تعود جذور الازمة الى ابعد من دورات النمو والتباطؤ التقليدية في الاقتصادات العالمية بقطاعاتها المختلفة، وربما بدأت تتشكل ملامحها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
في تلك الفترة كانت العلاقة بين السياسة (ممثلة في الدول والحكومات) والاعمال (ممثلة في الاسواق والمؤسسات المالية الكبرى) قد وصلت الى مرحلة جديدة من تطورها.
فبعدما كانت الاعمال داعما للسياسة فيما قبل الحربين العالميتين، على اعتبار ان الدول والحكومات تفتح اسواقا ومصادر مواد خام لتلك الاعمال، تطورت العلاقة الى شبه ندية بين الاثنين.
ثم في المرحلة الاخيرة، ومع انطلاق العولمة وتفرد النظام الراسمالي في العالم تقريبا، اصبحت العلاقة بين السياسة والاعمال عكس البداية: اي ان السياسة تعمل على خدمة الاعمال وتوفير ما تحتاجه باعتبارها الضامن الاساسي لقدرتها على الحكم وتسيير شؤون شعوبها.
من هنا، ومع تراجع دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص، تمتعت الاسواق والقطاع المالي عموما بحرية فائقة في ادارة شؤونها واصبح الشعار السائد ان السوق له قوانينه وانه قادر على تصحيح نفسه بنفسه دون تدخل.
وكما خفت القدرات الرقابية على عمل الاسواق المالية ونشاطات المؤسسات المالية في الاقتصادات الرئيسية، اصبح الهدف الاساسي لكل عمليات الاصلاح في اقتصادات الدول النامية هو كف يد الدولة واطلاق يد السوق.
لكن بعض الاقتصادات الصاعدة الرئيسية لم تواصل الطريق الى منتهاه، وظلت للدولة يد في العملية الاقتصادية بشكل واضح، كما هو الحال مع الصين والهند وروسيا وغيرها. ولطالما واجهت تلك الدول انتقادات وشانطن ولندن لهذا السبب بالتحديد.
-
الاموال السهلة
نتيجة عولمة راس المال وفتح اسواق جديدة في العالم، مع عمليات اعادة الهيكلة الاقتصادية التي التزمت وصفات صندوق النقد الدولي في الاغلب، اصبح راس المال ومشتقاته (سندات واسهم وشهادات بمسميات عديدة) هدفا استثماريا في حد ذاته.
بمعنى انك تستثمر مالا في مضاربات وعمليات مالية لتجني ارباحا بغض النظر عن اي اصول حقيقية يستند اليها هذا المال.
من هنا، ولكي تكون الارباح خيالية ومع حيل خبراء الاستثمار بابتكار مشتقات للصناديق الخاصة وغيرها كل يوم، جاءت المغالاة غير المسبوقة في قيمة الاصول في العالم ومنها الاصول العقارية.
ونضرب هنا مثالا بسيطا، هو انه حتى نهاية القرن الماضي كانت قيمة العقارات في العالم لا تتجاوز 40 تريليون دولار ثم تضاعفت فيما بين 2000 و2007 تقريبا لتصل الى 70 تريليون دولار. وقس على ذلك بقية الاصول.
وهكذا اصبح هناك ما يعرف بالاموال السهلة، اي التي تم الحصول عليها في فترات وجيزة ودون عمل حقيقي او تطوير في اصول حقيقية. وشجعت تلك الاموال السهلة على ارتكاب المغامرات الائتمانية التر تراكمت عبر ثلاث عقود لتصل الى الازمة الراهنة.
ماذا بعد ?
-بالطبع تحتاج تلك المغالاة الوهمية في قيمة الاصول الى عملية تصحيح لاعادة النظام للعمل بشكل طبيعي، لكن الغاء نصف قيمة اصول العالم كفيل بان يؤدي الى كارثة. وهذا ما اصاب الحكومات بالذعر والهلع.
كما ان شطب الاموال السهلة، التي لا تقابلها قيم حقيقية، من النظام المالي العالمي يمكن ان يضر ببقية القطاعات التقليدية في الاقتصاد ـ ناهيك عن تاثيره الرهيب على انفاق المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة.
ولان بعض تلك الاقتصادات يشكل فيه الانفاق الاستهلاكي اكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي السنوي، فان المغارمة بهبوط شديد في ذلك الانفاق ستعني ركودا طويل الامد قد يصل الى كساد تام.
لذا جاء التدخل باموال دافعي الضرائب لانقاذ القطاع المالي، وبهدفمعلن هو اعادته للعمل وتفادي انهياره تمهيدا لعملية اصلاح طويلة المدى.
لكن ذلك التدخل الحكومي في حد ذاته انما يتعارض جذريا مع اي امكانية للاصلاح قد تقوم بها السلطات، ما لم يتم اعادة ترتيب العلاقة بين السياسة والاعمال.
كما ان الانقاذ السياسي للقطاع المالي انما اسهم بشكل غير مباشر في "ترحيل" بعض العلل الاساسية التي يعاني منها النظام الى وقت لاحق. ناهيك عن انه عطل عملية تصحيح كاملة للاسواق تتخلص فيها من الاموال السهلة الناجمة عن مغالاة غير حقيقية في قيمة الاصول.
في تلك الفترة كانت العلاقة بين السياسة (ممثلة في الدول والحكومات) والاعمال (ممثلة في الاسواق والمؤسسات المالية الكبرى) قد وصلت الى مرحلة جديدة من تطورها.
فبعدما كانت الاعمال داعما للسياسة فيما قبل الحربين العالميتين، على اعتبار ان الدول والحكومات تفتح اسواقا ومصادر مواد خام لتلك الاعمال، تطورت العلاقة الى شبه ندية بين الاثنين.
ثم في المرحلة الاخيرة، ومع انطلاق العولمة وتفرد النظام الراسمالي في العالم تقريبا، اصبحت العلاقة بين السياسة والاعمال عكس البداية: اي ان السياسة تعمل على خدمة الاعمال وتوفير ما تحتاجه باعتبارها الضامن الاساسي لقدرتها على الحكم وتسيير شؤون شعوبها.
من هنا، ومع تراجع دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص، تمتعت الاسواق والقطاع المالي عموما بحرية فائقة في ادارة شؤونها واصبح الشعار السائد ان السوق له قوانينه وانه قادر على تصحيح نفسه بنفسه دون تدخل.
وكما خفت القدرات الرقابية على عمل الاسواق المالية ونشاطات المؤسسات المالية في الاقتصادات الرئيسية، اصبح الهدف الاساسي لكل عمليات الاصلاح في اقتصادات الدول النامية هو كف يد الدولة واطلاق يد السوق.
لكن بعض الاقتصادات الصاعدة الرئيسية لم تواصل الطريق الى منتهاه، وظلت للدولة يد في العملية الاقتصادية بشكل واضح، كما هو الحال مع الصين والهند وروسيا وغيرها. ولطالما واجهت تلك الدول انتقادات وشانطن ولندن لهذا السبب بالتحديد.
-
الاموال السهلة
نتيجة عولمة راس المال وفتح اسواق جديدة في العالم، مع عمليات اعادة الهيكلة الاقتصادية التي التزمت وصفات صندوق النقد الدولي في الاغلب، اصبح راس المال ومشتقاته (سندات واسهم وشهادات بمسميات عديدة) هدفا استثماريا في حد ذاته.
بمعنى انك تستثمر مالا في مضاربات وعمليات مالية لتجني ارباحا بغض النظر عن اي اصول حقيقية يستند اليها هذا المال.
من هنا، ولكي تكون الارباح خيالية ومع حيل خبراء الاستثمار بابتكار مشتقات للصناديق الخاصة وغيرها كل يوم، جاءت المغالاة غير المسبوقة في قيمة الاصول في العالم ومنها الاصول العقارية.
ونضرب هنا مثالا بسيطا، هو انه حتى نهاية القرن الماضي كانت قيمة العقارات في العالم لا تتجاوز 40 تريليون دولار ثم تضاعفت فيما بين 2000 و2007 تقريبا لتصل الى 70 تريليون دولار. وقس على ذلك بقية الاصول.
وهكذا اصبح هناك ما يعرف بالاموال السهلة، اي التي تم الحصول عليها في فترات وجيزة ودون عمل حقيقي او تطوير في اصول حقيقية. وشجعت تلك الاموال السهلة على ارتكاب المغامرات الائتمانية التر تراكمت عبر ثلاث عقود لتصل الى الازمة الراهنة.
ماذا بعد ?
-بالطبع تحتاج تلك المغالاة الوهمية في قيمة الاصول الى عملية تصحيح لاعادة النظام للعمل بشكل طبيعي، لكن الغاء نصف قيمة اصول العالم كفيل بان يؤدي الى كارثة. وهذا ما اصاب الحكومات بالذعر والهلع.
كما ان شطب الاموال السهلة، التي لا تقابلها قيم حقيقية، من النظام المالي العالمي يمكن ان يضر ببقية القطاعات التقليدية في الاقتصاد ـ ناهيك عن تاثيره الرهيب على انفاق المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة.
ولان بعض تلك الاقتصادات يشكل فيه الانفاق الاستهلاكي اكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي السنوي، فان المغارمة بهبوط شديد في ذلك الانفاق ستعني ركودا طويل الامد قد يصل الى كساد تام.
لذا جاء التدخل باموال دافعي الضرائب لانقاذ القطاع المالي، وبهدفمعلن هو اعادته للعمل وتفادي انهياره تمهيدا لعملية اصلاح طويلة المدى.
لكن ذلك التدخل الحكومي في حد ذاته انما يتعارض جذريا مع اي امكانية للاصلاح قد تقوم بها السلطات، ما لم يتم اعادة ترتيب العلاقة بين السياسة والاعمال.
كما ان الانقاذ السياسي للقطاع المالي انما اسهم بشكل غير مباشر في "ترحيل" بعض العلل الاساسية التي يعاني منها النظام الى وقت لاحق. ناهيك عن انه عطل عملية تصحيح كاملة للاسواق تتخلص فيها من الاموال السهلة الناجمة عن مغالاة غير حقيقية في قيمة الاصول.