لعرب
اونلاين-قرار الرئيس الأميركي إعادة السفير إلى دمشق بعد أربع سنوات ونيف
من شغور الموقع، خطوة متقدمة قياسا بما سبق، كذلك الانفتاح السعودي على
سوريا وعودة التشاور بين الجانبين.
والخطوة الأميركية
حيال
سوريا، لا تزال دون تحولها شهر عسل عقبات كثيرة أبرزها تلك المعادلة التي
تربط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بمصالح إسرائيل وحماية أمنها،
فضلا عن الإرث السياسي للإدارات الأميركية المتعاقبة الذي بنى وجهة نظره
وقناعاته على خلفية عدم الثقة بالنظام السوري إلى درجة أن هذا الإرث لم
يعد مجرد آراء وخلاصات واستنتاجات سياسية، بل انتظم لاحقا وتأطر وتقونن
أميركيا ودوليا من خلال منظمة الأمم المتحدة عبر شبكة واسعة من القوانين
والتشريعات التي قررتها إدارة الرئيس بوش، لعل أبرزها "قانون محاسبة
سوريا". ومن شأن هذا الإرث أن يعقّد خيار التعامل مع دمشق وتحسين العلاقة
معها لا سيما في الكونغرس، وسيشجع المعارضين على تسعير معارضتهم لأي تقدم
في العلاقة.. ولا يستبعد أن يكرر أوباما سيناريو الرئيس ساركوزي عندما
تحولت فرنسا في اتجاه سوريا محدثة انفراجة في ملفات كثيرة وخصوصا اللبناني
منها.
وخطوة الرياض حيال دمشق أو العكس، لا تزال أيضا دون عودتها إلى الأيام
الخوالي مطبات كثيرة يعشش معظمها في لبنان وجزء منها في فلسطين والبقية
على الطريق بين دمشق وطهران... ولكن، على رغم ذلك، فإن الوئام المستجد بين
الطرفين سمح باجتياز امتحانات صعبة وعسيرة بلا عقبات تذكر كان آخرها
امتحان الانتخابات النيابية اللبنانية الذي ينتظر أن يكتمل بتأليف الحكومة
الأولى لسعد الحريري. وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن تنجلي معالم اتفاق جديد
بين ضلعي المثلث العربي القديم الذي لا يزال ينقصه الضلع الثالث: مصر،
وقبل أن تتضح حدود الحصص التي تقاسمتها كل من الرياض ودمشق في لبنان وغيره.
والخطوتان الأميركية والسعودية حيال دمشق، ترميان أولا إلى إبعاد دمشق
خطوة عن إيران على أمل إخراجها بالكامل عن فلكها أو كسر تحالفهما، لكن هل
تقابل الخطوتان بتراجع سوريا خطوتين إلى الوراء في علاقتها بطهران؟
وفي الوقت الذي قرر أوباما إعادة السفير، وقبل أيام من وصول موفد الملك
السعودي إلى دمشق، كان الرئيس السوري أول من هنأ نظيره الإيراني بعودته
إلى السلطة في انتخابات شغلت بنتائجها العالم والمحيط.
فـ"التاجر الشاطر" هو الذي يعرف كيف ينوع مصادر بضاعته والمشترين، لا بل
هو الذي لا يظهر بضاعته قبل أن يقبض الثمن. فسوريا انتقلت أخيرا في
سياستها الخارجية من الاعتماد المطلق على الحليف الإيراني الوثيق إلى
تنويع الحلفاء المقربين. ففي سنوات قليلة جعلت علاقتها بتركيا توازي
علاقتها بإيران من حيث الأهمية كما جعلت الأولى قناة للانفتاح على أميركا
فيما تركت الثانية سندا لها لمواجهة أميركا نفسها في زمن الشدة.
وتحولت في آن جسرا للدولتين الإقليميتين الكبيرتين إلى قلب المنطقة
العربية، وإلى كابح لتمددهما في هذه المنطقة لا بقوتها الذاتية إنما
بإقامة التوازن بينهما. وعمدت أيضا إلى تطبيع علاقتها مع السعودية ومصر
مسوقة حلفها مع إيران وتركيا كبضاعة غالية الثمن لا يمكن شراؤها إلا من
دمشق، فهي وإن تلاقت مع طهران في لبنان وفلسطين، فإنه يمكنها أن تكون خصما
لها في العراق بدفاعها عن هويته العربية ووحدة أراضيه.
ومع تثبيت نجاد رئيسا لإيران، سيكون في إمكان دمشق أن تظهر للعالم بمظهر
حليفته الأكثر اعتدالا منه والقادرة على محاورته، مما يؤهلها، ربما، لأن
تكون وسيطا بينه وبين الغرب، وبينه وبين حلفائها الجدد: العرب "المعتدلين".
وهكذا تكون سوريا "التاجر الشاطر" الذي يبيع سلعة واحدة لكثيرين ويقبض أثمانها سلفا من الجميع.
العرب اونلاين
اونلاين-قرار الرئيس الأميركي إعادة السفير إلى دمشق بعد أربع سنوات ونيف
من شغور الموقع، خطوة متقدمة قياسا بما سبق، كذلك الانفتاح السعودي على
سوريا وعودة التشاور بين الجانبين.
والخطوة الأميركية
حيال
سوريا، لا تزال دون تحولها شهر عسل عقبات كثيرة أبرزها تلك المعادلة التي
تربط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بمصالح إسرائيل وحماية أمنها،
فضلا عن الإرث السياسي للإدارات الأميركية المتعاقبة الذي بنى وجهة نظره
وقناعاته على خلفية عدم الثقة بالنظام السوري إلى درجة أن هذا الإرث لم
يعد مجرد آراء وخلاصات واستنتاجات سياسية، بل انتظم لاحقا وتأطر وتقونن
أميركيا ودوليا من خلال منظمة الأمم المتحدة عبر شبكة واسعة من القوانين
والتشريعات التي قررتها إدارة الرئيس بوش، لعل أبرزها "قانون محاسبة
سوريا". ومن شأن هذا الإرث أن يعقّد خيار التعامل مع دمشق وتحسين العلاقة
معها لا سيما في الكونغرس، وسيشجع المعارضين على تسعير معارضتهم لأي تقدم
في العلاقة.. ولا يستبعد أن يكرر أوباما سيناريو الرئيس ساركوزي عندما
تحولت فرنسا في اتجاه سوريا محدثة انفراجة في ملفات كثيرة وخصوصا اللبناني
منها.
وخطوة الرياض حيال دمشق أو العكس، لا تزال أيضا دون عودتها إلى الأيام
الخوالي مطبات كثيرة يعشش معظمها في لبنان وجزء منها في فلسطين والبقية
على الطريق بين دمشق وطهران... ولكن، على رغم ذلك، فإن الوئام المستجد بين
الطرفين سمح باجتياز امتحانات صعبة وعسيرة بلا عقبات تذكر كان آخرها
امتحان الانتخابات النيابية اللبنانية الذي ينتظر أن يكتمل بتأليف الحكومة
الأولى لسعد الحريري. وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن تنجلي معالم اتفاق جديد
بين ضلعي المثلث العربي القديم الذي لا يزال ينقصه الضلع الثالث: مصر،
وقبل أن تتضح حدود الحصص التي تقاسمتها كل من الرياض ودمشق في لبنان وغيره.
والخطوتان الأميركية والسعودية حيال دمشق، ترميان أولا إلى إبعاد دمشق
خطوة عن إيران على أمل إخراجها بالكامل عن فلكها أو كسر تحالفهما، لكن هل
تقابل الخطوتان بتراجع سوريا خطوتين إلى الوراء في علاقتها بطهران؟
وفي الوقت الذي قرر أوباما إعادة السفير، وقبل أيام من وصول موفد الملك
السعودي إلى دمشق، كان الرئيس السوري أول من هنأ نظيره الإيراني بعودته
إلى السلطة في انتخابات شغلت بنتائجها العالم والمحيط.
فـ"التاجر الشاطر" هو الذي يعرف كيف ينوع مصادر بضاعته والمشترين، لا بل
هو الذي لا يظهر بضاعته قبل أن يقبض الثمن. فسوريا انتقلت أخيرا في
سياستها الخارجية من الاعتماد المطلق على الحليف الإيراني الوثيق إلى
تنويع الحلفاء المقربين. ففي سنوات قليلة جعلت علاقتها بتركيا توازي
علاقتها بإيران من حيث الأهمية كما جعلت الأولى قناة للانفتاح على أميركا
فيما تركت الثانية سندا لها لمواجهة أميركا نفسها في زمن الشدة.
وتحولت في آن جسرا للدولتين الإقليميتين الكبيرتين إلى قلب المنطقة
العربية، وإلى كابح لتمددهما في هذه المنطقة لا بقوتها الذاتية إنما
بإقامة التوازن بينهما. وعمدت أيضا إلى تطبيع علاقتها مع السعودية ومصر
مسوقة حلفها مع إيران وتركيا كبضاعة غالية الثمن لا يمكن شراؤها إلا من
دمشق، فهي وإن تلاقت مع طهران في لبنان وفلسطين، فإنه يمكنها أن تكون خصما
لها في العراق بدفاعها عن هويته العربية ووحدة أراضيه.
ومع تثبيت نجاد رئيسا لإيران، سيكون في إمكان دمشق أن تظهر للعالم بمظهر
حليفته الأكثر اعتدالا منه والقادرة على محاورته، مما يؤهلها، ربما، لأن
تكون وسيطا بينه وبين الغرب، وبينه وبين حلفائها الجدد: العرب "المعتدلين".
وهكذا تكون سوريا "التاجر الشاطر" الذي يبيع سلعة واحدة لكثيرين ويقبض أثمانها سلفا من الجميع.
العرب اونلاين