يبدو
أن آثار الأزمة المالية العالمية قد بدأت بالظهور جلياً على واجهة
الاقتصاد المحلي السوري، فبعد أن قوبلت التحليلات الكثيرة التي نشرت في
الأوساط الإعلامية نهاية العام الماضي عن الآثار المرتقبة والخطيرة على
الاقتصاد الوطني، بعشرات التطمينات من وزراء الفريق الاقتصادي والتي رسمت
للرأي العام صورة نرجسية تكمن بابتعاد أي آثار ممكنة للأزمة عن البلاد،
يتبادر للأذهان اليوم السؤال التالي: هل يعتبر اليوم الاعتراف المتأخر من
قبل هذا الفريق بحقيقة الأخطار والذي جاء على لسان كل وزراء هذا الفريق
هذه المرة كافياً لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة وآثارها؟ وهل الأمر يقتصر
على مجرد اختلاف وجهات نظر يمكن أن تعود وتتفق؟
الجواب
المنطقي سيأتي بالتأكيد بالنفي، بعد أن ضيع هذا الفريق، وللأسف أشهراً
ذهبية كان يمكن خلالها أن يبدأ استعداده الفعلي لمواجهة آثار وانعكاسات
هذه الأزمة، والتي يرى البعض بأنه لو جرى التعمق في البحث فيها لكان من
الممكن أن يجنبنا الآثار السلبية، بالاستعداد لها، بل حتى كان يمكن أن
يوصلنا إلى نتائج ايجابية أمام تهافت العديد من الفرص اليوم في الأسواق
العالمية الآيلة للسقوط.
وبعد
أن أثرنا سابقاً ـ قبل حوالي ستة أشهر- واقع القطاع الصناعي السوري،
والحلبي تحديداً كونه أحد أهم المحطات التي يمكن أن تقف عندها دوامة
الأزمة، نحاول اليوم أن نسلط الضوء، على قضية أخرى لا تقل أهمية هي الأخرى
وهي قصة العمالة السورية في الخارج، والتي يكثر الحديث اليوم عن عودتها
للبلاد، أمام تواصل الإفلاسات الحاصلة في الشركات العالمية والعربية،
وخاصة في دول الخليج العربي التي ينتشر فيها ما يقارب النصف مليون عامل
سوري، وفقاً لإحصاءات غير رسمية، في شتى الاختصاصات.
وإذا
ما صدقت التوقعات التي تطلقها مراكز الأبحاث العربية قبل السورية، فإن
أكثر من (300) ألف عامل سوري سيعودون إلى البلاد خلال هذا العام، بعد أن
عاد منهم بالفعل ما يقارب الخمسين ألف عامل خلال أشهر الربع الأول من
العام الحالي، ولذلك فإن على الفريق الاقتصادي أن يبدأ بالاستعداد الجدي
لاستقبال هذا الكم الوافر من العمالة السورية وفي أكثر من جانب، حتى تكون
عودتها محمودة على الجانب الكلي، لا أن تكون مجرد كم جديد يضاف إلى حجم
البطالة السورية في البلاد، وعلى الرغم من أن الإجراءات المتبعة لن تستطيع
الوقوف في وجه بعض الحقائق الجديدة إلا أنها يمكن في الوقت نفسه أن تزيد
من فرص الاستفادة من هذا الواقع الجديد، ولذلك سنذكر في الآتي أهم
السلبيات التي نتوقعها من عودة هذه العمالة، ومن ثم سنتحدث لاحقاً عن
الإجراءات التي نراها ضرورية و هامة لإيجاد بوادر إيجابية من هذا الموضوع.
بداية يمكن أن نقسم أهم الانعكاسات السلبية في الجانبين التاليين:
الأول:
في عودة عدد لا بأس به من العمالة غير المتخصصة إلى البلاد، وما سيتركه
هذا الأمر من انعكاسات مباشرة على رفع معدلات البطالة المرتفعة أصلاً إلى
حدود قد تصل معها إلى نسب تاريخية يمكن أن تتجاوز معها حاجز (20 %) من
القوة العاملة في البلاد.
الثاني:
في حرمان الاقتصاد الوطني من العوائد المالية المحولة سنوياً من قبل هذه
العمالة والتي قاربت إحصاءاتها الرسمية في العام الماضي (2008) حاجز
المليار دولار، الأمر الذي سينعكس مباشرة على حجم الطلب الكلي في البلاد
خلال العام الحالي، والذي يتعرض أصلاً إلى انكماش كبير في حجمه هذه
الأيام.
أما
عن الإجراءات التي نراها ممكنة وضرورية في الفترة الحالية والقادمة فيمكن
أن نميزها من خلال اتباع الإجراءين الضروريين التاليين:
1
- الاستفادة من العمالة المتخصصة والخبيرة، والتي نجحت على مدى السنوات
الماضية في العمل في أكبر الشركات، والتي ستشكل رفداً هاماً للعمالة
الوطنية المتخصصة في البلاد، والتي غالباً ما كنا نستعين بالعمالة
الخارجية عوضاً عنها في السنوات السابقة، وخاصةً في القطاعات المالية
والتأمين والكثير من الصناعات المتخصصة.
2
- الاستفادة من الكتل المالية الضخمة التي يتوقع أن تجلبها هذه العمالة
معها إلى البلاد، التي نراها فرصة تاريخية في الاستفادة من مدخرات سنوات
طويلة لهذه العمالة في الاغتراب، من خلال العمل على تحفيز توجيهها نحو
الأوعية الادخارية، وعلى رأسها البورصة، الأمر الذي يتطلب إعلاماً متميزاً
يتجه بالأساس نحو طمأنة هذا المدخر، بعد كل ما شهده بأم عينيه من حالات
الانهيار المتواصلة في البورصات المجاورة، وإلا فإن الطريق البديل لها
سيكون في توجه هذه الادخارات نحو قطاعات غير إنتاجية، مع كل ما سيولده ذلك
من مشاكل اقتصادية جديدة.
فراس حداد – أبيض وأسود
أن آثار الأزمة المالية العالمية قد بدأت بالظهور جلياً على واجهة
الاقتصاد المحلي السوري، فبعد أن قوبلت التحليلات الكثيرة التي نشرت في
الأوساط الإعلامية نهاية العام الماضي عن الآثار المرتقبة والخطيرة على
الاقتصاد الوطني، بعشرات التطمينات من وزراء الفريق الاقتصادي والتي رسمت
للرأي العام صورة نرجسية تكمن بابتعاد أي آثار ممكنة للأزمة عن البلاد،
يتبادر للأذهان اليوم السؤال التالي: هل يعتبر اليوم الاعتراف المتأخر من
قبل هذا الفريق بحقيقة الأخطار والذي جاء على لسان كل وزراء هذا الفريق
هذه المرة كافياً لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة وآثارها؟ وهل الأمر يقتصر
على مجرد اختلاف وجهات نظر يمكن أن تعود وتتفق؟
الجواب
المنطقي سيأتي بالتأكيد بالنفي، بعد أن ضيع هذا الفريق، وللأسف أشهراً
ذهبية كان يمكن خلالها أن يبدأ استعداده الفعلي لمواجهة آثار وانعكاسات
هذه الأزمة، والتي يرى البعض بأنه لو جرى التعمق في البحث فيها لكان من
الممكن أن يجنبنا الآثار السلبية، بالاستعداد لها، بل حتى كان يمكن أن
يوصلنا إلى نتائج ايجابية أمام تهافت العديد من الفرص اليوم في الأسواق
العالمية الآيلة للسقوط.
وبعد
أن أثرنا سابقاً ـ قبل حوالي ستة أشهر- واقع القطاع الصناعي السوري،
والحلبي تحديداً كونه أحد أهم المحطات التي يمكن أن تقف عندها دوامة
الأزمة، نحاول اليوم أن نسلط الضوء، على قضية أخرى لا تقل أهمية هي الأخرى
وهي قصة العمالة السورية في الخارج، والتي يكثر الحديث اليوم عن عودتها
للبلاد، أمام تواصل الإفلاسات الحاصلة في الشركات العالمية والعربية،
وخاصة في دول الخليج العربي التي ينتشر فيها ما يقارب النصف مليون عامل
سوري، وفقاً لإحصاءات غير رسمية، في شتى الاختصاصات.
وإذا
ما صدقت التوقعات التي تطلقها مراكز الأبحاث العربية قبل السورية، فإن
أكثر من (300) ألف عامل سوري سيعودون إلى البلاد خلال هذا العام، بعد أن
عاد منهم بالفعل ما يقارب الخمسين ألف عامل خلال أشهر الربع الأول من
العام الحالي، ولذلك فإن على الفريق الاقتصادي أن يبدأ بالاستعداد الجدي
لاستقبال هذا الكم الوافر من العمالة السورية وفي أكثر من جانب، حتى تكون
عودتها محمودة على الجانب الكلي، لا أن تكون مجرد كم جديد يضاف إلى حجم
البطالة السورية في البلاد، وعلى الرغم من أن الإجراءات المتبعة لن تستطيع
الوقوف في وجه بعض الحقائق الجديدة إلا أنها يمكن في الوقت نفسه أن تزيد
من فرص الاستفادة من هذا الواقع الجديد، ولذلك سنذكر في الآتي أهم
السلبيات التي نتوقعها من عودة هذه العمالة، ومن ثم سنتحدث لاحقاً عن
الإجراءات التي نراها ضرورية و هامة لإيجاد بوادر إيجابية من هذا الموضوع.
بداية يمكن أن نقسم أهم الانعكاسات السلبية في الجانبين التاليين:
الأول:
في عودة عدد لا بأس به من العمالة غير المتخصصة إلى البلاد، وما سيتركه
هذا الأمر من انعكاسات مباشرة على رفع معدلات البطالة المرتفعة أصلاً إلى
حدود قد تصل معها إلى نسب تاريخية يمكن أن تتجاوز معها حاجز (20 %) من
القوة العاملة في البلاد.
الثاني:
في حرمان الاقتصاد الوطني من العوائد المالية المحولة سنوياً من قبل هذه
العمالة والتي قاربت إحصاءاتها الرسمية في العام الماضي (2008) حاجز
المليار دولار، الأمر الذي سينعكس مباشرة على حجم الطلب الكلي في البلاد
خلال العام الحالي، والذي يتعرض أصلاً إلى انكماش كبير في حجمه هذه
الأيام.
أما
عن الإجراءات التي نراها ممكنة وضرورية في الفترة الحالية والقادمة فيمكن
أن نميزها من خلال اتباع الإجراءين الضروريين التاليين:
1
- الاستفادة من العمالة المتخصصة والخبيرة، والتي نجحت على مدى السنوات
الماضية في العمل في أكبر الشركات، والتي ستشكل رفداً هاماً للعمالة
الوطنية المتخصصة في البلاد، والتي غالباً ما كنا نستعين بالعمالة
الخارجية عوضاً عنها في السنوات السابقة، وخاصةً في القطاعات المالية
والتأمين والكثير من الصناعات المتخصصة.
2
- الاستفادة من الكتل المالية الضخمة التي يتوقع أن تجلبها هذه العمالة
معها إلى البلاد، التي نراها فرصة تاريخية في الاستفادة من مدخرات سنوات
طويلة لهذه العمالة في الاغتراب، من خلال العمل على تحفيز توجيهها نحو
الأوعية الادخارية، وعلى رأسها البورصة، الأمر الذي يتطلب إعلاماً متميزاً
يتجه بالأساس نحو طمأنة هذا المدخر، بعد كل ما شهده بأم عينيه من حالات
الانهيار المتواصلة في البورصات المجاورة، وإلا فإن الطريق البديل لها
سيكون في توجه هذه الادخارات نحو قطاعات غير إنتاجية، مع كل ما سيولده ذلك
من مشاكل اقتصادية جديدة.
فراس حداد – أبيض وأسود