من بين كل عمليات الجاسوسية بين إسرائيل ومصر تبقى قصتان هما الأكثر إثارة، والقصتان شاهدتان على فشل الموساد، فى مقابل نجاح مبهر للمخابرات المصرية، القصة الأولى تتعلق بالبطل المصرى رفعت الجمال، والذى اشتهر إعلامياً باسم رأفت الهجان، والقصة الثانية بطلها الياهو بن شاؤل كوهين، والذى اشتهر باسم كامل أمين ثابت، التشابه بين القصتين كبير، فالأول رفعت الجمال أو رأفت الهجان، تم زرعه بواسطة المخابرات المصرية فى إسرائيل لمدة تقترب من ربع قرن، دون الكشف عن حقيقته، والثانى كوهين أو كامل أمين ثابت، تم زرعه من الموساد فى سوريا من يناير عام 1962، ثم تم الكشف عنه فى 18 مايو 1965.
فى التشابه بين القصتين أيضا أن الهجان اكتسب ثقة المجتمع الإسرائيلى، وثقة قياداته، ومن بينهم موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، وكاد بنجوميته فى المجتمع الإسرائيلى أن يصل إلى عضوية الكنيست لو وافق على مطالب إسرائيلية بترشيحه، وفى دمشق حاز كامل أمين ثابت ثقة سياسيين سوريين، ومما يقال إنه انضم إلى حزب البعث الحاكم.
التشابه يأتى أيضاً فى أن الاثنين تم زرعهما، عبر عملية مخابراتية معقدة، تمثلت فى جوانب كثيرة، أبرزها أن الاثنين تم تغيير اسمهما وديانتهما، فالهجان أصبح يهودياً باسم ديفيد شارل سمحون، والثانى أصبح مسلماً باسم كامل أمين ثابت، وعبر هذا التغيير، أصبح كل منهما عمدة فى تشدده بالتمسك بقضايا المجتمع الجديد، الذى تم زرعه فيه، لكن الفرق بين القصتين يأتى فى أن الهجان استطاع أن يمضى فى مهمته بنجاح لمدة 25 عاماً دون الكشف عنه، الأمر الذى جعل عمليته مفخرة لجهاز المخابرات المصرية، وهزيمة منكرة للموساد الإسرائيلى، أما كامل ثابت فتم الكشف عنه بعد ثلاث سنوات فقط من مهمته.
وإذا كانت عملية الهجان اكتسبت شهرتها لدى كل الأجيال العربية بما فيها تلك التى لم تعاصر حدة الصراع العربى الإسرائيلى، بعد أن تم تحويلها إلى مسلسل تليفزيونى باسم «رأفت الهجان»، فإن قصة كامل أمين ثابت حاضرة أكثر فى ذهن الذين عاصروها فى ستينيات القرن الماضى، فماذا عنها؟
قبل الإجابة عن السؤال، أتوقف عند حوار أجريته منذ سنوات مع ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب، والديب هو من ضمن ثمانية أوكل اليهم جمال عبدالناصر تأسيس جهاز المخابرات برئاسة زكريا محيى الدين.
سألت الديب عن عملية «الهجان» وتصنيفها فى العمليات المخابراتية المصرية الناجحة والمؤثرة، فأجاب: عملية رأفت الهجان هى أقوى اختراق، فهو كان صاحب قدرات استثنائية فى إقناع إسرائيل بأنه واحد منهم، بل أكثر إحساساً منهم بأمن إسرائيل والتزامه العقائدى تجاه إسرائيل ككيان.
سألت الديب عن المقارنة بين عملية الهجان، وعملية كوهين «كامل أمين ثابت» فقال: كوهين دخل حزب البعث وفقط، ولم يقم بعمليات ذات قيمة، يعنى ليس له أهمية كبيرة، يعنى أنه لاتوجد مقارنة فى قيمته مع رأفت الهجان، ونحن كشفنا عملية كوهين فى حين استمر الهجان فى عمليته بنجاح، ولما سألته عن حقيقة دخول محمد نسيم إسرائيل لمقابلة الهجان، قال: دخل محمد نسيم إسرائيل ليس لمقابلة الهجان وفقط وإنما لتنفيذ عمليات، وكان الاعتماد فى ذلك على عناصر أصلية موجودة للمخابرات المصرية فى إسرائيل، بمعنى أن هذه العناصر كان يتم زرعها لتنفيذ عمليات معينة ثم تخرج.
وحول كوهين هناك أكثر من رواية حول سقوطه منها أن السفارة الهندية فى دمشق كانت قريبة من مسكنه، وأبلغت عن وجود تشوش ظهر فى التقاط أجهزة اللاسلكى الموجودة فى السفارة، فأبلغت السفارة عن ذلك وعند تتبع المصدر توصلوا إلى مسكن كوهين أو كامل ثابت.
أما الرواية الثانية وهى الأكثر شيوعا، كما أن فتحى الديب فى حوارى معه قال إن مصر هى التى كشفته، فكيف تم ذلك؟ الإجابة تأتى من عند رفعت الجمال (رأفت الهجان)، ويقول فيها: شاهدته مرة فى سهرة عائلية حضرها مسؤولون فى الموساد وعرفونى به أنه رجل أعمال إسرائيلى فى أمريكا، ويغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية، ولم يكن هناك أى مجال فى الشك فى الصديق اليهودى الغنى، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابة من أصل مغربى اسمها ليلى، وفى زيارة لمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودى الغنى مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت إنه إيلى كوهين زوج شقيقتى ناديا، يضيف الجمال أو الهجان: لم تغب المعلومة عن ذهنى كما أنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفى أكتوبر عام 1964 كنت فى رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية فى روما وفق تعليمات المخابرات، وفى الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف، ووقعت عيناى على صورة إيلى كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة.. الفريق أول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين فى سوريا والعضو القيادى لحزب البعث الاشتراكى كامل ثابت، وكان كامل هذا هو إيلى كوهين الذى سهرت معه فى إسرائيل، وتجمعت الخيوط فى عقلى فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبناينة من محل بيع الصحف بالفندق وفى المساء التقيت مع نديم قلب الأسد، محمد نسيم، وسألته، هل يسمح لى بالعمل خارج نطاق إسرائيل فنظر بعيون ثاقبة، ماذا: قلت خارج إسرائيل، قال: أوضح؟ قلت: كامل أمين ثابت أحد قيادات حزب البعث السورى هو إيلى كوهين الإسرائيلى مزروع فى سوريا، وأخشى أن يتولى هناك منصبا كبيرا، قال، ماهى أدلتك؟ قلت: هذه الصورة ولقائى معه فى تل أبيب ثم إن صديقة لى اعترفت أنه يعمل فى جيش الدفاع.
وعقب اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقاً وغرباً للتأكد من المعلومة، وفى مكتب مدير المخابرات وقتئذ صلاح نصر تجمعت الحقائق، وقابل نصر الرئيس جمال عبدالناصر ثم طار فى نفس الليلة بطائرة خاصة إلى دمشق حاملاً ملفاً ضخماً للرئيس السورى أمين حافظ، ليتم القبض على إيلى كوهين أو كامل ثابت وتم إعدامه شنقاً فى ميدان عام فى دمشق، ليحفظ سجل المخابرات خيبة جديدة للموساد الإسرائيلى
فى التشابه بين القصتين أيضا أن الهجان اكتسب ثقة المجتمع الإسرائيلى، وثقة قياداته، ومن بينهم موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، وكاد بنجوميته فى المجتمع الإسرائيلى أن يصل إلى عضوية الكنيست لو وافق على مطالب إسرائيلية بترشيحه، وفى دمشق حاز كامل أمين ثابت ثقة سياسيين سوريين، ومما يقال إنه انضم إلى حزب البعث الحاكم.
التشابه يأتى أيضاً فى أن الاثنين تم زرعهما، عبر عملية مخابراتية معقدة، تمثلت فى جوانب كثيرة، أبرزها أن الاثنين تم تغيير اسمهما وديانتهما، فالهجان أصبح يهودياً باسم ديفيد شارل سمحون، والثانى أصبح مسلماً باسم كامل أمين ثابت، وعبر هذا التغيير، أصبح كل منهما عمدة فى تشدده بالتمسك بقضايا المجتمع الجديد، الذى تم زرعه فيه، لكن الفرق بين القصتين يأتى فى أن الهجان استطاع أن يمضى فى مهمته بنجاح لمدة 25 عاماً دون الكشف عنه، الأمر الذى جعل عمليته مفخرة لجهاز المخابرات المصرية، وهزيمة منكرة للموساد الإسرائيلى، أما كامل ثابت فتم الكشف عنه بعد ثلاث سنوات فقط من مهمته.
وإذا كانت عملية الهجان اكتسبت شهرتها لدى كل الأجيال العربية بما فيها تلك التى لم تعاصر حدة الصراع العربى الإسرائيلى، بعد أن تم تحويلها إلى مسلسل تليفزيونى باسم «رأفت الهجان»، فإن قصة كامل أمين ثابت حاضرة أكثر فى ذهن الذين عاصروها فى ستينيات القرن الماضى، فماذا عنها؟
قبل الإجابة عن السؤال، أتوقف عند حوار أجريته منذ سنوات مع ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب، والديب هو من ضمن ثمانية أوكل اليهم جمال عبدالناصر تأسيس جهاز المخابرات برئاسة زكريا محيى الدين.
سألت الديب عن عملية «الهجان» وتصنيفها فى العمليات المخابراتية المصرية الناجحة والمؤثرة، فأجاب: عملية رأفت الهجان هى أقوى اختراق، فهو كان صاحب قدرات استثنائية فى إقناع إسرائيل بأنه واحد منهم، بل أكثر إحساساً منهم بأمن إسرائيل والتزامه العقائدى تجاه إسرائيل ككيان.
سألت الديب عن المقارنة بين عملية الهجان، وعملية كوهين «كامل أمين ثابت» فقال: كوهين دخل حزب البعث وفقط، ولم يقم بعمليات ذات قيمة، يعنى ليس له أهمية كبيرة، يعنى أنه لاتوجد مقارنة فى قيمته مع رأفت الهجان، ونحن كشفنا عملية كوهين فى حين استمر الهجان فى عمليته بنجاح، ولما سألته عن حقيقة دخول محمد نسيم إسرائيل لمقابلة الهجان، قال: دخل محمد نسيم إسرائيل ليس لمقابلة الهجان وفقط وإنما لتنفيذ عمليات، وكان الاعتماد فى ذلك على عناصر أصلية موجودة للمخابرات المصرية فى إسرائيل، بمعنى أن هذه العناصر كان يتم زرعها لتنفيذ عمليات معينة ثم تخرج.
وحول كوهين هناك أكثر من رواية حول سقوطه منها أن السفارة الهندية فى دمشق كانت قريبة من مسكنه، وأبلغت عن وجود تشوش ظهر فى التقاط أجهزة اللاسلكى الموجودة فى السفارة، فأبلغت السفارة عن ذلك وعند تتبع المصدر توصلوا إلى مسكن كوهين أو كامل ثابت.
أما الرواية الثانية وهى الأكثر شيوعا، كما أن فتحى الديب فى حوارى معه قال إن مصر هى التى كشفته، فكيف تم ذلك؟ الإجابة تأتى من عند رفعت الجمال (رأفت الهجان)، ويقول فيها: شاهدته مرة فى سهرة عائلية حضرها مسؤولون فى الموساد وعرفونى به أنه رجل أعمال إسرائيلى فى أمريكا، ويغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية، ولم يكن هناك أى مجال فى الشك فى الصديق اليهودى الغنى، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابة من أصل مغربى اسمها ليلى، وفى زيارة لمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودى الغنى مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت إنه إيلى كوهين زوج شقيقتى ناديا، يضيف الجمال أو الهجان: لم تغب المعلومة عن ذهنى كما أنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفى أكتوبر عام 1964 كنت فى رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية فى روما وفق تعليمات المخابرات، وفى الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف، ووقعت عيناى على صورة إيلى كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة.. الفريق أول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين فى سوريا والعضو القيادى لحزب البعث الاشتراكى كامل ثابت، وكان كامل هذا هو إيلى كوهين الذى سهرت معه فى إسرائيل، وتجمعت الخيوط فى عقلى فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبناينة من محل بيع الصحف بالفندق وفى المساء التقيت مع نديم قلب الأسد، محمد نسيم، وسألته، هل يسمح لى بالعمل خارج نطاق إسرائيل فنظر بعيون ثاقبة، ماذا: قلت خارج إسرائيل، قال: أوضح؟ قلت: كامل أمين ثابت أحد قيادات حزب البعث السورى هو إيلى كوهين الإسرائيلى مزروع فى سوريا، وأخشى أن يتولى هناك منصبا كبيرا، قال، ماهى أدلتك؟ قلت: هذه الصورة ولقائى معه فى تل أبيب ثم إن صديقة لى اعترفت أنه يعمل فى جيش الدفاع.
وعقب اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقاً وغرباً للتأكد من المعلومة، وفى مكتب مدير المخابرات وقتئذ صلاح نصر تجمعت الحقائق، وقابل نصر الرئيس جمال عبدالناصر ثم طار فى نفس الليلة بطائرة خاصة إلى دمشق حاملاً ملفاً ضخماً للرئيس السورى أمين حافظ، ليتم القبض على إيلى كوهين أو كامل ثابت وتم إعدامه شنقاً فى ميدان عام فى دمشق، ليحفظ سجل المخابرات خيبة جديدة للموساد الإسرائيلى