سامي مبيض - بوست غلوبال
كنت دوماً مأخوذاً بمدى الانفتاح الذهني والتطور الذي كان يتمتع به القادة
السوريون في بدايات القرن العشرين، عندما كانت الدعارة في الحقيقة مسموحة
بشكل قانوني.
وكان معظم هؤلاء القادة من الرجال الأتقياء والورعين
وممن تعلموا الدين الاسلامي الصحيح في العهد العثماني في سوريا، وممن
يصلون ويصومون ويصونون أركان الاسلام.
وعلى الرغم من ذلك كانون يدركون الحاجة الى ترخيص هذه المهنة التي ستنتشر في سوريا سواء وافقوا عليها أم لم يوافقوا.
وبدلاً من أن تنتشر بشكل سري ووراء الأبواب المغلقة، ارتأوا أنها يمكن أن تكون مسموحة تحت رقابة الدولة.
كانت
الدعارة مسموحة قانونياً ومعترف بها كحرفة في ضل الدولة العثمانية ، فقد
كان هناك خوف في دمشق من أن يغتصب يعتدي أحد الجنود الجوالين في الشوارع
على النساء السوريات الشابات.
لذلك تم تأسيس مراكز للدعارة في دمشق، لتكون شكلاً من أشكال الحفاظ على الأمن العام.
وكان
هذا النظام سائداً عندما انهارت الدولة العثمانية عام 1918. ومن ثمّ جاءت
الحرب العالمية الأولى حاملة معها ما حملت من دمار وفقر للسوريين مما اضطر
النساء السوريات إلى امتهان الدعارة لكسب العيش.
واعتبرت الفترة بين عامي 1914- 1918 أسوأ فترة مرت خلال المائة عام الماضية في تاريخ سوريا.
وعندما قدم الفرنسيون الى سوريا سمحوا بالدعارة بشكل قانوني في المدن الكبرى في سوريا.
وكانت مراكز الدعارة مسجلة في السجلات الحكومية، وتتم حراستها من قبل رجال مسلحين تابعين لجيش الاحتلال الفرنسي، ومعظمهم من السنغال.
وكانت
أي امرأة تمسك متلبسة بعلاقة جنسية غير قانونية أكثر من ثلاثة مرات تعتقل
وترسل إلى مراكز الدعارة ، وهناك تصبح موظفة رسمية ، وعليها أن تدفع ضرائب
للحكومة المركزية وتخضع لفحوصات مرتين في الأسبوع في وزارة الصحة.
في بداية عام 1922 كان هناك 271 مومس مسجلة رسمياً في سوريا.
والسوريون
يعرفون أن ارتياد هذه الأماكن أمر خاطئ أخلاقياً واجتماعياً ، وخلال سنوات
الانتداب الفرنسي الأولى، كان الزبائن المعتادون على ارتياد تلك المراكز
غالباً من الأجانب ورجال الفرنسيين.
وفي عقد الثلاثينات من القرن
العشرين أصبح هذا الأمر مألوفاً بالنسبة للرجال السوريين أيضاً. وفي عام
1953 ظهرت أول حركة جدية لمكافحة هذه النزعة على يد الرئيس أديب
الشيشيكلي، الذي أصدر قوانين صارمة لمنع الدعارة من التفشي في سوريا.
في
عام 1957 تقدمت مجموعة من رجال الدين بطلب الى الرئيس شكري القوتلي ورئيس
مجلس الشعب ناظم القدسي يطالبون فيه بإغلاق الملاهي والنوادي الليلية،
وأماكن الدعارة الغير قانونية.
وكان كلا القائدين متدينين ولكن
الرئيس السوري رد قائلاً "لو حولت لك الأرض إلى بقعة من السماء، فماذا
نترك لقدرة الله؟" إن عمل الحكومة لا يقتضي التدخل في حياة المواطنين
اليومية وإنما الحفاظ على مراقبتهم طوال الوقت.
وأضاف إن عمل
الحكومة هو جمع الضرائب، واستخدامها في توفير الأمن وتحسين معيشة
السوريين. ان معاقبة المخلين بالأخلاق ومكافأة الأتقياء هي مهمة الله في
الجنة.
وبالنتيجة استمرت تلك النزعة بالنمو في سوريا بينما تم
الغاؤها مع عدة أشياء غيرها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 في ظل
الجمهورية العربية المتحدة.
وكان القانون رقم 10 هو القانون الذي
ألغى مهنة الدعارة ، ومنذ ذلك الوقت وبدلاً من أن تندثر هذه المهنة أخذت
بالنمو في السوق السوداء في سوريا وأخذت تشوه عقلية الشباب السوري ،
وتحرمه من تفريغ طاقاته بشكل صحيح ،وعلاوة على ذلك، خلقت لديه توتراً
استهلاكياً لا داعي له ومؤذياً لنفسيته.
إن هذا المقال، ليس أبداً
دعوة للاختلاط أو لحل الأعراف الجنسية، وإنما هو محاولة للاعتراف بوجود
المشكلة التي خلقتها وحافظت عليها صلابة العادات والمعايير الأخلاقية
الموجودة، ومن أجل إيجاد حل منطقي وإنساني لها.
قد يكون الإسلاميون
والمفرطون في احتشامهم الأخلاقي ضد ما كتبته في هذا المقال، ولكنهم في
موقفهم هذا يشبهون من يحاول حل المشكلة سراً دون عرضها بشكل حضاري بنية
حلها والنظر فيها من منظور إنساني. ان تحليل الدعارة لن يقلل منها
بالتأكيد ولكنه سيضعها تحت السيطرة.
كنت دوماً مأخوذاً بمدى الانفتاح الذهني والتطور الذي كان يتمتع به القادة
السوريون في بدايات القرن العشرين، عندما كانت الدعارة في الحقيقة مسموحة
بشكل قانوني.
وكان معظم هؤلاء القادة من الرجال الأتقياء والورعين
وممن تعلموا الدين الاسلامي الصحيح في العهد العثماني في سوريا، وممن
يصلون ويصومون ويصونون أركان الاسلام.
وعلى الرغم من ذلك كانون يدركون الحاجة الى ترخيص هذه المهنة التي ستنتشر في سوريا سواء وافقوا عليها أم لم يوافقوا.
وبدلاً من أن تنتشر بشكل سري ووراء الأبواب المغلقة، ارتأوا أنها يمكن أن تكون مسموحة تحت رقابة الدولة.
كانت
الدعارة مسموحة قانونياً ومعترف بها كحرفة في ضل الدولة العثمانية ، فقد
كان هناك خوف في دمشق من أن يغتصب يعتدي أحد الجنود الجوالين في الشوارع
على النساء السوريات الشابات.
لذلك تم تأسيس مراكز للدعارة في دمشق، لتكون شكلاً من أشكال الحفاظ على الأمن العام.
وكان
هذا النظام سائداً عندما انهارت الدولة العثمانية عام 1918. ومن ثمّ جاءت
الحرب العالمية الأولى حاملة معها ما حملت من دمار وفقر للسوريين مما اضطر
النساء السوريات إلى امتهان الدعارة لكسب العيش.
واعتبرت الفترة بين عامي 1914- 1918 أسوأ فترة مرت خلال المائة عام الماضية في تاريخ سوريا.
وعندما قدم الفرنسيون الى سوريا سمحوا بالدعارة بشكل قانوني في المدن الكبرى في سوريا.
وكانت مراكز الدعارة مسجلة في السجلات الحكومية، وتتم حراستها من قبل رجال مسلحين تابعين لجيش الاحتلال الفرنسي، ومعظمهم من السنغال.
وكانت
أي امرأة تمسك متلبسة بعلاقة جنسية غير قانونية أكثر من ثلاثة مرات تعتقل
وترسل إلى مراكز الدعارة ، وهناك تصبح موظفة رسمية ، وعليها أن تدفع ضرائب
للحكومة المركزية وتخضع لفحوصات مرتين في الأسبوع في وزارة الصحة.
في بداية عام 1922 كان هناك 271 مومس مسجلة رسمياً في سوريا.
والسوريون
يعرفون أن ارتياد هذه الأماكن أمر خاطئ أخلاقياً واجتماعياً ، وخلال سنوات
الانتداب الفرنسي الأولى، كان الزبائن المعتادون على ارتياد تلك المراكز
غالباً من الأجانب ورجال الفرنسيين.
وفي عقد الثلاثينات من القرن
العشرين أصبح هذا الأمر مألوفاً بالنسبة للرجال السوريين أيضاً. وفي عام
1953 ظهرت أول حركة جدية لمكافحة هذه النزعة على يد الرئيس أديب
الشيشيكلي، الذي أصدر قوانين صارمة لمنع الدعارة من التفشي في سوريا.
في
عام 1957 تقدمت مجموعة من رجال الدين بطلب الى الرئيس شكري القوتلي ورئيس
مجلس الشعب ناظم القدسي يطالبون فيه بإغلاق الملاهي والنوادي الليلية،
وأماكن الدعارة الغير قانونية.
وكان كلا القائدين متدينين ولكن
الرئيس السوري رد قائلاً "لو حولت لك الأرض إلى بقعة من السماء، فماذا
نترك لقدرة الله؟" إن عمل الحكومة لا يقتضي التدخل في حياة المواطنين
اليومية وإنما الحفاظ على مراقبتهم طوال الوقت.
وأضاف إن عمل
الحكومة هو جمع الضرائب، واستخدامها في توفير الأمن وتحسين معيشة
السوريين. ان معاقبة المخلين بالأخلاق ومكافأة الأتقياء هي مهمة الله في
الجنة.
وبالنتيجة استمرت تلك النزعة بالنمو في سوريا بينما تم
الغاؤها مع عدة أشياء غيرها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 في ظل
الجمهورية العربية المتحدة.
وكان القانون رقم 10 هو القانون الذي
ألغى مهنة الدعارة ، ومنذ ذلك الوقت وبدلاً من أن تندثر هذه المهنة أخذت
بالنمو في السوق السوداء في سوريا وأخذت تشوه عقلية الشباب السوري ،
وتحرمه من تفريغ طاقاته بشكل صحيح ،وعلاوة على ذلك، خلقت لديه توتراً
استهلاكياً لا داعي له ومؤذياً لنفسيته.
إن هذا المقال، ليس أبداً
دعوة للاختلاط أو لحل الأعراف الجنسية، وإنما هو محاولة للاعتراف بوجود
المشكلة التي خلقتها وحافظت عليها صلابة العادات والمعايير الأخلاقية
الموجودة، ومن أجل إيجاد حل منطقي وإنساني لها.
قد يكون الإسلاميون
والمفرطون في احتشامهم الأخلاقي ضد ما كتبته في هذا المقال، ولكنهم في
موقفهم هذا يشبهون من يحاول حل المشكلة سراً دون عرضها بشكل حضاري بنية
حلها والنظر فيها من منظور إنساني. ان تحليل الدعارة لن يقلل منها
بالتأكيد ولكنه سيضعها تحت السيطرة.