ما زالت وزارة الإعلام السورية تؤمن بوجهة نظر مختلفة في ما يخصّ الإعلام الحرّ. حتى اليوم، ما زال صعباً الحصول على ترخيص لإنشاء إذاعة خاصة، إلا إذا انحصرت ضمن الإذاعات الفنيّة التجارية، مع فرض رقابة من نوع خاص عليها. وهذه الرقابة تهدف ـــــ في المقام الأول ـــــ إلى الحرص على عدم خروج هذه الإذاعات عن «الحظيرة» والخطّ المرسوم لها في ما تقدّمه من برامج. وفي وقت وصل فيه عدد الإذاعات السورية الفنية التجارية إلى 13، فإنّ معظمها اختار بث أحدث الأغاني وتقديم بعض البرامج الخفيفة المتشابهة التي تجمع بين سطحية الفكرة والمبالغة في أسلوب تقديم المذيعين الذين يجاهدون لإظهار خفّة دم «استثنائية».
وسط هذه الصورة المعتمة، وجدت إحدى الإذاعات خطاً مغايراً، واستطاعت التحايل على رخصة البثّ الفنية التجارية تلك.
رؤية وهوية بصرية خاصة قد تكون جديدة في طريقة مخاطبتها لمستمعيها ومشاهديها
والإذاعة ليست سوى Sham Fm التي اعتبرت ـــــ على لسان مديرها سامر يوسف ـــــ أنّ الإعلام «لا يقتصر على قراءة sms وأغنية، إنما هو حوار ونقاش لكل المواضيع مهما كانت مخجلة». وفي أولى خطواتها، تولّت الإعلامية هيام حموي ـــــ التي تملك باعاً طويلاً في هذا المجال منذ عملها في «راديو مونتي كارلو» حتى «صوت الشرق»ـــــ مهمّة الإشراف على ما يقدم على أثير الإذاعة، ثم أخذت على عاتقها بث بعض البرامج التي تعمل على إحياء الفن الأصيل من أم كلثوم إلى الأغنيات الرحبانية وأعمال زياد الرحباني وغيرها. وخلال الاحتفال بعيدها الثاني الأسبوع الماضي، ها هي تستغلّ المناسبة لتطلق محطتها الفضائية التي تحمل الاسم عينه. وقد آثرت أن تحصل على الترخيص من مصر، ليبدأ بثها التجريبي من مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، لأنّ الحصول على ترخيص محطة فضائية في سوريا أمر صعب. وإن كانت «شام إف إم» تكتفي مبدئياً بإظهار «لوغو» المحطة على التردد الفضائي الذي حجزته لنفسها مع البرامج التي تبثّها الإذاعة، إلا أنّ خطوة إطلاق المحطة تُظهر رغبة الإذاعة في منافسة الإعلام المرئي. لكنّ «شام إف إم» لم تكن السبّاقة في هذه الخطوة. إذ حجزت الكثير من الإذاعات التجارية تردّدها عبر الأقمار الصناعية بهدف ربحي، فكان بثها الفضائي عبارةً عن برنامج يتيم، يعتمد على أحدث وسائل النصب الإعلامي الحديث. مثلاً، تظهر على الشاشة فتاة تبدأ بتحفيز المشاهدين على الاتصال بكل ما أوتيت من جهد وأنوثة افتراضية، ما دام أجرها يأتي من نسبة الأرباح لتلك الاتصالات الهادفة إلى الإجابة عن أحجية على شاكلة «أخت خالك وليست خالتك فمن تكون؟». وإذا لم يحالف الحظ هذه المحطات بالعثور على مذيعة أو مذيع، فإنها ستكتفي ببث الأغاني وعرض رسائل الحب والغرام للمطلّق الخليجي الذي يبحث عن أرملة تقبل به زوجاً! سياسة المحطات تلك جعلت مالك إحداها يحتفل برقم قياسي من الأرباح، استطاع تحقيقه أخيراً. ويبقى السؤال المطروح حول مستقبل «شام إف أم» وما إذا كانت تسعى إلى طرح دورة برامجية منوعة، وشراء أعمال درامية، أم هي ستكتفي بما تبثه الإذاعة. هنا، يقول سامر يوسف مدير «شام إف إم» لـ«الأخبار» إنّ من غير المنطقي مقارنة المحطة الوليدة بالفضائيات الأخرى، وهي تفضل عدم الدخول في سوق المنافسة الدرامية، لكونها تختلف في سياستها عن المحطات التلفزيونية. إذ إنّ محطّته لن تكون تلفزيونية بشكل كامل، ولن تكتفي ببثها الإذاعي، إنّما هي خطوة لتوسيع الانتشار وفق رؤية وهوية بصرية خاصة، وربما تكون جديدة في نوعها وطريقة مخاطبتها لمستمعيها ومشاهديها. مَن يستمع لـ«شام إف إم» الأرضية ويتابع برامجها، سيكون على ثقة بأنّ هذه الوسيلة الإعلامية لا يمكنها الخروج عن هويتها التي قامت ببنائها من خلال بثها الأرضي طوال الفترة السابقة، وبالتالي ما سيكون عليه البث الفضائي عموماً هو ترجمة بصرية لما يستمع إليه جمهور «شام إف إم».
ورغم أنّ الإذاعة تتمتّع بفريق عمل له باع طويل في العمل الإذاعي، إلا أنّ مسألة البث التلفزيوني الفضائي لها خصوصيتها. لذا فإن «شام إف إم» ستستقطب كوادر إضافية تعمل ضمن مقر المحطة في مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة وفق ما يوضح مديرها.
طبعاً، لن يغيّر مكان إطلاق المحطة من هويتها السورية التي قد تظهر في أسلوبها وتؤثّر فيه، وربما يكون التلفزيون السوري ـــــ العاجز عن اللحاق بركب التطور الفضائي ـــــ مثالاً تحتذي به المحطة. لكنّ سامر يوسف يؤكّد أنّ المحطة ستتخذ من تجربة الإذاعة وحضورها المميز في الشارع السوري نموذجاً ستسعى إلى تعزيزه.