تفاصيل أخرى للعشق :
أنيسة عبود
قال لها: أنا بعيد جداً.
مدن كثيرة تمتد بيننا، وموجٌ شاسعٌ بين أعيننا، مع ذلك أسمع صوتكِ، فتكونين معي. وحين أمشي على ضفّة البحيرة تكونين معي أيضاً.
أشعر أنه يكفي أن أحرّك أصابعي لألمس أصابعكِ وأشم عطركِ.
أو لأحضن قامتك الرهيفة.
غصّت، ولم تقل شيئاً. كانت عاجزة عن الكلام أمام غول المسافة القابع بينهما. أبعدت السماعة قليلاً كي لايسمع نحيب شوقها، وتمزّق أنفاسها.
"أتسمعينني؟ "
"تنهدت. ألا تراني؟. إني أهزّ رأسي".
كان الشوق مستبداً. طاغياً. لكنها تدرك تماماً، أن الحياة بلا شوق كالجسد بلا روح. الشوق يجعل الحياة رحبة، والأمنيات يانعة. يجعل لألواننا فضاء، ولعطورنا قيمة. ولوجودنا معنى.
"أجل. ها أنا أراك عبر الأسلاك، وعبر المسافة وعبر الزمان، أراك بثوبك الكحلي الذي ينساب على جسدك الجميل.. اسمعي"
ابتسمت. "لماذا تأمرني؟ "
"آه. أبداً. الشوق هو الذي يأمر. غداً عيد الحب. أريد أن أحتفل به من أجلك. أريد أن أقدّم لك الورد، لكن كيف والمسافة تفتح شدقيها.. ذبلت من الغياب".
كادت تبكي. ماأسرع أن تنهمر دموعها، وتكاد تقول له، أنا التي ذبلتُ من الغياب ومن الانتظار. ذبلت من الوقوف على الشرفة ومن اللهفة بانتظار رنين الهاتف. لكنها آثرت الصمت. لاتريد أن تعرّي وجعها ولا أن تسبب له الأرق "الحب تضحية".
"الحبّ هو الذي بلا مقابل. لاثمن للحب أبداً.. إلا الحب.. "
-ألو
أتسمعينني؟! ألو. هل انقطع الخطّ؟
وإذ ترد بصوت منكسر يرش أوامره بسرعة كي لايفضحه الحزن ويبتلع صوته "اذهبي إلى بائع الزهور، ألا يوجد بائع زهور في المدينة؟ اشتري وردة جورية حمراء ملفوفة على عطرها، ضعيها في كأس ماء، أمامك، على الطاولة، أو قرب فنجان قهوتك الصباحية. واكتبي إهداء سريّاً جداً خوف عيون الجدران والجيران وستائر المنزل -"منّي.. إليك" وأرجو أن تسمعي موسيقا النهر الخالد لعبد الوهاب. موافقة؟! "
لم ترد. كانت الذكريات حارقة، والشوق طاغٍ. إنه يتفجر فوراً عبر كل همسة تنساب.. عبر كل حرف يسيل في خطوط الهاتف.. إذن الهواتف تفجّر الشوق. تجمد اللحظات. وربما شاركها الحبر المنسكب في الرسائل والقصائد والروايات. الحبر الذي نستخدمه يثبت الزمن أكثر ويمسك باللقاءات الهاربة. كم مرة كتبت له وإليه. ثبتت تفاصيل لقائه أو تفاصيل زعل أو تفاصيل شوق؟!
"أنت السبب ياحبيبتي"
"بل.. أنت..."
"انتبهي. الخطوط مراقبة. قولي كلاماً محترماً،"
"يعني كلام الشوق غير محترم؟! ثم ماذا يدفعنا للكلام لولا الشوق. ليراقبوا، هل يحاكمون الورد على عطره؟ اسمع. اسمعوا. أنا مشتاقة إلى..." تضحك، ها أنا لاأكمل العبارة حتى يبقى الاسم سراً. عند ذلك سيجنّدون الجيوش والورد للبحث عن الاسم.
يضحكان. هاهما يخرجان من حزن الشوق إلى أسئلة أكثر رحابة.
"برأيك من المسؤول عن الحب؟"
"أظنه. القلب هو المسؤول"
"أليس الصوت؟ هو المجرم لأن يثير الزوابع والبراكين. يهدم جبلاً ويرفع آخر. يعلق حدائق ويحرق غابات...؟"
ربما.. هي لاتستطيع أن تتخيله دون صوته، مرة استبد بها الحنين فذهبت إلى قريته. راحت تبحث عنه. لم تجده. هي تدرك بأنها لم تجده، وتعرف بأنه وراء البحار يشرب القهوة الآن، أو يمشي في شوارع مكتظة بالورد. لكنّها كانت تبحث عن خطواته على الطرقات. عن وجهه على النوافذ. عن عينيه في عيون أهل القرية. شعرت أنها تسمع صوته. يناديها، كادت تتهاوى فاستندت إلى أول شجرة سنديان وراحت تتلمسها بأناملها.."هذه الشجرة تلمسها حبيبي وربما صعد إلى أعاليها كي يشدّ البحر إليه".
-آلو..
لم تستطع الرد. أجهشت بالبكاء. لم تعد قادرة على الاستمرار أكثر.
أهي الحياة هكذا تفنى بين وداع ووداع؟!!
يتبع................
أنيسة عبود
قال لها: أنا بعيد جداً.
مدن كثيرة تمتد بيننا، وموجٌ شاسعٌ بين أعيننا، مع ذلك أسمع صوتكِ، فتكونين معي. وحين أمشي على ضفّة البحيرة تكونين معي أيضاً.
أشعر أنه يكفي أن أحرّك أصابعي لألمس أصابعكِ وأشم عطركِ.
أو لأحضن قامتك الرهيفة.
غصّت، ولم تقل شيئاً. كانت عاجزة عن الكلام أمام غول المسافة القابع بينهما. أبعدت السماعة قليلاً كي لايسمع نحيب شوقها، وتمزّق أنفاسها.
"أتسمعينني؟ "
"تنهدت. ألا تراني؟. إني أهزّ رأسي".
كان الشوق مستبداً. طاغياً. لكنها تدرك تماماً، أن الحياة بلا شوق كالجسد بلا روح. الشوق يجعل الحياة رحبة، والأمنيات يانعة. يجعل لألواننا فضاء، ولعطورنا قيمة. ولوجودنا معنى.
"أجل. ها أنا أراك عبر الأسلاك، وعبر المسافة وعبر الزمان، أراك بثوبك الكحلي الذي ينساب على جسدك الجميل.. اسمعي"
ابتسمت. "لماذا تأمرني؟ "
"آه. أبداً. الشوق هو الذي يأمر. غداً عيد الحب. أريد أن أحتفل به من أجلك. أريد أن أقدّم لك الورد، لكن كيف والمسافة تفتح شدقيها.. ذبلت من الغياب".
كادت تبكي. ماأسرع أن تنهمر دموعها، وتكاد تقول له، أنا التي ذبلتُ من الغياب ومن الانتظار. ذبلت من الوقوف على الشرفة ومن اللهفة بانتظار رنين الهاتف. لكنها آثرت الصمت. لاتريد أن تعرّي وجعها ولا أن تسبب له الأرق "الحب تضحية".
"الحبّ هو الذي بلا مقابل. لاثمن للحب أبداً.. إلا الحب.. "
-ألو
أتسمعينني؟! ألو. هل انقطع الخطّ؟
وإذ ترد بصوت منكسر يرش أوامره بسرعة كي لايفضحه الحزن ويبتلع صوته "اذهبي إلى بائع الزهور، ألا يوجد بائع زهور في المدينة؟ اشتري وردة جورية حمراء ملفوفة على عطرها، ضعيها في كأس ماء، أمامك، على الطاولة، أو قرب فنجان قهوتك الصباحية. واكتبي إهداء سريّاً جداً خوف عيون الجدران والجيران وستائر المنزل -"منّي.. إليك" وأرجو أن تسمعي موسيقا النهر الخالد لعبد الوهاب. موافقة؟! "
لم ترد. كانت الذكريات حارقة، والشوق طاغٍ. إنه يتفجر فوراً عبر كل همسة تنساب.. عبر كل حرف يسيل في خطوط الهاتف.. إذن الهواتف تفجّر الشوق. تجمد اللحظات. وربما شاركها الحبر المنسكب في الرسائل والقصائد والروايات. الحبر الذي نستخدمه يثبت الزمن أكثر ويمسك باللقاءات الهاربة. كم مرة كتبت له وإليه. ثبتت تفاصيل لقائه أو تفاصيل زعل أو تفاصيل شوق؟!
"أنت السبب ياحبيبتي"
"بل.. أنت..."
"انتبهي. الخطوط مراقبة. قولي كلاماً محترماً،"
"يعني كلام الشوق غير محترم؟! ثم ماذا يدفعنا للكلام لولا الشوق. ليراقبوا، هل يحاكمون الورد على عطره؟ اسمع. اسمعوا. أنا مشتاقة إلى..." تضحك، ها أنا لاأكمل العبارة حتى يبقى الاسم سراً. عند ذلك سيجنّدون الجيوش والورد للبحث عن الاسم.
يضحكان. هاهما يخرجان من حزن الشوق إلى أسئلة أكثر رحابة.
"برأيك من المسؤول عن الحب؟"
"أظنه. القلب هو المسؤول"
"أليس الصوت؟ هو المجرم لأن يثير الزوابع والبراكين. يهدم جبلاً ويرفع آخر. يعلق حدائق ويحرق غابات...؟"
ربما.. هي لاتستطيع أن تتخيله دون صوته، مرة استبد بها الحنين فذهبت إلى قريته. راحت تبحث عنه. لم تجده. هي تدرك بأنها لم تجده، وتعرف بأنه وراء البحار يشرب القهوة الآن، أو يمشي في شوارع مكتظة بالورد. لكنّها كانت تبحث عن خطواته على الطرقات. عن وجهه على النوافذ. عن عينيه في عيون أهل القرية. شعرت أنها تسمع صوته. يناديها، كادت تتهاوى فاستندت إلى أول شجرة سنديان وراحت تتلمسها بأناملها.."هذه الشجرة تلمسها حبيبي وربما صعد إلى أعاليها كي يشدّ البحر إليه".
-آلو..
لم تستطع الرد. أجهشت بالبكاء. لم تعد قادرة على الاستمرار أكثر.
أهي الحياة هكذا تفنى بين وداع ووداع؟!!
يتبع................