قامت مدينة أرواد السورية القديمة الحديثة على جزيرة تحمل الاسم نفسه، وتتمتع بتاريخ عريق. وتقع الجزيرة أمام السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، قبالة البر السوري وعلى بعد 4150 متراً جنوب غرب مدينة طرطوس، وعلى بعد 2450 متر عن خط الساحل السوري.
وتتكون الجزيرة من توضعات طينية حديثة تعود للحقب الجيولوجي الرابع تغطي صخوراً رملية تعرف بحجر "الرملة"، وترسم هذه الصخور عند التقائها بالبحر شرفات وجروفاً ساحلية ويمتد لسانان صغيران على طرفي الجزيرة. وتحيط بالجزيرة مجموعة صغيرة من الجزر يسمين "بنات أرواد".
أما سكان الجزيرة فهم من حفدة الفينيقيين الذين اعتنقوا الإسلام، ويعتقد أنهم في الأصل من مدينة صيدا.
لقد تعرضت أرواد للغزو عدة مرات خلال تاريخها الطويل، ومع ذلك حافظ السكان على أصالتهم عشرات القرون. ولأبناء أرواد شهرة واسعة في العمل البحري وهم مفضلون لمهارتهم وصبرهم. وقد مرت الجزيرة بحالات مختلفة في تاريخها الطويل منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى اليوم، وأجلي سكانها عنها قرابة عام خلال الحرب العالمية الأولى وقصفها الألمان عام 1917، لتحولها إلى قاعدة فرنسية منذ أيلول 1915.
أما تسمية أرواد فنجد أنها باليونانية (أرادوس Arados) وبالفينيقية آراد وتعني الملجأ. وهناك عدة أماكن تحمل نفس التسمية أمام الساحل الفلسطيني وفي الخليج العربي وبالقرب من جزيرة كريت، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن مؤسسي هذه الأماكن كانوا من الفينيقيين وبالتالي تعزز معنى الاسم وهو "ملجأ الهاربين".
وقد كانت الجزيرة مسكونة منذ زمن بعيد، لكن استمرار السكن على هذه المساحة الضيقة لم يسمح بالعثور على دلائل هذا الماضي البعيد لأن أرضها صخرية ومن دون طبقات، كما أن أبنيتها مكتظة تعيق أية عملية تنقيب، وقد وجدت شواهد على الاستيطان الإنساني على اليابسة تعود إلى العصر الحجري الحديث (النيوليتيك) والمتوسط (الميزوليتيك).
لقد كانت أرواد مدينة مزدهرة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ثم وقعت تحت نفوذ صور، إلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد لتؤسس مستعمرات وتنشئ مدناً على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية وسميت هذه المستعمرات أيضاً بنات أرواد. وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابداً وقلاعاً كهيكل (بيتوخيخي)، و(سيجون)، وأسهموا في تأسيس مدينة طروادة. وأشهر بنات طروادة انترادوس (وهي طرطوس الحالية) وعمريت. وقد ورد ذكر أرواد في رسائل تل العمارنة وفي حوليات ملوك آشور والنقوش الفينيقية.
احتل سرجون الأول مؤسس الدولة الأكادية أرواد (خلال النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد). ثم اشتركت الجزيرة مع الحثيين في حربهم ضد المصريين في معركة قادش (القرن الثالث عشر قبل الميلاد). وعندما أغارت شعوب البحر على أوغاريت، كانت أرواد أوفر حظاً، إذ نجت من الغزو، وأصبحت من أبرز المدن على الساحل. إلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول ثم آشور ناصربال. غير أن الأرواديين استردوا معنوياتهم واتحدوا مع ملوك سورية الآراميين عام 854 ق.م ليحاربوا جيش شلمانصر الثالث الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات على أرواد. وفي عام 727 ق.م استعان شلمانصر الخامس بأسطول أرواد. وفي عام 650 ق.م أعلن ملك أرواد الخضوع لآشور بانيبال ملك آشور. وفي عام 604 دخلت في نفوذ نبوخذ نصّر الكلداني.
وفي عام 539 ق.م أصبحت أرواد جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة، وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إلى جانب الفرس في حربهم ضد الأثينيين في معركة سلاميس عام 480 ق.م. وعند غزو الاسكندر المقدوني البلاد عام 333 ق.م. قدمت أرواد الخضوع له لكنه لم يغزُ الجزيرة بل أعطاها استقلالاً ذاتياً، وأخذت أرواد تسك النقود باسم الاسكندر.
كان لأرواد شأن مهم في النزاع بين البطالمة والسلوقيين لهذا منحها أنطيوخوس الثاني استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها وتمتعت وقتها بامتيازات المدينة الحرة. واعتبر العام 259 ق.م نقطة بدء التأريخ لديها. وتدخل الأرواديون في نزاع السلوقيين بين بعضهم حيث وقفوا إلى جانب سلوقس الثاني، واضطر أنطيوخيوس الرابع إلى إخضاعهم بعد مقاومة، ثم تحالف معهم. وأعاد أنطيوخيوس السابع إلى أرواد حريتها ليكسب مساعدتها، وبصورة عامة كان لأرواد نفوذ عظيم على طول سواحل سورية.
وفي عام 64 ق.م احتل الرومان بقيادة القائد الروماني بومبيوس سورية، إلا أن أرواد حافظت على استقلالها النسبي، وأيدت القائد الروماني بومبيوس عند خلافه مع قيصر، واستخفت بعملاء أنطونيوس ورفضت دفع الجزية إلا أن المجاعة التي نتجت عن الحصار دفعتها إلى الاستسلام. واحتفظت أرواد في تلك الآونة بمؤسساتها الهيلنستية وكانت الوحيدة التي حافظت على حريتها. إلا أنها أخذت تخبو وتضعف، وبدأ نجم المدينة المقابلة انترادوس (طرطوس) بالتألق ليأخذ مكانها. ومن الجدير بالذكر أن القديس بولس وصل أرواد وهو في طريقه إلى روما وأعجب بتماثيلها وبشر سكانها بالدين المسيحي.
لم تدخل أرواد الفتح العربي مع سورية بل بقيت قاعدة بحرية بيزنطية إلى أن قرر معاوية بن أبي سفيان فتحها وتم له ذلك عام 45 هـ/ 676م. ولكن الجزيرة أعيد استخدامها كقاعدة بحرية لأساطيل الدول الإيطالية في حقبة الغزو الفرنجي واستقر فيها فرسان الهيكل فزادوا من تحصينها، وأصبحت الجزيرة المركز الرئيسي ليعقوب الطرطوسي للإغارة على الساحل بين وقت وآخر إلى أن حررها قائد الأسطول سيف الدين كهرداش الرزاق المنصوري في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 702 هـ/ 1302م ودمرت أسوارها في الصراع.
بعد ذلك تناوب على أرواد المماليك ثم أهملت. وأتى العثمانيون وحسنوا في قلعتها زمن السلطان سليمان القانوني، وشيد فيها حصنان صغيران، وتم نقل إليها السكان من قلعتي المرقب وصلاح الدين وخصصت لهم رواتب وحصلت بينهم مناوشات وبين قراصنة البحر وأسروا بعضاً منهم.
وفي الحرب العالمية الأولى نزلت فيها البحرية الفرنسية وأخضعتها لفرنسا عام 1915م حيث أصبحت تمهر فيها المعاملات بخاتم حكومة أرواد، قبل أن يتم ضمها إلى سورية بعد معاهدة سايكس-بيكو، وقد جعلت فرنسا قلعتها معتقلاً للأحرار والرجالات الوطنيين إبان فترة الاحتلال الفرنسي الذي انتهى عام 1946.
لقد كشفت التنقيبات في الجزيرة آثاراً معمارية ومادية وكتابات منقوشة بلغ عددها 22 نصاً حتى عام 1983. وأول من استطلع هذه الآثار أرنست رينان في أثناء رحلته إلى سورية (1860). وقد ساعدته بحارة كوبير وقدم له المقدم كيهنوك جميع المصادر بحوزته، وقدم شخص يدعى عبد الباقي ما لديه من حجارة مستطيلة مستخرجة من أساسات البيوت، واقتصرت دراسته على جدران السور والمنازل ومفارق الطرق، والمخطوطات، والأدوات الجنائزية، وقواعد التماثيل، والتأثيرات المصرية الظاهرة على القطع التي تم جمعها، وبعض الألواح الخشبية التي تظهر امتزاج العناصر المصرية والآشورية والفارسية وانطباعها بالحس اليوناني، حيث تدل على أن الفن الإغريقي تطور في أرواد تطوراً يفوق أي مكان آخر على الساحل السوري. وقامت الباحثة أونور فروست بأعمال دراسة أثرية تحت الماء نشرت نتائجها في بحث عن صخور أرواد البحرية ومراسيها القديمة الأثرية.
وقام الآثاريون السوريون باستطلاعات مهمة في أرواد وتم استخراج قطعة حجرية عليها كتابة يونانية من العصر الروماني مؤلفة من أحد عشر سطراً نقلت إلى الفرنسية ثم ترجمت إلى العربية، كما تم كشف حجر أسود بازلتي (1983) بجانبه حجر رخامي نقش عليه خمسة سطور يونانية ويعود إلى أيام الإمبراطور تيبريوس.