزاجك. إذاً على المصارف والشركات والمؤسسات والمدارس أن
تتبع الساعة البيولوجية لكل مواطن، وعليها أن تحارب الغلاء وجشع التاجر والبائع
والشاري، وأن تكتشف زحل والمشتري أيضاً، وأنت «مالكش دعوة». وطبعاً هناك موضوع مهم
جداً، فأنت تريدهم أن ينظموا المرور من دون أن يعطي الشرطي أي مخالفة لك إذا تجاوزت
السرعة أو قطعت الإشارة، وتريد وبشدة أن ننتبه إلى الشباب وننمي قدراتهم وأنت ذاتك
بدلاً من أن تتبنى شاباً واحداً وتوجهه أو تساعده أو حتى تعطيه فرصة لا ليثبت نفسه
يا أخي، فقط ليثبت حسن نيته في الدخول إلى مجمع. أنت تريد أيضاً أن ندير بالنا على
الفتيات والنساء، فتلزم كل واحدة بيتها، لأنك تحترم المرأة إذا كانت أمك أو أختك أو
ابنتك أو زوجتك، وماذا عن بقية النساء؟ وماذا عن عهدي بك يا من كنت تستر حرمة
النساء احترامك لنسائك؟ ماذا حصل لك في عالم الأشياء المحسوسة؟ أين شعرك؟ وتأملك
وبوحك؟ أين تلك الرقة في القوة واللطف في الإحساس؟ أين الشهامة ؟ أين
أنت؟
لذلك كله عزيزي أدعوك أن تخرج من عزلتك، فأنت لن تستطيع أن ترى مدينتك من وراء
حيطان المنزل وحيطان المكتب وحيطان الشاشات. إن مدينتك أرحب وأوسع. تفرج على مخزن
أقمشة أو أحذية، ما شئت، لكن بعد ذلك انحدر إلى الزقاق واستمع إلى الناس وانظر إلى
عيون طفل تغالب عينيه النعاس وشاب يرقص كرة وعجوز يتأمل الكون وعش ناسك مدينتك ليس
من خلف جدران الحداثة والتطور والمقارنة. النقد سهل والانتقاد أسهل، إنما المحبة
والألفة والإحسان أسهل بكثير وأهناْ وأسعد. نعم، اقرأ هذه الجرائد من عامود كاتب
إلى زاوية كاتبة، من كاريكاتير فنان إلى صورة فوتوغرافية في جلسة للقيل والقال،
وستجد عالماً من الأسرار والفضائح العارية المخيفة، فمن منهم ستر فضيحة واحدة
بأخلاقياته؟ من منهم حنا ظهره والتقط منديلاً مرمياً على رصيف شارعه؟ ومن منهم مد
يده وصافح عاملاً؟ ومن منهم ومنا وقف مرة وجهاً لوجه أمام إنسانيته عارياً ثم ضحك
مع السماك والجزار والزبال؟ لكن لا، كله «يكركر» للمدير ونائب المدير، أو ينتقد
المدير ونائب المدير، بينما هناك في مدينتك من هو أجمل من المدير ليسوا في حاجة إلى
النقد. هم في حاجة إلى هذه الابتسامة الحلوة التي أراها على شفتيك الآن... تلمس
شفتيك.
استمتعت بها أنت وأقرانك كسرب عصافير تحلق بين الأرض والسماء بلا ملل؟ هل توقفت عند
خباز وتأملت يداه تدعك العجين، تقولبه، تجعله فطيرة، رغيفاً لتبتسم أنت وأصحابك
لهذا الرغيف الساخن؟ فوجهك يا صديقي قد تعب من ملامحه «البوكرية» الجامدة. وجهك في
حاجة لأن يبتسم في وجه كل من يصادفه. كفاك وجوماً، الناس في مدينتك عطشى إلى
الابتسام والدفء والألفة.
توقف عند شاحنة صغيرة تزود بقالة الحي بالمئونة وبارك تلك السواعد التي تنقل إليك
المأكل والمشرب قبل أن تدخل كرجل آلي يشتري من رجال آليين ويخرج، ثم اقصد مكتبة،
واختار كتاباً بهدوء تام بعد تصفح الكثير من الكتب. اقرأ الملخص على أغلفتها. كفانا
فضائيات، ففي فضائنا العربي 735 قناة فضائية والحبل على الجرار. كم مكتبة هناك في
شوارع مدينتك؟ وكم من مصنع وكم من معمل؟ بينما أنت تقضي نهارك ما بين الراديو
والتلفزيون والجوال ثم تريدنا أن نتقدم. كلنا مثلك نريد أن نتقدم من دون أن نقدم
شيئاً، ونريد من الجميع أن يسترضينا ويعطينا ونحن أنفسنا لا نقدم شيئاً
لأنفسنا.
نريد منهم ونطالبهم بأن ينظفوا ما فوقنا وما تحتنا، وأن يحاربوا الفساد والرشاوى
ويقضوا على البطالة ويبرمجوا السوق الماليةلنتداول على راحتنا، ولن نرضى حتى تتضاعف أرقام المؤشر إلى عشرات الآلاف. نريد أن
يقدموا لنا هدايا العيد وشرهات المناسبات والمكرمات الدورية، ونستصعب ونستخسر أن
نسقي شجرة في آخر حينا، وأن ندق باب جارنا لنتفقده ليس إلا، بل نكسل أن نشكر من
يحبنا، فأين أنت؟ أنت يا من كنت كريماً كعهدي بتاريخك من اهتمامك بأمري وأمر جارك
وأمر زميلك وعشيرتك وقبيلتك؟ أين كلماتك التي كنت تنطقها بلغة تكفي في ذاتها لشفاء
النفوس؟ تبدلت تبدلاً محزناً. تفكر في نفسك فقط وأهوائها ويا لأهوالها وتريد من
الجميع أن يتبع جداولك الشخصية، ساعة أكلك: على المطاعم أن تفتح، وساعة نومك: على
السير أن يتوقف، وأن يبدأ الدوام الصباحي بحسب صحتك البدنية، وينتهي بحسب صحتك
النفسية
على مزاجك ويا لتقلبات مزاجك. إذاً على المصارف والشركات والمؤسسات والمدارس أن
تتبع الساعة البيولوجية لكل مواطن، وعليها أن تحارب الغلاء وجشع التاجر والبائع
والشاري، وأن تكتشف زحل والمشتري أيضاً، وأنت «مالكش دعوة». وطبعاً هناك موضوع مهم
جداً، فأنت تريدهم أن ينظموا المرور من دون أن يعطي الشرطي أي مخالفة لك إذا تجاوزت
السرعة أو قطعت الإشارة، وتريد وبشدة أن ننتبه إلى الشباب وننمي قدراتهم وأنت ذاتك
بدلاً من أن تتبنى شاباً واحداً وتوجهه أو تساعده أو حتى تعطيه فرصة لا ليثبت نفسه
يا أخي، فقط ليثبت حسن نيته في الدخول إلى مجمع. أنت تريد أيضاً أن ندير بالنا على
الفتيات والنساء، فتلزم كل واحدة بيتها، لأنك تحترم المرأة إذا كانت أمك أو أختك أو
ابنتك أو زوجتك، وماذا عن بقية النساء؟ وماذا عن عهدي بك يا من كنت تستر حرمة
النساء احترامك لنسائك؟ ماذا حصل لك في عالم الأشياء المحسوسة؟ أين شعرك؟ وتأملك
وبوحك؟ أين تلك الرقة في القوة واللطف في الإحساس؟ أين الشهامة ؟ أين
أنت؟
لذلك كله عزيزي أدعوك أن تخرج من عزلتك، فأنت لن تستطيع أن ترى مدينتك من وراء
حيطان المنزل وحيطان المكتب وحيطان الشاشات. إن مدينتك أرحب وأوسع. تفرج على مخزن
أقمشة أو أحذية، ما شئت، لكن بعد ذلك انحدر إلى الزقاق واستمع إلى الناس وانظر إلى
عيون طفل تغالب عينيه النعاس وشاب يرقص كرة وعجوز يتأمل الكون وعش ناسك مدينتك ليس
من خلف جدران الحداثة والتطور والمقارنة. النقد سهل والانتقاد أسهل، إنما المحبة
والألفة والإحسان أسهل بكثير وأهناْ وأسعد. نعم، اقرأ هذه الجرائد من عامود كاتب
إلى زاوية كاتبة، من كاريكاتير فنان إلى صورة فوتوغرافية في جلسة للقيل والقال،
وستجد عالماً من الأسرار والفضائح العارية المخيفة، فمن منهم ستر فضيحة واحدة
بأخلاقياته؟ من منهم حنا ظهره والتقط منديلاً مرمياً على رصيف شارعه؟ ومن منهم مد
يده وصافح عاملاً؟ ومن منهم ومنا وقف مرة وجهاً لوجه أمام إنسانيته عارياً ثم ضحك
مع السماك والجزار والزبال؟ لكن لا، كله «يكركر» للمدير ونائب المدير، أو ينتقد
المدير ونائب المدير، بينما هناك في مدينتك من هو أجمل من المدير ليسوا في حاجة إلى
النقد. هم في حاجة إلى هذه الابتسامة الحلوة التي أراها على شفتيك الآن... تلمس
شفتيك.