الحمامات الدمشقية
اشتهرت دمشق بحماماتها التي كان يتسابق المعماريون القدماء في زخرفتها وإكسائها بحلة جميلة حتى أصبحت الحمامات الدمشقية إحدى المعالم التاريخية الهامة التي تميزت بها دمشق.
الحمامات الدمشقية عبر الزمن
يعود وجود حمامات السوق العامة في دمشق للعهد الاموي, وبعض المؤرخين أعادها للعصر الروماني, ولذلك لا صحة للمقولة التي تعيد تاريخ الحمامات للعهد العثماني فقد كانت موجودة في دمشق قبل ذلك بقرون.
وقد ورد ذكر الحمامات الدمشقية في كتابات عدد من مؤرخي دمشق ابن عساكر (المتوفى سنة 571ه/1176م) أقدم من ذكر هذه الحمامات في كتابه الشهير تاريخ دمشق,فقد ذكر في كتابه أسماء سبعة وخمسين حماما يعمل في زمنه ضمن المدينة, كما ذكر المؤرخ ابن شداد أسماء 114 حماما موجود في دمشق سنة (647ه/1250م), وبقيت أعداد هذه الحمامات تتراوح بين زيادة ونقصان حتى أصبح عددها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بحدود الستين حماما.
أما في يومنا هذا فلا يكاد يصل عدد الحمامات العاملة في دمشق الى العشرين حماما.
في السابق عندما كان معظم أفراد العائلة الكبيرة يقطنون في منزل واحد مشترك ( الأب, الزوجة , الأبناء وزوجاتهم , الأحفاد ) كان من الصعب أن يستخدم الجميع حماماً واحداً, فكان حمام السوق يفي بالغرض للرجال والنساء, أما في يومنا هذا فقد أصبحت البيوت أصغر حجماً والأبناء انفصلوا في المعيشة عن أسرهم وتوسعت مساحة المدينة وبالتالي لم يعد حمام السوق يشكل بالنسبة للغالبية العظمى من سكان المدينة سوى ذكريات الأجداد وتراث تاريخي غالب زواره ومرتاديه من الذين يحبون بين فترة وأخرى العيش في أجواء الماضي إضافة إلى بعض الُسياح والغرباء.
أقسام ومخطط الحمام الدمشقي
يتألف الحمام الدمشقي من ثلاثة أقسام
القسم البراني
وهو القسم الخارجي من الحمام أو ما يسمى بالقسم البارد, وفيه يقوم الزبائن بخلع ملابسهم وارتدائها عند الدخول والخروج .
في الأغلب يتكون القسم البراني من باحة تتوسطها بركة ماء ومسقوفة بقبة محاطة بالنوافذ, وفي كافة الجوانب توجد مساطب مفروشة بالأرائك والمساند ومجهزة بالمناشف, ويستريح على تلك المساطب المستحمون بعد انتهائهم وقبل مغادرتهم .
القسم الوسطاني
وهو القسم معتدل الحرارة من الحمام, مسقوف بقباب تحتوي على فتحات زجاجية تتيح لضوء الشمس الدخول, وعلى الجوانب توجد مساطب يستريح عليها المستحمون خلال فترات الاستحمام.
كما يوجد داخله مقصورة النورة ( مكان المراحيض وإزالة الشعر ).
القسم الجواني
وهو القسم الداخلي الحار من الحمام, يتكوم من إيوانين متقابلين يتوضعان على طرفي بيت النار, وضمن كل إيوان يوجد جُرن أو أكثر يحتوي على الماء الساخن الواصل من بيت النار عبر شبكة تجري تحت أرض الحمام, كما يتفرع عن كل من الإيوانين غرف أو مقاصير خاصة تحتوي كل منها على الجرن الخاص بها.
والقسم الجواني مسقوف بقبة ذات فتحات زجاجية تسمح للضوء بالدخول.
قسم القميم
وهو جناح خارجي مُلحق بالحمام وله مدخل خاص, يتم في هذا القسم تسخين الماء الداخل إلى أقسام الحمام الأخرى, ويحتوي على غرفة لسكن القميمي وأسرته, وكان الوقود المستعمل في إشعال الحمام عبارة عن القمامة المجففة وروث الحيوانات وكل ما هو قابل للاشتعال, ولم يعد في أيامنا هذه دور لهذا القسم نظراً لاختلاف أساليب التسخين.
تقاليد الاستحمام في حمام السوق
يتألف الطاقم العامل في حمام السوق بشكل عام من :
المعلّم : وهو مالك الحمّام أو مستثمره, ويتولى إدارة العمل ضمن الحمام والحفاظ على آداب وأصول المهنة, كما يتسلم من الزبون حوائجه الشخصية خلال فترة الاستحمام , ويتسلم الأجر بعد الانتهاء.
الناطور : مسؤول عن استقبال وخدمة الزبائن داخل الحمام ضمن قسمي البراني والوسطاني , وينوب عن المعلم في حال غيابه, يساعد الزبون في خلع ملابسه ويُقدم له التعتبية ( مجموعة مناشف ), كما يقدم للزبائن المشروبات المتنوعة بعد انتهائهم من الاستحمام .
الريس / المُكيّس : مسؤول عن تلييف وتفريك الزبون بالصابون والماء, ينحصر عمله داخل القسم الجواني , ويجب أن يتحلى بقوة عضلية, وفي الغالب كان يعمل لحسابه الخاص أي أنه يكسب أجره من إكراميات الزبائن ولا أجر له من صاحب الحمّام.
التبع : مسؤول عن تغسيل رأس الزبون ومساعدة المكيّس في عمله ضمن القسم الجواني, ويقوم بتقديم الخدمات المختلفة بين أقسام الحمام كخدمة الزبائن وشطف وتنظيف الأقسام وتجهيز مقصورة النورة ( داخل القسم الوسطاني ), إضافة لمساعدة الناطور في جزء من أعماله .
القميمي : مسؤول عن إيقاد النار وتسخين الماء ويسكن داخل قسم القميم.
الزبّال : يقوم بجمع القمامة وروث الحيوانات من الاصطبلات وتجفيفها قبل تسليمها للقميمي واستخدامها كوقود لتسخين الماء.
وقد لا نجد اليوم في أغلب الحمامات الدمشقية اليوم طاقم العمل السابق ذكره ويقتصر بعض هذه الحمامات على المعلم والمكيس والتبع.
أما إن كان الحمام مخصصاً للنساء فيصبح طقم العاملين في حمام السوق مكوناً من النساء ويكون على الشكل التالي:
المعلمة / الناطورة / الاسطة ( تقابل الريس عند الرجال )/ و البلانة ( تقابل التبع عند الرجال ).
الأسلوب العام للحمام
يصل الزبون الحمّام ليجد التبع في استقباله في القسم البراني ويقدمه للمعلم الذي يرحب به ويستلم منه الحوائج الشخصية, بعد ذلك يتوجه الزبون نحو الناطور الذي يقدم للزبون حوائج الاستحمام والتعتيبة ( وهي بقجة مناشف ) فيقوم الزبون بلف منشفة على خصره وأخرى على كتفيه ويقوم بوضع ملابسه في خزانة خاصة.
بعد ذلك يتوجه الزبون للقسم الوسطاني فيجلس قليلاً ريثما يتأقلم جسده مع الحرارة قبل الانتقال للقسم الجواني الأكثر حرارة فيجلس خلف أحد الأجران ويبدأ الاستحمام بمفرده أو بمساعدة العاملين في الحمام .
بعد الانتهاء يخرج الزبون للقسم الوسطاني ويجلس فيه قليلاً قبل العودة مجدداً للقسم البراني حيث يحظى باستراحة طويلة يتناول خلالها المشروبات المتنوعة كالشاي والزهورات والملّيسة شتاءً والتوت الشامي والليمون والعرقسوس المُبردين بالثلج صيفاً.
التقاليد الاجتماعية للحمام الدمشقي
كان الحمام الدمشقي أو حمام السوق يشكل جزءاً هاماً من الحياة الاجتماعية للدمشقيين, ولكل حي حمامه الخاص به حيث يجتمع شبان الحي ورجاله في حفلات سمر وطعام ضمن الحمام بشكل متكرر , وهناك مناسبات اجتماعية خاصة كان للحمام الدمشقي دور فيها , فحمام العريس لمن هو مقبل على الزواج في ذات اليوم , إضافة للمناسبات الخاصة التي تقوم العائلة فيها باستئجار الحمام لأفراد العائلة والأقرباء .
وبالنسبة للنساء فحمام السوق هو المكان الأفضل لتمضية الأوقات والنزهات, وفيه تقوم السيدات بالبحث بين الفتيات المرتادات للحمام عن الزوجة المناسبة لولدها,إضافة لحمام العروس وحمام الولادة لمن ولدت مؤخراً.
وبالنسبة للنساء فحمام السوق هو المكان الأفضل لتمضية الأوقات والنزهات, وفيه تقوم السيدات بالبحث بين الفتيات المرتادات للحمام عن الزوجة المناسبة لولدها,إضافة لحمام العروس وحمام الولادة لمن ولدت مؤخراً.
الحمامات الدمشقية في يومنا هذا
اندثرت الكثير من عادات الاستحمام في يومنا هذا وأصبح حمام السوق حكراً على السياح والغرباء والباحثين عن التراث والأجواء القديمة .
ولم يبقَّ اليوم في دمشق سوى عدد قليل من الحمامات العاملة, وأغلبها مخصص للرجال فقط وبعض منها خصص أياماً و أوقاتاً للنساء.
ولم يبقَّ اليوم في دمشق سوى عدد قليل من الحمامات العاملة, وأغلبها مخصص للرجال فقط وبعض منها خصص أياماً و أوقاتاً للنساء.
الحمّامات الدمشقية / منير كيال
خطط دمشق / أكرم حسن العلبي
الروضة البهيّة في فضائل دمشق المحميّة / محمد عز الدين عربي كاتبي الصيادي
(منقول)