قدمت
سورية للبشرية إنجازات، فعلى أرضها ولدت وتفاعلت أعظم المدنيات، وأبدع
إنسانها إنجازات لا يزال العالم ينعم برخائها حتى اليوم. إذ منحت سورية
الحضارة عددا من الهدايا، أولها كان إنطلاق الثورة الزراعية الأولى في
العالم وذلك من مواقع الفرات الأوسط وخاصة موقع المريبط الواقع على الضفة
اليمنى لنهر الفرات في محافظة ريف حلب.
وأكد عالم الآثار الفرنسي جاك كوفان أثناء
تحليله للحبوب المتفحمة التي عثر عليها في الموقع أن أجمل الهدايا
الحضارية التي قدمتها سورية للبشرية هي أن مجتمع هذه القرية قد دجن الحبوب
البرية واستطاع أن يزرع حبوب القمح المدجنة ومن هنا يشكل هذا الاكتشاف
ثورة معرفية في التاريخ. وبينت البحوث الأثرية أن سكان المريبط باشروا
ببذر البذور منذ عام 7700 قبل الميلاد.
الهدية الثانية هي اكتشاف قرية اسمها الجرف الأحمر على الضفة اليمنى لنهر الفرات أيضا يعود عمرها إلى الألف العاشرة قبل الميلاد.
ويقول الدكتور بسام جاموس، المدير العام
للآثار والمتاحف، إن المنازل في هذه القرية لها أشكال مميزة، منها دائرية
ومنها اهليلجية ومنها مربعة، ولكن الذي أثار اهتمام العلماء أن هناك نقوشا
حجرية نقشها مجتمع هذه القرية التي تؤكد على وجود رموز وإشارات هندسية
تجريدية تؤكد لغة التفاهم منذ الألف العاشرة قبل الميلاد ما شكل ثورة
معرفية في التاريخ قد تسبق الهيروغليفية المصرية بخمسة آلاف عام خلت.
وتتضمن هذه الإشارات رموزا هندسية وخطوطا
متعرجة تشير إلى المياه ورموزا للانسان وأخرى لمجموعة من الطيور لكن ما
أثار الاهتمام وجود لوحة بقياس 4 ضرب 4 سم عبارة عن لوحة لطائر النسر
ناشرا جناحيه وهو شعار الجمهورية العربية السورية وهذا الاكتشاف غيّر
المسلمة التاريخية وأكد أن هذا الشعار انطلق من سورية منذ 10 آلاف عام قبل
الميلاد.
والهدية الثالثة هي ممارسة مجتمع المريبط
وجعدة المغارة وحالولا والعبر العائدة للألف العاشرة وحتى السابعة قبل
الميلاد الرسم بالألوان والزخرفة على أرضيات وجدران المساكن وهي أول مدرسة
فنية مبرمجة أعطت مضامين اجتماعية وشعائرية وخاصة ما عثر عليه في موقع
جعدة المغارة في ريف حلب من لوحات الفسيفساء والموزاييك التي تعود إلى
الألف التاسعة قبل الميلاد حيث استخدم الفنان في تلك اللوحات الألوان
الأحمر والأبيض والأسود إضافة إلى العثور على لوحة الرقص النسائي فوق
أرضية السكن في موقع حالولا وتعود إلى الألف السابعة قبل الميلاد.
وأهمية الاكتشاف تعود إلى أنه يظهر تطور
الفكر الشعائري الطقسي في مجتمعات الألف السابعة قبل الميلاد ويمثله ما
عثر عليه في موقع تل أسود في غوطة دمشق الذي قدم معطيات مهمة جدا حول أصول
تحنيط الجماجم حيث عثر على مجموعة من الجماجم تعود للقرن السابع قبل
الميلاد وهي جماجم مقولبة ومجصصة من أسفل اليمين إلى ما وراء الرأس إضافة
إلى تلوين الجبهة ما يدل على ممارسة الطقوس الشعائرية الاجتماعية وهو
نموذج فريد في المواقع الأثرية في العالم وهو ما قدمه التل الذي اثبتت
التحاليل المخبرية إن الانسان مارس زراعة القمح والشعير والكتابة وتدجين
بعض الحيوانات في تلك المنطقة.