اعتراف حكومي معلن بفشل إصلاح قطاع الكهرباء.. ومقدمة لرفع الدعم عن المستهلكين!
بقلم: مروان دراج
أقرت
الحكومة قبل أيام، أنها تعكف على دراسة مشروع قانون يسمح بنقل وإنتاج
وتوزيع الطاقة الكهربائية، والحقيقة أنَّ إمكان إصدار مثل هذا القانون كان
متوقعاً منذ أكثر من عام. وليس هناك ما يدعو إلى الاستهجان أو الاستغراب،
مثلما فعل البعض من الذين لا يؤيدون إشراك القطاع الخاص في الاستثمار بهذا
القطاع الحيوي. وما يجعلنا نتوقع صدور هذا القانون، مجموعة من المؤشرات،
أبرزها: أن مؤسسة توليد الطاقة كانت قد أقدمت منذ نحو العام، بدراسة طلبات
تقدم بها القطاع الخاص لإحداث محطات توليد موزعة على أكثر من محافظة، وبعض
هذه الطلبات تعود إلى مجموعتي آغا خان ومحجوب الصناعية،.. وأيضاً كان
السيد وزير الكهرباء قد وقع مؤخراً على مذكرة تفاهم، مع الشركة السورية
القابضة، لإقامة شركة مشتركة، سورية قطرية، تملك سورية (50) بالمئة من
أسهمها، ومهمتها إقامة محطات لتوليد الطاقة، .. وما ترمي إلى قوله: أنَّ
الإقدام على اتخاذ خطوات عملية من جانب المؤسسات الحكومية كان قد سبق
الإعلان عن مشروع القانون في المنابر الإعلامية الرسمية، فالقطاع الخاص لو
لم يكن يعلم في إمكان ولادة هذا القانون في وقت قريب لما تقدم بتلك
الطلبات.
وصدور
مثل هذا القانون يمثل ضرورة موضوعية وذاتية لأكثر من اعتبار وسبب، فالأمر
الذي لم يعد خافياً على أحد، أنَّ الحاجة إلى الطاقة الكهربائية باتت
تتزايد بشكل غير متوقع، ويقدر البعض هذه الزيادة بنحو (100) بالمئة نتيجة
التوسع في مشاريع الاستثمار الخاص، والتزايد السكاني واتساع حجم السكن
والعمران والنشاط الزراعي والصناعي وغيرها من الاستخدامات، وكانت تقديرات
الخبراء قد أكدت في السنوات الأخيرة، على أنّ سورية باتت بحاجة إلى إقامة
محطات جديدة لتوليد الطاقة في كل عام، وفي حال عدم الاستجابة لمثل هذا
الاستحقاق، فإنّ العجز التراكمي في الطاقة سوف يستمر، وهذا بدوره سوف يؤدي
إلى استمرار برامج التقنين وتواصل الانقطاعات الكهربائية، ويذكر أنّ هذه
الانقطاعات كانت قد بقيت على حالها، على الرغم من كثافة الانتقادات التي
صدرت من جانب الرأي العام. فضلاً عن تحذيرات الحكومة المتكررة للمؤسسة
العامة لتوليد الطاقة، والتي تمثلت غير مرة في منح هذه المؤسسة أكثر من
مهلة زمنية لوقف الانقطاعات التي تركت تداعياتها السلبية على أكثر من قطاع
صناعي وخدمي وسواها من المجالات الحيوية الأخرى.
وأيضاً
يتعين الإشارة، بأن دخول القطاع الخاص على هذا النمط من الاستثمار كان
أكثر من ضرورة، ذلك أنّ هذه المشاريع تعتبر من المشاريع الكبرى التي بحاجة
إلى توظيف استثمارات عالية واستقدام معدات ثقيلة، وتوفير المواد الأولية
المولدة للطاقة من غاز وفيول، وكانت وزارة الكهرباء طيلة السنوات الأخيرة،
قد أكدت أنها تعاني من أزمة تحويل لإحداث هذه المشاريع، وحسب التقديرات
التي صدرت عن الوزارة، أنها بحاجة خلال السنوات الخمس القادمة لنحو (240)
مليار ليرة، للاستثمار في مجال التوليد حصراً، ومثل هذا الرقم العملاق
يبدو أنّه يفوق قدرات وإمكانات الحكومة، وبالتالي كان لابدّ من إطلاق نداء
استغاثة واللجوء إلى الاستثمار الخاص، لإنقاذ الواقع الكهربائي من الأزمات
التي يمكن أن تحدث مستقبلاً.
وبغض
النظر عن الآثار الإيجابية الناجمة عن دخول القطاع الخاص إلى ميدان
الاستثمار في الطاقة، فإنّ أية قراءة جادة لمضمون مشروع القانون سوف تعني،
بأنّ هناك تحرير شبه كامل لهذا القطاع الخدمي، ومن غير المستبعد، أن يتم
التسويق والترويج لهذا التحرير على مراحل ومن خلال جرعات قد تصل إلى حدود
الصدمة، ذلك أن مشروع القانون لم يكتفِ في الإشارة إلى السماح للقطاع
الخاصة بإنتاج الطاقة فقط، وإنما أيضاً يمكنه توزيع ونقل الكهرباء، وهذا
يعني وبعد انقضاء سنوات، بمقدور القطاع الخاص ومن خلال المستثمرين ورجال
الأعمال، إدارة واستثمار قطاع الكهرباء من بابه إلى محرابه.
وهذا
التفرد أو الاحتكار من جانب القطاع الخاص، سوف يؤدي إلى بيع الكهرباء
لمؤسسات الكهرباء العامة، وفقاً للأسعار الرائجة عالمياً وليس على أساس
الأسعار التي تأخذ بها الحكومة منذ عقود من الزمن، وبالتالي من الطبيعي
أنّ يترك هذا الأمر تبعات سلبية على المستهلكين، وبلغة أكثر وضوحاً، قد
تواجه الحكومة مستقبلاً خيارات صعبة لم تكن مسبوقة من قبل في هذا الجانب،
فهي إن كانت تقوم بتقديم الدعم لهذا المنتج، انطلاقاً من كونها تقوم
بإنتاج الطاقة من خلال المحطات التي تمتلك أصولها وموجوداتها، فإنها وبعد
شراء الطاقة من القطاع الخاص، قد تجد نفسها مضطرة إلى رفع غطاء الدعم
كلياً، أي تماساً، مثلما هي التوقعات الحالية بشأن المازوت والغاز وسواها
من المنتجات المدعومة التي تكلف الحكومة مئات المليارات سنوياً. قد يكون
من المبكّر جداً استشراف المستقبل وإطلاق الأحكام حول ما يمكن أن يؤول
إليه مصير قطاع الكهرباء، وأيضاً لن نحاول الظهور كمدافعين عن الهوية
الاقتصادية التي سبقت إقرار اقتصاد السوق الاجتماعي، وإنما سنسأل بشيء من
الشفافية التي تمس هواجس الرأي العام.. هل وزارة الكهرباء التي تمتلك
الإمكانات المادية والفنية والبشرية غير قادرة فعلاً على تشييد محطات
جديدة للطاقة؟!.. وهل القطاع الخاص وبخبراته الفقيرة والمحدودة وغير
المسبوقة في هذا المجال، يمكن أن يحقق النجاح في هذا النمط من
الاستثمار؟.. والأهم من كل هذا وذاك.. أيهما أكثر جدوى من الناحية
الاقتصادية: .. السعي إلى مشاركة القطاع الخاص في توليد وإنتاج وتسويق
الطاقة.. أم مشاركة هذا القطاع من أجل تأهيل شبكات الكهرباء وإعادة
صيانتها وإعمارها لخفض الكميات العملاقة من الفاقد الكهربائي؟:
قد
لا ندرك ما يعنيه السؤال الأخير من أهمية، إلاّ في حال التذكير بأنَّ
الاقتصاد الوطني يتكبد سنوياً نحو (14) مليار ليرة بسبب الفاقد الكهربائي
فقط، وهذا الرقم يشكل قيمة كميات الفاقد التي وصلت إلى نحو مليارين و(60)
مليون كيلو واط ساعي. ومن يدقق في هذا الرقم، سوف يكتشف أنه يشكل نحو ثلث
إجمالي كميات الطاقة التي كانت تنتج لغاية عام 2004، .. والسؤال: هل يعقل
أن الحلول ما زالت قاصرة وغير ممكنة لمعالجة هذه المشكلة في ظل التطور
المتواتر للتقانات الحديثة؟!.. وهل من الحكمة أو الصواب أن نقوم بشراء
الكهرباء.. بينما نحن نعلم سلفاً، بأن ثلث الكميات المشتراه ستذهب هدراً؟!
وما
نرمي الوصول إليه من خلال هذه الأسئلة وسواها.. بأنّ السعي إلى تحرير قطاع
الطاقة أو بعض جوانب هذا القطاع، قد لا يكون من الخيارات الخاطئة على
المستوى الاستراتيجي، وفي ظل تنامي وتوسع القاعدة الصناعية. والطلب
المتزايد على الطاقة. ولكن مع ذلك يفترض أنّ هناك أولويات لابدّ من
مراعاتها والأخذ بها، أي كان بمقدور الحكومة وقبل أن تعكف على دراسة مشروع
القانون وإقراره في وقت قريب، أن تعمل ومن خلال مؤسسة استثمار الطاقة، في
الإعلان عن عروض تطالب من خلالها شركات القطاع الخاص ذات الخبرة العالمية
في البلدان العربية أو المحلية، للإسهام في إعادة تأهيل وصيانة شبكات
الكهرباء، سواء في الأحياء المنظمة أو في مناطق السكن العشوائي،
وباعتقادنا أنّ مثل هذا المشروع وإن كان يبدو في ظاهره على درجة عالية من
الكلفة المادية، لكنّه حتماً يضمن توفير مليارات الليرات التي كانت وما
زالت تهدر سنوياً وتحرم منها خزينة الدولة.. ببساطة كان على الحكومة أن
تبدأ بالأولويات وليس بالتحرير شبه كلي لقطاع يفترض أنّه يعود بأرباح
خيالية لحزينة الدولة، فيما لو كان الإصلاح جاداً لهذا القطاع أو سواه من
القطاعات العامة التي باتت تعرض كي تباع خطوة خطوة للقطاع الخاص وتحت
يافطة أو ذريعة مكشوفة اسمها الاستثمار!!