رغم كل ما قيل عنها وما تم الإشارة إليه من أنها تشكل عبئاً على المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود، كما أنها ستؤدي إلى رفع المستوى العام للأسعار وسيتطلب الأمر بعضاً من الوقت حتى تعود هذه الأسعار لتستقر، إلا أن السعي يتجه نحو تطبيق ضريبة القيمة المضافة من خلال ما نلمس من مساعي وجهود وزارة المالية، التي تقول إن نقص الموارد هو أحد الأسباب في فرض هذه الضريبة بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية وكذلك انخفاض إيرادات النفط، على حين هناك من لا يرى ضرورة لتطبيقها أصلاً أو ألا يتم الحديث عنها قبل أن تتوافر المستلزمات الضرورية لتطبيقها.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية فقد كان من المفروض أن يكون هذا العام هو عام ضريبة القيمة المضافة حيث تم تحديد ذلك مسبقاً، إلا أنه- وعلى ما يبدو- فإن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن فتم تأجيل الموعد إلى مطلع العام القادم 2009، ومن جديد يؤجل الموعد إلى العام ما بعد القادم أي 2010 ليعتبر توقيتاً جديداً لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، بحسب ما صرح به معاون وزير المالية مؤخراً بأن التطبيق لن يكون قبل 2010 حتى يتم استكمال الشروط والمستلزمات الضرورية لتطبيقها، ومنها نظام الفوترة وحوسبة الفعاليات الاقتصادية المختلفة وكذلك استكمال منح الرقم الضريبي لجميع المكلفين وتصنيف المكلفين وتأهيل الكوادر البشرية التي ستعمل في تحصيل الضريبة وتطبيقها.
ضريبة غير مباشرة
الدكتور إبراهيم العدي أستاذ المحاسبة المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ومدير المعهد التقاني لإدارة الأعمال والتسويق في دمشق تناول بداية تعريف ضريبة القيمة المضافة بأنها ضريبة غير مباشرة تفرض على الزيادة في قيمة السلع والخدمات أي على الفرق بين ثمن بيع المادة وتكلفة شراء المستلزمات الوسيطة من الإنتاج إلى البيع للمستهلك، أو هي ضريبة على كل ما يضاف من القيمة إلى السلعة في كل مرحلة، ويقول د. العدي إن هذه الضريبة تطبق في أكثر من 150 دولة في العالم منها ثماني دول عربية.
على ثلاث مراحل
فهي إذا ضريبة على السلع والخدمات وتفرض على ثلاث مراحل هي (الإنتاج- تجارة الجملة- تجارة التجزئة) وتساوي مجمل الاقتطاعات الضريبية في المراحل الثلاث الضريبة الواجب دفعها والتي يتحملها المستهلك النهائي وتمتاز بخاصية الخصم الضريبي.
مثال توضيحي
وفي مثال حي يوضح الدكتور العدي آلية تحصيل الضريبة فيقول: لدينا سلعة معينة تمر بثلاث مراحل وفي قيمتها في هذه المراحل تكون: المنتج (500ليرة)، تاجر جملة (750 ليرة)، المستهلك (1000 ليرة)، ومعدل الضريبة على القيمة المضافة 10%، فتكون الضريبة:
في المرحلة الأولى: 500×10%= 50 ليرة يدفعها المنتج ثم يعكسها على تاجر الجملة بموجب فاتورة الشراء: فتصبح 500+50= 550 ليرة.
في المرحلة الثانية: 750×10%= 75 ليرة يقوم تاجر الجملة بخصم 50 ليرة منها ويدفع 25 ليرة ويضيف الضريبة على فاتورة مبيعاته فتكون 750+75=825 ليرة.
في المرحلة الثالثة: 1000×10%= 100 ليرة يقوم تاجر الجملة بخصم 75 ليرة والتي سبق ودفعها لتاجر الجملة ويقبض من المستهلك الأخير 100 ليرة ويسدد للدوائر المالية مبلغ 25 ليرة.
ومن ثم كانت حصيلة الضريبة على القيمة المضافة هي (50 ليرة يدفعها المنتج+ 25 ليرة يدفعها تاجر الجملة+25 ليرة يدفعها تاجر التجزئة= 100ليرة قيمة الضريبة المفروضة على القيمة المضافة التي تحملها المستهلك النهائي للسلعة).
أسباب انتشارها في العالم
وحول أهم الجوانب الأساسية التي تنطوي عليها ضريبة القيمة المضافة والتي جعلتها تنتشر في أغلب دول العالم يقول الدكتور العدي إن هذه الضريبة هي ضريبة استهلاك السلع والخدمات وهي تفرض في ثلاث مراحل أساسية هي الإنتاج وتجارة الجملة وتجارة التجزئة، كما أوضحنا سالفاً، كما أنها ضريبة غير تراكمية وتدفع مجزأة عند كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية، وكذلك فهي ضريبة غير مباشرة، فمع أنها لا تجبى مباشرة من المستهلك إلا أن عبأها يتحمله المستهلك وحده، ويلعب البائع دور الجابي الذي يدفع الضريبة للدولة ثم يسترجعها من المستهلك ضمن سعر السلعة أو الخدمة المسلمة إليه.
إخضاع الاستيراد لها وإعفاء التصدير منها
وتعد هذه الضريبة حيادية ليس فيها ازدواجية وذلك لأن المبدأ الأساسي لها هو إعفاء عمليات التصدير منها وإخضاع عمليات الاستيراد لها، وانطلاقاً من ذلك نجد أنه من المستحيل أن تخضع سلعة مصدّرة إلى الخارج لضريبة داخل البلد المصدّر ولضريبة أخرى داخل البلد المستورد وذلك نتيجة لإعفاء عمليات التصدير من هذه الضريبة، كما أن هذه الضريبة تعتبر شاملة وقد تفرض بنسبة ثابتة أو بنسب متعددة، وهي تؤمن إيراداً ضريبياً وفيراً ومنتظماً إذ إنها تؤدى عدة مرات في السنة (حسب مبدأ فصلية تأدية الضريبة على القيمة المضافة).
حافز للاستثمار
كما أنها تشكل حافزاً مهماً للاستثمار نتيجة حسم الضريبة بحيث إنها تفرض على الإنفاق الاستهلاكي وليس الاستثماري، ولآلية الحسم أثران إيجابيان الأول عائد إلى عدم زيادة كلف الاستثمار بفضل إمكانية استرجاع المبالغ المدفوعة ضريبة، والثاني متعلق بزيادة سيولة المستثمر الناتجة من المحافظة على الأموال المحصّلة لحين تأديتها، كذلك يرى الدكتور العدي أن ضريبة القيمة المضافة تدفع جميع المكلفين بها لإجراء حسابات دقيقة وتقاسم قيمة الضريبة حسب القيمة التي أضافها كل طرف اعتباراً من الإنتاج فالتوزيع فالاستهلاك.
غياب الوعي الضريبي
وفي سورية يرى الدكتور العدي أن هناك عدة عقبات تقف حائلاً دون تطبيقها في المرحلة الحالية منها انخفاض الوعي الضريبي سواء من قبل الدوائر المالية أو من قبل المكلفين وذلك لأن تطبيق هذه الضريبة يحتاج إلى وعي ضريبي من قبل المكلفين ومن قبل الدوائر المالية الأمر الذي يسهل بإجراءات فرضها وتحصيلها وهذا الأمر غير متوافر بالشكل المطلوب لدينا في الوقت الراهن على الأقل.
تتسبب بحدوث تضخم وركود
من جهة ثانية فإن فرض ضريبة القيمة المضافة قد يؤدي في بعض الحالات إلى ارتفاع الأسعار وشدة التضخم النقدي وركود السوق التجاري ما ينعكس سلباً على ذوي الدخل المحدود بشكل خاص وعلى الاقتصاد بشكل عام.
غياب نظام محاسبي خاص
كما أن تطبيقها يتطلب ضرورة وجود نظام محاسبي خاص حيث إن هذه الضريبة تتطلب نظاماً كهذا مترافقاً بها وقابلاً للتطبيق على جميع المكلفين بأداء الضريبة حيث يتم وضع النظام المحاسبي موضع التنفيذ ويتبنى حماية نظام المراقبة الداخلية ويشرف على استخراج نتائج النشاط.
لابد من قانون تجاري متطور
وحالياً من أهم معوقات تطبيق هذه الضريبة هو عدم وجود قانون تجاري متطور يمكن الاعتماد عليه في تنظيم التجارة الداخلية والخارجية في ظل تلاشي وزارة التموين واضمحلال دور وزارة الاقتصاد والتجارة في التدخل في السوق الداخلية وعدم القدرة على فرض نظام الفوترة في العلاقات التجارية بسبب الضغوط المتزايدة من كبار التجار والصناعيين بعدم استخدام الفاتورة.
تكشف خبايا السوق
فمن الواضح اليوم أن نشر ثقافة التداول بالفواتير أثناء عمليات البيع والشراء سواء بين الصناعيين والتجار أو في حلقات التجارة من أكبرها إلى أصغرها ولاسيما أن المطالبة بالفاتورة تبدو الآن أصعب بكثير من المطالبة بتداول الممنوعات أو المهربات، هذا أن دل على شيء، فإنما يدل على مدى المخالفات والتجاوزات التي يقوم بها التاجر ومدى الخوف من كشف أسرار وخبايا السوق السورية الذي يعيش في تخلفه منذ عقود عديدة وازداد تخلفه مقارنة بالدول العربية المجاورة.
عدم التوقيع مع الأوروبيين سيؤخرها
كذلك فإن عدم توقيع اتفاقية الشراكة مع الأوروبيين سوف يؤدي إلى التأخير في تطبيق ضريبة القيمة المضافة ويضيف د. العدي أعتقد أنه لو وقعت الاتفاقية لكان أصحاب القرار قد أسرعوا في تطبيق ضريبة القيمة المضافة لأن تطبيقها من متطلبات الشراكة ولأن هذه الضريبة سوف تحل محل الرسوم الجمركية.
انفتاح خجول
كذلك فإن الضريبة على القيمة المضافة تلعب دوراً أساسياً في تسهيل الانفتاح الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية للسلع المنتجة محلياً سواء في الأسواق المحلية أو الخارجية فهي تعامل المنتج المحلي كالمنتج الأجنبي من حيث إخضاعهما معاً إلى الأعباء الضريبية وهذا غير متوفر في ظل الانفتاح الاقتصادي المقيد أو الخجول.
تخلف النظام الضريبي رغم حداثته
إن فرض هذه الضريبة يتطلب الانتقال من الضرائب المباشرة إلى الضرائب غير المباشرة وما جرى في سورية في السنوات الأخيرة لا يعد إصلاحاً ضريبياً بل هو عملية تجسيد وتأكيد وإعادة استنساخ لنظام الضرائب النوعية الصادر بالمرسوم رقم 85 لعام 1949 ولا يزال بجوهره سارياً حتى الآن.
العمل بالتدريج
ويرى الدكتور العدي أن شروط نجاح تطبيق هذه الضريبة تكمن في العمل التدريجي لتجاوز العقبات المذكورة بحيث يتوافر المناخ الملائم لتطبيقها، ذلك أن عدم وجود إدارة ضريبية قادرة على ضبط ومراقبة مراحل التوريد والإنتاج والتوزيع والاستهلاك كلها وبشكل دقيق، ولأن الخلل في أي مرحلة يؤثر على المراحل التالية، ولاسيما أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة يحتاج إلى وجود استعلام ضريبي قوي، لذلك فإن معظم الدول النامية التي طبقت هذه الضريبة كان تطبيقها لها بشكل جزئي أي إنها اكتفت بفرض الضريبة على مرحلتين أو ثلاث من مراحل تطبيق الضريبة، كما أنها قد أوجدت العديد من الإصلاحات الاقتصادية قبل اعتمادها لهذه الضريبة.
ووجد الدكتور العدي أن الانتظار من عام لآخر لخلق الظروف الموضوعية اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة لن يحل المشكلة، وقال علينا أن نبدأ بتطبيقها وثم العمل التدريجي على تجاوز العقبات المذكورة علماً أن صدور قانون حماية المستهلك يعتبر نقطة هامة ومساعدة فيما لو طبق.
كيف نشرع ما لا يمكن تنفيذه؟
من جانبه اعتبر الدكتور مطانيوس حبيب رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الهندسية أنه من الخطأ التصور بإمكانية تطبيق ضريبة القيمة المضافة قبل اتخاذ الإجراءات الضرورية وهي كثيرة جداً ويجب أن تكون سابقة لها، وقال إذا كنا حتى الآن غير قادرين على تطبيق نظام الفوترة في سورية وليس لدينا الآلات التي توضع في كل منفذ بيع للمستهلك، كذلك حتى الآن لسنا قادرين على تحديد حجم وكميات البضائع الداخلة والخارجة من القطر عبر منافذ الجمارك، فكيف سنطبق هذه الضريبة، من هنا لا يجوز أن نصدر تشريعاً قبل أن نتأكد من إمكانية تنفيذه، ويضيف د. مطانيوس إن الأمر ليس بهذه البساطة وأنا متأكد بأنه سيتم تأجيل موعد تطبيقها إلى سنة، وسنتين، وثلاث إلى أن تتخذ الإجراءات الضرورية التي تمكننا من تطبيقها.
استبدالها بضريبة المبيعات
واقترح د. حبيب أن يتم تطبيق ضريبة المبيعات لأنه من السهولة ضبطها من خلال لصاقات مسبقة الدفع تسدد قيمتها للمالية وتوضع على كل سلعة مجهزة للبيع، وتقوم الجهات المختصة بمراقبة هذا الأمر وضبط التعامل باللصاقات بحيث تفرض مخالفات مجزية على كل من يضبط مخالفاً لها ولا يتعامل بها، بحيث تكون العقوبات رادعة وليس فقط دفع ثمن اللصاقة وإنما التغريم للمخالف بخمسين ضعفاً من ثمن المخالفة حتى يعرف المخالف أنه إذا ضبط ولو لمرة واحدة فإن هذا سيكون كافياً ليعوض كل ما تهرب به على مدى سنوات.
تطبيق عقوبات التهرب
وطالب د. حبيب بضرورة العمل بقانون الاستعلام الضريبي وتطبيق كل مواده الواردة فيه بما فيها المواد التي نصت على العقوبات الواجب اتخاذها بحق المتهربين من الضرائب ذلك أن عقوبة السجن قد تكون رادعة أكثر من فرض غرامات مالية عند البعض.
قد تخلق حالات فساد
ويعود د. حبيب للقول أنه في ظروف الوضع الحالي وانتشار الفساد لن نقدر على تطبيق ضريبة القيمة المضافة وهي ستواجه صعوبة كبيرة لأن لها مستلزمات ضرورية لتطبيقها، ذلك أن ضريبة القيمة المضافة هي أن نأخذ ضريبة المبيعات على كل مرحلة من مراحل البيع وهذا يمكن أن يخلق حالات فساد كبيرة جداً وتلاعب بالقيم.
فيجب توفير تلك الشروط أولاً قبل شرعنة الضريبة، ومتى فشلنا في تطبيقها مرة واحدة فسيصبح من المتعذر تطبيقها لاحقاً، لذلك لا بد من تطبيق نظام الفوترة أولاً وبكل حدة لأن هذا أمر لا نقاش فيه، وثانياً تعميم استخدام الآلات الالكترونية التي تقوم بإجراء الحسابات وتصدير الفاتورة النهائية بقيمة السلعة أو الخدمة أو البضائع المشتراة، الأمر الثالث هو تعديل القانون الضريبي.
تعليمات تداول الفواتير