أصبحت الأزمة الاقتصادية العالمية هي الشغل الشاغل لكل المهتمين في مختلف أنحاء العالم، وهي أزمة من نوع خاص لأنها تفصل للمرة الأولى بين المال والاقتصاد، وهذا أمر ظل سائدا منذزمن طويل،
ولكنه يأخذ في هذه المرة منحى قد يؤثر على الواقع الاقتصادي العالمي بشكل كبير، ولكي نبسط الأمر نذكر بأزمة سوق المناخ التي حدثت من قبل في الكويت ولم تكن أزمة بسبب تقلص إنتاج النفط الكويتي أو أسعاره، بل كانت بسبب المضاربة أو المقامرة المنفصلة عن الواقع الاقتصادي الحقيقي، ذلك أن الكثيرين اتخذوا من المضاربة في أسعار الأسهم وسيلة لجني الأرباح غير المبررة والتي لا يسندها واقع اقتصادي حقيقي، وتلك مرحلة في العالم العربي لا يبدو أن الناس استفادوا منها كثيرا بكونهم ما زالوا يضاربون في الأسهم أو في شراء العقارات بأسعار لا تتناسب مع الواقع الحقيقي، وتيسر لهم ذلك المصارف التي تمنح القروض السهلة دون ضمانات، ما قد ينذر بأزمات تشبه ما حدث في الولايات المتحدة.
ولا نريد أن ننظر إلى ما حدث في الولايات المتحدة من المنظورات الاقتصادية الخالصة، لان للأمر أبعادا سياسية تنطلق في مجملها من المعارضة لسياسات الرئيس جورج بوش، وقد بدأت هذه المعارضة تأخذ في الوقت الحاضر اتجاهات جديدة بسبب قرب انتهاء فترة الرئيس وتوقع الناس أن يحدث تغير في الاتجاهات التي سار عليها الرئيس الأمريكي خلال ثماني سنوات من فترة حكمه.
وفي البداية ننظر إلى الكيفية التي تعامل بها المثقفون العرب مع الأزمة المالية الأمريكية التي ذهب بعضهم إلى القول إن هذه الأزمة تشهد نهاية النظام الرأسمالي وتبشر بمجيء نظام عالمي جديد وقد توجد مبررا لتدخل الدولة في التحكم في الاقتصاد، كما وجد أصحاب النظريات الشمولية والاشتراكية والشيوعية ذريعة ليعيدوا فكرهم القديم بالقول إن الأزمة أكدت نظريات كارل ماركس وهي مبشر بان الحل الشمولي الاشتراكي هو الطريق السليم لبناء الدول، وكل تلك آراء تقوم في أساسها على ثقافة محلية لا علم لها بما يجري في العالم أو طبيعة النظم التي تحكم النظام الرأسمالي، ومن الجانب الآخر فإن هناك تيارا آخر يرفض النظامين الرأسمالي والاشتراكي معا ويدعو إلى نظام ديني يحقق العدالة ويضمن سير الاقتصاد في طريقه السليم، ويعتمد هذا الاتجاه على مفهومات نظرية وقيم أخلاقية عامة ولكن ليس لديه أي تجربة يشير إليها في إمكان إقامة نظام مغاير للنظم الاقتصادية المعروفة.
ولم يوضح بالدليل أن هذه النظم تتعارض مع الدين إلا من جانب واحد وهو رفض النظرية الربوية دون إقامة الدليل على أن المصارف الغربية يمكن أن تكون ربوية بكون سعر الفائدة يتغير بحسب نظام السوق، وقد رأينا في الأزمة الحالية دعوة إلى تخفيض سعر الفائدة ما يؤكد أن الفائدة هي أيضا عملية مرابحة ومشاركة تعتمد على ظروف السوق.
ونعود الآن لنتحدث عن طبيعة النظام الرأسمالي وتحديد الميكانزم الذي يعمل من خلاله وكيف يمكن أن يتأثر هذا الميكانزم بعوامل مختلفة.
ونقول في البداية أنه على الرغم من أن النظام الاقتصادي يعتمد أساسا على ليبرالية السوق وحركته الحرة فهو مضبوط إلى حد كبير بالقوانين التي تحددها المصارف المركزية وهي المسؤولة عن تحديد سعر الفائدة، وهذا يعني أن الدولة تملك الوسيلة التي تتدخل بها في السوق لتنظيم نشاطه، ولا تترك الأمر جزافا كما يعتقد الكثيرون.
ولكن على الرغم من ذلك فإن الفكر اليساري المتطرف يشكك في حقيقة ذلك، وقد رأينا كارل ماركس على سبيل المثال يقسم العالم إلى فقراء وأغنياء وأن الأغنياء يستمرون في استغلال الفقراء من أجل تحقيق الأرباح لأنفسهم دون وازع أخلاقي أو انساني، وبالتالي هم يكنزون الثروات التي تكون على حساب الفقراء وهو بالتالي يدعو إلى أن تتم السيطرة على أموال الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، وتلك هي النظرية التي أخذت بها جميع الأنظمة الانقلابية التي قامت في العالم العربي والتي أممت أموال الأغنياء فلم تزد الفقراء إلا فقرا وأثرت سلبا على قدرة الأغنياء في الازدهار وتطوير عمل السوق.
ولا شك أن كارل ماركس حين وضع أفكاره لم يكن يفكر في نظام الدولة بل كان يركز فقط في السلطة التي تتحكم في مصائر الناس وليس في الدولة التي تنظم شؤون حياتهم، وهناك فرق بين السلطة والدولة، وتلك حقيقة غائبة في العالم العربي بصورة خاصة لأن الناس في هذه المنطقة من العالم لا يفرقون بين نظام الحكومة ونظام الدولة ويعتقدون أن الحكومة هي الدولة، وليس ذلك هو الواقع في العالم الغربي حيث الدولة نظام يحقق العدالة لجميع الأفراد ويحكمه القانون وبالتالي لا يستطيع من بيده السلطة أن يخرج عن نظام العدالة الذي يساوي بين المواطنين.
وفي إطار هذا الواقع ينتفي الخط الفاصل بين الأغنياء والفقراء، ذلك أن غنى الأغنياء لا يجعلهم يفتئتون على حقوق الفقراء لأنه غنى اسمي وليس غنى حقيقيا، بمعنى أن الغني في العالم الغربي لا يحمل أمواله في جيبه أو يدخرها في مصارف أجنبية بل هو يضعها في المصارف المحلية بحيث تدخل هذه الأموال في الدورة الاقتصادية العامة ويستفيد منها كل فرد من أفراد المجتمع لأن المصارف في العالم الغربي تستطيع أن تقرض اثني عشر ضعف المبالغ المدخرة فيها وبالتالي يستطيع كل فرد أن يذهب إلى المصرف ويقترض ما يشاء من الأموال لشراء منزله أو إقامة مشروعه التجاري، وبالتالي يصبح شريكا في أموال الأغنياء، وإذا حصلت له أزمة فهو يستطيع أن يعالجها من خلال نظام التأمين أو نظام الضمان الاجتماعي، وإذا كان ما قلناه صحيحا، فكيف حدثت الأزمة في النظام الاقتصادي الأمريكي، ونقول في البداية إن أزمة النظام الاقتصادي ليست أزمة اقتصاد بل هي أزمة مالية مثل ما حدث في سوق المناخ وغيره من أسواق المضاربة، وتشترك معظم دول العالم في هذه الأزمة لأنها سمحت للنظام الأمريكي بأن ينفرد بالعملة الوحيدة العالمية التي تتحكم في الأسواق. ونحن نسمع في هذه الأيام من يقول إن النظام الاقتصادي الأمريكي هو أكبر اقتصاد في العالــم ونسمع من يقول إذا عطست الولايات المتحدة أصيب العالم كله بالزكــام، فهل الولايات المتحدة أكبر نظام اقتصادي في العالم؟
الإجابة هي لا والاقتصاد الأمريكي ليس في حجم الاقتصاد الياباني أو الصيني من حيث ضخامة الإنتاج، ولكن الولايات المتحدة تتميز باحتكار الدولار، وكما قال أحد الخبراء فإن بين كل مئة دولار متداولة في الأسواق فإن ثمانية وتسعين منها لا تعتمد على إنتاج حقيقي، وبالتالي فإن الولايات المتحدة كانت في الواقع تتحكم في اقتصاد العالم من حيث تحكمها في الدولار، وكان يساعدها على ذلك قبول العالم كله للدولار عملة عالمية دون مبرر لذلك وكانت معظم ودائع الدول تذهب إلى الولايات المتحدة، ولم تتوقف الولايات المتحدة عن طبع المزيد من الدولارات ما أوجد حالة من التضخم كبيرة في البلاد بسبب زيادة السهولة وهو ما رفع أسعار العقارات إلى درجة عالية وأدى في النهاية إلى أزمة الرهن العقاري حيث وجد كثير من الأمريكيين أنفسهم غير قادرين على سداد مديونيتهم للمصارف وبالتالي أصيبت المصارف بانتكاسة كبيرة ونقص في السيولة، ورفضت المصارف أن تقرض بعضها بعضا. وقد حاولت الولايات المتحدة أن تعالج مشكلتها أول الأمر بتخفيض سعر الدولار وتلك وسيلة للاستيلاء بها على مدخرات الدول، ولكن هذا الوضع أدى إلى تزايد أسعار النفط بدرجة كبيرة، وكان المتضرر من ذلك الدول الفقيرة التي وجدت نفسها تدفع فواتير عالية لشراء النفط وهو ما أدى إلى زيادة نسب التضخم في هذه الدول، بعد ان ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى درجة فلكية، وتداعى الأمر إلى درجة أن كثيرا من الدول بدأت تفكر في سحب أرصدتها من الولايات المتحدة ولكن إلى أين المفر؟
وهنا بدأت الأزمة المالية العالمية تحدث آثارها على المستوى الاقتصادي خاصة بعد أن انهارت شركات إعادة التأمين الأمريكية المرتبطة بشركات التأمين في كل أنحاء العالم، وبذلك بدا التخوف من فقد الناس ضمان معاشاتهم وتأمينات دفع فواتير المساكن، وظن الساسة الغربيون أن الحل يكمن في ضخ أموال في المصارف الغربية كما فعلت الولايات المتحدة وهو حل مبتسر لأنه يكلف دافع الضرائب مزيدا من الأعباء كما أنه لا يحل المشكلة إلا حلا وقتيا، لأن المطلوب هو إصلاح النظام المالي العالمي بإنهاء احتكار الدولار لاقتصاد العالم والاعتماد على الإنتاج كما هو شأن الصين واليابان، وأما بالنسبة للدول العربية الغنية فيجب أن تتوقف عن وضع مدخراتها بالعملات في المصارف الغربية وتبحث عن استثمارات حقيقية خاصة في البلدان العربية التي فيها كثير من فرص الاستثمار. وفي هذه المرحلة يجب أن ندرك أن الأزمة في اساسها مالية، ولكن يجب تدارك أبعادها الاقتصادية من خلال بدء مرحلة لا تتحكم فيها عملة واحدة في مصائر العالم.
ولكنه يأخذ في هذه المرة منحى قد يؤثر على الواقع الاقتصادي العالمي بشكل كبير، ولكي نبسط الأمر نذكر بأزمة سوق المناخ التي حدثت من قبل في الكويت ولم تكن أزمة بسبب تقلص إنتاج النفط الكويتي أو أسعاره، بل كانت بسبب المضاربة أو المقامرة المنفصلة عن الواقع الاقتصادي الحقيقي، ذلك أن الكثيرين اتخذوا من المضاربة في أسعار الأسهم وسيلة لجني الأرباح غير المبررة والتي لا يسندها واقع اقتصادي حقيقي، وتلك مرحلة في العالم العربي لا يبدو أن الناس استفادوا منها كثيرا بكونهم ما زالوا يضاربون في الأسهم أو في شراء العقارات بأسعار لا تتناسب مع الواقع الحقيقي، وتيسر لهم ذلك المصارف التي تمنح القروض السهلة دون ضمانات، ما قد ينذر بأزمات تشبه ما حدث في الولايات المتحدة.
ولا نريد أن ننظر إلى ما حدث في الولايات المتحدة من المنظورات الاقتصادية الخالصة، لان للأمر أبعادا سياسية تنطلق في مجملها من المعارضة لسياسات الرئيس جورج بوش، وقد بدأت هذه المعارضة تأخذ في الوقت الحاضر اتجاهات جديدة بسبب قرب انتهاء فترة الرئيس وتوقع الناس أن يحدث تغير في الاتجاهات التي سار عليها الرئيس الأمريكي خلال ثماني سنوات من فترة حكمه.
وفي البداية ننظر إلى الكيفية التي تعامل بها المثقفون العرب مع الأزمة المالية الأمريكية التي ذهب بعضهم إلى القول إن هذه الأزمة تشهد نهاية النظام الرأسمالي وتبشر بمجيء نظام عالمي جديد وقد توجد مبررا لتدخل الدولة في التحكم في الاقتصاد، كما وجد أصحاب النظريات الشمولية والاشتراكية والشيوعية ذريعة ليعيدوا فكرهم القديم بالقول إن الأزمة أكدت نظريات كارل ماركس وهي مبشر بان الحل الشمولي الاشتراكي هو الطريق السليم لبناء الدول، وكل تلك آراء تقوم في أساسها على ثقافة محلية لا علم لها بما يجري في العالم أو طبيعة النظم التي تحكم النظام الرأسمالي، ومن الجانب الآخر فإن هناك تيارا آخر يرفض النظامين الرأسمالي والاشتراكي معا ويدعو إلى نظام ديني يحقق العدالة ويضمن سير الاقتصاد في طريقه السليم، ويعتمد هذا الاتجاه على مفهومات نظرية وقيم أخلاقية عامة ولكن ليس لديه أي تجربة يشير إليها في إمكان إقامة نظام مغاير للنظم الاقتصادية المعروفة.
ولم يوضح بالدليل أن هذه النظم تتعارض مع الدين إلا من جانب واحد وهو رفض النظرية الربوية دون إقامة الدليل على أن المصارف الغربية يمكن أن تكون ربوية بكون سعر الفائدة يتغير بحسب نظام السوق، وقد رأينا في الأزمة الحالية دعوة إلى تخفيض سعر الفائدة ما يؤكد أن الفائدة هي أيضا عملية مرابحة ومشاركة تعتمد على ظروف السوق.
ونعود الآن لنتحدث عن طبيعة النظام الرأسمالي وتحديد الميكانزم الذي يعمل من خلاله وكيف يمكن أن يتأثر هذا الميكانزم بعوامل مختلفة.
ونقول في البداية أنه على الرغم من أن النظام الاقتصادي يعتمد أساسا على ليبرالية السوق وحركته الحرة فهو مضبوط إلى حد كبير بالقوانين التي تحددها المصارف المركزية وهي المسؤولة عن تحديد سعر الفائدة، وهذا يعني أن الدولة تملك الوسيلة التي تتدخل بها في السوق لتنظيم نشاطه، ولا تترك الأمر جزافا كما يعتقد الكثيرون.
ولكن على الرغم من ذلك فإن الفكر اليساري المتطرف يشكك في حقيقة ذلك، وقد رأينا كارل ماركس على سبيل المثال يقسم العالم إلى فقراء وأغنياء وأن الأغنياء يستمرون في استغلال الفقراء من أجل تحقيق الأرباح لأنفسهم دون وازع أخلاقي أو انساني، وبالتالي هم يكنزون الثروات التي تكون على حساب الفقراء وهو بالتالي يدعو إلى أن تتم السيطرة على أموال الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، وتلك هي النظرية التي أخذت بها جميع الأنظمة الانقلابية التي قامت في العالم العربي والتي أممت أموال الأغنياء فلم تزد الفقراء إلا فقرا وأثرت سلبا على قدرة الأغنياء في الازدهار وتطوير عمل السوق.
ولا شك أن كارل ماركس حين وضع أفكاره لم يكن يفكر في نظام الدولة بل كان يركز فقط في السلطة التي تتحكم في مصائر الناس وليس في الدولة التي تنظم شؤون حياتهم، وهناك فرق بين السلطة والدولة، وتلك حقيقة غائبة في العالم العربي بصورة خاصة لأن الناس في هذه المنطقة من العالم لا يفرقون بين نظام الحكومة ونظام الدولة ويعتقدون أن الحكومة هي الدولة، وليس ذلك هو الواقع في العالم الغربي حيث الدولة نظام يحقق العدالة لجميع الأفراد ويحكمه القانون وبالتالي لا يستطيع من بيده السلطة أن يخرج عن نظام العدالة الذي يساوي بين المواطنين.
وفي إطار هذا الواقع ينتفي الخط الفاصل بين الأغنياء والفقراء، ذلك أن غنى الأغنياء لا يجعلهم يفتئتون على حقوق الفقراء لأنه غنى اسمي وليس غنى حقيقيا، بمعنى أن الغني في العالم الغربي لا يحمل أمواله في جيبه أو يدخرها في مصارف أجنبية بل هو يضعها في المصارف المحلية بحيث تدخل هذه الأموال في الدورة الاقتصادية العامة ويستفيد منها كل فرد من أفراد المجتمع لأن المصارف في العالم الغربي تستطيع أن تقرض اثني عشر ضعف المبالغ المدخرة فيها وبالتالي يستطيع كل فرد أن يذهب إلى المصرف ويقترض ما يشاء من الأموال لشراء منزله أو إقامة مشروعه التجاري، وبالتالي يصبح شريكا في أموال الأغنياء، وإذا حصلت له أزمة فهو يستطيع أن يعالجها من خلال نظام التأمين أو نظام الضمان الاجتماعي، وإذا كان ما قلناه صحيحا، فكيف حدثت الأزمة في النظام الاقتصادي الأمريكي، ونقول في البداية إن أزمة النظام الاقتصادي ليست أزمة اقتصاد بل هي أزمة مالية مثل ما حدث في سوق المناخ وغيره من أسواق المضاربة، وتشترك معظم دول العالم في هذه الأزمة لأنها سمحت للنظام الأمريكي بأن ينفرد بالعملة الوحيدة العالمية التي تتحكم في الأسواق. ونحن نسمع في هذه الأيام من يقول إن النظام الاقتصادي الأمريكي هو أكبر اقتصاد في العالــم ونسمع من يقول إذا عطست الولايات المتحدة أصيب العالم كله بالزكــام، فهل الولايات المتحدة أكبر نظام اقتصادي في العالم؟
الإجابة هي لا والاقتصاد الأمريكي ليس في حجم الاقتصاد الياباني أو الصيني من حيث ضخامة الإنتاج، ولكن الولايات المتحدة تتميز باحتكار الدولار، وكما قال أحد الخبراء فإن بين كل مئة دولار متداولة في الأسواق فإن ثمانية وتسعين منها لا تعتمد على إنتاج حقيقي، وبالتالي فإن الولايات المتحدة كانت في الواقع تتحكم في اقتصاد العالم من حيث تحكمها في الدولار، وكان يساعدها على ذلك قبول العالم كله للدولار عملة عالمية دون مبرر لذلك وكانت معظم ودائع الدول تذهب إلى الولايات المتحدة، ولم تتوقف الولايات المتحدة عن طبع المزيد من الدولارات ما أوجد حالة من التضخم كبيرة في البلاد بسبب زيادة السهولة وهو ما رفع أسعار العقارات إلى درجة عالية وأدى في النهاية إلى أزمة الرهن العقاري حيث وجد كثير من الأمريكيين أنفسهم غير قادرين على سداد مديونيتهم للمصارف وبالتالي أصيبت المصارف بانتكاسة كبيرة ونقص في السيولة، ورفضت المصارف أن تقرض بعضها بعضا. وقد حاولت الولايات المتحدة أن تعالج مشكلتها أول الأمر بتخفيض سعر الدولار وتلك وسيلة للاستيلاء بها على مدخرات الدول، ولكن هذا الوضع أدى إلى تزايد أسعار النفط بدرجة كبيرة، وكان المتضرر من ذلك الدول الفقيرة التي وجدت نفسها تدفع فواتير عالية لشراء النفط وهو ما أدى إلى زيادة نسب التضخم في هذه الدول، بعد ان ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى درجة فلكية، وتداعى الأمر إلى درجة أن كثيرا من الدول بدأت تفكر في سحب أرصدتها من الولايات المتحدة ولكن إلى أين المفر؟
وهنا بدأت الأزمة المالية العالمية تحدث آثارها على المستوى الاقتصادي خاصة بعد أن انهارت شركات إعادة التأمين الأمريكية المرتبطة بشركات التأمين في كل أنحاء العالم، وبذلك بدا التخوف من فقد الناس ضمان معاشاتهم وتأمينات دفع فواتير المساكن، وظن الساسة الغربيون أن الحل يكمن في ضخ أموال في المصارف الغربية كما فعلت الولايات المتحدة وهو حل مبتسر لأنه يكلف دافع الضرائب مزيدا من الأعباء كما أنه لا يحل المشكلة إلا حلا وقتيا، لأن المطلوب هو إصلاح النظام المالي العالمي بإنهاء احتكار الدولار لاقتصاد العالم والاعتماد على الإنتاج كما هو شأن الصين واليابان، وأما بالنسبة للدول العربية الغنية فيجب أن تتوقف عن وضع مدخراتها بالعملات في المصارف الغربية وتبحث عن استثمارات حقيقية خاصة في البلدان العربية التي فيها كثير من فرص الاستثمار. وفي هذه المرحلة يجب أن ندرك أن الأزمة في اساسها مالية، ولكن يجب تدارك أبعادها الاقتصادية من خلال بدء مرحلة لا تتحكم فيها عملة واحدة في مصائر العالم.
عدل سابقا من قبل محمد في الجمعة أكتوبر 10, 2008 11:04 pm عدل 1 مرات